رواية تراث عشقي للكاتبة حنين محمد الفصل الثامن
جاء يوم الزفاف المنشود و و خرج كلا من صقر وليث و شاكتي من جناح كلا منهم بعد ان انتهوا من تجهيز أنفسهم ثم توجهوا الي المسجد الملحق بالقصر و خلعوا أحذيتهم و دلفوا ليصلوا، فكان هذا بمثابة أهم تقليد في مصر قبل الزواج، انتهوا ثم خرجوا فلم يجدوا احذيتهم نظروا حولهم بتعجب، فوجدوا أهيلا تقترب مع جنتي و أحلام شقيقة جويانا و هم يحملون احذيتهم، فسألها صقر بتعجب:
- بتاخذي الجزم ليه ! هاتيها هنتأخر يا أهيلا.
هزت أهيلا رأسها بالنفي قائله:
- متقدروش تاخدوها من غير ما تدفعوا غرامة !
نظر لها كلا من صقر و ليث بتعجب في حين أبتسم شاكتي قائلا:
- أه الغرامة، و الغرامة دي لواحدة فيكم ولا للتلاتة ؟!
أجابته جنتي بأبتسامتها الودودة:
- التلاتة
سأل ليث شاكتي بعدم فهم:
- غرامة أيه انا مش فاهم حاجة ؟!
أجابه شاكتي مفسراً تصرفهم:
- دي لعبة بيلعبوها البنات مع العريس و ياخدوا جذمته و مش بيرجعوها غير لما يدفع او يديلهم هدايا
تسرب الشك الي صقر فسأله:
- و انت عرفت منين ؟!
تفهم شاكتي ان صقر قد شك به، فبسرعة شديدة مظهراً اللامبالاة أجابه:
- تقليد طبيعي في دول اوروبا
نظر صقر الي أهيلا و أبتسم:
- و طبعا انتي اللي قولتلهم.
هزت رأسها بالايجاب في صمت و ابتسامتها لم تفارق شفتيها فسريعاً أخرج ليث بعض العملات الذهبية من ملابسه و اعطاها للفتيات قائلا:
- كده أنا براءة، هاتولي جذمتي
أبتسمن و نظرت أهيلا الي جنتي التي انحنت ووضعت حذاءه علي الارض أمامه ثم نظرت له فوجدت علامات الضيق قد أرتسمت علي ملامحه، فأعتدلت سريعاً، ثم نظرت الفتيات الي صقر الذي سألهم بأستمتاع بتلك اللعبة:
- يمشي معاكم مجوهرات ؟!
هزت أهيلا رأسها مع ضحكة بسيطة:
- موافقين.
خلع خاتمين من أصابعه و اعطاهم الي احلام و جنتي ثم نظر الي أهيلا و خلع عقد من الؤلؤ كان يرتديه فأخذته منه بدهشة قائله:
- بس ده غالي أوي !
أجابها ببساطة يتخللها بعض المشاكسة:
- مش أغلي من جويانا و انا مش عاوز أتأخر عليها و انتي رخمه مش هتناقش معاكي كتير
هزت رأسها له ثم نظرت الي أحلام التي أعطت له حذاءه فأرتداه ثم نظرن الي شاكتي الذي أبتسم لاهيلا قائلا:
- طب أنا مش عامل حسابي غير في هديتين بس أيه الحل.
- رفعت أهيلا كتفيها بحيرة، فأخرج هداياه الي الفتاتان ثم نظر الي أهيلا بحيرة شديدة فتحدثت:
- مش هتاخد الجذمة غير لما تديني هدية
أبتسم ثم نظر الي خنجر في ملابسه و سحبه و أعطاه لها قائلا:
- بما انك مبارزة و محاربة شاطرة، فأعتقد دي هدية كويسة ليكي.
اخذته منه بعيون تكاد تبكي، فهي تتذكر كم مرة قد تشاجرا سوياً بسبب هذا الخنجر الذي اعطاه اليه والده و كانت هي تريده، و الان يثق بها بشكل كافي ليعطيها أياه، حاولت السيطرة علي دموعها التي تهدد بالظهور، و أنحنت لتضع له الحذاء و لمست قدميه في سرعة ثم أعتدلت فنظر لها و أبتسم، فبمجرد لمسها لقدمه هذا بمثابة شكر كبير له عن هذه الهدية الرائعة، أتجهوا الثلاثة الي قاعة الزفاف سأله ليث صقر:
- أنت ليه ساكت لأهيلا !
أجابه صقر بأبتسامة:
- لأنها فعلا شخصية حلوه و شجاعة و ذكية و هقدر أستفيد منها بعدين و كمان دي صديقة مخلصة جدا
تحدث ليث بنبرة ظهرت بها السخرية:
- مظنش و بعدين دي جارية !
