رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل التاسع
( وعشقها ذو القلب المتبلد )
طرقات خافتة علي باب منزله جعلته يتوجه مسرعاً لفتح باب المتهالك، وقف مندهشاً حينما رأها تقف أمامه فقال بذهول:
_"أشجان"!...
رفعت عينيها الباكية له لتقف أمامه بسكون عجيب جعل خوفه يتمرد على ملامح الدهشة التى إستحوذت عليه، تركته يقف أمامها وولجت للداخل مسرعة وكأنها تجد الأمان بالداخل هروباً مما يلاحقها!...
أغلق" يوسف" الباب وإتبعها بخطوات بطيئة وصدمة وجهه تحاكي حديث طويلاً وأسئلة تزيد عنها أضعافاً، جلست على الأريكة ثم ضمت قدميها إليها كأنها لا تصدق أنها حظت بالحرية أخيراً من هذا المعتقل الذي ظنت بأنها ستمت به حتماً!، شعرت بملمس ينبع بالحنان يطوف ذراعيها الباردة فأستدارت بوجهها تجاه أخيها، إنكمشت ملامحها لتبكي بصوتٍ مسموع يحاكي آنينها وكناياتها، ألم سطر بصفحة ذكرياتها القاسية أخرجته عن طريق بكائها ودمعاتها التي خرجت دون توقف، إنسحبت الكلمات منه فتنازل عنها فالوقت ليس مصرح للحديث لذا ضمها بصمت حتى تهدأ تماماً...
بقصر "رحيم زيدان"..
تسارعت خطواتها للداخل هرباً من غضبه الجامح البارز بعيناه بجنون، جذبها بقوة لتستقر أمام العاصفة الهائجة التي نجحت بأشعالها!، إزدردت ريقها الجاف بصعوبة وهي ترأه يكاد يلتهمها من شدة غضبه...
ولج "رحيم" للداخل فأقترب منهم بمسافة معقولة حتي لا يقتحم خصوصياتهم فأشار له بيديه حتى يسترعى إنتباهه:
_إهدى وشوف هي عملت كدا الأول ليه؟...
وكأن كلمات "رحيم" دفعتها بحماس للحديث بوجوده فربما شعرت ببعض الأمان لوجود أحداً معها بعرين هذا الوحش الواشك علي التحول فقالت بنبرتها الشرسة الهجومية:
_والله أنا حرة ومن حقي أقرر أفضل معاك هنا ولا لا...
ركزت عينيها علي ملامحه الباردة وهو يرمقها بهدوء وكأنه غير عابئ بكلماتها، بكلماتٍ غير مرتبة دفعتها بها كلماته التي مازالت تتردد علي مسمعها!:
_وبعدين لما أنت شايفني بالحقارة دي قبلت ليه تتجوزني من الأول؟!...
بدى الحديث غير مبهم بالنسبة إليه، فتابع كلماتها بذهول وخاصة حينما إستجمعت شجاعتها الزائفة لأسترسال حديثها الصادم:
_مكنتش متوقع أني هسمعك وأنت بتتكلم مع "رحيم"!...
بدأ يستوعب الأمر ليعلم الأن ما الذي دفع هذة المجنونة للهرب؟!، كاد "رحيم" بالأنسحاب لمكتبه ولكنه توقف على أثر كلماتها الأخيرة فأستدار بجسده تجاهها، إبتسم رغماً عنه علي تلك الفتاة فهى حقاً مجنونة فجاهد بجعل نبرته أكثر ثباتاً ليتمكن من إيضاح بعض الأمور لها فقال بهدوء:
_بس "مراد" مكنش بيتكلم عنك يا "حنين"!...
سحبت نظراتها عنه لتتطلع لرحيم بتمرد علي حديثه الكاذب بالنسبة لها!:
_مأنت لازم تدافع عنه مش أخوك؟!..
حك طرف ذقنه النابتة ليخفي معالم وجهه الخبيثة جراء كلماتها الاخيرة فخلع جاكيته ليضعه علي ذراعيه ليصعد أولى درجات الدرج قائلاً بسخرية:
_معتقدش اننا وصلنا للمرحلة دي لسه فمش مضطر أدافع عنه دا إذا مكنتش الحقيقة أساساً!..
