نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الثامن
استدارت اروى لتقابل شهد بنظرات ساهمة، حركت حدقتيها بتشتت حتى انها لم تتعرف على الاخيرة، ترى جسد امامها لكن من؟ لم تستجمع، فالصدمة كانت قوية.
حركت شهد كفها امام وجه اروى لتجذب انتباهها التي لاحظت انعدامه.
- اروى!
عقدت اروى حاجبيها بإستغراب وهي ترى شهد امامها!، ماذا تفعل هنا؟، اخبرتها الاخيرة
- عايزة اتكلم معاكِ..
تساءلت اروى بحيرة
- عرفتي عنواني منين؟
- سألت سلوى و..
فهمت، تجهم وجهها وهي تُقاطعها بجفاء..
- عايزة اية؟
ضمت قبضتها بجوارها، طلبت منها
- ممكن نقعد في مكان نتلكم؟
أبعدت بصرها عنها ببرود، اشارت لها بسبابتها لتلحق بها اثناء تحركها لشقتها..
وضعت مفاتيحها بإهمال على الطاولة وهي تهتف
- اقفلي الباب وراكِ
اغلقت شهد الباب وظلت واقفة جانباً مُنتظرة عودة اروى.
بينما في المطبخ، احضرت اروى كوب زجاجي لتسكب به ماء، توقفت للحظة تفكر بملامح غامضة، ثم تحركت لتأخذ عبوة الكلور وتمزجه مع الماء.
خرجت من المطبخ ووضعت الكوب على الطاولة، دعتها بنبرة فارغة
- ما تقعدي
جلست شهد وظلت صامتة لثوان، تُرتب كلماتها
- جيت عشان اعتذر منِك، اسفة لاني...
بترت بقية حروفها حين رأت السخرية على ملامح اروى، ضحكت الاخيرة بخفة ثم تحدث ببساطة.
- مش لازم تتأسفي، لاني مش هسامحك، بلس ان يونس طردتك فأنتِ خلاص مش في تفكيري
ارتفعا حاجبي شهد بذهول من اسلوبها، وشعرت بالضيق حين اضافت اروى بعنجهية
- تعرفي اني راضية ان يونس قالك عن حكايتي؟، فبالطريقة دي بعدِك عنه، وخلصت منك
ثم اشارت لها للكوب تحثها على الشرب..
- بلي ريقك شوية
ظلت شهد مُحدقة بها وهي تشعر بالندم لمجيئها، لماذا استمعت لقول والدتها؟، لماذا شعرت بالذنب ناحية اروى؟ انها لا تستحق.
نهضت بعنف والتقطت كوب الماء لتحتسي منه لكنها توقفت قبل ان يُلامس شفتيها، التقط انفها رائحة الكلور، واجهتها بنظرات غير مستوعبة وهي تسألها بريبة
- انتِ حاطة في المية دي اية؟
ابتسمت اروى بشر مُجيبة
- كلور
جحظت عيني شهد من تأكيدها لفعل شرير كهذا، هل تريد قتلها؟، دفعت الكوب بعيداً فتهشم، هتفت بنفور
- انتِ مجنونة
تعالت ضحكات اروى وردت بإستمتاع
- ما انا عارفة.
هدأت ضحكاتها واظلمت حدقتيها وهي تهدر ببغض وحروف قاسية
- انتِ حاولتي تاخدي يونس مني وتاخدي مكاني عند اهله، وانا عمري ما كنت هسمح بـ دة، لا انتِ ولا غيرك هياخد مكاني، لاني هاكلكم بأسناني
ارتفعت نبرتها مع كلماتها الاخيرة، اهتزت حدقتي شهد وهي ترى اروى بهده الحالة المُخيفة، تراجعت للخلف ثم اسرعت للباب لتغادر، لماذا تواجه مريضة مثلها!
- مريضة..
مع فتح شهد للباب كانت قد وصلت اروى لها وجذبتها من شعرها فصرخت الاخرى بفزع.
- لسة مودعتكيش!
همست بها اروى بأنفاسها الحارقة وحروفها الشرسة بجانب أُذن شهد وسحبتها بقوة للخلف، فتعثرت الاخيرة وسقطت على الارض.