نظر له صقر بسخرية شديدة و تحدث:
- اوقات كتير الجواري بياخدوا مكانة كبيرة.
فهم ليث ما لمح اليه صقر فسار بجواره بصمت فاليوم هو عرس اخيه ولا ينوي أفتعال المشاكل علي أي حال، وصل الجميع الي قاعة الزفاف و أصر صقر أن تكون مراسم زواج رقية من شاكتي في البداية، و بالفعل تم ما أمر به و تمت جميع المراسم علي أكمل وجه و أصبحت رقية زوجة شاكتي الذي أقترب منها و قبل رأسها برومانسية شديدة، و حان دور صقر الذي وقف هو و جويانا و بدأت مراسم زواجهم و بعد أن أصبحت زوجته أقترب ليقبل رأسها فوضعت يدها علي صدره و اليد الاخري كانت قد امتدت الي فستانها و سرعان ما سٌمع صوت صراخ ووقعت أهيلا علي الارض بعد أن دفعت صقر بقوة، ليتمركز الخنجر المسموم الخاص بجويانا في كتفها .
لحظات صمت مرت علي الجميع، صقر في صدمة شديدة و كذلك جميع الحاضرين، و أهيلا علي الارض تبكي بوجع شديد، أما شاكتي فكاد أن يبكي علي حال تؤامه الان، و جويانا شعرت بالغضب لأفساد أهيلا لمخططاتها، احاط رجال صقر جويانا و رفعوا سيفهم عليها و كان الاسرع شاكتي الذي أقترب من أهيلا و أسند رأسها علي قدمه بهدوء و بدأ بتمرير يده علي وجنتها قائلا:
- أهيلا أهدي هساعدك أتطمني.
صرخت جويانا بقوة:
- لا مستحيل، مستحيل بعد كل اللي خططت ليه هي اللي تموت و انت لا
-صرخت من جديد بقوة و جلال يمسكها من رقبتها و يضع عليها سيفه:
- مش هسيبك يا صقر مش هموت قبل ما انت تموت
صرخ صقر بجلال:
- خدوها علي المعتقلات فوراً.
ذهبت جويانا بصعوبة مع الحراس و هي تصرخ و تتوعد صقر، في حين أقترب كلاً من صقر و ليث من شاكتي و أهيلا فتحدث شاكتي سريعاً:
- ثبتوها بسرعة و كويس.
ضغط كلاً من ليث و صقر علي كتفي أهيلا و يديها حتي أستطاع السيطرة علي تحركها الناتج عن وجعها فأمسك شاكتي بالخنجر و سحبه سريعاً الي الخارج فصرخت أهيلا من جديد و أصبحت صرخاتها و تأوهاتها تدمي القلب و دموعها لم تتوقف عن السقوط أبداً و بسرعة حملها صقر الي جناحه و أتبعه ليث و رقية في حين ذهب شاكتي سريعاً الي الطبيب و طلب منه بعض المواد التي يحتاجها ثم عاد الي جناح صقر من جديد و بدأ في عمل دواء لهذا السم ليقضي عليه تماماً قبل أن ينتشر في جسد اهيلا، فسأله ليث بتعجب:
- أنت بتعمل أيه ؟!
أجابه شاكتي سريعاً:
- الخنجر كان مسموم و السم مفعوله قوي و هيموتها بالبطئ لازم نلحقها و كمان كل مكان هيوصل ليه السم هتفضل تتوجع فيه فترة طويلة
سأله صقر:
- طب و انت بتعمل أيه ؟!
نظر له شاكتي و أجابه:
- بعمل مضاد للسم ده
تعجب ليث و سأله:
- و انت بتفهم في الكلام ده ؟!
هز شاكتي رأسه و اكمل ما يقوم به:
- أنا دارس الطب، هنحط الخلطة دي في الجرح و هتقضي علي السم تماماً.
هز صقر رأسه بتفهم وهو يجلس بجوار اهيلا و عقله منشغل بتلك الحالة التي وصلت اليها، و من أجله ؟! أصبحت غامضة من جديد بالنسبة اليه، يتمني لو يستطيع أن يفهمها و لكن هذا اصعب مما تخيل كثيراً، دلف جلال الي الجناح لينظر له صقر و تحدث بحدة:
- أعرفلي مين دول بالظبط و ليه عاوزين يقتلوني
تحدث جلال وهو يهز رأسه بالايجاب قائلا:
- أمر جلالتك بس.
