قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل العاشر

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني بقلم آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة الجزء الثاني للكاتبة آية محمد الفصل العاشر

( وعشقها ذو القلب المتبلد )

تمسكت بيده بقوة وكأنها ترفض الوداع هذة المرة، لم تكف للحظة عن الدعاء له فلا يعلم الم الفراق سوي من مكث به وهى كانت خيرهن فتحملت فراقه لسنوات طويلة لذا يصعب عليها إختبار تلك الحالة من جديد!...

فتح "طلعت" عيناه تدريجياً ليعتاد علي الأضاءة الخافتة التي تعبر عبر فتحة صغيرة معلقة أعلى النافذة الحديدية لتسلط علي وجهه فتزعج عيناه التي إعتادت على الظلام، لطالما كان يرأها بأحلامه شابة بملامحها الرقيقة حينما تركها، وجدها الأن حقيقة تجلس أمامه وتتمسك به لتهشم أحلامه بحقيقة وجودها لجواره!، كان يشعر بها ويستمع لصوتها وهى تدعو الله لأن يشفيه ويحفظه لها، إنحنت بوجهها قليلاً بتفحص لحركات عيناه واللهفة تسطر علي وجهها بتعبيرات مختلفة، تأكد حدسها حينما وجدته إستعاد وعيه فعلياً، إبتسم "طلعت" رغم الأرهاق البادي عليه فهمس بصوتٍ متعب للغاية:
_كل مرة بفتح عيني كنت بلاقيه حلم جميل لكن المرادي أنتِ حقيقة يا "نجلاء"...

إرتمت بجسدها فوق صدره تبكي وتبتسم وكأن حواسها لم تعد تستجيب لأشارات العقل ولا لأي من وظائف جسدها، تبكي خوفا من فقدانه وتبتسم حيال كلماته المهلكة لها، عشقها قطع لسنوات فقضت معه القليل وإبتعدت عنه الأكثر ولكنها تلك المرة لن تتخل عنه ولن تتركه يبتعد، ربما خسرت شبابها ببعده ولكنها تريد قضاء ما تبقى من عمرها القصير لجواره!...

ربت "طلعت" علي ظهرها بحنان وألم مما يمر به، يكره ذاته بعدما أصبح ضعيف، سجين بين بدي هذا اللعين، أخرجها من أحضانه ثم إستند علي ذراعيها ليجلس بشكل مستقيم مقابل لها فسقط حجابها الموضوع علي رأسه حينما كانت تستخدمه لتخفض درجة حرارته المرتفعة، أمسكه "طلعت" بأستغزاب ليرفع عيناه تلقائياً علي شعرها، كغيوم الليل الذاهي بلونه الأسود خصلاتها البيضاء الخفيفة تشبه النجوم البيضاء التي تزين ليله الحكيل، مازالت تحتفظ بجزء من جمالها وإن كان يرأه مكتملاً فمن عشق بصدق يرى معشوقه خالي من أي عيب، يرأه فارس وقد يكون ملكاً أو بعيناه أجمل نساء العالم بأكمله!..

نظراته دفعتها لذكريات الماضي المحمل بشجن لمساته، فكم إشتاقت له ولهمسه الدافئ...
رفع الحجاب ليضعه علي رأسها خشية من أن يرأها أحداً هكذا، قربه منها وعقده لحجابها جعل قلبها يصرخ بجنون، وكأنه يستمع لخفقه وتستمع هى له، رفع يديه على وجهها قائلاً ببسمة تعج بالشوق:
_فضلتي جانبي طول الليل ومنمتيش...

وربع قدميه ليشير لها ببسمة هادئة جعلتها تتابع ملامحه بأهتمام:
_إرتاحي، أنا بقيت كويس..
تطلعت ليديه التي تشير على قدميه فأبتسمت بخجل لتتمدد مستندة برأسها على قدميه بأستحياء، مرر يديه علي ذراعيها حتي إسترخت تماماً وغاصت بنوماً عميق ما أن وضعت رأسها أما هو فشرد بتفاصيلها الصغيرة فبوجودها لجواره لا يريد ثرواته بأكملها ولا جاه ولا شيء، بالماضي أرادها فقط والأن يريدها فقط!...

