قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الأول

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الأول

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الأول

- بحبك يا أروى
تململت على الفراش وهي تبتسم اثناء نومها، تترقب قبلة النهاية، تتمنى أن تكمل حلمها الجميل لتلك اللحظة لكن كان للمنبه رأي اخر، فتلاشى بطلها وانفكت الأيدي لتستيقظ، ادارت حدقتيها للمنبه لترمقه بغضب، مدت يدها واغلقته بخشونة ثم نهضت لتغتسل قبل ان تستعد للذهاب لعملها.
توقفت امام مِرآتها تُرتب خصلات شعرها البنية بعناية، ابتعدت خطوة لتتأمل نفسها فتشعر بالرضا، لكنه لا يدوم.

اغلقت باب شقتها واتجهت للشقة المُقابلة لتطرق على بابها لكن لا يوجد إستجابة، ادركت انه غادر، سبقها للعمل، رغم انها اخبرته انهما سيذهبان معاً، ابتسمت بسخرية وهي تُحدِث نفسها بغيظ
- ومن امتى بيستناني؟

في عقار اخر، شقة عائلة إسماعيل الأنصاري
- لأمتى هفضل وراك! مش هتبطل القرف اللي بتعمله! بنات الناس مش لعبة في ايديك
صرخ والده إسماعيل بغضب موجهاً حديثه لنجله يونس الذي رد ببراءة مُصطنعة
- هما اللي بيجولي برجليهم أقولهم لا!
اضاف بإستنكار
- ارفُس النعمة؟ ميصحش
دخلت والدته خديجة عليهم بقلق، سألتهم
- في اية يا إسماعيل؟ صوتك مسمع الجيران
- احسن خليهم يسمعوا ويعرفوا ان ابني صايع
اكمل بجنون.

- مفيش سكرتيرة جت ومصاحبهاش، دة كل شهرين يغيرها عشان بيسيبها
رمقت خديجة ابنها بعتاب، رغم عدم رضاها عن تصرفاته لكنها بررت له
- ما عشان انت بتخليه يختارها على مزاجه
اتسعت مقلتي إبراهيم بصدمة هاتفاً
- الغلط طلع عليا يعني!
عاد ليجلس على الاريكة وهو يضرب كفيه ببعضهما البعض قبل يقول بكبت
- دة هيطلعلي سمعة على الشركة
ادار يونس حدقتيه في مقلتيهما بضجر، بينما قفزت خديجة لحل قد خطو في بالها.

- انا عارفة الحل اية، جيبله واحدة انت تختارها
اتسعت مقلتي يونس وكاد ان يعترض
- لا بحب اختار...
قاطعته والدته بحزم
- اسكت يا ولد
اتى رد إسماعيل
- انا عملت كدة اصلاً، هتروح هتلاقيها في الشركة، مش محتاج تعملها انترفيو او تقبلها عشان شغلتها خلاص
- بتتكلم بجد!
اتبسم والده بإنتصار وهو يقول بثقة
- روح وشوف بنفسك.

نهض يونس بعنف مُغادراً، هل وظف إمرأة في الخمسين من عمرها! أم عشرينية قبيحة؟ لا يضمن والده بالمرة.

- صباح الخير
قالتها أروى بإشراق وسعادة ظاهرة جلياً على ملامح وجهها، لكن في لحظة وقوع بصرها على مكتب السكرتيرة الذي كان شاغر منذ الامس فقط والآن لم يعد كذلك صدمها!، هل وجد سكرتيرة جديدة بهذه السرعة!، لكن لحظة!، انها عادية جداً بالنسبة للأُخريات!، هل من اختياره!
- مش لوحدِك مش مصدقة، احنا معاكِ
همست بها موظفة بجانب اذنها، نظرت لها، متى وقفت بجوارها؟، عادت لتنظر للسكرتيرة الجديدة وسألتها.

- هو جه؟
- لسة
هزت أروى رأسها واتجهت لمكتبها بصمت لتُكمِل مراقبتها لتلك الجديدة من مكانها هذا.
مرت نصف ساعة وكان قد وصل يونس للشركة، توقف وقد علم انها هي تلك التي تجلس خلف مكتب السكرتارية، بينما نهضت هي لترحب به، فأتت له الفرصة ليقيمها سريعاً من رأسها حتى اخمص قدميها، اشاح بوجهه بعدم رضا، أمرها
- تعالي ورايا.