نظر لها صقر بحدة من جديد قائلا:
- أي كلام يتأجل يا جلال، مش وقته روح نفذ اللي قولت عليه
هز جلال رأسه من جديد و تركهم و ذهب و مر بعض الوقت وسط بكاء أهيلا و محاولات صقر و ليث المستميتة لتهدأتها، فوقف شاكتي أخيراً و اتجه اليهم قائلا:
- أنا خلصت.
أقترب من أهيلا و جلس الي جوارها، فنظرت له بعينيها المنتفخاتان من كثر البكاء، فسحب الخنجر الذي أعطاها اياه فبكت من جديد بقوة قائله:
- لا، لا متعملش كده أرجوك، هموت
ربت شاكتي علي كتفها و تحدث صقر بلهفه:
- أهدي بس، في ايه يا شاكتي، انت هتعمل ايه !
أجابه بقلة حيلة حيرة قائلا:
- لازم احط المرهم ده جوه الجرح، و مش هينفع أحطه بأيدي لان كده الجرح ممكن يتلوث و في نفس الوقت كده هكبره اكتر، فمفيش حل غير أني احطه بالخنجر و حركة صغيرة غلط هتسبب ليها ألم كبير غير ألم المرهم علي الجرح.
كاد صقر ان يبكي بأشفاق علي تلك المسكينة التي تتحمل كل هذا من اجله، أجلسها علي الفراش و أحتضنها بقوة و ثبتها ثم نظر الي شاكتي ليبدأ في عمله، و اعاد نظراته الي أهيلا مرة أخري قائلا:
- اهدي و متتحركيش، وجع و هينتهي اوعدك، مش هتموتي ولا هيجرالك حاجة بس انتي أهدي و حاولي متتحركيش علي قد ما تقدري.
هزت رأسها بصعوبة لتعبر عن رفضها قائله من وسط دموعها:
- هموت مش هستحمل متخليهوش يعمل كده أرجوك.
نظر صقر الي ليث قائلا:
- ثبت رجليها، و انت يا شاكتي حط المرهم.
صرخت و بكت بقوة، و ثبتها كلا من صقر و ليث بقوة و بدأ شاكتي في مداواة جرحها، فتألمت بقوة و صرخت بكل ما بها من قوة، و أستمرت صرخاتها في العلو و بكاءها لا يتوقف، و صقر يحاول التحكم بجسدها حتي لا يتحرك أبداً و كذلك ليث و رقية تقف تنظر اليها بأشفاق، في البداية لم تتقبلها و لم تحبها، و لكن بالنظر الي هذا الألم الذي تتحمله من أجل صقر فقط، هي أشجع امرأة علي الاطلاق، دقائق و شعر صقر بسكون حركات اهيلا نظر الي وجهها و انخلع قلبه بقلق من أن يكون قد حدث لها شئ، عيناها مغلقتان بسكون شديد، نظر الي شاكتي قائلا:
- شاكتي اهيلا هديت و سكتت.
أنتفض الاخر بقلق ووضع يده علي رقبتها ثم أستكان مرة أخري قائلا:
- هي كويسة بس أغمي عليها من الوجع هحاول أخلص بسرعة و هتكون كويسة، أهيلا قوية و مش ده اللي هيموتها أبداً
لم ينتبه صقر الي حديثه عن تؤام روحه فكان القلق ينهش قلبه مثل مرض خبيث، أنتهي شاكتي ثم أراح ظهر أهيلا علي الفراش ووضع عليها الغطاء ثم وضع يده يتحسس جبيتها قائلا:
- درجة حرارتها واطية جدا، لازم تدفي و حد يفضل جنبها.
هز صقر رأسه بالايجاب قائلا:
- أنا هخلي حد جنبها، روح أنت و رقية أرتاحوا و انت كمان يا ليث، تعبتوا جامد النهاردة
هز ليث رأسه بالنفي قائلا:
- أنا ورايا كام حاجة هعملها و بعدين هروح أرتاح
هز صقر رأسه بدون مناقشة ثم خرج ثلاثتهم من الجناح الخاص بصقر و توجه كلا من شاكتي و رقية الي الجناح الخاص بهم، كانت الزينة البسيطة تملأه، فنظر شاكتي الي رقية بتعب:
- رقية، أسف اليوم خرب علي الاخر.
أمسكت بيده بين يديها قائله:
- مش مهم أنا مش زعلانة، أرتاح أنت و اليوم هيتعوض أكيد
أمسك بيدها التي تحتوي كفه و قبلها بحب و أحتضنها قائلا:
- شكرا يا رقية
تعجبت و لكن ظلت ابتسامتها علي وجهها و سألته:
- بتشكرني علي أيه ؟!
أبتسم هو الاخر قائلا:
- لأنك فاهماني.