بعد لحظات فُتِح باب شقة يونس ليظهر الاخير ونظراته مصوبة لباب اروى المفتوح، سماعه لصراخ خيل له حدوث شيء سيء للأخيرة لكن ما رأى كان اسوء، ما الذي احضر شهد هنا وماذا تفعل بها اروى؟
اسرعت خديجة من خلفه لتنقذ شهد من ايدي اروى التي تكاد تنزع شعرها في قبضتها.
- ابعدي يا اروى ابعدي
صرخت بها خديجة وهي تحاول سحب شهد من اسفل اروى، استيقظ يونس من صدمته وهرع لداخل الشقة، امسك بـ اروى وحملها من اسفل ذراعيها لكن شعر الاخرى مازال في يدها، فمال على اذنها يهمس بها
- اروى، اهدي، اروى لوسمحتِ
حركت رأسها للخلف لتنظر له، فقابلت فُسدقيته اللامعة، همس مرة اخرى برجاء
- لوسمحتِ.
تركت شعرها هذه المرة، سحبها له فأستقامت على قدميها وهي تلهث، أدارها له وهو يحيط خصرها بإحدى ذراعيه والأخرى خلف ظهرها، تقابلت نظراتهما، لقد خمدت نيرانها امامه، استنشقت الهواء بقوة وهي تقطع اتصال حدقتيهما، بينما ظل هو ينظر لها.
ساعدت خديجة شهد على النهوض، كانت الاخيرة تنتحب، نظرت لها خديجة بتعاطف وسألتها بإهتمام
- انتِ كويسة؟
- انا عايزة امشي.
قالتها شهد من بين شهقاتها بجانب دفعها الخفيف لـ يد خديجة، رمقت الاخيرة اروى بعتاب مُتسائلة
- حصل اية يا اروى؟ عملتي كدة لية؟
- انا عايزة امشي
اصرت شهد على المغادرة، لا تريد البقاء اكثر، توقفت عند عتبة الباب وقالت لـ اروى بإنفعال دون ان تتوقف دموعها
- روحي اتعالجي لانك مريضة فعلاً
نظرت لها اروى وقوّست فمها بإنتصار؛ بينما غادرت الاخرى.
اتت خديجة ان تقول شيء لـ اروى لكن يونس اوقفها بنظراته، اخفض بصره اليها وسألها بنبرة لينة
- ممكن تقوليلي حصل اية؟ عملتي كدة لية؟
دفعت يديه عنها وتراجعت للخلف، دُهش من فعلتها، هل تُبعده؟، لم يُعلق وانتظر رداً منها، لكنها اتت بطلبها
- ممكن تتفضلوا؟، عايزة ابقى لوحدي
اقتربت منها خديجة وأمسكت بذراعيها بخفة كنبرتها
- قوليلي بس..
قاطعتها اروى بإصرار ونبرة مُقتضبة
- عايزة ابقى لوحدي، لوسمحتُم.
اتت خديجة ان تعترض لكن يونس اوقفها، اقترب من والدته وامسك بذراعها ليسحبها معه للخارج
- يلا يا ماما.
خضعت له وغادرت معه، اغلقت اروى الباب بعد مُغادرتهم، جلست على الأريكة وهي تضرب رأسها بكفيها، لا تعلم ماذا يحدث لها؟ مخيلتها تنجرف لنفس الواقع، عالمها ينهار، عالمها الخاص والتي صنعته ستصبح نهايته كواقعها؟ هذا ليس ما تتمناه، ما تمنته وجود عائلة لها ويونس بجانبها، لكن الان يتكرر الواقع، العالم يرفضها مع يونس، حتى مُخيلتها!
في الناحية الاخرى..
دلفت خديجة للشقة وخلفها يونس الذي توقف قبل ان يُغلق الباب، اخبر والدته بأنه سيذهب ليلحق بـ شهد قبل ان تبتعد، انه يشعر بالذنب ناحيتها، يجب ان يصلح ما بدأه.
