رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع
هتفت نهى في نفاذ صبر بشهاب الذي يجلس قبالتها في غطرسة عجيبة: - اعلم ان هذا هو اخر شيك سأكتبه لك..
هتف شهاب في برود: - لا اشحذ منكِ، هذا بعض حقي..
صمتت فهى تعلم ان الحوار مع هذا الحقير لن يجدي فزيلت الشيك بامضائها وما ان همت بإعطائه إياه حتى دخل مهنى في عجالة هاتفا بأمر ما الا انه توقف لحظة ان شاهد ما يحدث فهتف بغضب وهو يتطلع الى شهاب في احتقار: - ماذا يفعل هذا الوضيع هنا!؟.
انتفض شهاب في غضب مماثل هاتفا: - انا لن اسمح لك ب..
قاطعه مهنى محتدا: - ومن انت لتسمح اولا تسمح!؟، وما الذي أتى بك الى هنا من الاساس!؟
هتفت نهى تحاول توضيح الامر: - لقد جاء ما ان علم بوفاة حياة حتى ينل نصيبه من إرثها و..
هتف مهنى في ثورة: - أي ارث أيها الحقير..!؟ لقد طلقتها وانتهى الامر، ولولا رغبة السيد السعيد في عدم احداث جلبة حول زواجكما حتى لا يمس ذلك سمعة العائلة لكنت انت وأختك الان بالسجن بعد كل ما فعلتهماه بحفيدته، والان تأتي بكل صفاقة مطالبا بمال ليس لك فيه مليم واحد!؟، أي فجور هذا!؟.
هتف شهاب يحاول الدفاع عن حقه المذعوم مدعيا الشجاعة رغم انه يرتجف داخليا امام ذاك الرجل العالم ببواطن الأمور: - حياة رحمها الله كانت زوجتي، لقد رددتها لعصمتي قبل انتهاء العدة بساعات قليلة..
هتف مهنى ساخرا: - الى ان تثبت ذلك، لا مكان لك هنا، تفضل، وأي تعامل مستقبلي مع عائلة السعيد سيكون من خلالي انا فقط..
خرج شهاب مسرعا مدعيا الحنق وهو في الحقيقة هرول خوفا وهربا من ذاك الرجل الذي تطلع الى نهى عاتباً في رقة وقد تبدلت حاله في لحظة وهو يسألها: - لمَ لم تخبريني بأمر ذاك الحقير!؟.
هتفت نهى في اضطراب: - آسفة سيد مهنى، لم اكن ارغب في تحميلك كل الأمور يكفيك ما هو على عاتقك بالفعل، كما اني كنت اعتقد ان الامر سينتهى عند إعطائه بعض المال لكن يبدو انه لن يشبع..
ابتسم مهنى مقتربا منها هامسا في ود: - حسنا، لا بأس، لكن رجاءً اخبريني بأي امر يحدث بعد ذلك، فامورك، اقصد أمور كل عائلة السعيد والتي ستؤل اليك يوما ما بعد عمر طويل لجدك، تهمني، تهمني بشدة..
وابتسم في رقة ورحل مخلفا إياها تتعجب من أحواله تجاهها مؤخرا..
دفع باب كوخه خارجا منه وهتف صارخا في ضيق: - انا لن أستطيع تحمل هذا الوضع اكثر من ذلك، انا رجل ولي احتياجات..
كانت بالفعل تجلس امام كوخها تتطلع للبحر قبالتها فجفلت لثورته ونظرت اليه شذرا هاتفة: - و ماذا علىّ ان افعل بأعتقادك!؟، فلتذهب للجحيم انت واحتياجاتك..
هتف بغيظ: - انا في الجحيم بالفعل و احتياجاتى تصاحبنى هناك ليل نهار، انا لا أعلم لما ترفضين طلبي، انه طلب بسيط و لن يضراحد..
هتفت صارخة: - طلب بسيط!؟، انت تطلب جسدي يا رجل..
هتف مصححا: - انا اطلب الزواج بكِ يا امرأة، الزوااااااااج..