هزت رأسها مع أبتسامتها فتركها هو و أتجه نحو الفراش و ألقي بجسده عليه و سريعاً ما غطي في نوم عميق، أما هي بدلت ملابسها و أستلقت بجواره، و دقائق ثم وضعت رأسها علي صدره و لفت ذراعه حولها و نامت هي الاخري
تحدث يامن بنبرة يتسللها بعض الغموض:
- كلها يومين و نوصل لصقر
سأله مراد بعدم فهم:
- أنا مش فاهم هنعمل ايه بالضبط لحد دلوقتي و انت مش راضي تفهمني
أعاد عليه يامن حديث شاكتي بملل:
- أهيلا و شاكتي هينشروا الفتة جوه القصر و احنا هنسلط الشعب علي صقر
أقترح مراد ببساطة:
- طب ما نقتله علطول و خلاص.
أبتسم يامن علي غباء طفله، ثم تحدث:
- هو هيموت أكيد بس مش بالسرعة دي، لازم يتدمر و هو عايش، لازم يتمني الموت و ميقدرش يطوله، لازم نخليه أضعف ملك في التاريخ، الشعب يقتله أو هو ينتحر، وقتها التاريخ يذكره بأنه أضعف ملك حكم مصر، و بعدها نحكم احنا مصر و نرجع ألمانيا لينا كمان
هز مراد كتفيه بحيرة و تعجب، يشعر أن هناك خطب ما يخفيه عنه والده و لكن لا يعرف ماذا يقول، و لا يوجد حل سوي ان ينفذ أوامره دون نقاش
أستيقظ صقر، و ألقي نظرة علي الغرفة حوله، ثم بجانبه فرأي تلك الملاك النائم التي ضحت بروحها من أجله، و لسبب هو لا يعلمه حتي الان،يبدو أنه غفي قليلاً بجوارها دون ان يشعر، تحسس جبينها ووجد أن حرارتها معتدلة نوعاً ما، نهض من جانبها و بدل ثيابه، ثم ذهب نحو المعتقلات و خاصة نحو المعتقل المحبوسة به جويانا، دلف اليها فنظرت بغضب و هجمت عليه و لكن سرعان ما أمسكها هو من رقبتها و صرخ بها و هو يضغط بأنامله بقوة علي رقبتها:
- أديني سبب واحد بس اني مقتاكيش ! قوليلي ليه عملتي كده ؟!
صرخت هي الاخري و هي تتلوي بين يديه بأختناق و تحدثت بغضب أعمي:
- عاوز تعرف السبب، السبب هو الحيب اللعينة اللي أنت خضتها مع ألمانيا، أنا جويانا بنت الملك مفيد اللي أتحالف مع الملك كانتي علشان يقضوا عليك في الحيب، بس بابا مات بسببك أنت و جيشك، أنت دميتنا و دميت عيلتنا كلها بسبب تهويك و جنونك و غيويك، أنا بكيهك يا صقي و مش هسيبك الا و انت ميت
دفعها صقر بقوة فضرب رأسها بالحائط ووقعت علي الارض و رأسها تدمي و تحدث اليها بصوت قوي:
- خلينا نشوف مين فينا اللي هيموت التاني يا .. حرمي المصون.
بثق في وجهها و خرج من المعتقل ووجد كبير الحراس امامه فتحدث اليه بلهجة أمر:
- جويانا و عيلتها كلها لا يدخل ليهم أكل ولا ماية لحد ما أقرر أنا هعمل فيهم أيه ؟!
هز الحارس رأسه قائلا:
- أمرك
تركه صقر و خرج من المعتقلات فوجد جلال يقف مع ليث فأقترب منهم فانحني جلال قائلا:
- تحياتي جلالتك
هز صقر رأسه و سألهم:
- بتعملوا أيه في الوقت ده.
تحدث جلال بفخر و سعادة:
- الامير ليث وضع خطة لفتح السودان و ضمها لمصر و بلاد الشام
ربت صقر علي كتف ليث بفخر قائلا:
- أنا فخور بيك جدا يا ليث كده فعلا تستحق تكون وزير مصر.
أنحني ليث بابتسامة أحتراماً لصقر الذي تركهم بعد ذلك و ذهب الي والدته صوفيا التي كانت تجلس مع مربيته و والدته الثانية جودا التي سألته سريعاً بلهفة:
- صقر، طمني أهيلا بقت كويسة ؟! صريخها سمعه القصر كله
طمئنها صقر و هو يربت علي ظهرها قائلا:
- اتطمني يا أمي هي نايمة دلوقتي و كويسة.
تحدثت صوفيا بلامبالاة و عدم أهتمام:
- مش عارفة أيه كل الاهتمام ده بجارية زي دي ؟!