جلس خلف مكتبه ونظراته الثاقبة التي سببت لها التوتر موجهة لها، حاولت التحكم بإنفعالتها وخاصةً توترها لا تُريده ان يظهر في اول يوم لها في العمل، عرّفت نفسها
- انا شهد..
قاطعها قبل ان تُكمِل بقية اسمها حتى
- تعرفي ان اكتر حاجة بكرهها هي الواسطة!
ضمت كفيها لبعضهما بحرج واتت ان تُبرر موقفها لكنه لم يُتيح لها الفرصة فقد تابع
- بس مفيش في ايدي خيار..
اسرعت لترد بحزم
- هثبت لحضرتك اني استاهل الشغلانة دي.

- هنشوف
ثم فتح إحدى ادراج مكتبه واخرج منها ملف تلو الاخر حتى وصلت لعشرة ملفات ضخمة.
- عايز الورق دة يتكتب من تاني وتصححي الأخطاء اللي فيه
سقط فكها وهي ترى كمية الملفات الذي يأمرها بفعلها، هتفت بصدمة
- كل دة!
اكمل اوامره..
- عايزهم بكرة على مكتبي
- بس..
كادت ان تعترض لكنه سبقها بقوله الحاد القاسي
- اعتراض من اولها مش عايز، لو مش هتقدري الباب مفتوح
اخفضت رأسها بإستياء وخضوع
- حاضر.

تقدمت لحمل الملفات، استأذنت وغادرت، وضعت الملفات على مكتبها ثم جلست وهي تتنهد، تُفكِر كيف ستفعل كل هذا الكم!، رفعت بصرها حولها، الجميع يعمل ومشغول فلن تجد من يُساعدها حتى!، طردت الطاقة السلبية التي سيطرت عليها، اخذت نفساً عميقاً قبل ان تُحدِث نفسها بكلمات تُعيد بها الثقة لنفسها
- انتِ قدها يا شهد، قدها.

ثم باشرت في العمل بأول ملف أخذته، مرت لحظات حتى شعرت بإشراف احدهم فوق رأسها فرفعتها فقابلتها اروى، عقدت حاجبيها وهي تقول..
- اتفضلي!
مدت أروى كفها لتصافحها وهي تُقدِم نفسها
- انا اروى
نهضت شهد وهي تصافحها وتُقدم نفسها بدورها
- وانا شهد، السكرتيرة الحديدة
- اة عارفة
نقلت نظراتها للملفات وقالت بتعاطف زائف
- ياعيني، اية كل دة!
ابتسمت شهد بقلة حيلة وهي تخبرها
- لازم اسلمهم بكرة.

طأطأت أروى بأسف قبل ان تعرض عرضها على شهد
- اساعدِك؟
تهللت أساريرها وهي تقول بلهفة وعدم تصديق
- بجد!
اومأت اروى برأسها مؤكدة مقصدها، فشكرتها شهد بإمتنان شديد
- شكراً بجد
نهرتها أروى
- متقوليش كدة انا بحب اساعد الغير
ثم اقتربت من شهد وهمست بجوار اذنها
- بس متقوليش لحد اني ساعدتك
- حاضر متقلقيش
- اتفقنا، سيبيهم اخدهم وانا ماشية
- ماشي، وانا هعمل اللي اقدر عليه دلوقتي
- تمام.

ثم تركتها واتجهت لمكتب المدير ودخلته، اسرعت شهد لتمنعها لكنها كانت قد دخلت بالفعل، فأعتلت الدهشة ملامحها، كيف تدخل مكتب المدير دون إذن مُسبق؟
بينما في الداخل، تقدمت أروى من يونس وهي تقول بشماتة لامست السخرية
- الجو فضي عليك وبقى خنقة ياعيني
رفع بصره لها، ها هي مُجدداً، ابتسم ببرود وهو يرد بخبث
- عيب تقولي كدة، دة الجو لطف من نوع جديد
تهكمت وهي تجلس في المقعد المقابل له.

- هتضحك عليا! هو انا مش عارفاك!، دي مش استايلك خالص
هز رأسه وهو يقول بدهشة مزيفة
- اووه، يعني عارفة مين استيالي ومين لا!
ردت بثقة
- طبعاً
قذف ثقتها بعيداً بقوله المُحرِج لها
- واكيد عارفة انِك مش استايلي!
تلاشت ابتسامتها للحظة قبل ان تسترجعها بثقة مزيفة أتقنتها اثناء قولها
- كله بيتغير لما الموضوع يجي عندي، متقدرش تختارني حسب معايرك
رد بقسوة ولامبالاة وهو يقذفها بنظرات ساخرة.