كان يركض اتجاه المحطة ليلحق بها لكنه توقف في منتصف الطريق حين لمحها واقفة جانباً، كانت تبكي بمفردها هناك، اتجه لها وتوقف امامها وهو يلهث، تمتم بأسمها
- شهد.
رفعت رأسها لتنظر له، اخفضتها سريعاً وهي تمسح دموعها بحرج، كادت ان تتخطاه لكنه اوقفها بإعتذاره..
- انا اسف
توقفت خلفه ولم تلتفت، استدار يونس لينظر لها وهي تلويه ظهرها، قال بنبرة آسفة، صادقة
- انا بـ دين ليكِ بإعتذار، ممكن طريقتي شتتك بقصد او بدون، بعتذرلك لو فهمتي تصرفاتي غلط وخليتك تحبيـ..
استدارت بإستنكار هي ترمقه بعدم تصديق..
- يعني كنت عارف اني بدأت احبك!
استقرت نظرات يونس عليها..
- كان ممكن احبك لولا ان قلبي مع واحدة تانية
هل يحاول مواساتها ام جرحها اكثر!، هتفت بألم وهي ترمقه بخيبة
- يعني كنت بتستغلني! عشان تضايقها؟
انكر ذلك سريعاً..
- لا، معملتش كدة عشان اضايقها، كنت بحاول ابعدها، بعترف اني فكرت استغلك في الاول، بس اتراجعت، من اول اسبوع اتراجعت و..
فكرت شهد، يحاول إبعاد اروى وهو يعلم جيداً انها لن تفعل، إذاً كان يستغلها!
- كان ممكن تقولي من الاول كنت هساعدك، كانت الأمور موصلتش للنقطة دي، مكنش هيبقى في عداوة ما بيني وبينها، مكنتش فهمت تصرفاتك غلط
لم تكن علاقتهما ستصبح جيدة بكلتا الحالتين، لم تكن ستصادقها اروى، يعلم ذلك جيداً.
- كنت بعاملك كصديقة، مكنش قصدي، انا اسـ..
قاطعته وهي تهز رأسها بأسى.
- الغلط مش عليك، الغلط عليا اني حبيتك! حبيت وجودك جمبي ولو حتى اصحاب، مكنتش هبقى عايزة حاجة اكتر من كدة، بس هي شايفاني اني كدة باخدك منها!
- اروى..
منعته من توضيح شيء، او شرح حالة اروى، فهي شبه عرفتها وفي الحقيقة لا تريد ان تتعمق بينهما، ستدفن محبتها له بداخلها وتغادر، تعيش حياتها بسلام بعيداً عن حياتهما المعقدة.
تابعها وهي تبتعد بحزن، لقد جمعهما القدر بشكل سيء، تمنى ان لقائهما قد حدث في بيئة افضل، بعيدة عن كل هذا التعقيد، فلا ذنب لها ولا ذنب لـ اروى، فلكل منهما عُذر، لكنه مُتاكد إذ التقيا في حياة اخرى لكانا سيصبحان اشقاء واكثر.
في شقة يونس..
القى بجسده على الفراش، خرجت منه تنهيدة عميقة تُظهر مدى ثقل ما بداخله، ماذا يفعل وماذا فعل سابقاً؟، قرارته خاطئة ادرك ذلك الان، الابتعاد لم يكن الحل الأمثل حينها، كان يجب عليه الإنصات لقلبه، أخذها والهرب بعيداً وعيش حياتهما بسلام، لماذا اختار ان يصبح جبان؟.
لكنه لم يختر ذلك، فقد كان ضعيفاً حينها، كيف يواجههم!، لذا اكتفى بحمايتها قدر المستطاع لكنه في النهاية فشل!، فشل ذريع يؤلم قلبه على حالها، فلم تنمو سوية النفس، هو أيضاً مثلها، رغم تلقيه الحب عنها إلا رؤيته لتعذيبها قتل شيء بداخله.
يحبها!، بل يعشقها مثلما تفعل واكثر لكنها لا تعلم، وكيف يخبرها الان؟، يعلم انها ستتقبله بصدر رحب، او ربما تريد ذلك لكنها ستحارب نفسها وتبتعد، يتمنى الا يحدث توقعه الاخير فإذ حدث ماذا سيفعل؟، هل ستذهب تضحيته هباءً! يجب ان تتفهم موقفه.