فسرت لها جودا سبب الاهتمام:
- جلالتك دي مش مجرد جارية دي كانت أميرة و كمان ضحت بنفسها علشان صقر
تحدث صوفيا بغضب شديد:
- و دي نفسها الا كانت بتحاول تقتله و الا قتلت والي الشام و 3 جواري و اللي قتلت الملكة موناي و وريث العهد
نظرت الي صقر بسخرية غاضبة قائله:
- يا تري لسه فاكرهم يا جلالة الملك ؟!
هز صقر رأسه بحدة:
- أيوه لسه فاكرهم، و لو سمحتي كفاية كلام لحد كده، أهيلا مهمة جدا عندي كفاية أنها ضحت بنفسها علشاني و أستحملت ألم لا يحتمل أصلا، و قصاد أهلها اللي ماتو هي موتت ناس تانيين، بعد أذنكم
تركهم صقر و مر من أمام الجناح الخاص بجنتي و تذكر أنه لم يطمئن عليها بعد ما حدث، دلف اليها فوجدها تبكي، أقترب منها سريعاً و احتواها بذراعيه و ضمها الي صدره بقلق:
- مالك يا جنتي بتعيطي ليه حد عملك حاجة ؟!
هز جنتي رأسها بالنفي و هي تتمسك بملابسه بقوة قائله:
- هي أهيلا كويسة صح ؟!
هز رأسه و مرر يده علي خصلات جنتي بحنان قائلا:
- أيوه يا حبيبتي كويسة أهدي
سألته بتعجب و حيرة حزينة يتخللها بكاء قوي:
- ليه جويانا عملت كده ؟ أنا كنت حبيتها أوي، معقولة تحاول تقتلك ! طب ليه طيب ؟!
ربت علي ظهرها و ضمها أكثر الي صدره قائلا:
- حبيبتي أنا ملك و اعدائي كتير و اللي حصل ده طبيعي، مش كل الناس نفوسهم و نواياهم كويسة فيه ناس سودا اوي من جوه بس تبان بريئة من بره، أهدي انتي بس، نامي بس يلا.
نهض و أمسكها هي الاخري فأوقفها ثم أتجه بها نحو الفراش و جعلها تستلقي عليها و كان علي وشك وضع الغطاء عليها و لكنه لمح فستانها، و علي الفور تذكر ليلته المميزة مع أهيلا التي كانت ترتدي بها مثل تلك الثياب تماماً، فسألها:
- أنتي جبتي الهدوم دي منين ؟!
اجابته ببراءة شديدة:
- شاكتي جابهوملي قالي انهم هدية، أيه وحشين !
أبتسم وقبل رأسها قائلا:
- لا طبعا زي القمر، يلا نامي.
تركها و عاد الي الجناح الخاص به و نظر الي تلك الجميلة النائمة علي الفراش، و أقترب منها ليجلس بجوارها و يلف الغطاء الاسود باحكام حولها فهو من أفضل وسائل التدفئة، و لكن لاحظ ذلك القطع في ملابسها المصبوغ بالدماء، تنهد ثم قرر أن يبدل لها ثيابها و نظر حوله يبحث عن هذا الرداء الذي عشق أن ترتديه، و بدل لها ملابسها سريعاً، ثم جلس الي جوارها و هو يتحسس جبينها مرة اخري،
حسناً ما زالت حرارتها معتدلة، ظل ينظر لها و يتأملها بلا توقف ثم تحدث الي نفسه بصوت مسموع:
- ليه تعملي كده يا أهيلا ؟! مش معني أنك متضطربة انك تضحي بنفسك علشاني، حاسس ان فيه لغز كبير اوي جواكي و للاسف مش قادر احله أبداً، يا ريتني سمعت كلامك لما منعتيني اتجوز جويانا أكيد مكناش هنوصل لحد هنا، أكيد كنتي عارفة أنها بنت مفيد، بس أنا اللي غبي لأني منعتك تتكلمي أصلا، أنا اسف بجد
أستيقظ شاكتي من نومه في صباح اليوم التالي، ليجد رقية تقف أمام المرآة و تزين نفسها و قد بدلت ملابسها فأبتسم لها قائلا:
- صباح الخير
ألتفتت له و أبتسمت هي الاخري بحب:
- صباح النور، يلا قوم علي الحمام و غير هدومك علشان نتطمن علي أهيلا.
هز رأسه مع ابتسامة لطيفة و نهض عن الفراش و أقترب منها مقبلاً رأسها ثم تركها و دلف الي الحمام، دقائق و خرج منه و بدل ملابسه ثم مشط خصلاته و ارتدي مجوهراته، ثم أخذها و ذهبا الي الجناح الخاص بصقر فوجده يقف بجوارها يتحسس جبينها من جديد فسأله شاكتي:
- عاملة أيه دلوقتي ؟!
