رواية انتقام مجهولة النسب بقلم شيماء رضوان الفصل الأول
تَسللت بخفة مع رفيقتها الى داخل الملهى الليلى، وهى ترتدى ثياب رجالية، ورفيقتها ترتدى مثلها، فهى الصحفية العنيدة ألاء الصاوى، فتاه بيضاء البشرة، تتميز بعيونها العسلية الواسعة، ليست طويلة ولا قصيرة، ملامحها عادية، ولكن َطلتها سَاحرة، تَُوفى والداها وهى فى سن السابعة، أما والدتها تَوفت من سته اشهر، تبلغ من العمر خمسة وعشرون عاماً.
أَمَّا رفيقتها فهى سلمى الاسيوطى، ابنة رجل الاعمال الشهير مراد الاسيوطى٬ فتاة بملامح هادئة ٬ولكنها تجذبك اليها ٬ تَوفت والدتها من اربعة سنوات، تعيش مع والدها ٬وهى الابنة الوحيدة لَه٬ عيناها بنية، تتميز بالبشرة البيضاء، ليست طويلة وليست قصيرة، تعمل مع ألاء بنفس الجريدة، لكنها ليست متهورة ولا تحب المغامرات كألاء وهى فى نفس عمرها.
كانت سلمى تجلس بجوار ألاء على إحدى الطاولات داخل الملهى، وشعرت ألاء برجفتها، فَتأففت من خوف سلمى الشديد، يكفيها قلقها مِن ذلك المكان، فنظرت لها بغيظ ثم أردفت بخفوت:
-هتودينا فى داهية الله يحرقك، اثبتى إنتى بتتنفضى كده ليه ؛محسسانى إنِّنا فى حرب!
نظرت لها سلمى بغضب وذهول من برودة هذه البلهاء،هم فى مكانٍ خطير، يُديره أسوء وأخطر مجرمين مصر،هی خائفة وترتعش، أما ألاء لا تُبالى، فأردفت بغيظ وهى تلكزها بخفة:
-إنتى مجنونة يا ألاء، إحنا موجودين فى مكان زبالة زى الزفت ومش عايزانى اقلق، إنتى مش خايفة أنا مالى، ذنبى ايه، كان يوم إسود لما وافقت اجى معاكى، انا مالى ومال الموضوع ده!
نظرت لها ألاء بغيظ وتأففت؛ فهى طوال الطريق وسلمى تقول هذا الكلام.
جزت سلمى على أسنانها من تلك الباردة،وبلغ قلقها عنان السماء، وأردفت والقلق بدأ يتآكلها ويتملك منها.
-متتكلمى يا بنتى ساكتة ليه؟
لم ترد عليها ألاء سوى ببضع كلماتٍ مقتضبة، قائله:
اسكتى بقى ايه بالعة راديو!
تأففت سلمى من عدم مبالاتها وعدم تقديرها لوضعهم الخطير،وأخذت تدعو الله أن ينجيها هى وصديقتها،ويخرجوا مِن هذا المكان سالمتين.
نظرت لها مرة أخرى وجدتها بنفس نظراتها الباردة التى تراقب بها المكان فقالت:
-أنا مش فاهماكى، إحنا فى مكان خطير وإنتى مش هامك! مش عارفة اشمعنا القضية دى بالذات اللى اتمسكتى بيها وكل الصحفيين فى الجريدة رفضوها؟
تذكرت ألاء موقف جميع الصحفيين بالجريدة، حينما عرض مدير الجريدة هذه القضية، فخافوا جميعهم بلا إستثناء بمن فيهم سلمى أمَّا ألاء إبتسمت وقبلت المهمة، مما أدهش المدير أن جميع الرجال بالجريدة رفضوا العمل بها وهى فتاة وقبلتها! فكما أطلق عليها سابقا فتاة المهام الصعبة، وهو يعرف مدى صداقة وحب سلمی لألاء فأسند اليها هذه المهمة؛ حتى تعاون ألاء بها ولا تتركها بمفردها، فوافقت سلمى على مضض حتى لاتترك صديقتها بمفردها.
تنهدت ألاء وأخرجت زفيراً مُعبأ بالقلق، نعم ألاء قلقه من تواجدهم بهذا المكان ؛ لأن الخطأ الواحد سيودى بحياتهم٬ ولكن لا تريد أن تشعر سلمى بخوفها، يجب أن تظل إحداهما متماسكة؛ حتى يخرجوا منتصرتين من ذلك المكان٬ فقالت:
بطلى خوف يا سلمى ٬ان شاء الله ربنا هينصرنا٬ الراجل صاحب الكباريه ده بيتاجر فى الاعضاء والبنات بيخطفهم ويشغلهم لحسابه فى الدعارة والنهارده هيسلم دفعه من البنات لاصحاب بيوت الدعارة.