هتفت صارخة في ثورة: - اى زواج يا هذا ونحن فى هذا الوضع..
واشارت للفراغ حولها مستطردة: - اى زواج دون مأذون او شهود!؟.
هتف فى نبرة هادئة قدر إمكانه محاولا إقناعها: - وماذا علينا ان نفعل!؟، لا شهود فنحن الأحياء الوحيدون بالجزيرة، ولا مأذون بالطبع..
هتفت ساخرة: - حتى انه لا اوراق اواقلام لتوثيق الزواج..
هتف ساخرا بدوره: - ما رأيكِ لو جثوت على ركبتي طالبا يدكِ مثلما يحدث في الأفلام فقد يفلح الامر!؟، وساعتها اخبرك ان السماء والبحر هما شاهدا عقدنا الأبدي..
هتفت متجاهلة سخريته: - قد اقبل ما تقول ان كنت احبك بالفعل، لكني لا اسلم جسدي لرجل لا احبه..
هتف مؤكدا: - اذن احبينى، أمامك ثلاث ليال كاملة هى كل ما املك من صبر حتى تحبيني..
قهقهت هاتفة: - انت غير معقول، لديك اجابات شافية ومقنعة وحل لكل معضلة..
هتف في مرح: - هاقد بدأتِ فى محبتي، الخطوة الاولى لا بأس بها، استمرى و صدقينى خلال ثلاث ليال ستكونين غارقة حتى النخاع فى غرامي..
قهقهت من جديد وهتفت متسائلة: - واذا مرت الثلاث ليال ولم يحدث ان أحببتك..
ما الحل يا ترى!؟.
هتف مؤكدا فى مجون: - ساعتها سأجعلك تتمنين لو انك فعلت حتى ولو ادعيت كذبا انك احببتنى فعندها سأطلق رغباتي الدفينة تركض خلفك في الجزيرة بأسرها ووقتها..
واقترب هامسا فى عبث: - اما ان اقتلك عشقا اوتقتليننى دفاعا عن الشرف..
وعاد يتحدث بمنطقية مستطردا: - و صدقينى، انتِ الخاسرة فى كلتا الحالتين..
خسارتك الأولي فقدانك تجربة فريدة من نوعها بين ذراعيّ، والخسارة الثانية، هى خسارتي انا شخصيا اذا ما قتلتني لانك ستكونين وحيدة وستموتين قهرا فى اثري لانكِ تعلمين جيدا انك لن تستطيعي البقاء بمفردك على تلك الجزيرة..
صمت اخيرا بعد تلك المحاضرة المسهبة في سرد فوائد ومنافع الإزعان لمطلبه المجنون لتنظر اليه دون ان تعقب بكلمة مما استرع انتباهه ليهتف من جديد في محاولة أخرى لإقناعها: - صدقينى، قد نموت هنا بتلك الارض وحيدين، من سيعلم بما فعلنا، ومن..
قاطعته فى تأثر هاتفة: - الله يعلم أيها الأجوف..
هزه قولها داخليا وهتف بدوره: - الله شاهد على ما نحن فيه، ثم ماذا تعنين بأجوف!؟.
ابتسمت وهى تتطلع للأفق البعيد هامسة: - نعم اجوف، فالزير الفارغ يصدر صوتا اجوفا عند الطرق عليه، يا زير النساء..
قهقه هاتفا في فخر: - هذا شرف لا ادعيه، هتفت في غيظ: - هذا حمق تغرق فيه..
هتف مشاكسا: - اشم رائحة شئ ما يحترق هاهنا، هل هى الغيرة يا ترى!؟.
هتفت مؤكدة في هدوء: - انا لا اشعر بالغيرة مطلقا..
هتف مشاكسا من جديد: - اذن فلست امرأة!؟، فما من امرأة لا تغار، فما اروع الغيرة على من نحب!.
ابتسمت فى حسرة ولم تعقب وأشاحت بوجها عنه متطلعة للأفق البعيد لعلها تحاول تناسي ذاك الجرح النازف داخلها ونهضت مبتعدة تتحاشى التطلع اليه ليهتف هو خلفها: - و ماذا عن عرضي الذي لن يتكرر!؟.