أجابه صقر بعد أن ألتفت له:
- حرارتها رجعت طبيعية بس لسه مفاقتش.
لاحظ شاكتي أن صقر قد بدل لها ملابسها شعر ببعض الضيق و لكن صمت ثم تحدث:
- أمبارح ربطنا الجرح بس، و النهاردة لازم نقفله
فكر صقر قليلاً ثم تحدث:
- هي كانت بتعمل مرهم كويس للجروح علشان تتقفل
هز شاكتي رأسه بالنفي قائلا:
- مش هينفع الجرح كبير و مش هينفع معاه أي دوا غير دوا واحد بس هحتاج فيه زهرة خاصة
سأله صقر سريعاً:
- زهرة أيه ممكن رقية عارفاها، هي قرأت كتير عن الأزهار و النباتات.
نظر لها شاكتي و سألها:
- أسمها زهرة البوجا محتاج منها 3علي الاقل موجودة في أسبانيا بس في مصر بصراحة مش عارف، تعرفي عنها حاجة ؟!
هزت رأسها و تحدث:
- ايوه اعرف الزهرة دي موجودة في مصر بس نادرة جدا و تقريبا مش موجودة غير في مكان واحد بس في الغابة عند قبيلة أخدوها شعار ليهم القبيلة دي أسمهم البوجا بردوا، بس للاسف اللي يفكر ياخد زهرة من عندهم يا اما بيقتلوه يا اما بيجبروه ياكل 5 زهرات منها ووقتها بيتجنن و بيفقد عقله تماماً.
تحدث شاكتي بقلق شديد و هو يفرك رأسه بأنامله قائلا:
- الجرح مش هينفع يفضل أكتر من 3 أيام مفتوح او هيتلوث و أهيلا هتموت
سأله صقر بأهتمام:
- الخلطة بتتعمل ازاي !؟
تعجب شاكتي لكن أجابه فتحدث صقر:
- تمام، انا هاخد أهيلا و هنروح الغابة و هناك هجيب الزهور و اعملها الخلطة و اعالجها لأن الغابة بعيدة عن هنا و لو رجعنا بالزهور علي هنا هيكونوا ماتوا
أعترضت رقية بذعر شديد:
- بس كده خطر عليك يا صقر.
أجابها بحدة:
- و هي حياتها في خطر بسببي
أقترحت له رقية:
- طب أبعتها مع أي جندي أو وزير بلاش تروح انت لوحدك انت ليه تضحي بنفسك علشانها!
صرخ بها بصوت مرتفع بانزعاج:
- و هي ليه ضحت بنفسها علشاني ! جاوبيني علي سؤالي ده لأني فعلا مش لاقيله أي أجابة زي ما انا مش لاقي اجابة لأني هضحي بنفسي علشانها
صمت الجميع و كادت رقية أن تبكي من صراخه عليها لأنها تخاف عليه من الخطر، حاول صقر تهدأت نفسه و أقترب منها و قبل رأسها قائلا:
- متزعليش مني بس انا متعصب شوية.
هزت رأسها بدون حديث، فأستأذن منهم صقر و تركهم و ذهب الي جلال و أمره بإعداد لوازم رحلته الي الغابة و تحدث:
- الامير شاكتي و الامير ليث هيتولوا شئون المملكة في غيابي عاوز أرجع الاقي كل حاجة زي ما هي
هز جلال رأسه و تحدث:
- أمر جلالتك، دقايق و هكون جهزت الجنود اللي هيكونوا مع جلالتك و لوازم الرحلة
هز صقر رأسه بالنفي قائلا:
- لا أنا هروح لوحدي، و بلغ الكل أن فيه أجتماع ضروري بعد شوية، عاوز الكل في قاعة الاجتماعات.
هز جلال رأسه بالموافقة، و ذهب لأبلاغ الجميع بالاجتماع و بعد ما يقارب النصف ساعة كان الجميع في قاعة الاجتماعات فتحدث صقر قائلا:
- أنا هطلع رحلة للغابة و مش عارف هرجع امتي بس أن شاء الله مش هيكون اكتر من 3 أيام، ليث و شاكتي هيكونوا نواب عني لحد ما أرجع
سأله ليث بتعجب:
- طب و أيه سبب الرحلة جلالتك ؟!
أجابه صقر:
- بدون هدف.