طبق جفونه بتعب شديد، لقد أُرهِق.
عصر اليوم التالي.
انهت اروى جلستها مع نادر، لقد اخبرته بقرارها التي عزمت على تنفيذه؛ ثم ذهبت لـ عائلة يونس، استقبلتها خديجة مرحبة بها، فور جلوسهما سألتها الاخيرة بحنان وهي تُربت على كف اروى
- بقيتي كويسة عن امبارح؟
منحتها اروى إماءة سريعة، ثم سألتها بإقتضاب
- عمو اسماعيل فين؟
اجابتها خديجة بسلاسة
- في الحمام بياخد دوش عشان مخدهوش الصبح
اردفت بخفوت حائر..
- في حاجة؟!
- اة، جاية اديكم خبر عن قراري الجديد.
خرج اسماعيل من المرحاض، توقف عن تجفيف شعره بالمنشفة حين رأى اروى، ابتسم وهو يقترب منها
- اروى حبيبتي، عاملة اية؟
منحته نفس الابتسامة وهي تتمتم
- الحمدالله
اضافت وهي تنقل نظراتها بينه وبين خديجة
- جاية النهاردة اقولكم عن قراري اللي خدته
عقد اسماعيل حاجبيه بإستغراب
- قرار اية؟
- انا هستقيل من الشركة
تساءل اسماعيل مُستفسراً
- لية؟ حصل حاجة؟
فجّرت قرارها الثاني...
- هسافر.
ذُهِل اثنيهما، تساءلت خديجة بريبة
- تسافري! لية وفين؟
اعترض اسماعيل بحزن
- هتسافري وتسيبينا؟
نظرت لهما بتأثر، لماذا يجب ان يصبحا سيئين هنا أيضاً؟، ليس مقدر لها ان تنعم بعائلة تحبها!؛ ابتمست لهما ونهضت لتذهب وتعانق إسماعيل، فنهضت خديجة لتعانقهما أيضاً، همست اروى ببكاء
- كنت مبسوطة لان كان عندي عيلة بتحبني زيكم، بس للاسف انتم في خيالي وبس.
تشعر بأنه يجب عليها إنهاء الأمور قبل عودتها، الانتقام منهم هنا أيضاً..
مساءً
طرقات مُتتالية قوية على باب شقة اروى، لقد علم يونس انها سترحل، ستذهب بعيداً عنه، يكاد ان يفقد صوابه، هل ستذهب وتتركه؟، بهذه البساطة؟، توقف وتراجع خطوة للخلف وهو يلهث اثناء سماعه لصوتها
- جاية..
لمجرد فتحها للباب حتى دفعه ودلف للداخل، ذُهِلت من تصرفه ورمقته بحيرة
- في اية؟
اغلقت الباب بينما هم ليُقابل سؤال بآخر..
- صح اللي سمعته؟
حدقت به لوهلة، ترى الغضب والخوف في عينيه، تنهدت، لم تسأله فهي تعلم عن ماذا يتحدث، أكدت له
- ايوة
- لية؟
عقدت حاجبيها بإستنكار مُتسائلة بهزء!
- جي عشان تعرف السبب؟ بجد؟
تقدم خطوة وهو يهتف سريعاً
- هخليكِ السكرتيرة بتاعتي
اتسعت مقلتيها قليلاً، لن تُنكر ذهولها، هل سيتمسك بها؟، سألته بعتاب
- جي دلوقتي تعرض عليا اني ابقى سكرتيرتك؟ بعد اية؟
امسك بكتفيها بلهفة، فرق شفتيه..
- انا..
لكن حروفه خذلته، فلم يستطع ان يوضح لها، هل سيخبرها الان انه يحبها؟ وإذ فعل كيف سيوضح أسباب رفضه لها وجحوده؟ لا يريد جرحها اكثر بمعرفة رفض الجميع لحبهما.