- طبعاً عشان متتقارنيش بيها اصلاً
احمر وجهها غيظاً بسهولة، اندفعت لتهتف بإنفعال
- على فكرة بقى انا حلوة وفي مية راجل يتمنناني
- طب هما فين؟ خليهم ياخدوكِ وبالمرة نخلص منك
ابتسمت في استفزاز وهي ترد بتوعد
- بعينك، انا مش هبعد عنك مهما حاولت تبعدني
عاد لينظر للأوراق التي امامه وهو يرد بهدوء
- بعدتي مبعدييش مش مهم بالنسبالي لان بالحالتين انتِ مش موجودة.

كورت قبتضها بحنق، نهضت بخشونة واستدارت مُغادرة دون ان ترد، فلن تستطيع التفوق عليه في هذه الحرب الباردة التي بينهم.

مساءً
احضرت أروى طبق الفشار وجلست على الاريكة التي تضعها بجوار باب الشقة حتى يكون سهل عليها معرفة وقت وصوله ومراقبته.
جمعت شعرها الطويل بإهمال وربطته في ذيل حصان مرفوع ثم بدأت في تناول الفشار اثناء تصفحها لصفحة الفيس بوك الخاصة بها.
بعد مرور عشر دقائق، توقفت يدها التي تضع بها حبة الفشار في فمها حين سمعت صوت باب الشقة المُقابلة، نهضت سريعاً وبتعجل فسقط طبق الفشار لكنها لم تهتم.

قبل ان يُغلق يونس باب شقته كانت قد وضعت قدمها لتعيق إغلاقه، فتح الباب وهو يتطلع اليها بحاجبين مرفوعين، نقلت نظراتها بينه وبين الأخرى بعينين ضيقتين ترمقهما بشك، وجهت سؤالها للفتاة التي تراها معه لأول مرة
- بتعملي اية هنا؟
ثم نظرت له وهي تتهمه بنظراتها بجانب سؤالها
- ناوي تعمل اية؟
نظر يونس للفتاة وأمرها
- اقعدي جوة عقبال ما اجيلك
اومأت برأسها وفعلت ما قاله، بينما عاد لينظر لـ اروى طالباً منها.

- متقوليش لـ أهلي
اتسعت مقلتيها بفزع وهي تهمس بريبة
- لية هتعمل اية مع البنت دي؟
تقدم منها فجأة فتراجعت للخلف لتلتصق بالباب، اسند كفه على الباب بجوار رأسها فأصبح قريب منها، يعلم ان له تأثير عليها، طلب بلطف بجانب نظرته الجذابة التي من الصعب مقاومتها
- ممكن متقولهمش، لو انا غالي عندِك!

حدقت بعينيه التي تشبهها بالفستق، ارتفع كفها لصدرها ناحية قلبها الذي يطرق بجنون، اومأت برأسها بخضوع وهي تائهة في جمال عينيه ورائحته الجذابة التي اخترقت انفها، ابتسم وهمس وهو يداعب أرنبة انفها
- شكراً
ابتسمت بسذاجة وهي تتابعه يبتعد عنها قليلاً، فتحت باب الشقة لتذهب لشقتها المُقابلة وتغلق بابها وهي مازالت تحت تأثيره.

توقفت في منتصف الرواق وهي تضرب وجنتها بخفة ثم ترتفع إبتسامة شريرة خبيثة على شفتيها وهي تُحدِث نفسها
- هقولهم برضه، هقول لطنط
اسرعت لتلتقط هاتفها التي تركته على الاريكة لتتصل بوالدته وبداخلها سعادة كبيرة، ستنزع خطته القذرة بكل سعادة.
قالت فور رد خديجة على اتصالها
- الو يا طنط خديجة عاملة اية؟
- الحمدالله يا حبيبتي، انا جيالك دلوقتي
- بجد!
- ايوة، عملتلك انتِ ويونس شوية كنافة تاكلوا ايديكم وراها.