إقترب منها بصدمة والأخرى تفرك بأصابعها حتى كادت بقطعهما من فرط إرتباكها، شعر بأن حلقه جاف من فرط ذهوله فقال بلهجة معاتبة لها وهو يشير بالملف الذي بيديه:
_أنتِ شايفاني كدا؟!...
صمتها الأن وبالأخص بالحالة التى يمر بها الأن غير مقبول بالمرة، شدد "فارس" من ضغطه على الأوراق بغضب ثائر ليلقيه أرضاً أسفل قدميها ليصيح بصوتٍ متعصب:
_شايفاني حيوان يا "منة"...

تراجعت للخلف حينما صرخ بها فأستدار للجهة الأخرى يفرك جبهته بعصبية ليشير لها علي الأوراق بألم:
_عارفة أكتر حاجة وجعاني أيه؟!...
أثر الصمت قليلاً لتنتبه حواسها فأسترسل حديثه ببسمة تعج بالأنين:
_أنك إفتكرتي إني مش هصدقك غير لما أشوف التقرير دا...

أغلقت عيناها ببكاء حارق فكيف تخبره بأنها لم تتمكن من الحديث لخجلها الشديد، لم يعد لديه مقدرة علي الأستمرار بالحديث، يريد الهرب من أمامها قبل أن يتفوه بكلمة تحزنها وخاصة بموقف هكذا، تركها وكاد بالصعود لغرفته ولكنه توقف حينما قالت بدموع:
_حاولت أقولك كذا مرة بس إتحرجت من الموضوع كله...
إستدار بجسده تجاهها ليصرخ بغضب وعصبية شديدة:
_وتقوليلي ليه من الأساس!...

ضيقت عيناها بعدم فهم سبب غصبه المحير، إقترب منها ليكون أمامها مباشرة:
_يعني أنتِ فاكرة أن دا سبب يعيق جوازنا وحبي ليكِ يا "منة"؟...
أشارت له بلا فأجابها بسخرية:_لو دي كانت إجابتك مكنتش اصريتي تقوليلي الموضوع دا قبل كتب الكتاب...
ثم تركها وصعد الدرج لرغبته بالأبتعاد عنها حتى يتمكن من الهدوء، وقفت علي أول درجات الدرج قائلة بدموع غزيرة:
_"فارس"...

توقف محله دون أن يستدير فقالت بتردد ودمعاتها تؤنسها:
_أنت عارف أنا بحبك أد أيه بس الموضوع دا مكنش ينفع تعرفوا بعد الجواز كدا هحس أني بخدعك أو هعرضك لموقف محرج..
أطبق بيديه علي الحافة الحديدية المحيطة للدرج بغضب حاد بجرح يده، فأستدار لها بضيق شديد فما أن تتحدث تثير غضبه أضعاف فهي لا تعي ما يغضبه!:
_إمشي من هنا يا "منة"...

كادت بالحديث فرفع أصابعه مشيراً لها بتحذير:
_معتش عايز أسمع حاجة قولتلك إمشي من هنا...
إنصاعت لكلماته بدموع فأنحنت تجمع الأوراق الموضوعة الموضوعة أرضاً ثم توجهت للخروج بعدما ودعته بنظرة ألمته للغاية فأضافت جرح جديد له جوار جرحه السابق، ما أن تخفت من أمامه حتى جلس علي الدرج بأنهيار لثباته ليحتضن وجهه بيديه معاً، لا يحق لها التفكير به بهذة الطريقة وخاصة بعلمها كم يعشقها حد الجنون!...