نظرت لها سلمى بخوف وأردفت بخفوت:
-أنا عارفة كل ده؛ علشان كده انا مرعوبة،خايفة ننكشف ويعمل معانا زى البنات دی أو يقتلنا!
نظرت لها ألاء قليلاً فهى محقة فيما تقوله، ولكن أربتت على يدها بتشجيع وقالت:
-متخافيش إن شاء الله هنخلص من القضية دى على خير.
آمَّا فى نفس الملهى الليلى، يجلس على إحدى الطاولات يراقب المكان بعينين حادتين كالصقر٬ ينتظر الفرصة المناسبة للهجوم؛ فهى قضية حياته كما يسميها فهو:
حمزة نصار٬ ضابط شرطة عصبى الى حد كبير٬ له اعين حادهة كالصقر طويل الى حد ما ٬ جسده قوى بحكم عمله يبلغ من العمر ثلاثون عاما.
أما صديقه فهو مصطفى الشناوى ابن اللواء حامد الشناوى، شاب قوى كحمزة، أصدقاء منذ الطفولة٬ يمتلك العيون العسليه٬ طويل نسبياً.
نظر حمزة الى مصطفى بحدة وأردف بخفوت:
-المرة دى مش عايز غلط يا مصطفى، والبت الصحفية مش عايزها تتدخل فى القضية دى!
نظر له مصطفى بخبث وأردف بهمس:
-قصدك ألاء الصاوى أنا مش شايفها فى المكان، شكلها معندهاش خبر بالقضية دى.
نظر له حمزة بسخرية فهو أدرى شخص بألاء الصاوى، يجمع عنها كافة المعلومات، فهى لا تترك قضية إلا وتتدخل بها، امسك الماء الذى امامه وشربه دفعة واحدة قائلا:
-بس أنا حاسس إنها هنا ألاء الصاوى مش سهلة ومش بتخاف.
أماء له مصطفى برأسه بمعنى أتفق معك،وأردف بخفوت:
-معاك حق إنت تعرف كل حاجة عنها وعمرك مشوفتها!
نظر له حمزة بجمود فصديقه محق٬ لكنه لايريد أن يري صوراً٬ لها يريد أن يراها واقفة امامه٬ تلك الفتاة العنيدة التی سمع عنها الكثير عن قوتها وشجاعتها، فقال بخبث ظهر فى عينيه جلياً:
-لازم أعرف كل حاجة عن غريمتى، وموضوع مشوفتهاش ده أنا أقدر أجيب صور ليها، بس أنا عايز أقابلها وجهاً لوجه وأشوفها على الطبيعة.
نظر مصطفى لصديقه طويلا، منطقه غريب جدا فقال:
-إنت غريب آوى، المهم أنا خليت رجالتنا تحاوط المكان وينتظروا الإشارة بس من غير ما حد يحس.
اماء له حمزة بمعنى تمام ثم عاود مرة أخرى المراقبة بصمت.
بعد قليل
لاحظ حمزة حركة غير طبيعية من صاحب المكان وحراسته، فهمس لمصطفى قائلا:
-يالا بينا شكلهم بداوا التسليم!
نهضا حمزة ومصطفى من أماكنهم وتسللوا بخفة وراء الحراس دون أن يلاحظونهما، ووجدا أنهم يتجهون الى غرفة مكتب مدير الملهى الليلى، وكانت غرفة كبيرة جداً يستخدمها كمكتب وايضاً لتسليم البنات،وهناك مخرج سري ليخرج منه مَن يستلمون الفتيات؛ لكى لا يرونهم أحد من زبائن الملهى.
كانت ألاء تراقب المكان ولاحظت هى الأخرى تحركاتٍ غريبة٬ فأمسكت الكاميرا التى كانت تخفيها بين طيات ملابسها، وإبتسمت فقد حانت المعركة التى كانت تنتظرها حان الوقت لتاخذ حقوق تلك الفتيات المغلوبات على أمرهن،لكزت سلمى فى يدها بخفه قائله:
-يالا يا سلمى لازم نتحرك من ورا.
إبتلعت سلمى ريقها فهى خائفة بشدة ولكن لن تترك صديقتها فى هذا الخطير بمفردها.
تحركت الفتاتان بالفعل ووصلتا الى المكتب ووجدتا عليه حراسة، فذهبتا الى الجانب الأخر حيث يوجد نافذة نصف مغلقة كانت ألاء قد اتفقت مع إحدى العاملات بالملهى ان تتركها مفتوحة لهما.
علمت ألاء أنها فتاة تعمل بالملهى منذ وقتٍ طويل قد اختُطفت من أهلها ولا تستطيع العودة اليهم بسبب صاحب الملهى،فاتفقت معها أن تجعل النافذة نصف مغلقة حتى تتمكن الفتاتان من التصوير.