- سيبيك من الكنافة دلوقتي يا طنط، ابنك يونس جايب بنت في الشقة
ساد صمت للحظات، فتسائلت اروى بحيرة
- طنط، انتِ سمعاني؟
اتاها رد خديجة
- انا تحت العمارة اهو..
- ماشي هستناكِ على الباب
وخلال دقائق كانت خديجة تقف امام شقته تنتظر فتحه للباب، وقد فعل.
دلفت للداخل بخطوات غاضبة وهي توبخه، بينما أروى خلفها.
- مش عيب تجيب بنت شقتك يا يونس وانت عايش لوحدك فيها؟ احنا ربيناك على كدة!
سألها يونس بإستغراب.

- بنت اية يا ماما؟
هتفت أروى بإنفعال
- متستهبلش يا يونس انا شوفتها
اخذت خديجة تبحث في الغرف، فوضع يونس كفيه في جيوب بنطاله وهو يقول ببرود
- دوري كويس مفيش حد
ثم نظر لـ اروى وهو يقول بضيق مُصطنع
- اروى اتجننت لدرجة انها بتتخيل حاجات محصلتش
رمقته اروى بغيظ بينما عادت خديجة لهم وهي تسأل اروى
- انت متأكدة من اللي قولتيه يا اروى!

ضمت اروى كفيها وقالت مُعتذرة، فليس لديها دليل حتى تتغلب على هذا الذكي التي لا تعلم ماذا فعل بالفتاة وكيف اختفت.
- شكلي كنت بتخيل فعلا، اسفة
تنهدت خديجة وقالت
- مش مشكلة، انا همشي بقى
طلبت منها اروى برجاء
- اقعدي شوية معايا، شوية صغيرة
- عمك إسماعيل مش بيحب يقعد لوحده وانتِ عارفة، انا قولت اجيبلكم الكنافة بس
عاتبها يونس وهو يستند بجسده على الحائط.

- كنتِ اتصلتي بيا وانا عديت عليكم وجبتها بدل ما تعبتي نفسك كدة
- اهو مشيت رجلي شوية
التقط يونس مفاتيحه واتجه للباب فأعترضت خديجة
- بتعمل اية؟ هروح لوحدي خليك انت ارتاح عشان الشغل بكرة
لم تقبل اي اعتراض، فتحت خديجة باب الشقة وخرجت، قالت لـ اروى قبل ان تتجه للمصعد الكهربائي
- متطوليش عند يونس يا اروى
- هروح شقتي دلوقتي، متقلقيش
أوصلها يونس للمصعد الكهربائي، قالت له خديجة بحزم ونبرة منخفضة.

- الحركة دي متتكررش حتى لو كانت نيتك اية، شغل ولا قعدة عادية، أهلها موافقين تيجي بيت شاب قاعد لوحده دي حاجة تخصها بس بعيد عنك، سامعني!
اومأ برأسه بتهذيب كطفل وهو يتمتم
- حاضر
دخلت المصعد بينما عاد هو لشقته، حين رأته اروى يدلف للشقة همت للمغادرة لكنه اغلق باب الشقة قبل ان تصل له، قال بكبت وهو يستدير لها
- ارتحتي!
رفعت رأسها بحدة وهي تقول برضا
- طبعاً، خربت عليك اللي كنت هتعمله ودة هدفي.

مد ذراعه ليقبض على ذراعها ويجذبها له فتلتصق به وتصبح محاطة بذراعيه..
- اية رأيك اكمل اللي كنت عايزه معاكِ!
ابتسمت بهدوء مع قولها المُرحِب، انها وقحة وهذا شيء مُعتاد عليه منها
- ياريت
دفعها سريعاً بعيداً عنه حين صعد كفها لوجنته، فكادت ان تسقط لكنها تمالكت نفسها، لم تكترث، قالت بخبث وقد لمعت حدقتيها بتحالم
- اهي فرصة اخليك تتجوزني
رفع حاجبه وهو يستنكر
- اتجوزك انتِ!
ابتسمت بهدوء وهي تجزم له وتتوعد.

- يا سيدي مش هتتجوزني يبقى مش هتتجوز غيري، مش هخليك تتهنى مع غيري
رفع زاوية فمه بهزء، ابعد حدقتيه عنها وهو يحك جبينه بضجر اثناء قوله الجاف
- طب يلا يا بنت الجوهري
ثم فتح باب الشقة ليدفعها للخارج ويصفق الباب بوجهها، ابتسم بإنتصار، فمن الجيد انه لم يصدقها وجعل الفتاة تغادر بحجة مرض والده قبل ان تلاحظ اروى، رغم ان نيته لم تكن سيئة ابداً لكن يعرف جيداً تفكير الاخيرة ووالدته.