هتفت ساخرة دون ان تستدير اليه وهى لاتزل تبتعد: - أحقا لن يتكرر!؟، هذا هو عرض الزواج رقم كم!؟.
هتف مازحا: - لا أتذكر، كررته وسأظل اكرره مرارا حتى انك قد تقبلين فقط حتى اكف عن الحاحي..
اتسعت ابتسامتها وتوقفت تستدير متطلعة اليه لا ترغب في رفض اخر قد يجعله ينأى عنها بشكل لن تطيقه فهتفت: - اذن أعدكِ التفكير فى عرضك المغري..
صفق منتشيا وهتف خلفها بصوت عال وقد ابتعدت بالفعل: - اشكركِ يا عروسى المنتظرة..
قهقهت هامسة: - لقد فقد عقله كليا..
صرخت شادية في غضب هادر: - أخبرتك ان ذاك الامر لن يستمر طويلا، وان تلك المبالغ الزهيدة التي تحصل عليها لا تسمن ولا تغن، لكن منذ متى تستمع لنصائحي!؟
صمت شهاب مهادنا وهو يعلم ان لأخته الحق في ثورتها فقد كان يصرف تلك الشيكات التي تعطيها له نهى ويأتي لها بالفتات حتى يسد نهمها للمال ويحتفظ بالأكثرية لنفسه، تنهد في ضيق مصطنع: - انتِ تظلمينني، انا افعل ما تمليه علىّ بالحرف، وأنفذ كل نصائحك دون تأخير، ماذا يمكن ان افعل اكثر مما فعلت!؟.
هتفت في لهجة شيطانية: - ليس أمامنا الا الحل الأخير..
تطلع اليها شهاب مترددا وهمس في اضطراب: - اتقصدين..
لم تمهله ليكمل بل هتفت في حماس: - اجل، لم يعد أمامنا الا هذا الحل، وستنفذه من فورك، دعنا ننه هذا الامر ونحصل على المال ونرحل من هذا المكان العفن..
اومأ شهاب إيجابا في استسلام تام لا طاقة له لمعارضة شادية وهى بتلك الحالة التي قذفت الرعب بقلبه وجعلته ينصاع لما تأمر في طاعة عمياء..
كانت تجلس على اعتاب كوخها الخشبي تتطلع للافق البعيد ولم تتنبه الى ذاك المتجه للبحرالا عندما دخل الى مجال رؤيتها فانتفضت متعجبة لما يفعل فالشمس اوشكت على المغيب وهو يفكر في النزول للبحر في هذا الوقت، اندفعت تتجه اليه وما ان وصلت لموضعه حتى هتفت خلفه متسائلة: - الي اين!؟، هل تفكر في النزول للبحر في تلك الساعة!؟.
اكد بايماءة وبلهجة واثقة: - وماذا في ذلك!؟، انها افضل أوقات اليوم للسباحة بالنسبة لي..
واستدار مواجها لها مازحا: - وقد يحالفني الحظ واقابل اتارجاتيس..
تسألت في تعجب: - من هذه!؟.
هتف يغيظها متجها للبحر: - سأخبرك عندما اعود عن قصتها او ربما مع بعض الحظ قد اقتادها لك لتقابلينها شخصيا..
هتفت تستوقفه وهى تشعر بالرعب ان تصبح وحيدة على الشاطئ وهو يسبح بالبحر وقد حل الظلام: - ارجوك، اخبرني الان..
تطلع نحوها وبرقت عيناه ببريق عابث وهتف مقايضا إياها: - حسنا سأقص الحكاية لكن على شرط..
هتفت متعجلة: - ما هو!؟.
اكد مبتسما: - نتسابق سباحة، ما رأيك!؟، تطلعت للبحر ولونه الذي بدأ يميل للقتامة مع إرخاء الليل لسدوله وعاودت النظر اليه هامسة: - الان!؟، الا يمكن ان..
هتف مقاطعا إياها: - نعم، الان، دعينا ننعم ببعض الاثارة..