وقفت بشكل مستقيم بعدما كانت حركاتها تأخذ شكل إنفعالات جسدها وإشاراتها، تماسكها الخوف مجدداً وخاصة من صمته الغير معهود بمثل تلك الحالات!، وما زاد رجفتها صدق حديث رحيم فهو ليس مضطر للكدب من الأساس، مجرد التفكير عما سيحدث لها جعل دقات قلبها تكاد تفتك من فرط الأضطراب الذي إستحوذ عليها فاتخذ تفكيرها منعطف أخر فيما سيفعله بها وخاصة بعد هروبها وطريقتها الحمقاء فظنت بأنه لن يتمكن من الوصول إليها فما لبث سوى نصف ساعة حتي وجدها!...
الثورة بالحديث أمراً مطابق لما فعلته ولكن الغير متوقع صمته ونظراته الغامضة التي تشئ بالكثير عما سيحدث إليها، عضت على أطراف أصابعها لتمنح ذاتها تفكيراً عميق فأقتربت منه مدعية الغيرة لتحاول أن تشتت عقله عن ما حدث!:
_يعنى أنت كنت بتحمي بنات غيري...
وجدته كما هو لم يرمش له جفن أو حتى أصدر حركة خافتة، سيطر عليها الخوف لأقصى درجة فتمسكت بفستانها الزهري لتقبض على أطرافه الطويلة وكأنه يمدها بالأمان لتهمس بصوتٍ منخفض للغاية:
_مش ههرب تاني...
رفع أحد حاجبيه بأستنكار وكأنها نهت ما حدث بكلماتها الحمقاء!، فأجئها حينما قبض علي معصمها ليصعد بها الأعلى بخطوات سريعة والأخرى تجاهد لتلحق بخطواته الواسعة فكادت بأن تتعثر مراراً، دفعها للداخل ليغلق باب غرفته ليمنح لغضبه مساحة خاصة بهما...
حينما شعر "ريان" بالأختناق خرج لشرفة القصر الواسعة لعلها تمنحه بعض السلام النفسي الذي فقده حينما رأها تنسب لغيره، ظن بأنه قوي لدرجة كافية تمهده لتحمل ما سيرأه ولكنه فقد السيطرة علي قلبه المسكين بنهاية المطاف...
لفح وجهه نسمة الهواء الباردة ورغم ذلك لم يشعر ببرودتها فما حوله يشعره بالأحتراق!، أجل يشعر وكأن احداَ يوقد النيران بجسده...
_هربت ليه؟!...
كلمات مصرحة خرجت من تلقاء ذاتها ممن تقف خلفه، وجدته يهرب للشرفة فأستغلت إنشغال "مروان" بضيافة خالها والحديث معه عما يخص الزفاف من ترتيبات وعن سفره لتنسحب بهدوء خلف من تسلل هروباً من لقائها،زفر بتثاقل وكأنها يواجه صعوبة بالغة بالتتفس، بقي محله ثابتاً دون أن يستدير لمقابلتها!، فأقتربت هي لتقطع باقي المسافة بينهما، وقفت لجواره تنظر للمسافات الواسعة من الخضرة من أمامها..،
تحتضنها صفوف من الأشجار المرتبة بعناية وعلي جانبها تحتضن الأزهار بعضهما البعض بمنظر إبداعي عظيم، بدت ساكنة تماماً على غير عادتها، إنحنت بجسديها علي السور الخارجي وكأنها لم تعد تشعر بالأمان من حولها فودت لو عادت لمثل هذا الشعور وإن كان قلب معشوقها حجراً مثله، طال صمته وطال إنتظارها لكلماته إلي قررت هى التطفل بالحديث مجدداً بلهجة يعانقها اليأس والأنكسار:
_عارفة أني بخسر نفسي بعندي دا بس أنت السبب من البداية،أنت اللي بتحاول تخبي عني الحقيقة بكلام جارح ملوش غير الطريق اللي بتحاول تدفعني فيه يا "ريان"...