اخفض رأسه كما استرجع كفيه بجواره، بينما عينيه مازالت مُتصلة مع خاصتها، نظرات ضائعة مُشتتة حزينة!، كيف يوقفها؟
- عارفة انك بتحبني..
اخرجت حروفها الصادمة ببطء، وقد ظهرت الصدمة جلياً على ملامحه، اهتزت حدقتيه بتوتر، كاد ان يقول شيء لكنها سبقته.
- سمعتك امبارح، انت وطنط خديجة
تلعثم وهو يكرر كلماتها..
- سمعتـ..
لكنها قاطعته بخيبة
- طلعت جبان
عبس وجهه مُعاتباً اياها بنظراته ونبرته الخافتة
- خوفي عليكِ خلاني جبان!
- خوفك!
ضحكت بتهكم تحول لنبرة منفعلة
- انا مشوفتش غير رفضك ليا..
هتف بعجز
- عشان كنت مُضطر، كان لازم ابعِدك
- ونجحت؟
مرر كفه بين خصلات شعره بإنفعال وهو يتحرك حول نفسه..
- لا، عشان مكنتش عايز انجح
- كان عاجبك اني بجري وراك!
توقف مُقابلاً لها وهو يصرخ اثر شعوره بالتقيد، لماذا تذهب لأسوء الظنون لتُلقيها به!
- كان عاجبني انِك جمبي، انِك مش هتبعدي مهما عملت عشان كدة كنت مكمل
صرخت مثله لكن بغضب
- كلامك مش منطقي بالنسبالي
أُخمِدت نيران حدقتيه الثائرة لتصبح حزينة، هدر بعذاب
- مكنش ينفع اقرب منك، كانت هتأذيكِ اكتر
- مين؟
تأمل ملامحها، فليكشف كل شيء وإلا سيخسرها، وليس هذا فقط بل ستذهب وهي تعتقد انه جبان.
التقط انفاسه اثناء تراجعه، جلس على الذراع الخشبي للأريكة، سرد ما حدث، تهديد والدتها له.
- لما اعترفتيلي بحبك لأول مرة من خمس سنين، قبلها جت ليا وسألتني انت بتحب اروى؟ بصيتلها وانا مش عارف اقولها اية؟ أقولها حقيقة مشاعري اتجاه بنتها ولا هيبقى عيب!، لقيتها بتقولي متحبهاش وابعد عن بنتي احسنلك وإلا هاخدها معايا غصب عنها، هاخدها بعد ما سبتها وبعد ما كرهتني، هحبسها في الاوضة واخليها عايشة من غير روح، فأختار يا إما تبعدها عنك وإلا هاخدها اعذبها
اضاف بحيرة.
- مش فاهم للان سبب تهديدها وسبب انها تبعدني عنك، بس كنت عارف انها هتعمل اللي بتقول عليه، هي مستعدة تأذيكِ وتدمرك نفسياً
سخرت دون مرح، تشوب نبرتها الحزن
- تدمرني اكتر من كدة!
تلاحقت انفاسها وهي تقترب منه هامسة بقهر
- ازاي تسمع كلامها؟ بأي حق هي تقولك تبعد؟ ازاي..
برمت بقية حروفها وهي تتذكر ثقة والدتها الدائمة بقولها ان يونس لن يحبها ابداً، كم هي خبيثة، انها سبب ذلك، لكنها ليست الوحيدة.
التقط كفيها ليعانقهما بكفيه، هدر بصوته العميق والمُعذب
- اني استحمل حبي ليكِ كان اهون من اني أسلمك ليها، انك تبعدي عني، على الاقل قدام عيني
هز رأسه مُضيفاً اثناء نهوضه فأصبح يشرف عليها بطوله الذي تخطاها قليلاً
- ارتبطت بكتير بس ملقتكيش في اي واحدة، بس استكفيت بقربك، كنت بتعذب وانا ببعدك عني كل ما تقربي، عارفة شعوري كان اية؟
أسر حدقتيها بخاصته التي تلمع بالدموع من جيش مشاعره المكبوتة بداخله، وأخيراً يستطع ان يفصح عنها.