بينما ضربت اروى الباب من الخارج بقدمها مما جعلها تتألم، هتفت بتوعد وهي تعود لشقتها
- ماشي يا يونس ماااشي
توقفت بعد ان فتحت باب شقتها وعادت لشقته لتطرق على بابه وهي تقول
- طلعلي نصيبي من الكنافة يا حرامي، عايز تاكلها لوحدك!
فتح الباب وأعطاها الطبق كامل ثم اغلقه مرة اخرى بوجهها.

اشرقت شمس يوم جديد
- يلا اصحي يا شهد، اصحي
فتحت شهد عينيها بتثاقل، سألت والدتها بتعب وصوت ناعس
- الساعة كام؟
- سبعة، انتِ نمتي متأخر امبارح ولا اية!
- ايوة كنت بخلص شغل
أكملت وهي تنهض
- المدير المفتري أداني شغل كتير اعمله، رغم اني خدت نصه بس تعبت جدا
اتسعت مقلتي والدتها وهي تهتف بعدم تصديق
- أستاذ إسماعيل؟
- لا لا، ابنه اللي ماسك الشغل.

- افتكرت انه هو اللي ماسكها، يلا مش مشكلة، واستحملي يا حبيبتي، ما صدقنا لقيتي شغل، دة انا مش عارفة اشكر أستاذ إسماعيل ازاي
هتفت شهد وهي تدلف للمرحاض
- بس تجيلي الفرصة هشكره.

في الشركة
قابلت شهد أروى امام مبنى الشركة، ابتسمت لها الاخيرة ورحبت بها ثم أعطتها الملفات، فشكرتها شهد
- شكراً جداً بجد، تعبتك معايا
- العفو يا حبيبتي، روحي الحقي حطيهم في مكتبه قبل ما يوصل
- حاضر
ثم اسرعت شهد لتسبقها للأعلى، بينما تابعتها اروى بنظراتها حتى اختفت من امامها لتبتسم بخبث، كم هي ذكية! تشعر بالفخر بنفسها، أكملت سيرها للداخل وهي تحدث نفسها.

- وكدة اكون خلِصت منها، وبعدها هحايل عمو إسماعيل اني ابقى السكرتيرة بتاعته
صفقت دون ان تصدر صوت وهي تمدح نفسها
- ذكية يا اروى ذكية ماشاءالله عليكِ
توقفت للحظة حين مر يونس بجوارها وأصبح امامها، تسارعت خطواتها لتلحق به وتصعد معه بنفس المصعد.
بادرت في الحديث..
- راحت عليك الكنافة، كانت تحفة.

لم يرد، نظرت له فوجدته منشغل بهاتفه يُراسل احدهم، مدت يدها وسبحت الهاتف فجأة من يده لكن ما كادت ان تنظر للشاشة حتى وجدته قبض على رسغها ليرفعه ويلزقه بالجدار، تسارعت انفاسها وهي تحدق بوجهه القريب منها، بينما اخذ هاتفه منها ثم أنزل حدقتيه لتلتقي بخاصتها، حذرها بصرامة
- اياكِ تعمليها تاني.

وابتعد عنها، وخلال ثواني كان قد فُتِح باب المصعد فغادر، بينما وضعت اروى كفها على قلبها المجنون، ثم خرجت من المصعد وهي تشعر بالحرارة.
- خلصتي الشعل اللي اتدهولك؟
طرح يونس سؤاله على شهد اثناء تخطيها، ردت الاخيرة
- على مكتب حضرتك
برم باب غرفة المكتب، قال قبل ان يُغلقه
- هاتيلي قهوة
- حاضر.

وكأنها قالتها لنفسها فقد اغلقه؛ بعد فترة وجيزة، طرقت على الباب ودلفت لتقدم له القهوة، وضعتها على الطاولة امامه ثم سألته
- حاجة تانية؟
سألها بغضب يسيطر عليه
- اية دة؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم، رفع بصره لها وقال بصوته الجهوري المرتفع
- انتِ بتحاولي تضحكي عليا! تصححي اول صفحتين والباقي زي ما هو؟
اتسعت مقلتيها بصدمة، أنكرت ذلك
- نعم! مستحيل انا عملته كله
القى الملف على المكتب في جهتها..
- شوفي بنفسك.