أغلق عيناه علي أثر كلماتها التي إخترقت صدره الصلب كالرصاص الحي الذي يعرف الطريق إلي هدفه، حاولت "سارة" إخفاء دمعاتها بصعوبة بالغة وحينما شعرت بأنها علي وشك البكاء بصوتٍ مسموع قالت:
_خالي جوا بيتفق علي معاد فرحي يا "ريان" يعني لو في فرصة برجوعك مش هيكون ليها وجود بعد كدا...
خرج عن توب صمته بأتزان لأنتقاء كلماته بعناية:
_أنا اللي خليت "مروان" يحدد معاد الفرح...
تطلعت له بصدمة فتحولت نبرته لشيء أخر يحمل من الشدة والألزام أيضاً وعيناه موجهتان صوبها:
_متحاوليش تنسي أنك خطيبة أخويا وقريب هتكوني زوجته...
وتركها وتوجه للداخل فركضت خلفه في محاولة لأيقافه صارخة بكل ما أوتت من قوة:
_"ريان"!..
تعثرت بفستانها الأزرق الطويل لتسقط أرضا بألم هاجم ركبتيها أثر سقوطها المفاجأ، اكمل طريقه للاعلى غير عابئ بها ولا بدمعاتها ونحيبها هكذا ظنت، ترأه يبتعد عنها ولكنها لم ترى وجهه عما ينمق وكأنه شتان من نيران وكأن روحه تجلد بالسوط ولكنه كان يعنفها بأنه طريق إختاره وعليه المضي قدماً دون أن ينتبه لمشاعره ولا لنحيب القلب! ...
بغرفة "مراد"...
كادت بأن ترتجف من صمته المبالغ فيه فشرعت هى بثرثارتها المعتادة لتوضح له فعلتها البريئة!، وخاصة حينما إقترب منها دون توقف حتي كادت بأن تصطدم بالحائط:
_أنا إفتكرتك بتتكلم عني فأ... أ... أ...
تخلت عنها الكلمات فمع كل خطوة يقتربها منها يعلو خفق القلب الذي كاد بالصراخ بها بأن تلجئ لأحضانه، كالطفل الصغير حينما يخطئ!...
إبتلعت ريقها برعب جلي خاصة حينما وقف أمامها مباشرة، حاولت أن تستجمع أي شتات قوة إمتلكتها يوماً ما ولكن فرق الحجم والطول بينهما جعلتها تتراجع عن أي أفكار متهورة تهاجمها، يتعمد التحدث بالنطرات فيجعل من حوله بحيرة من أمره، هكذا بدي ليخيفها أما الأن فحان وقت السماع لعاقبه المصون!...
راقب كل تعبير صغير لها ببسمة مكر من زاوية شفتيه وهو يرأها في حالتها الغامضة من بين الأرتباك لقربه والخوف من صمته فقال بثبات عجيب:
_عارفة لو أنا مكنتش وصلتلك بالوقت المناسب كان أيه اللي هيحصلك؟..
أشارت له بالنفي ثم ابدلت حركتها سريعاً بمعرفتها بالأمر فرفع حاجبيه بسخط ونظرات عينيه تلونت بغضب كمن كبس الزر عليهما ليجز على أسنانه بغصب لا مثيل له:
_ورغم أنك عارفة بكل دا خرجتي من باب القصر تجري زي الهبلة...
إبتلعت لعابها لعلها يخف من إنشقاق حلقها القاحل فقالت بتلعثم:
_كنت فاكراك بتتكلم ع...
بترت كلماتها التي ظنتها دفاع عن ما هو منسوب إليها حينما صرخ بصوتٍ متعصب للغاية:
_ولو كان حصلك حاجة وقتها كنتِ هتقوليلهم معلش خرجت بدون ما إسمع باقي الكلام كله!، أنتِ أكيد مجنونة!...
أشارت له بيدها لعله يتوقف عن التعنيف المفاجأ لصمته القاطع:
_مش هعمل كدا تاني...
هدأ قليلاً ليبتسم بسخرية:
_مش هيكون عندك وقت عشان تفكري تعمليها تاني...
ضيقت عيناها بعدم فهم فتركها وتوجه ليقف أمام المرآة فخلع قميصه وساعة يديه ببسمة خبث:
_من الواضح أن الفترة اللي قضيتها معايا بأميركا خليتك متعرفيش كويس بس لو هنعيش بمكان واحد وأوضة واحدة فلازم تعرفي قوانيني ونظام حياتي كويس...