همست بتردد: - حسنا، ولما لا!؟.
هتف مستحسنا: - رائع، اتفقنا..
جلس ضاما ركبتيه لصدره لتحذو حذوه ليهمس بذاك الصوت الرخيم الذي يتملكه ما ان يبدأ في قص احدي أساطيره الشيقة والذي يجعلها بعالم اخر تماما تشعر بشغف طفلة صغيرة لسماع حكايا ما قبل النوم: - اتارجاتيس هى احد الاله القديمة وام الملكة الاشورية سميراميس، كانت تحب بشريا لكنها قتلته عن طريق الخطأ فشعرت بالذنب وما عادت قادرة على العيش على الأرض فألقت بنفسها في الماء لتعيش فيه بجسد النص العلوي لبشرية والنصف السفلي لسمكة..
هتفت حياة مبهورة: - تقصد عروس البحر!؟.
اكد مبتسما لانبهارها الذي يسعده: - نعم، هى كذلك، تقول الاساطير ان عروس البحر دوما ما تكون قريبة من شواطئ الجزر، تتمدد احيانا على صخورها عندما تمل الماء وتأخذ في الغناء بصوت عذب عندما ترى السفن تقترب فيشعر البحارة بالنشوة ويفقدون السيطرة على سفنهم، همست متعجبة: - ألهذه الدرجة صوتهن عذب!؟.
اكد مبتسما: - صوتهن ساحر يخدر المشاعر ويسلب الارادة، كما ان دموعهن غالية القيمة، تسمى الزمرد الريحاني ، تلك الدموع يقال انها تعطي القدرة على الوصول الى ينبوع الشباب الابدي..
واستطرد متنهدا في نبرة عابثة: -هذا بالنسبة لدموعهن ما بالك بقبلاتهن!؟.
نظرت اليه نظرة ان كف عن عبثك ليقهقه مستطردا: - صدقا هذا كلام الأسطورة، فالقبلة من احداهن تمنحك القدرة على العيش تحت الماء والاستبصار ومعرفة مكنونات البشر وكذا القدرة على شفاء الامراض..
هتفت ساخرة: - يا لها من مميزات، تستحق التجربة حقا..
اكد متطلعا اليها في رغبة لاغاظتها: - اتمنى لو احصل على احداها لاستبصر مكنونات روحك وعقلك..
همست ساخرة: - لم اكن ادرك ان مكنوناتي بهذه الأهمية لأي من كان، صدقني، ستشعر بالندم لو ادركت بعضها، فهى لا تستحق لمعرفتها كل ذاك العناء...
ونهضت ما ان شعرت بان الحديث ينحى باتجاه لا تستسيغه هاتفة: - حظا سعيدا مع حوريتك..
هتف يستوقفها: - الى اين!؟، ووعدك بالمنافسة سباحة!؟.
توقفت تفكر للحظة واخيرا استدارت عائدة اليه هاتفة: - حسنا، فانا لا اخلف وعدي، رغم ان القصة لا تستحق هذه المخاطرة، ضحك دون ان يعقب على رايها شارحا: - نهاية السباق عندما تنتهي من عد عشر ضربات للماء بذراعيكِ، اتفقنا..
هزت رأسها موافقة وهى تحكم ربط غطاء رأسها حول عنقها، توغلا لداخل الماء وما ان وصلا لنقطة عمق مناسبة حتى هتف معلنا بدء السباق ليندفع كلاهما لداخل الماء، لحظات مرت وكلاهما يضرب الأمواج بكلتا يديه في قوة، وما ان أنهت حياة العدات العشر حتى رفعت رأسها مستطلعة موضعة لتجده خلفها بقليل، أمعنت النظر قليلا تحت ضوء القمر الذي سطع بدرا فوقهما فأدركت ان هناك شيء ما غير طبيعي يحدث، حاولت التركيزواخيرا استطاعت إبصار جسده يهبط ويصعد بين الامواج..