التقطته ونظرت بين اوراقه بصدمة، نظرت له واخذت تقسم بصدق
- والله العظيم عملته كله، كلمة كلمة، انا..
توقفت عن إكمال إثبات براءتها، فقد تذكرت اروى، هل ما سقط تحت يديه الجزء التي أخذته الاخيرة؟ هل كذبت عليها؟، عادت لتقلب بين صفحات الملف وقد تأكدت، انه ليس احدى الملفات التي أنهتها، لكنها لماذا فعلت حركة حقيرة كهذه؟
- سكتي لية؟ ولا انتبهتي انك هتتحاسبي على حلفانك الكدب!

ضمت كفيها لبعضهما بتوتر وحيرة، اتخبره الحقيقة ام تظل صامتة وتُطرد ظلم!، لكن إن اخبرته قد تُطرد أيضاً، ماذا يجب ان تفعل؟
انقطع حبل تفكيرها وهي تراه يشم الأوراق التي امامه، راقبته بإستغراب، رفع رأسه لينظر لها بحدقتين تمتلأ بالشك، القى بسؤاله وهو يُضيق عينيه وكأنه تحقيق
- مين ساعدِك؟
وجدت نفسها تُجيبه بتلقائية
- محدش
شبك أصابعه وهو يقترب بجسده قليلاً من المكتب، سألها بهدوء
- اروى، صح؟

ضمت كفيها اكثر وهي تزدرد ريقها بصعوبة، لم ينتظر إجابة فهو متأكد، انها رائحتها التي علقت في الأوراق، اخرج هاتفه ليتصل بها
- تعالي لمكتبي، حالاً
وأبعد الهاتف دون انتظار اي رد منها، وبالفعل خلال ثواني كانت اروى امامه، نقلت الاخيرة نظراتها بينهما وقد انتابها الشك، هل وشت بها شهد؟، واجهت نظراته القوية بنظراتها الهادئة، وجه يونس أمره لـ شهد وعينيه مازالت مع اروى
- ارجعي على شغلك.

اومأت شهد برأسها واستدارت، رمقت اروى بعتاب قبل ان تغادر.
- ناوية على اية؟
غمز لها وهو يسألها ببطء، فسألته بعدم فهم مُصطنع
- على اية؟
- وكأنك مش عارفة!
أكدت له وهي مازالت تمثل الجهل رغم تأكدها من الامر
- اة مش عارفة
- اية غايتك انك توهميها انك بتساعديها وفي الحقيقة بتوقعيها!
عقدت حاجبيها بحيرة وهي تتساءل
- على مين؟
زمجر يونس بإسمها
- اروى
زفرت بضجر وهي تهتف
- ايوة يعني عايز اية؟
- بتعملي كدة لية؟

ردت بجفاء دون عناء إخفاء نواياها
- باينه، عشان تطردها
صمت وهو يرمقها بنفاذ صبر، اقترح بجدية بعد لحظات من الصمت
- اية رأيك اتطردِك انتِ!
هزت رأسها بأسف ساخر وهي تقول بثقة
- للاسف، مش هتقدر
- هقدر، لو قولت لبابا على انِك ماخدة الشعل ساحة معركة سخيفة زيك
اقتربت لتميل وتستند بكفيها على المكتب لتنظر له عن قرب، همست ببرود واستفزاز
- جرب حظك.

انها واثقة من انه سيعود خائباً إذ فعل ذلك، فوالده يقف بصفها دائماً وينصرها عليه، وهو يعلم ذلك للاسف.
استدارت لتبتعد، ثم غادرت مكتبه، لم تكترث لنظرات شهد الحانقة واكملت سيرها، توقفت حين نادتها الاخيرة، التفتت لتقابلها وتستقبل اسألتها بنبرتها الخائبة والتي لم تخلو من الغضب بالطبع
- انا عملتلِك اية عشان تعملي معايا كدة؟، دة انا لسة جاية ومأذتش حد
ردت اروى بهدوء
- الموضوع ملهوش علاقة بيكِ.

اندفعت شهد لتهتف بجنون وعدم استيعاب
- مدام ملهوش علاقة بيا اذيتيني لية؟
تنهدت اروى بضجر ثم اعتذرت دون اي ذرة صدق
- اسفة
رمقتها شهد بإزدراء وقالت ببغض قبل ان تعود لمكتبها
- مش مسمحاكِ، عشان تبقي عارفة
لم تكترث اروى وعادت لمكتبها هي أيضاً دون ان تشعر بأقل شعور من الذنب.
بعد دقائق، قام يونس بإستدعاء شهد فذهبت له وهي مُخفضة الرأس، اخبرها وهو يشير للملفات
- اعملي بقية الجزء اللي متعملش، بنفسك.