إبتلعت ريقها بصعوبة وخاصة بعد أخر جملة قالها، فتح خزانته ليخرج منها بنطال رمادي اللون وقميصاً من اللون الأبيض مرتباً بعناية فائقة،إقتربت منه خطوتان لتقول بأرتباك وتوتر يصاحبه:
_تقصد أيه؟!.
ولج لحمام الغرفة ليضع الملابس بالداخل قائلاً بثبات:
_يعني أنا مش بحب حد من الخدم يدخل أوضتي الشخصية ولا يلمس عربيتي فأعتبري أنهم مسؤوليتك من دلوقتي...
دخلت خلفه بصدمة وذهول لتردد بصدمة:
_أنت أكيد بتهزر صح؟!...
حل زر قميصه بمكر ليبدو أكثر تمكناً من حديثه، غير عابأ بوقفها لجواره بحمامه الخاص:
_زي ما سمعتي كدا كل شيء يخصني هتكوني مسؤولة عنه وأكلي كمان...
كاد فمها بأن يصل للأرض فقالت بغضب:
_أنت بتحلم أنا مش بعرف أعمل أكل ولا أعمل حاجة...
منحها نظرة باردة وكأنه مكتثر لحديثها ليردد بلهجة باردة:
_تتعلمي يا روحي..
لوت فمها بتهكم لعلمها لما يريد أن تفعل ذلك، حسناً إختار عقاباً وظنه مناسب لها... تطلعت له "حنين" بحنك لتشير بيدها بعدم إكتثار بحديثه:
_بأعترف أن هزارك جميل بس أنا مش بحب النوع دا منه...
وضع الغسول من يديه بعدما كاد بالأغتسال ليستدير إليها بنظرات جعلت الارتباك ينطبق علي وجهها فتراجعت للخلف حتي وجدت النافذة من خلفها فتخبئت خلف الستائر بأنفاس تعلو وتهبط بتوتر، حرك رأسه يميناً ويساراً ببسمة ساخرة علي تلك الفتاة فاعاد خصلات شعره المبتلة للخلف قائلاً بتماسك:
_"حنين" إخرجي...
أشارت له بالنفي وهى تكاد ترتدي الستار، رفعه"مراد" عنها ففتحت عيناها بخفيان كالطفلة التي إرتكبت ذنباً فاضح وترتجف خوفاً من أبيها، لم يتمالك ذاته فتعالت ضحكاته ليشير لها بعدم تصديق:
_أنتِ مش طبيعية...
راقبت بسمته بهيام فما أن إنتبه لها حتي أشارت له بأرتباك:
_أنت مش شايفني غير مجنونة؟...
توقف عن الضحك ليتأملها بصمت يخبئ خلفه عشقٍ عظيم، شعرت بما تفوهت به فعدلت من حجابها قائلة بتذمر مصطنع:
_ياريت كنت إتجوزت البنت الجريئة اللي كنت بتتكلم عنها دي علي الأقل كانت هترفض أوامرك دي وتديك كلمتين...
تسللت بسمة الغرور لوجهه:_محدش يقدر يعملها لأن وقتها مش هيكون في ألقاب للمرحومة...
صعقت من كلماته فمررت يدها علي عنقها بخوف لتصرخ بها بتوتر:
_وأنت بتجمع ليه يا عم الله...
ثم تطلعت لصدره العاري بصدمة:
_أيه دا؟!، أنت إزاي واقف قدامي كدا؟!..
إقترب منها فتراجعت للخلف كعادتها ليبتسم بخبث وبسخرية قال:
_وحضرتك بتقتحمي حمامي الخاص كنتِ متوقعة تشوفي أيه؟!...
رددت كلماته بأستيعاب:
_حمام!..
شهقت بفزع لتركض سريعاً للخارج رافعة صوتها بحرج:
_أسفة... أسفة... والله ما أخدت بالي...
وصفقت الباب خلفها لتركض للخارج، تابعها بنظرات غامضة ففتح (الدوش) ليقف بأسفله بهيام بها، إبتسم حينما تذكرها وهي تركض للخارج فردد بهمساً ساحر:
_مجنونة!..