اندفعت في ذعر نحوه صارخة لا تعرف ما عليها فعله الا السباحة نحوه وكل ما جال بخاطرها لحظتها هو انقاذه مهما كان الثمن، وصلت موضعه واتته من الخلف كما تعلمت من دورة الإنقاذ التي اجتازتها منذ عدة
سنوات وبدأت في تطويق جسده قبل ان يغيب تحت الماء مجددا..
اخذت في سحبه وإلقائه باتجاه الشاطئ رويدا رويدا ولعدة مرات حتى استطاعت ان تجذب جسده بصعوبة لتلق به على الرمال.
الندية وتسقط جواره تلتقط انفاسها في تتابع مضن لكنها لم تعط نفسها الفرصة لتستريح بل اندفعت نحوه تضغط على صدره وتتأكد ان باستطاعته التنفس، لكن صدره كان
متخشبا مما زاد من ذعرها لتبدأ في الضغط على صدره من جديد بكلتا كفيها ضغطات سريعة متتابعة، لكنه لم يستجب..
بدأت في الانهيار هامسة بأحرف متقطعة وصوت متحشرج وهى لاتزل تحاول إنقاذه: - ارجوك، استيقظ، رجاءً لا تتركني وحيدة، هيا تنفس، هيا..
قرر إنهاء مزحته الثقيلة هامسا: - المرحلة.
الاخيرة من إنقاذ احدهم هى قبلة الحياة، لكن يبدو اني لن انلها ولو كنت جثة هامدة، شهقت وسقطت دموعها الساخنة على خديه ففتح عينيه متطلعا الى الهلع البادي على قسمات وجهها الذي لايزل رطبا والماء الذي يقطر من غطاء رأسها الذي أحكمت ربطه حول رقبتها قبل نزولها والذي ارتخى قليلا فهتف وقد شعر بتأنيب ضميرعلى حالتها تلك والتي لم يتوقع ان تصل لهذا الحد من الفزع ابدا: - انا بخير، لن تكوني وحيدة حياة، اطمئني، انا هنا..
هتفت ما ان تمالكت أعصابها وصرخت بانفعال من بين شهقات نحيبها وهى تنهض مبتعدة: - ليتك لم تكن، ليتك لم تكن، واندفعت تحاول الهرولة لكن ملابسها المبللة جعلت خطواتها ثقيلة على الرمال، تطلع حيث كانت تغيب اللحظة وشعر بمدى حمقه ليعرضها لموقف كهذا..
تعالت تلك الهتافات السوقية داخل فيلا السعيد لتحثه على دفع كرسيه المدولب خارجا من حجرته ليرى لمن هذه الصيحات..
هتف شهاب في غضب: - اين انت أيها العجوز!؟، انا لن اتركك تهنأ لحظة واحدة..
هتف شهاب عندما لاح له السعيد قادما على كرسيه: - اين انت أيها الخرف!؟، اما كفاك ما فعلته بِنَا حتى تأتي اللحظة لتحرمني من حقي..
هتف السعيد بلهجة محتقرة موجها حديثه لمدبرة المنزل التي كان لها علم بكل مجريات الاحداث والتي كانت تقف ترتجف حرفيا من الصدام القادم: - عن أي حق يتحدث هذا الاخرق!؟.
اندفعت مدبرة المنزل تجاه شهاب هامسة من بين أسنانها في توسل: - ارجوك، لا تفعل، لن يحتمل الصدمة..
لكن شهاب لم يستمع لتوسلاتها وهتف شامتا: - اتحدث عن حقي في ارث زوجتي، حفيدتك المصون، حياة..
واقترب من كرسي السعيد منحنيا وهو يظهر له نعيها بالجريدة التي نشره احد أصدقاء جدها لمجاملته وهولا يعلم انه جاهلا بخبر وفاتها من الأساس هامسا في تشفِ: - رحمها الله..
اتسعت عينا السعيد عن آخرهما وهو يتطلع لصورة حفيدته بالجريدة ومد يديه بكفين مرتعشتين يمسك بها في اضطراب غير مصدق ما يقرأ، وما ان انتهى حتى رفع رأسه موجها حديثه لمدبرة المنزل في صوت متحشرج النبرات: - هل هذا الخبر صحيح..!؟.
كانت المرأة تبكي في قهر غير قادرة على الرد..
سكت الجد للحظات وأخيرا همس: - كيف حدث ذلك!؟، ومتى!؟.
دخلت نهى الفيلا مبكرة على غير العادة واندفعت تهرول لداخلها وما ان ابصرت شهاب والجريدة في كف جدها حتى ادركت ما يحدث فصرخت في غضب قاهر مندفعة في اتجاه شهاب تريد قتله ممسكة بتلابيه: - انت لست إنسانا، أخبرتك ان قلبه لن يتحمل، كيف دخلت الى هنا من الأساس مع كل تلك الحراسة بالخارج!؟.
ابتسم شهاب في سماجة: - أخبرتهم اني زوج حفيدة السعيد فلم يمنعني احد..
هتف جدها يستوقفها وهو يلتقط أنفاسه في عمق محاولا الثبات: - دعك من هذا الحقير واخبريني، كيف ومتى حدث هذا!؟.
دفعت نهى بشهاب بعيدا واجابت من بين شهقات بكائها المقهور: - سقطت الطائرة التي كانت تقلها وهى في طريقها الى هنا عندما علمت بمرضك، كان ذلك في اليوم الثاني لدخولك المشفى، لم نشأ ان نخبرك لان..
قاطعها الجد باشارة من كفه لتصمت مستطردة في بكائها موجها ناظريه لشهاب هاتفا به في لهجة امرة: - الي الخارج، ولا تطأ هذه الفيلا باقدامك مرة أخرى، ولا حق لك عندي أيها الحقير، السماء اقرب لك من ان تمس قرشا واحدا من مال حفيدتي الغالية..
هتف شهاب مزمجرا في ثورة: - سأفعل، فهى زوجتي..
هتف السعيد في ثبات: - لقد طلقتها وانتهى الامر..
هتف شهاب ساخرا: - لا لم ينته، لأني رددتها لعصمتي من جديد قبل ان تنتهى العدة ببضع ساعات ولي الحق في الارث، وسأخذه مليما مليما أيها العجوز المتعجرف، وسترى..
اندفع شهاب خارج الفيلا بعد تهديداته لتسرع نهى نحو جدها تلقي بنفسها قرب قدميه هاتفة في تضرع: - ارجوك يا جدي كن صلبا لأجلي، انا لن احتمل رحيل كلاكما، انت وحياة..
ربت السعيد على كفها التي كانت تقبض على كفه في توسل هامسا: - من قال ان حياة رحلت..
تطلعت اليه نهى في خوف معتقدة ان هذا الإنكار أعراض صدمة ما وانتفضت مسرعة ليسألها السعيد في تعجب: - الى اين!؟..
اكدت في اضطراب: - سأذهب لفصل كل الحراس على بوابة الفيلا والذين سمحوا بدخول هذا الوضيع كما اعتقد انه على الاتصال بالعم مهنى ليحضر و..
قاطعها الجد في ثبات: - بل اشكريهم لانه لولاهم ما كنت عرفت بما يدور من خلفي..
انسابت الدموع مجددا من عيني نهى ليهتف جدها في محبة: - لا تفزعي يا صغيرتي، انا لم اصب بالجنون بعد، انا على يقين ان حياة حية ترزق، قلبي يحدثني انها لاتزل على قيد الحياة، ولا داع لاستدعاء مهنى فيبدو انه لم يقم بما كان يتوجب عليه فعله وفى الأساس الامر اكبر من تدخله، حان وقت تدخلي انا، اذهبي واحضري هاتفي، هيا..
اطاعت نهى في تعجب، فهى المرة الأولي التي ترى فيها جدها بهذه الحالة، مر وقت طويل لم تظهر به شخصيته الواثقة القادرة تلك، ربما بعد انكساره بسبب موت ولديه وكذا مرضه، اما الان، فهى ترى السعيد كما كانت تراه ايّام والديها رحمهما الله، رجل محنك ومسيطر..
اختفت نهى داخل حجرته ليتطلع السعيد لتلك الصحيفة التي خلفها ورائه ذاك الحقير شهاب وما ان طالع ذاك الخبر المشؤوم من جديد حتى مزقها في عنف ملقيا بها بعيدا بطول ذراعه..
كان يعلم الي اين تتجه عندما تريد الاختلاء بنفسها نائية عنه بهمومها وأحزانها التي يراها دوما مطلة من شرفات عيونها العميقة النظرة المسربلة بالوجع..
صعد ذاك التل المتوسط الارتفاع والقريب من موضع كوخيهما ليصل لقمته فيجدها هناك توليه ظهرها وتلق بناظريها باتجاه البحر..
ادرك انها لاتزل تبكي من اهتزاز كتفيها فشعر بالمزيد من الذنب يكتنفه فاقترب في هدوء واضعا احدي السترات على كتفيها اتقاء للبرد وخوفا عليها من المرض مجددا وهمس بصدق: - انا اسف، اشعر بالحماقة لما فعلت..
انتبهت لوجوده فأسرعت بمسح دموعها المنسابة على خديها بظاهر كفها في سرعة وحاولت اجلاء صوتها هامسة: - لقد انتهى الامر..
حاول تغيير الاجواء القاتمة التي تعتريهما فهمس وهو يجلس بالقرب منها هامسا: - رأيتها بالمناسبة، لما أضعت تلك الفرصة الثمينة وازحت الزمرد الريحاني من على وجنتيكِ..
همست ساخرة: - انا لست احدي حورياتك، ولن أكون..
همس بصدق: - وانا لا أريدك ان تكوني، لانهن اوهام وانتِ الحقيقة، دموعهن محض أسطورة، ودموعكِ هى الواقع، تلك القطرات الساخنة هى الأغلى على الاطلاق من اى زمرد ريحاني مزعوم، هى الأثمن، لانها زرفت لأجلي..
أدارت وجهها باتجاهه وتطلعت اليه في اضطراب لترى على صفحة وجهه الصدق مجسدا بكل قسمة من قسماته، توترت وهمت بالنهوض الا انه امسك بكفها يعيدها لتجلس من جديد هامسا: - حياة، انا أريدكِ، ارغب فيكِ حد اللامعقول..
تطلعت اليه دون ان تنبس بحرف واحد ليهمس بلوعة من جديد: - حياة، اقبلي عرض الزواج رجاءً، اقبليه بحق السماء..
وقع ناظريها على كفها التي لايزل متشبثا بها غير راغب في اطلاقها حرة وكأنه على استعداد لاعتقالها جواره للأبد حتى يستمع لجوابها والذي لن يسمح لها بان يكون جوابا لا يرضيه لذا تنحنحت في اضطراب وشعرت بجسدها كله يرتجف توترا رغم ادعاء عقلها ان ذاك عائد لجلوسها في مهب الريح بملابس مبتلة وهمست بحروف متقطعة: - حسنا، انا موافقة..
انتفض صارخا في فرحة اجفلتها وجذبها لتنهض واقفة قبالته ليتطلع لعمق عينيها ضاما كفيها هاتفا في لهفة: - فليكن زفافنا الليلة اذن، فأنا لن احتمل نكوصكِ في عهدك..
اضطربت وهى تسحب كفيها من احضان كفيه هامسة وهى منكسة الرأس لا تقو على التطلع الي عينيه: - انا لا اخلف وعدا ولا انكص عهدا، فليكن زفافنا غدا مساء هنا على هذه الربوة..
مد كفه واضعا اياه اسفل ذقنها رافعا وجهها ليقابل نظراتها المضطربة حياءً وهمس في وله: - فليكن موعدنا الغد اذن، والسماء وحدها تشهد ايتها الشهية كم سيكون الصبر مرا كالعلقم حتى ذاك الوقت..
ارتجفت من جديد فشدت السترة لجسدها واندفعت هاربة من امامه عائدة لكوخها تحتمى به من تلك المشاعر التي اكتنفتها في حضرته والتي بدأت في اعلان الثورة على الذكريات الموجعة محاولة وأدها ورفع اعلام الفرحة من جديد على ارض الفؤاد..