- مكنتش بعرف انام إلا وصورتك في حضني، محتفظ بكل حاجة تخصك هنا، في قلبي
وضع كفها على صدره ناحية قلبه وكفه فوقه، ثم سحبها خلفه مُتجهاً للخارج ليذهب بها لشقته وهو يتمتم
- تعالي معايا..
ترك يدها عند باب غرفته بعد ان فتحه، فتح خزانته ثم أخرج المفتاح من جيبه ليفتح به الدُرج الاول، والذي يخفي بداخله كل ما يخصها!، اخرج الصندوق الخشبي وجلس به على الفراش، فتحُه لتظهر صورتها في البداية، وضعها جانباً ليخرج الباقي.
- فاكرة دي؟
اخذت البطاقة منه وقد علت الدهشة على ملامحها، امازال يحتفظ بالرسمة الفاشلة التي صنعتها له حين كانت في الثانوية؟، حين بدأت تُدرك مشاعرها ناحيته.
- طبعاً.
لمعت حدقتيها واهتزت بتأثر حين اخرج وردة قد ذبلت منذ زمن..
- اديتهاني بعد اول يوم جامعة ليكِ..
لقد منحتها له في احداث سريعة قد لا تذكرها حتى، هل يحتفظ بهذه التفاصيل حقاً!
ضحكت بعدم تصديق حين رأته يُخرِج صورتهما، حين كانت هي في العاشرة من عمرها وهو في الرابع عشر من عمره، كانت الصورة الاولى لهما والتي جمعتهما، لقد ضاعت منها بل لم تملكها منذ البداية لانها اختفت، إذاً كانت معه!
- دة انا افتكرت انها ضاعت واحنا بننقل
ابتسم بدفئ اثناء نهوضه قائلاً
- كانت أول حاجة خدتها في شنطتي
تقدم منها ليقف بالقرب منها، قابل نظراتها المُتأثرة والسعيدة بنظراته الحانية التي تفضح أمره، انه عاشق، يريدها ان ترى ذلك بوضوح.
- طول عمري بحتفظ بتفاصيلك جوة قلبي..
ابتسم بحنين وهو يتذكر..
- لما كنتِ بتقوليلي انك هتجبريني اني اتجوزك كنت ببقى مبسوط من جوايا، دي أمنية حياتي اصلاً، لما كنتِ قريبة مني، مش عارف ازاي كنت بتحكم بنفسي! مكنتش بستحمل زعلِك بس كنت مُجبر امثل قدامك انه ميهمنيش بس في الحقيقة..
اقترب اكثر منها هامساً بمشاعر جياشه
- انتِ تهميني بكل تفاصيلِك
رفع كفها الاخر ليقُبله ويحتفظ به اسفل ذقنه، طلب منها برجاء
- فمتسافريش وتبعدي، مستعد أواجه العالم عشانك، بس متبعديـ..
كم غمرتها السعادة لكل كلمة سمعتها منه، فكم انتظرت هذه اللحظة، كم انتظرت حبه!، لكن هل ستنعم بهذه السعادة؟ هل سيسمح لها العالم بذلك؟
- حتى اهلك؟ هتعرف تقنعهم بيا ازاي؟
اتت بسؤالها المُفاجئ له، بل الذي يخافه، صمت..
سحبت كفها وتراجعت خطوتين للخلف، رفعت رأسها وهي تُخيره
- هتختارني وتسافر معايا؟ ولا هتختار اهلك؟
نظر لها، كم انه خيار صعب..
رغم ان إجابته تعرفها لكنها تريد ان ترى انتصارها عليهم، تحقيق انتقامها، إبعاده عنهم.
في مشفى الأمراض العقلية..
سار نادر في رواق طويل، توقف امام إحدى الغُرف وبرم مقبض بابها، استقر بجانب فراشها وأخبرها بعد صمت قصير
- خديجة وإسماعيل، ماتو
ظل وجهها جامد، حدقتيها مُعلقة ببقعة مُعينة، يبدو انها مازالت في عالمها، لكن بعد دقيقة كاملة حركت حدقتيها لتستقر عليه، ارتفعت زاوية فمها ببطء..