إنتهى بعد قليل ليرتدي ملابسه فخرج ليجدها تجلس علي ركناً من الأريكة بوجهاً مازال مشتعل بحمرة الخجل، رمقها بنظرة حرص لجعلها ثائرة بالغضب:
_أنتِ لسه قاعدة مكانك...
إنتفضت عن محلها بفزع لتردد بعدم فهم:
-أعمل أيه؟!...
ضيق عيناه بغضب مصطنع:
_رتبي المكان...
أشارت له بأستغراب:
_بس الأوضة نضيفة!.
إبتسم بمكر وهو يهم من الفراش:_عندك حق، ثواني...
وجذب الفراش أرضاً وبعضاً من ملابسه مشيراً لها بغرور _تقدري تبتدي...
رمقته بنظرة محتقنة بالغضب المميت، فأنحنت تجمع ما ألقاه والأخر يتابعها ببسمة غامضة...
جلست جواره بصمت، ترأه يتحدث ولكنها لم تستمع لكلماته فكانت مغيبة عن الواقع، إنقلب الأمر بالسوء وخاصة حينما نادها مراراً وتكراراً ولكن بدون جدوي، زفر "فارس" بصوتٍ مسموع جعلها تستعيد واعيها، حرر رابطة عنقه بضيق ليتحكم بصوته وإنفعالاته:
_أنا بجد معتش قادر أفهمك!...
ثم قال بلهجة يشوبها بعض الهدوء:
_طيب ممكن تفهميني أيه سبب رفضك لكتب الكتاب؟
ظلت على صمتها فشعر بأنه لم يعد بقادر على التحكم بذاته فنهض عن مقعد الطاولة ليخرج المال من جيب بنطاله ثم وضعه علي الطاولة ليغادر المطعم بسلام قبل أن يفتك بها، لم يعد يحتمل محيالاتها حتى يعلم ما بها؟!...
صمتها يقتله ويجعله يثور علي هدوئه المصطنع فقرر تركها حتى لا يندم علي أي فعل أحمق، إستندت "منة" برأسها علي ذراعيها لتبكي بألم فكيف ستخبره بهذا الموضوع الحساس بذاتها؟!..
بقصر "رحيم زيدان"...
هبط "مراد" للأسفل باحثاً بعيناه عنه، وجده يجلس علي البار الجانبي للقاعة الرئيسية يحتسي كأساً وخلفه الأخر من الخمور بحالة من اليأس، إقترب منه "مراد" ليجلس جواره بنظرات تحمل الدهشة فسحب الكأس منه بهدوء:
_ليه بتدمر نفسك وبتغضب ربنا منك بالطريقة دي؟!..
تطلع له "رحيم"ببسمة ممزوجة بالألم:
_كان نفسي حد يقولي كدا في أكتر وقت كنت محتاج فيه لدا بس حالياً مش قادر أستوعب غير أني محتاج أنسى..
رفع "مراد" الكأس أمام وجهه بسخرية:
_ودا اللي هينسيك وجعك؟!...
جذب منه الكأس ليرتشفه بعدم مبالة حتي إنهاه فنهض ليغلق جاكيته جيداً قائلاً بعدما توجه للرحيل:
_أعمل حسابك بعد بكرا القصر هيكون في إستعداد لأستقبالهم..
وغادر رحيم لسيارته متوجهاً لجزء غامض من مجهول واقعه!...
بقصر "جان زيدان"...
ولجت "سلمى" للداخل بعدما تلقت مكالمة هامة من "مايسة" طالبتها بها بالقدوم لضرورة إختيار ما يناسبها بجناحها الخاص، ظلت معها حتى تأخر الوقت فستأذنت للأنصراف ولكنها جلست محلها من الذهول حينما رأت "ريناد" تقف أمامها فرددت بصدمة:_أنتِ!..
بشركة" سليم"...
أنهى عمله علي الملف الأخير بصعوبة بالغة، لا يغلم لما يشعر بتثاقل شديد يستحوذ برأسه، حك مقدمة رأسه بألم شديد فالألم أصبح غير مطاق إطلاقاً...
حاول أن ينجز عمله باكراً فاليوم هام بالنسبة إليه للغاية بعدما وعد "ريم" بالخروج معها بسهرة رومانسية لطيفة، شعر بأن هناك خناجر مسلطة برأسه جعلته يشعر بشلل كلي يستحوذ علي جسده بأكمله فلم يعد بقادر بالتحكم به فهوى برأسه على الملف من أمامه فاقداً للوعي، ولجت "هنا" للداخل ببسمة إنتصار وهي تتأمل كوب القهوة الفارغ من أمامه بنظرات خبيثة!...لا تعلم بأنها من وضعت ذاتها بطريق الهلاك...
بقصر السيدة "عظيمة"...
ولجت للداخل تبحث عنه بعدما فتحت لها الخادمة الباب، وجدته يجلس بردهة القصر، يعمل علي حاسوبه بثبات عجيب وكأنه يحاول تجاهلها...
إقتربت منه "منة" لتجذب أحد المقاعد لتجلس جواره، تأملته للحظات وهو يتابع عمله بأهتمام مصطنع، فركت أصابعها قائلة بأرتباك:
_ لما رفضت أننا نكتب الكتاب كان عشان في حاجة لازم تعرفها...
لم يعبئ بكلماتها وأكمل عمله بثبات فأسترسلت حديثها بتوتر:
_"فارس" أنا حاولت كتير أصارحك بس أ...
قطعت كلماتها بصدمة حينما القي الحاسوب أرضاً بغضب حطمه جزئياً ليصرخ بغضب:
_بلاش لف ودوران أنا عارف أنك بتحاولي تداري علي علاقتك بالحيوان دا...
تطلعت له بصدمة ليكمل حديثه بغضب لا مثيل له:
_شكوكي كانت بمحلها من زمان بس كنت بكدب نفسي لكن دلوقتي كل شيء بيبان...
نهضت عن المكان لتقف أمامه بصدمة نطقت بدمعاتها:
_"مروان" زي سليم بالظبط يمكن أنا بطلت أقف معاه زي الأول عشانك!... وبعدين انت إزاي تفكر فيا بالطريقة دي؟!..
شدد على شعره الغزير بضيق من تصرفاته الغريبة ليبدء بالحديث:
_عارف... بس أنتِ مش سايبالي إختيارات يا منة، مش عارف مالك بالظبط ومش قادر أخمن...
أزاحت دموعها بأطراف أصابعها ليستكمل "فارس" بضيق:
_بحس أنك طول الوقت عايزة تقوليلي حاجة ومترددة وأنا مش قادر أخمن في أيه؟!...
بكت بصوتٍ مسموع لتجذب حقيبتها ثم أخرجت منها ملف أزرق اللون مطوي جيداً لتقدمه إليه، جذبه "فارس" بأستغراب، فتح محتواه لتنقلب نظراته للصدمة، جذبت حقيبتها وكادت بالرحيل خجلاً ولكنها تفاجأت به يقف أمامها ليشير بالملف أمام وجهها بصدمة:
_أيه دا؟!..
وضعت عيناها أرضاً بخجل لتجاهد بالحديث بصعوبة بالغة:
_زي مأنت شايف تقرير طبي...
أشار لها بصدمة وهو يلقيه أرضاً أسفل قدميه:
_وأنتِ شايفاني حيوان أوي كدا عشان تجيبي تقرير...
فركت أصابعها بأرتباك فلطالما كان هذا الموضوع يعد مشكلة رئيسية وخاصة بعد هذا الحادث المؤلم بسيارتها والتي فقدت علي أثره أغلى شيئاً تمتلك غشائها عذريتها، حادث أدي لأنتهاك صك ملكيتها العذرية فخشيت ان يظن فارس بها السوء فمعظم الفتيات حينما تمر بمثل هذة الحالة بعيداً عن الأغتصاب يظن بها الزوج والأهل السود، حيث أن هناك بعض الأبحاث التى تثبت بأن هناك بعض الحالات النادرة الوجود ولدن بدون غشاء عذري!...
وبعضهن قد تتعرض لنزيف حاد جراء حادث أليم فتفقد غشائها على أثره، اغلبهن يظلموا الفتيات ويحاسبهن علي ذنبٍ لم يقترفوه!...