صمت ليث و أحترم صمت صقر و أنتهي الاجتماع بعد بعض المناقشات ثم ذهب صقر و بدل ملابسه لأخري أكثر راحة، ثم ذهب الي الساحة ليجد أحد الحراس يعقد مستلزمات الرحلة في الحصان الخاص به و جودا و صوفيا يقفان الي جانبه، فتحدثت صوفيا بعدم فهم:
- مش قادرة أفهم أزاي تتعرض للقتل امبارح و النهاردة تطلع رحلة للغابة
فسر لها صقر و هو يراجع مستلزمات رحلته قائلا:
- أمي، انا رايح علشان أهيلا، هي محتاجة زهرة نادرة من هناك علشان علاجها يكمل.
أبتسمت جودا برضا و فخر بطفلها التي لم تنجبه قائله:
- ربنا معاكم يا صقر
رفع صقر نظره لها بأبتسامته الجميلة في حين غضبت صوفيا و تحدثت بنبرة مرتفعة:
- تاني أهيلا، هتعمل أيه تاني علشانها هاه
تحدث صقر بنبرة منخفضة و لكنها قوية قائلا:
- أهيلا ضحت بحياتها علشاني و انا علشانها أعمل أي حاجة يا ريت تفهمي ده كويس.
لمح ليث يأتي من بعيد و هو يحمل أهيلا بين يديه و بجواره شاكتي، فأخذها صقر منه ووضعها علي الحصان الخاص به، ثم صعد علي ظهره هو الاخر و ثبت أهيلا بشال في صدره، و غمز الحصان الذي ركض بسرعة خارج القصر، لتبدأ رحلة جديدة لهما سوياً ربما ستكون جيدة لكلاهما و ربما لا !
وصل صقر الي الغابة بعد عدة ساعات، هبط عن حصانه و معه أهيلا ثم فك رباطه بها و أراح جسدها علي الارض و أخرج خيمة من تلك الحقيبة التي أعدها له جلال، و بدأ في نصبها و هو ينظر الي اهيلا من حين الي اخر مع أبتسامة لا تفارق شفتيه، و عندما أنتهي حملها مرة أخري ووضعها بداخل الخيمة ووضع عليها الغطاء الاسود ليتمكن من تدفئتها، أبتعد عنها و لكن وجد أنه مربوط بها،
نظر اليها من جديد ليجد تميمته الخيطية قد تشابكت مع قرطها الجميل المعلق في أذنها، أقترب منها و حاول فك هذه العقدة بدون أن يجرح أذنها أو يقطع تميمته و هو يتمني أن لا يفك هذه العقدة أبداً و يظل بجوارها الي الابد في هذا المكان بدون وجود لأي بشري بجوارهم، ماذا ! ما هذه التراهات التي تفكر بها صقر ! هل نسيت من هي و ماذا فعلت ! هذا كان بالماضي و لا يوجد شخص بلا ماضي، يكفي تفكيراً، بعد أن ينتهي من علاجها سوف يفكر معها في ما يشعر به تجاهها و الذي و بالتأكيد ليس حب، هذا ما يظنه هو ...
انتهي من فك تشابكهم و تركها و سحب سيفه و بدأ في السير في تلك الغابة ينظر الي الاشجار و يقطف بعض ثمارها، ثم لمح بعينيه أرنب بعيد يقف ساكناً، أختبئ سريعاً، ثم أخرج سيفه و بسرعة شديدة ألقاه علي هذا الأرنب المسكين ليخترقه في الحال و يموت، فيصبح وجبة كلاً من صقر و أهيلا الأولي سوياً، عاد الي الخيمة مرة أخري فوجدها تقف شاردة تلتفت حولها بحيرة شديدة وهي تمسك بذراعها المطعون، يبدوا علي وجهها الشحوب و التعب، أقترب منها فنظرت له بتعب و تعجب:
- صقر !
هز رأسه و أقترب منها أكثر فسألته بأستغراب:
- أحنا بنعمل أيه هنا ؟!
دلف الي الخيمة و خرج و هو يحمل وسادة صغيرة وضعها علي الارض ثم أمسك بيدها و اجلسها عليها، فعادت سؤالها عليه من جديد فتنهد بقوة و أجابها:
- جرحك لسه متقفلش و شاكتي قال محتاجين لزهرة أسمها البوجا و دي مش موجودة في مصر غير في الغابة دي عند قبيلة معينة، و لازم نجيب منها 3 و هعمل الدوا و احطه في جرحك علشان يتقفل.
أحتلت الدهشة ملامحها و سألته:
- هتعمل كده بنفسك ؟!
هز رأسه بالايجاب بصمت، فنظرت هي اليه و سألته من جديد:
- أيه ده ؟!
نظر الي موضع نظرها فوجدها تنظر الي يده الموجود بها الارنب و الثمار فتحدث:
- أكل علشان ناكل، و لا مش هناكل و لا ايه ؟!