رفعت رأسها ونظرت له، ألن يطردها؟، بينما اضاف يونس بهدوء
- هعديلِك غلطتك المرة دي، بس ياريت تتعلمي ويبقى عندك امانة وتعملي شغلك بنفسك احسن
اقتربت بجسدها قليلاً وهي تسأله بخفوت لتتأكد
- يعني مش هتطردني؟
- لا
تهللت أساريرها وهي تشكره بسعادة غمرتها بصدق
- شكراً بجد، شكراً جداً
ابتسم بتلقائية اثر سعادتها وابتسامتها المُشرقة، قال
- تقدري ترجعي لشغلك
- حاضر.

اخذت الملفات وشكرته مرة اخرى قبل مُغادرتها، جلست خلف مكتبها وهي تتنهد براحة وتشكر الله انها لم تُطرد، ذهبت عينيها لباب مكتبه المُغلق وتذكرت ابتسامته، انه وسيم جداً، لم تلاحظ ذلك سابقاً، لكن اليوم مع ابتسامته وحديثه الهادئ معها جعلها تنتبه لذلك.

الساعة الثامنة مساءً
اغلقت اروى حاسوبها ونهضت لتلملم أشيائها وتهم لمغادرة العمل، اتجهت اولاً لمكتب يونس، اوقفتها شهد بإقتضاب قبل ان تتجه لمكتب المدير دون استئذان كالسابق، اخبرتها
- استني هقوله الاول
حركت اروى كفها بعدم اكتراث وهي تقول ببرود
- مش مهم
اتت ان تُكمِل سيرها لكنها وجدت شهد تُمسكها من ذراعها بغيظ مكبوت، اخبرتها بحزم
- مفيش دخول الا لما المدير يقول لي ادخلك، غير كدة لا.

دفعت اروى يد شهد عنها بغضب، ردت بعناد
- مش هعمل كدة، ومش بمزاجك، وهدخل من غير ما اقولك، اتعودي على كدة
كادت ترد عليها شهد والتي كانت حدقتيها تشتعل بغضب يكاد يحرق التي امامها، فبعد تصرف اروى الحقير معها جعلها تبغضها بصدق، قبل ان تفعل ذلك كان قد خرج يونس من مكتبه لينظر لهما بحيرة، تساءل
- بيحصل اية هنا؟
اسرعت شهد لتخبره بالمشكلة.

- استاذة اروى عايزة تدخل لحضرتك من غير ما أديك خبر، ودة مُناقض للقوانين، بس هي مُصِرة
تنهد يونس بنفاذ صبر وهو ينقل بصره لـ اروى بضيق بجانب قوله الخافت الضجر
- خناقة ست اروى مع كل سكرتيرة جديدة
رد على شهد بجدية
- هتصرف معاها بعدين
ثم اقترح عليها
- تحبي اوصلك في طريقي؟

اتسعت مقلتي اروى بصدمة، انه يستخدم استراتيجيته معها، فهل هي هدفه الجديد؟ بصدق؟، رغم ان شهد ليست جذابة بالمرة وتبدو بسيطة وفاشلة امام الساقطات اللذين سبقوها فكيف يفكر بها؟
ترقبت رد الاخرى والتي اعتقدت انها ستوافق بسهولة كسابقيها لكنها رفضت.
- لا شكراً
تنهدت اروى براحة وهي تشعر بالرضا، لكن ذلك لم يدُم، فقد ازعجها إصرار يونس لإصالها
- مفيش حاجة اسمها لا، هستناكِ تحت، متتأخريش
- بس..

لم تستطع شهد الاعتراض فقد غادر، ثم تابعت اروى وهي تبتعد دون قول شيء، لم تُشغل بالها بها فـ يونس قد شغله بالكامل، تشعر بالتوتر من فكرة إيصاله لها وجلوسها بجواره.
بينما في الأسفل امام الشركة، سرَّعت اروى من خطواتها لتصل له قبل ان يصل لسيارته ويصعدها، سألته بإستنكار فور وقوفها امامه وهي تلهث
- شهد عجباك؟ بجد؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة