رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والثلاثون
في صباح اليوم الثاني
وعلى غير عادتها، استيقظت ناهد مبكرا، أو بالأحرى هي لم تنم جيدا ليلة أمس، وظلت طوال الليل تفكر في ابنتها وفي أمر العقد..
انتهت ناهد من ارتداء ملابسها، ثم أمرت السائق بأن يقلها إلى أحد أشهر محال المصوغات الذهبية..
دلفت ناهد إلى الداخل حيث استقبلها صاحب المحل بالترحاب الشديد، جلست ناهد على أحد المقاعد الجلدية والمقابلة لمكتب صاحب المحل..
ابتسمت ناهد ابتسامة مصطنعة، ثم وضعت يدها في داخل حقيبة يدها، وأخرجت علبة حمراء كبيرة، ثم وضعتها على المكتب، وأشارت لصاحب المحل لكي يفتحها وينظر إلى ما في داخلها..
وبالفعل فتح صاحب المحل العلبة، ثم نظر إلى العقد الموجود بداخلها و..
-ناهد وهي تشير بيدها: من فضلك عاوزة أعرف العقد ده يسوى كام، ويا ترى اصلي ولا لأ؟
-صاحب المحل وهو يشير برأسه: لحظة يا هانم.
نهض صاحب المحل من مقعده، ثم أخذ العقد المنفرط في يده، ووقف بجوار أحد الطاولات الزجاجية، وامسك بعدسة ما وظل يتفحصه بدقة شديدة..
كانت ناهد تتابعه عن كثب بأعين مترقبة، وطرقت بأصابعها على سطح المكتب وهي متوجسة أن تكون شكوكها صحيحة..
عاد صاحب المحل إلى المكتب مجددا، ثم وضع العقد في العلبة، ونظر إلى ناهد و..
-صاحب المحل بنبرة هادئة: العقد ده مش أصلي يا هانم.
فغرت ناهد شفتيها في صدمة، ونظرت إليه بأعين مصدومة و..
-ناهد بنظرات مصدومة: اييييه؟ مش أصلي؟ يعني ايه الكلام ده؟
-صاحب المحل بنبرة اكثر هدوئا: يعني يا هانم ده شغل High Copy بس نضيف
-ناهد بنظرات مشدوهة: طب ازاي.
-صاحب المحل وهو يشير بيده: يعني يا فندم ده تقليد لتصميم مشهور، ومتاخد من كتالوجات عالمية، بس بيتعمل على ايد محترفين، وبيتباع بسعر عادي وبيكون شبيه بالأصلي، بس كل اللي فيه شغل ازاز ومتلمع، يعني زي ما قولتلك هاي كوبي...!
لم تصدق ناهد أذنيها حينما سمعت ما قالته صاحب المحل للتو، لقد تمكن زيدان من خداعها، وكان من الممكن ألا تكتشف هذا الأمر..
-ناهد بنبرة منزعجة: طب وعمل كده ليه!
نهضت ناهد عن المقعد الجلدي، تاركة العلبة ذات العقد المزيف خلفها، بينما وقف صاحب المحل ينادي عليها، ولكنها لم تستمع إليه، بل خرجت مسرعة من المحل وعلى لسانها كلمة واحدة
-ناهد بقلق بالغ: ش، شاهي!
استقلت ناهد السيارة، وطلبت من السائق إيصالها إلى فيلا زيدان على الفور...
في ألمانيا
في الفندق
التقى خالد بمستر شرودر، وشكره على ما قدمه له ولأخيه وزوجته من مساعدات كثيرة، ورجاه ألا يتردد في الاتصال به في أي وقت، كما أوصاه على كل من أدهم ويارا، وتأكد من أن غالبية الأوراق المتعلقة بإستلام ميراث يارا شبه مكتملة، ولا ينقصها إلا فقط التوقيعات الأخيرة..
كما قام خالد بإنهاء إجراءات إقامته في الفندق ودفع حسابه بالكامل، بالإضافة إلى دفع الحساب الخاص بأدهم ويارا وحجز عدة أيام إضافية لهما..
تأكد خالد من أن جميع أوراق سفره جاهزة، وأن جواز السفر بحوزته، ثم استعد للذهاب إلى المطار...
في شركة الصياد
في مكتب رأفت
توجه رافت إلى شركته منذ الصباح الباكر، وتلقى طوال الطريق إلى مكتبه التهنئات والتبريكات على زفاف ابنة اخت زوجته، وقبل أن يدلف رأفت إلى داخل مكتبه، توجه إلى مكتب السكرتارية حيث وجد كارما جالسة على مكتبها وتباشر عملها..
ارتسم على وجهه ابتسامة صافية، ثم دلف إلى مكتب السكرتارية، لمحته السكرتارية وهو يخطو للداخل، فنهضت على الفور من مكتبها وقامت بتحيته، فإبتسم لها، ثم نهضت كارما هي الأخرى وعلى وجهها ابتسامة عذبة..
اقترب المهندس رأفت من مكتبها، وظل ينظر إلى كارما بحنية أبوية، وتحدث معها بصوت خافت، بينما ظلت السكرتيرة تحاول استراق السمع ومعرفة ما الذي يدور بينهما..
تعالت ضحكات رأفت مع كارما، ثم مال ناحيتها برأسه وهمس لها بشيء ما، فأومأت برأسها ايجابيا، ثم انصرف، ومازالت السكرتيرة تتابع كلاهما بأعين ثاقبة...
-السكرتيرة في نفسها: ده الموضوع ريحته فاحت على الأخر
في فيلا رأفت الصياد
أمسكت فريدة بالشيك الذي تلقته من زيدان بأصابع يديها، وظلت تنظر إليه بأعين لامعة..
-فريدة بصوت خافت وبنظرات لئيمة: بكرة هاروح أصرف الشيك ده، أيوه، فرصة ورأفت مسافر أقدر أروح البنك براحتي وأحط الفلوس في حسابي..
دلف عمر فجأة إلى غرفة والدته فوجدها تمسك بشيك ما في يدها، فطوته على الفور، ثم نظرت إليه شزرا و...
-فريدة بحدة: مش تخبط قبل ما تدخل
-عمر باستغراب: ما أنا خبطت يا ماما، بس حضرتك مردتيش، أومال ايه اللي في ايدك ده؟
-فريدة بتردد: آآ، وانت مالك، وبعدين انت ايه اللي مصحيك الوقتي؟
-عمر وهو يعقد حاجبيه في اندهاش: ايه اللي مصحيني! عادي يا ماما، أنا بصحى كل يوم في الميعاد ده.
-فريدة وهي تشير بيدها: طب امشي اطلع برا
-عمر بدهشة: ايه يا ماما، مالك عصبية كده ليه؟
-فريدة بضيق: ولا عصبية، ولا حاجة! أنا عاوزة ألبس، يالا اطلع برا
-عمر بضيق في نفسه: أنا غلطان اني جيت أصلا هنا..
في فيلا زيدان
وصلت ناهد بسيارتها إلى فيلا زيدان، فلمحت ببصرها أن بوابة الفيلا موصودة، ثم أشارت للسائق لكي يطرق باب الفيلا الحديدية حتى يتم السماح لها بالدخول..
ترجل السائق من السيارة، وتوجه لأحد رجال الحرس الخاص المرابطين أمام البوابة، ثم تحدث معهم للحظات، فأمسك أحدهم بجهاز ما في يده وتحدث عبره، ثم أشار له بعد دقائق بالدخول..
فتحت البوابة، ودلف السائق بالسيارة إلى الداخل حتى وصل إلى مدخل الفيلا، ثم ترجلت منها ناهد، وقرعت الجرس، ودلفت إلى داخل الفيلا بعد أن فتح لها الباب أحد الخدم...
قام أحد رجال الحرس الخاص لزيدان بالإشارة للسائق لكي يحرك السيارة إلى خارج الفيلا تماما، ذلك بناءا على أوامر زيدان..
أشارت الخادمة لناهد لكي تتوجه إلى غرفة الصالون، ثم توجهت هي إلى غرفة ما جانبية، ظلت ناهد تنظر حولها في ريبة شديدة، هي تخشى أن يكون قد أصاب ابنتها مكروه ما..
بعد دقائق خرج زيدان من الغرفة الجانبية، وعلى وجهه ابتسامة شيطانية، وما إن لمحته ناهد حتى انتفضت من على الأريكة على الفور، ونظرت إليه بأعين متوجسة..
اقترب زيدان بخطوات واثقة منها، ثم وقف في مواجهتها وهو واضع لكلا يديه في جيبه، ورمقها بنظرات غريبة متهكمة و..
-زيدان بنبرة متهكمة: خير يا حماتي
-ناهد بنبرة خائفة: آآآ، بنتي يا زيدان
-زيدان بحدة وهو يرمقها بإحتقار: اسمها زيدان باشا يا، يا هانم.
ابتلعت ناهد ريقها في خوف، ثم نظرت إليه بأعين خائفة و...
-ناهد بنبرة مترددة: آآآ، ماشي يا، يا باشا، فين بنتي
-زيدان وهو يلوي فمه: متلأحة فوق.
نظرت ناهد إليه بنظرات مصدومة وهي عاقدة حاجبيها في اندهاش تام و..
-ناهد بعدم فهم: ت، تقصد ايه؟
-زيدان بعدم اكتراث: اللي سمعتيه..
ثم تحرك زيدان ناحية الطاولة الرخامية، وانحنى بجسده قليلا ليمد يده ويمسك بالعلبة المعدنية المزخرفة، ويفتحها بإصبعيه، ويمسك بسيجاره الكوبي، ويشعلها بالولاعة الذهبية ويدخنها بشراهة..
صمتت ناهد وظلت تراقبه في قلق، ثم أخذت نفسا عميقا تستعيد به هدوء أعصابها و...
-ناهد بنبرة شبه هادئة: آآآ، زيدان باشا
-زيدان وهو ينفث دخان سيجارته: أها
-ناهد بتردد: آآ، العقد اللي آآآ، اللي انت كنت آآ..
-زيدان مقاطعا بنبرة أكثر قسوة: مزيف، ما أنا عارف.
فغرت ناهد شفتيها في صدمة، فهي قد شعرت أن دلوا من الماء المثلج قد سقط فوق رأسها و..
-ناهد بصدمة: معناه ايه كلامك ده؟
توجه زيدان إلى الآريكة، ثم جلس عليها ووضع قدما فوق الأخرى ونظر إليها ببرود تام و...
-زيدان بنبرة جافة: معناه يا مدام انك خدتي اللي تستحقيه
-ناهد فاغرة شفتيها: هااااه
-زيدان مكملا بنبرة متهكمة: اومال كنتي مفكرة اني هجازيكي عن اللي عملتيه بإيه؟
-ناهد وهي تعقد حاجبيها في دهشة: أنا عملت ايه؟
أنزل زيدان قدمه، ثم نهض عن الأريكة وسار ناحيتها وعلى وجهه علامات الضيق الواضحة، ثم وقف في مواجهتها، ونظر إليها بغل و..
-زيدان بحدة: انتي عارفة كويس انتي عملتي ايه، وهحاسبك عن كل حاجة عملتيها في عمي
-ناهد بخوف: ع، عمك؟
-زيدان بنظرات شرسة: ايوه عمي، هو أنا مقولتلكيش إن عدلي الباشا يبقى عمي
-ناهد بنظرات مصدومة: ايه، ع، آآ، عدلي.
-زيدان بنظرات حادة: ايوه، بس الصراحة أنا مكونتش هاعرف أوصلك لولا مساعدة اختك
-ناهد بأعين جاحظة: ف، فريدة
-زيدان وهو يوميء برأسه: أها، حقك تشكريها لأنها خدمتك خدمة العمر
-ناهد بصدمة: يعني فريدة كانت، كانت عارفة انت، انت مين
-زيدان وهو يلوي فمه: أيوه..
صمت زيدان للحظات لينفث دخان سيجارته مجددا، ثم نظر إلى ناهد بطرف عينه و..
-زيدان على مضض: صحيح أنا لسه مكسرتش ضهرك ولا بكيتك بدل الدموع دم، بس بدأت بأول حد يهمك
-ناهد برعب بالغ: ب، بنتي، ش، آآ، شاهي!
-زيدان مبتسما ابتسامة شيطانية: أيوه بنتك المصونة، ربة الصون والعفاف، شاهي هانم بنت ناهد هانم الرفاعي
-ناهد برعب بالغ: انت، انت عملت في بنتي ايه؟
-زيدان بنبرة قاسية: ولا حاجة، يدوب خدت العلقة التمام اللي تستاهلها عشان طولة لسانها.
لم تتحمل ناهد أن تستمع إلى كلمة أخرى تخص ابنتها، وخاصة حينما أشار لها زيدان عن اعتدائه الوحشي عليها، فهجمت عليه كالمجنونة، وأمسكت به من ياقته، ولكنه أمسك بكلتا يديها وابعدهما عنه، ثم دفعها للخلف و...
-ناهد بفزع: انت عملت في بنتي ايه؟
-زيدان وهو يدفعها: قولي لسه معملتش فيها ايه!
-ناهد بصراخ: حرام عليك، دي، دي مالهاش ذنب في حاجة، دي، دي، آآآ...
-زيدان مقاطعا بنبرة قوية ومخيفة: اطلعي براااااااا..
-ناهد بنظرات متحدية: أنا مش هاطلع من هنا غير وبنتي معايا
-زيدان ببرود وتهكم: ده عشم ناهد، هع في الجنة..!
تسمرت ناهد في مكانها، غير مستوعبة لما يحدث معها، لقد انهار كل شيء في لحظة، بينما سار زيدان بضعة خطوات ناحية باب الفيلا، ونادى بنبرة قوية على حراسته الخاصة و..
-زيدان بلهجة آمرة: ارموا الولية دي برا.
دلف اثنين من رجال الحراسة الخاصة إلى داخل الفيلا، وبالفعل أمسك أحدهما بذراع ناهد ثم جرها رغما عنها إلى الخارج، وصفع زيدان الباب بعنف في وجهها، بينما ظلت هي تصرخ فيهم ب...
-ناهد بصراخ: بنتي مالهاش ذنب، بنتي مالهاش دعوة بحاجة، أوعوا كده، سيبوني أفهمه هي تبقى مين، يا زيدان بنتي دي تبقى آآ...
-الحارس الخاص بحدة: اخرررسي يا ست انتي، مش ناقصين وجع دماغ
-ناهد وهي تقاومه: خليني أكلمه، دي بنتي آآآ...
دفع رجال الحراسة الخاصة ناهد الرفاعي دفعا إلى الخارج، ثم أغلق أحدهم البوابة الحديدية، بينما أمسكت هي بقضبان البوابة وظلت تطرق بكل عنف على زجاجها ولكن لا حياة لمن تنادي...
أدركت ناهد أنها قد باعت ابنتها – بلا وعي منها – إلى الشيطان...
في غرفة النوم
تململت شاهي بتآلم في الفراش، وحاولت أن تنهض عنه، ولكن كل جسدها يؤلمها، فهي تكاد لا تقو على النهوض..
تحاملت شاهي على نفسها، ونهضت عن الفراش ثم جرجرت فستانها الممزق خلقها ودلفت إلى المرحاض.
تأملت شاهي هيئتها المزرية في المرآة فذرفت الدموع على الفور لأنها تذكرت ما حدث معها من وحشية بالأمس، رأت عينيها المتورمتين، والكدمات التي تغطي أسفل فكها، وأثار الخدوش على عنقها، فتحسست بأصابعها كل هذا بآلم مرير، أطرقت شاهي رأسها في حزن، ومدت يدها وأمسكت بالصنبور وأدارته ثم بدأت تغسل وجهها وهي تبكي بحرقة..
تحركت شاهي بعيدا عن الحوض، ونزعت عنها فستانها الممزق ثم ألقت بجسدها المتعب والمصاب أسفل المياه المنهمرة من ( الدش ) لعلها تغسل همومها وتخفف آلامها..
آنت شاهي كثيرا من الآلم، وامتزجت دموعها مع المياه المنهمرة، هي وقعت في فخ الشيطان، ولم تكن تعلم بهذا...
انتهت شاهي من الاغتسال ثم جففت نفسها وارتدت منامتها الحريرية ذات اللون الأحمر القاتم ومن فوقها ارتدت روبا حريرا من نفس اللون، ودلفت خارج المرحاض لتتفاجيء بزيدان جالسا على الآريكة واضعا قدما فوق الأخرى، ومسندا لساعديه على ذراعي الأريكة، ويرمقها بنظرات مخيفة وعلى وجهه ابتسامة خبيثة...
شهقت شاهي حينما رأته، ووضعت كلتا يديها أمام صدرها، وارتعدت فرائصها، ونظرت إليه بأعين خائفة..
نهض زيدان من على الآريكة حينما رأها، ثم سار نحوها بخطوات ثابتة، بينما انكمشت هي على نفسها، وظلت تنظر إليه بتوجس وقلق بالغ..
وقف زيدان أمام شاهي، فأغمضت هي عينيها في رعب بالغ، وعجزت عن التنفس أمامه، فاقترب هو أكثر منها، ثم رفع ذراعيه عاليا، وحاصرها بينهما، ثم مال برأسها ناحيتها وأخذ يشتم رائحتها، بينما شعرت هي بالرجفة تعتري جسدها من طريقته المقززة معها..
ثم همس في أذنها ب...
-زيدان هامسا بنبرة مخيفة: صباحية مباركة يا عروسة.
أرخى زيدان أحد ذراعيه، ثم مد أصابعه وأمسك بخصلات شعرها المبتلة وظل يعبث بها ويلفها حول إصبعه، بينما ظلت شاهي صامتة ومغمضة العينين عاجزة عن الكلام..
-زيدان مبتسما بشراسة: أمك كانت هنا.
فتحت شاهي عينيها، فوجدت المسافة تكاد تكون شبه منعدمة بينهما، وحاولت أن تجبر نفسها على تحمل ذلك القرب البغيض منه و..
-شاهي بصوت ضعيف: مامي..
-زيدان وهو يوميء برأسه: أها..
ابتسم زيدان لشاهي ابتسامة خبيثة، ثم خفض بصره ناحية شفتيها، وظل يتأملهما برغبة، بينما ابتلعت هي ريقها مجددا بصعوبة، وحبست أنفاسها...
حاولت شاهي أن تستجمع قوتها، وتدفع زيدان بعيدا عنها خاصة حينما مال برأسه ناحية شفتيها المتورمتين من ضرباته الوحشية عليها ليقبلها..
ترك زيدان شاهي تدفعه لتتحرر منه، وتبتعد عنه وتتجه ناحية الباب، بينما رمقها هو بنظرات لئيمة و...
-زيدان متسائلا: رايحة فين يا عروسة، وسايبة جوزك.
التفتت شاهي إليه وعلى وجهها المتورم علامات الغضب و..
-شاهي بنبرة شبه حادة: أنا هامشي مع مامي.
تعالت قهقهات زيدان عاليا، ووضع كلتا يديه مجددا في جيبه، ونظر إليها بأعين واثقة و...
-زيدان مبتسما: بقولك هي مشت
-شاهي بحدة: انت كداب، وأنا مش هاعد لحظة واحدة معاك، أنا بقرف منك، وبكره نفسي وأنا موجودة في مكان واحد معاك.
جز زيدان على أسنانه من الغيظ، ثم أخرج يديه من جيبه، وأشار لها بإصبعه محذرا و...
-زيدان بنبرة جادة: فكري بس تعتبي برا باب الفيلا وانتي هاتشوفي اللي هيجرالك
-شاهي بتحدي: مش هاخسر اكتر من اللي خسرته.
لم تنتظر شاهي طويلا حيث ركضت مسرعة خارج الغرفة، وتوجهت ناحية الدرج، وأمسكت بالدرابزون، ونزلت مسرعة عليه..
ركض زيدان خلفها، وحاول أن يمسكها، ولكنها رغم آلامها تحركت بخفة، وكادت أن تصل إلى باب الفيلا وتمسك بمقبضه، ولكنه أمسك بها من كتفيها بذراعه القوية فأوقفها..
التفتت هي بجسدها لتواجهه وظلت تضربه بحدة على صدره بكلتا يديها وهي تصرخ عاليا، ثم حركت ذراعيها بطريقة هيسترية محاولة خربشته بأظافرها مجددا، ولكنه تراجع بجسده للخلف ليتفادها، ومد ذراعيه وأمسك بمعصميها بقوة، وحاول ضمهما معا في قبضة واحدة، وبالفعل نجح في إمساكهما، ثم انحنى بجسده ناحيتها، ومد ذراعه الأخر أسفل ركبتيها وحملها قسرا فوقه كتفه، وسار بها نحو الدرج، بينما ظلت تركل هي بقدميها في الهواء، وصراخها لم يتوقف...
-زيدان بضيق واضح: واضح كده ان اللي حصل امبارح مجبش نتيجة معاكي
-شاهي وهي تصرخ: سيبني يا مجرم، انت حيوان، هتدفع تمن كل حاجة عملتها فيا
-زيدان بشراسة: مش قبل ما أخد حقي منك ومن عيلتك...!
وصل زيدان إلى غرفته وعلى وجهه علامات الحنق الشديد، ثم ألقى شاهي بعنف على الفراش، حاولت هي أن تنهض من عليه، ولكنه منعها، وثبت ذراعيها على الفراش بعد أن أبعدهما عن بعضهما البعض، ثم اعتدى بطريقة وحشية عليها، وإنهال عليها باللكمات والصفعات، حتى انهارت أخر مقاومة لها بين يديه، وفقدت وعيها مجددا، بينما أكمل هو انتقامه الحيواني منها...
في ألمانيا
في المطار
سمع خالد النداء الأخير الخاص برحلته، فتنفس الصعداء لأنه أصبح قريبا جدا من العودة مجددا لأرض الوطن..
نظر خالد إلى جواز السفر الخاص به، ثم سار تجاه بوابة الدخول بخطوات سريعة، وارتسم على وجهه نظرات جادة وحادة خاصة حينما تذكر حقيقة تلك الموظفة الجديدة و..
-خالد بتوعد: حضري نفسك يا بنت الأبلسة للي جاي..!
في شركة الصياد
في مكتب رأفت
عمد المهندس رأفت إلى تكليف أحد موظفيه بتخليص كل الاجراءات المتعلقة بحجز التذاكر واستخراج التأشيرات الخاصة بالسفر إلى العاصمة البريطانية لندن في المساء..
ثم اتصل هاتفيا بزوجته الثانية السيدة صفاء، وأكد عليها أن تعد نفسها للسفر الليلة، فرحت صفاء كثيرا حينما علمت بهذا، فهناك أمل في شفائها، حتى لو كانت نسبته ضئيلة..
كما أوصى المهندس رأفت زوجته بألا تحمل عناء أو هم أي شيء، فهو سيتكفل بابنتيها في غيابه، وكلف أحد الموظفين بمتابعة كل ما يخصهما دون علم من أحد..
بالإضافة إلى هذا، اتصل المهندس رأفت بمدير الحسابات في الشركة، وطلب منه أن يصرف مكافأة مجزية لكارما حتى تستطيع أن تشتري ما تريد دون انتظار أول الشهر لكي تتقاضى راتبها، ولكنه لم يرد إخبارها بهذا الآن حتى لا ترفض المكافأة، وفضل أن تتلقاها غدا في غيابه..
رفع رأفت سماعة هاتفه وطلب من السكرتيرة أن ترسل له كارما لأمر عاجل..
عقدت السكرتيرة حاجبيها في امتعاض، ولوت فمها في ضيق، ثم تحركت ناحية مكتب كارما و...
-الكسرتيرة على مضض: كلمي البشمهندس يا، يا آنسة.
استغربت كارما من طريقة السكرتيرة معها، ولكنها لم تعقب على كلامها، بل نهضت عن مكتبها، وسارت بخطوات سريعة ناحية باب مكتبه..
ظلت السكرتيرة ترمقها بنظرات احتقارية، وتزم في سيرتها ب..
-السكرتيرة بصوت خافت: بت مالهاش زابط ولا رابط، بلفت الجدع تحت باطها، آآآخ من أشكالكم ال**** آآآخ..!
طرقت كارما الباب قبل أن تسمع صوت المهندس رأفت سامحا لها بالدخول إلى مكتبه..
أمسكت كارما بمقبض الباب ثم أدارته بخفة وفتحت الباب، فأشار لها المهندس رأفت حينما رأها بيده لكي تدلف، ثم أشار لها مجددا لكي تغلق الباب من خلفها، فامتثلت لأوامره.
سارت كارما بضعة خطوات حتى وقفت أمام مكتبه، فنهض هو عن مقعده، ودار حول مكتبه لكي يقف أمامها ويواجهها..
أخبر رأفت كارما عن تلك الأخبار السارة التي تتعلق بوجود أمل في العلاج لوالدتها القعيدة، تهللت أسارير كارما، وارتسمت السعادة على وجهها، وظلت تشكر المهندس رافت على تكبده العناء في هذا الأمر، فمد هو يده وأمسك بكف يدها وربت عليه في حنية أبوية و..
-رأفت مبتسما: يا بنتي ده واجبي، مامتك غالية عندي أوي، أنا والله ما عارف أوصفلك شعوري
-كارما بنبرة سعيدة: أنا اللي مش عارفة أقول لحضرتك ايه، بجد انت ربنا بعتك لينا عشان تعوضنا عن اللي فات، وعن غياب بابي الله يرحمه
-رأفت مكملا: ويحسن إليه، أنا مش عاوزك تقلقي ولا تشيلي هم أي حاجة، أنا وعدت مامتك إني هاكون مسئوا عنكم، وإن شاء الله ربنا يعني.
كاد الفضول أن يقتل السكرتيرة وهي في الخارج لتعرف ما الذي يدور داخل المكتب، فهي تظن أن هناك علاقة ما شبة آثمة بين الموظفة اللعوب كارما ورب عملها المهندس رأفت، لذا تحججت بأن هناك أوراق هامة تحتاج إلى توقيع رأفت على الفور، وقررت أن تدلف إلى داخل المكتب...
بالفعل فتحت السكرتيرة الباب فجأة لتتفاجيء بالمهندس رأفت ممسكا بيد كارما بين راحتي يده، وما إن رأها كلاهما حتى سحبت كارما يدها في إحراج شديد، وأطرقت رأسها في خجل، و...
-السكرتيرة بصدمة وبلسان متلجلج: آآآ، سوري يا رأفت بيه، بس أنا، آآ، قصدي كان في ورق عاوز امضت حضرتك وآآ، وأنا خبطت بس آآ، حضرتك مردتش.
نظر رأفت إليها بنظرات غاضبة، ونهرها بشدة على ما فعلت و..
-رأفت بنرفزة: إياه تتكرر الحركة دي تاني، مفهوم
-السكرتيرة وهي توميء برأسها: ح، حاضر.
ظلت كارما تعض على شفتيها من الخجل، بينما نظر إليها رأفت بنظرات عادية و..
-رأفت وهو يشير بيده: اتفضلي يا آنسة كارما على مكتبك.
أومأت كارما برأسها، ثم سارت بخطى سريعة ناحية باب المكتب، فمرت بالسكرتيرة التي رمقتها بنظرات احتقار، ثم دلفت للخارج، في حين أكملت السكرتيرة خطواتها ووضعت الأوراق على المكتب، وانتظرت أن يوقع عليها المهندس رأفت...
في فيلا ناهد الرفاعي
عادت ناهد إلى فيلتها وهي منهارة تماما مما حدث لابنتها، ظلت تلقي بالأشياء وتحطم بعنف ما تطاله يديها، وقفت تبكي بحرقة و...
-ناهد بنبرة عصبية: أنا السبب، أنا، أنا اللي عملت في بنتي كده، أنا اللي رميتها بإيديا دول في النار..
جثت ناهد على ركبتيها، وظلت تضرب الأرض الصلبة بقبضتي يدها، ثم نظرت أمامها وعينيها حمراوتين من كثرة البكاء و..
-ناهد بصوت باكي: أنا، أنا لازم أتصرف، لازم الحق بنتي وانقذها من بين ايديه، بس، بس أنا لو قولت انها بنت عدلي هابقى فتحت على نفسي باب جهنم، وضيعت كل حاجة و، آآ، ويمكن أروح في داهية، طب أتصرف ازاي؟ أعمل ايه يا ربي!
ظلت عبارات زيدان تتردد في آذان ناهد لدرجة أنها وضعت كلتا يديها على أذنيها لتمنع صدى صوته من الرنين في أذنيها..
ولكنها جحظت عيناها حينما تذكرت الدور الذي قامت به فريدة للإيقاع بها وبإبنتها..
سلطت ناهد بصرها في نقطة ما بالفراغ، وظلت تنظر بنظرات حانقة وبأعين مشتعلة من الغيظ و...
-ناهد وهي تجز على أسنانها بتوعد: فريدة، انتي السبب في المصيبة اللي انا وقعت فيها، أنا، أنا مش هعدي اللي حصل ده، وهاردلك اللي عملتيه فيا وفي بنتي أضعاف وأضعاف...!
في مطار القاهرة الدولي.
في المساء، وصلت الطائرة القادمة من العاصمة الألمانية برلين إلى الأراضي المصرية، وبعد برهة تمكن خالد من الانتهاء من إجراءات الوصول، ثم أمسك بحقيبته وسحبها خلفه، وتوجه إلى الجراج الملحق بالمطار ليستقل سيارته المصفوفة هناك، ويعاود أدراجه إلى الفيلا...
لم يبلغ خالد أي فرد من أفراد عائلته بأمر عودته، ركب السيارة، ثم وضع يديه على المقود، وانطلق بها مسرعا بعد أن ضغط على دواسة البنزين...
في نفس التوقيت بفيلا رأفت الصياد
جهز رأفت حقيبة سفره، ثم دلف إلى خارج الغرفة بعد أن أمر الخادمة صباح بوضع الحقيبة في صندوق سيارته..
نظرت فريدة إليه وهو ينزل على الدرج بنظرات غريبة و..
-فريدة بامتعاض: هتطول؟
-رأفت باقتضاب: والله على حسب
-فريدة وهي تزفر في ضيق: اوووف، يا خوفي يكون وراك مصيبة
-رأفت بضيق: لا حول ولا قوة إلا بالله، ارحميني شوية يا فريدة، خليني أسافر وأنا مش متعكنن.
-فريدة بحدة: ماهو لو انت صريح معايا كنت أطمن
-رأفت على مضض: واضح كده ان الكلام معاكي مامنوش فايدة، انا ماشي..
انصرف رأفت، وتوجه ناحية سيارته، بينما عقدت فريدة ساعديها في ضيق، وظلت تتابعه ببصرها وهو يرحل مبتعدا عنها و...
-فريدة بنظرات متوعدة: يا ويلك يا رأفت لو كنت بتعرف حد عليا..!
في منزل كارما هاشم
أعدت كارما حقيبة والدتها، واطمأنت أن كل ما تحتاج إليه موجود بداخلها، طلبت السيدة كارما من ابنتيها ألا ترافقاها عند ذهابها إلى المطار لأنها لن تتحمل نظرات الوداع في عيني كلتاهما..
وعلى مضض وافقت كلا من كنزي وكارما على طلبها هذا..
ظلت السيدة صفاء تنظر إلى ابنتها بأعين حانية و...
-صفاء بنبرة هادئة: خدي بالك يا كوكا من كنزي اختك، حطي عينك عليها كويس
-كارما وهي تبتسم: حاضر يا مامي، متقلقيش، المهم حضرتك تاخدي بالك من نفسك، وإن شاء الله خيلا
-صفاء مبتسمة ابتسامة رضا: نتعشم في الله كل خير.
طرقت كنزي باب غرفة والدتها المفتوح، ثم دلفت للداخل، واقتربت منها، وجثت على ركبتيها أمامها و..
-كنزي بصوت حزين: مام بليز مش تزعلي مني، أنا عارفة إني غلطانة بس أنا مش عاوزاكي تسافري وانتي زعلانة مني
-صفاء وهي تمسد على شعرها: يا بنتي أنا خايفة عليكي، وعاوزة مصلحتك
-كنزي وهي تحتضن والدتها: وأنا بحبك أوي يا مامي.
نظرت كارما إلى والدتها، وأختها بنظرات حانية، ثم اقتربت من كلتاهما و..
-كارما مبتسمة: خلاص بقى يا جماعة، أنا هاعيط والله.
مدت كارما ذراعيها واحتضنت والدتها وأختها الصغرى، وكذلك فعلت الاثنتين...
-صفاء بصوت خافت: خدوا بالكم من بعض يا بنات
-كارما وهي توميء برأسها: حاضر يا مامي
-صفاء وهي تربت على كتف ابنتها كنزي: وانتي يا قلبي، اسمعي كلام اختك
-كنزي وهي تجفف دموعها بطرف أصابعها: اوكي يا مامي
-صفاء مبتسمة في امتنان: ربنا يخليكم لبعض يا حبايبي...
وصلت سيارة المهندس رأفت أسفل البناية التي تقطن بها زوجه الثانية، ثم ترجل من السيارة بعد أن طلب من السائق أن ينتظره..
توجه رأفت إلى مدخل البناية، وصعد في المصعد ووصل إلى الطابق الموجود به منزلها، ثم قرع الجرس، فأسرعت كارما ناحية الباب وفتحته.
ابتسم لها المهندس رأفت، وأشارت هي له بيدها لكي يدلف، ولكنه رفض وسأل عن والدتها، وبالفعل لمحها وهي تدلف إلى الخارج وهي تدفع مقعدها المدولب، فتوجه ناحيتها، ثم انحنى بجسده عليها وأمسك بكف يدها ورفعه إلى فمه برفق وقبله..
ودعت السيدة صفاء ابنتيها، ثم مد رأفت يده وأمسك بالحقيبة وسحبها خلفه، بينما دفعت كارما والدتها إلى المصعد، ولوحت لها كنزي بيدها مودعة إياها...
ساعد المهندس رأفت زوجته في الصعود إلى السيارة، بينما وضع السائق حقيبتها في الصندوق، ثم ركب رأفت السيارة، ولحق به السائق، وانطلق بها إلى المطار..
تابعت كلا من كارما وكنزي والدتهما وهي ترحل من الشرفة، واحتضنت كلتاهما الأخرى حزنا على فراقها...
في فيلا رأفت الصياد
فتح العم راضي البوابة لخالد حينما سمع صوت بوق سيارته وظل يهلل فرحة بعودته إلى الفيلا..
شكره خالد، وأكمل قيادته للسيارة حتى صفها بالجراج الملحق بالفيلا، ثم ترجل منها، وعرج إلى داخل الفيلا..
لاحظ خالد أن الفيلا هادئة، ولا يوجد بها أي صوت، نظر حوله بإمعان فلم يجد أي أحد، ولكنه سمع صوت التلفاز يأتي من غرفة المعيشة، فتوجه إلى هناك..
وبالفعل وجد والدته تشاهد أحد المحطات الفضائية..
-خالد مبتسما: مساء النور.
انتفضت فريدة فرحا حينما وجدت ابنها خالد أمامها، وسارت ناحيته لتحتضنه، وأسرع هو ليحتضن والدته..
عاتبت فريدة خالد على عدم إبلاغها بأمر عودته، ولكن حاول تبرير موقفه، ثم سألها عن أحوال الجميع، فأرادت هي أن تستغل الفرصة وتخبره بشكوكها حول وجود علاقة ما بين والده وإحدى الفتيات التي تعمل لديه..
نظر خالد إلى والدته بنظرات مشدوهة، فقد بدأ الأمر يأخذ محورا جديا، وأن والدته قد شعرت بهذا، لذا تأكدت مزاعمه بأن تلك الموظفة الجديدة لا تضيع وقتها، وتحاول جاهدة أن تسيطر على والده، وتسلب عقله، ووالده لا يعرف حقيقتها التي اكتشفها هو، فهي ذراع عدلي اللعين الذي لابد من قطعه فورا..
وكعادتها فريدة قامت بالتهويل والتضخيم من الأمور حتى اشعلت النيران في صدر خالد، وأوهمته أن البيت على وشك الانهيار بسبب نزوات والده مع تلك الفتاة...
نظر خالد إلى والدته وعيناه تبعثان شررا و..
-خالد بتوعد وهو يجز على أسنانه: خلاص يا أمي، أنا جيت، وكل حاجة هتبقى زي ما أنا عاوز، والبت دي هاتشوف أيام مكنتش تتخيل انها هتشوفها في حياتها
-فريدة بعدم فهم: يعني هتعمل ايه؟
-خالد بنبرة شرسة: هتعرفي بعدين يا أمي...!