هزت رأسها و صمتت، فأمسك هو بحجارتين و بدأ في حكهما سوياً علي بعض القش و أوراق الشجر و الاخشاب الصغيرة التي جمعها، حتي أشتغلت النار بهم فبدأ بتنظيف الارنب ثم وضعه فوق النار حتي ينضج، و عم الصمت أرجاء المكان حتي سألها:
- جرحك واجعك ؟!
ابعدت كفها الموجود علي تلك الرابطة علي ذراعها الموجود أسفلها الجرح قائله:
- أه جداً
ربت علي كتفها السليم و تحدث:
- هتكوني كويسة اتطمني.
- هزت رأسها مع أبتسامة، فنظر الي أبتسامتها تلك التي تسيطر علي شفتيها، جميلة هي للغاية، أهيلا و أبتسامتها و شفتيها ! أقترب منها أكثر وهو يحاوط ظهرها بذراعه و ما زالت نظراته تتركز علي شفتيها التي بالنسبة اليه أفضل من ثمار الفراولة الطازجة، فأتسعت أبتسامتها و خفضت أنظارها بخجل و أرتفعت الدماء الي وجنتيها، فأقترب أكثر منها و رفع رأسها و نظر الي عينيها يستأذنها عما يريد، فبادلته بدعوة صريحة لتنفيذ مراده، أبتسم هو الاخر بعد تلك النظرة المحملة بالبريق اللامعة التي تشع من عينيها، و أقترب من شفتيها كثيراً و كاد علي وشك تقبيلها فأبتعدت هي قائله بأحراج:
- الارنب زمانه أتحرق.
رفع أحد حاجبيه بصدمة، ماذا ! أرنب ! ماذا تعني ؟! هل أبتعدت عنه للتو من اجل الارنب ! تلك المخادعة أهيلا مازالت ماكرة اعطته دعوة صريحة ليقترب منها، ثم أبتعدت عنه دون أن تعلم آثار فعلتها تلك علي مشاعره، أبتعد عنها و هو يعض بأسنانه علي شفتيه بغيظ شديد قائلا:
- أه الارنب، متحرقش متقلقيش مش هتاكلي الاكل محروق.
نظرت الي الجهة الاخري في محاولة لأخفاء أبتسامتها عنه حتي لا يزداد سخطه منها، حاولت التحكم في ملامحها ثم عادت لتنظر من جديد و لكن الي النيران التي تشتعل أمامها، و لا تعلم لمَ مشهد النيران هذا، أعاد الي ذاكرتها الحرب بين ألمانيا و مصر و كل ما حدث بها، مقتل أبيها امام اعينها، أسرها هي و اختها و والدتها، أنتحار والدتها التي لم تتحمل هذا العذاب فماتت لتتركهما وحدهم، شاكتي تؤامها و زوجته رقية، انتقامها، كل تلك الاشياء مثل هذه النيران تماماً،
تستطيع ان تحول أي شئ الي رماد و تأكل ولا تشبع، الماضي بالنسبة اليها حاضر و مستقبل، الماضي لا ينتهي ولا تستطيع مسحه من الذاكرة، و لكن أما ان تتجاوزه و تبدأ حياتها من جديد، أو يعيش معها في حاضر و مستقبلها ليعكر صفوهم و يزيد من كبريائها و غرورها بعد أن تثأر لموت اهلها و دمار مملكتها، ثم ظهر فجأة صقر أمامها في تلك النيران، أبتسامته لها، غضبه الشديد منها و سخطه، سخريته و نظراته الحنونة، أول قبلة لهما سوياً و اول ليلة كانت بها بين يديه ولا تستطيع أزالتها من قلبها قبل عقلها، لهفته و قلقه و خوفه الشديد عليها بعد أن تلقت الطعنة بدلاً منه، هل ستستمر في هذا الانتقام ام لا ؟! هي لا تعلم، ولا تريد أن تفكر وحدها، فلتفكر عندما تعود الي تؤامها ..
فاقت من شرودها الطويل هل هزة بسيطة من صقر فنظرت له قائله:
- بتقول حاجة يا صقر
نظر لها بتعجب و سألها:
- بقولك الاكل جهز من بدري و انتي سرحانة ؟! مالك في حاجة وجعاكي ؟!
هزت رأسها بالنفي و تحدث:
- لا أنا كويسة بس سرحت شوية.
سألها بدون تردد أو تفكير:
- أهيلا انتي ليه خدتي الطعنة بدالي ؟! عاوز أجابة، ليه عملتي كده ! انتي ضحيتي بحياتك علشاني و حياتك لسه في خطر بسببي بردوا، و متقوليش أنك مضطربة و مش عارفة تاخدي قرار، و جاوبيني علي سؤالي من غير ما تخرجي بره الموضوع لأني هتجنن ومش لاقي اجابة...