وصلت كلاً مِن سلمى والاء الى النافذة،وبدأت ألاء فى التصوير، حيث كانت تتم الصفقة وتبادل الأموال والفتيات والإبتسامات الكريهة بين المتواجدين بالغرفة،والخوف والذعر المرتسم بوضوح على وجوه الفتيات البائسات المتواجدات بالداخل.
كان حمزة ومصطفى وافراد الشرطة على وشك الإقتحام، وتخلصوا من الحراسة التى كانت أمام المكتب فى هدوءٍ تام، فسمعوا صوت إطلاق النار واقتحموا الغرفة وتم تبادل إطلاق النار وسقط بعد العملاء الذين كانوا يستلمون الفتيات قتلى،وأصيبت فتاتان، وتم القبض على الجميع وحاصر افراد الشرطه المكان.
قبل قليل
أثناء إلتقاط ألاء الصور لعملية التبادل التى تتم داخل المكتب، رأها أحد الحراس من داخل المكتب وأطلق عليها النار، ولكنه أخطا ولم يصيبها.
ركضت ألاء ومعها سلمى ووراءهما الحراس فى المكان المخصص لتوقف السيارات،وكانوا يطلقون عليهما النيران فى محاوله لقتلهما.
بعد أن تم القبض عليهم وإنتهاء العمليه، سمعا صوت اطلاق النيران، وتتبعا الصوت الى ان وصلا الى موقف السيارات.
كانتا مختبئتين خلف إحدى السيارات،وكانت ألاء تضع يدها على فم سلمى التى ترتجف من الخوف حتى لا تصدر صوتا،وكانتا قد أزالوا الشعر المستعار وماكياج الوجه وإرتدت سلمی حجابها،فمن يراهم يعرف انهم فتيات.
كانت سلمى يتملكها الرعب من فكرة أن يمسكوا بهما٬ وأثناء اختباءهما، رأهما أحد الحراس فوقف أمامهم، ووجه سلاحه فى اتجاههما، واستعد لإطلاق النار.
نطق كلا من الفتاتان الشهادتين، وتم إطلاق النار ولكن لم تصب الرصاصة إحداهما، بل اخترقت رأس المجرم من الخلف.
شهقت سلمى من الخوف أمَّا ألاء تمتمت الحمد لله أن الله نجَّاهم من ذلك المجرم، ووقفت الفتاتان ليرحلا، وجدوا أمامهما حمزة نصار ومصطفى الشناوى
عندما رأهما حمزة بملابسهما الرجالية علم أنهما من الصحافة وأيقن أن إحداهما تلك الصحفية القوية.
تحدث حمزه بسخرية:
-مين فيكم ألاء الصاوى؟
نظر الى سلمى وجدها ترتجف فنظر الى "ألاء" وجدها جامده فى مكانها فأشار اليها قائلا:
أكيد انتى!
-نظرت له ألاء بسخرية وأمسكت يد سلمى لتذهب.
مشت خطوتان، وتوقفت حينما سمعته يقول:
-إستنى عندك يا انسة.
التفتت له ألاء وقد تملكها الغيظ تريد أن ترحل من هذا المكان، يكفى ما كان يحدث منذ قليل،فقالت
-نعم يا حضرة الضابط،عايز ايه؟
سار حمزة ومعه مصطفى اليهما ووقف امامها قائلا: بهدوء:
عايز الصور اللى صورتيها.
نظرت ألاء لسلمى قليلا ثم وجهت نظرها الى حمزة قائله بنبرة جامدة:
-أنا مصورتش حاجة يا حضرة الضابط، ملحقتش أصور.
ضحك حمزة قليلا بسخرية وقال:
-معتقدش إنك عرضتى نفسك للخطر من غير ما تطلعى بسبق صحفى.
استفز ألاء حديثه فهتفت بحدة:
-أه صورت، بس معلش مش هقدر أديك حاجة، أنا عرَّضت حياتى وحياة صاحبتى للخطر علشان الصور دى،وحضرتك جاى عايزها بكل سهولة كده!
نظر لها حمزة بضيق قائلاً:
-أنسة ألاء لازم الصور، واوعدك إنك لما تعدی عليا فى المديرية بكرة هتخديها، لازم ناخد نسخة منها لإنها دليل إدانة ليهم.
ردت الاء بسخرية:
-بس إنتوا مسكتوهم متلبسين، أظن إنكم مش محتاجين الصور فی حاجة.
إقترب منها حمزة قليلا وقال بحدة:
-الناس اللى إتقبض عليهم شخصيات على أعلى مستوى، وممكن يطلعوا منها زى الشعرة من العجين، لكن لو معانا صور فكده ثبتنا التهمة عليهم ومش هيقدروا يخرجوا منها.
نظرت له ألاء بهدوء تستشف منه ما يجعلها تصدقه، وقالت:
-وإيه يخلينى أصدقك ننك هتدينى الصور؟
أجابها حمزة بنبره تحمل القوة:
-أنا حمزة نصار وكلمتى وعد وسيف على رقبتى.