وجدتها تقف من أمامها بملامحها التي كرهتها يوماً ما، صدمتها بوجودها بهذا المكان طغت علي أي تفكيراً أخر فقالت بأستغراب:
_أنتِ؟!...
إبتسمت "ريناد" بسخط علي سؤالها الأحمق فقطعت المسافة الكبيرة بينهما لتقف علي بعداً منها قائلة بسخرية:
_علي حسب ما فهمت أنك كنتِ مشلولة مش عمية...
بدي الغضب يظهر علي ملامح "سلمى" من كلماتها المهينة فقالت بغضب:
_أنتِ دخلتي هنا إزاي؟!...

أشارت لها "ريناد" على الباب بلهجة ساخرة:
_من الباب!.. وبعدين دا مش السؤال اللي المفروض يتسأل...
ربعت "سلمى" يدها أمام صدرها بسخرية تشابها:
_وأيه اللي المفروض أسأله لحضرتك؟!...
جلست علي المقعد واضعة قدماً فرق الأخر ليظهر ساقيها العارية من أسفل الجيب القصير الذي ترتديه ليطهر مفانتها عن قصد:
_أممم... يعني سبب وجودي هنا؟!...

رمقتها بنظرة مغتاظة من عجرفتها الزائدة بمنزلها! فتركتها بمحلها وتوجهت لتقف بالقرب من غرفة "مايسة" فرفعت صوتها بغضب:
_ماما... يا ماما...
صوتها العالي كان مخيف فهبطت "فاطمة" من الأعلى مسرعة لتري ماذا هناك؟، أما "مايسة" فخرجت من غرفتها مدعية عدم علمها بوجود "ريناد" فقالت بهدوء مخادع:
_أيه يا حبيبتي فى أيه؟!..
وإدعت الدهشة بأمتياز فقالت بصدمة:
_أنتِ؟!، مين سمحلك تدخلي هنا؟!..

أجابتها "ريناد" ببرود:
_أنا أدخل المكان اللي عايزاه في أي وقت. أحب...
صاحت بها" فاطمة" بغضب شديد:
_لا يا حبيبتي فوقي كدا وشوفي أنتِ واقفه في بيت مين؟!، وهتخرجي حالا بس بعد ما أوريكي مقامك...
وخلعت "فاطمة" حذائها المنزلي لتقترب منها بنظرات شرسة، اسرعت إليها" سلمى" لتعيقها من الوصول إليها قائلة بصعوبة من وسط ضحكاتها من مظهرها المضحك حينما إلتقطت حذائها بسرعة الريح فقالت بسخرية:
_إهدي يا بطوط ميبقاش خلقك ضيق كدا، عيني أسلحتك الذرية دي على جنب لما نشوف سبب زيارتها الكريمة...

جاهدت "مايسة" لسبك دورها جيداً فأدعت الغضب:
_أنتِ أبه االي جابك هنا مش كل اللي بينك وبين "جان" إنتهى راجعة تاني ليه؟!..
تعمدت بلفظ تلك الكلمات لزرع الشك بقلب من تتابع الحديث بهدوء!، إبتسمت "ريناد" بخبث حينما بدأت "مايسة" بمساعدتها بمكرها الزائد...
نهضت عن مقعدها لتقف أمامهم قائلة بنظرات تحيط بسلمى:
_للأسف كنت أتمنى أن علاقتي بجان تتقطع بس القدر رافض يفرقنا عن بعض فجمعنا من جديد...
تطلعوا لها بعدم فهم فأشارت علي بطنها بغرور وببسمة بأنتصار:
_لأني حامل...

صدمة عارمة إكتسحت وجه "فاطمة" أما "سلمى" فكانت بحالة بائسة وتملكها دوار حاد كاد بأن يضرم أحشائها ويمزق ما تبقى بها، نعم تعلم بأنه كان بعرف الكثير من النساء ولكن بحملها يؤكد لها بأنه كاذب فمازال يعرف غيرها!...
تماسكت "فاطمة" بذراعيها حينما شعرت بأنها علي وشك فقدان الوعي فأستكملت"ريناد" لعبتها قائلة وبسمة الأنتصار لرؤيتها بهذة الحالة:
_أنا جيت عشان أبلغكم أني لقيت طريقة انتقم فيها منه... هفضحه أدام الكل لما هرفع عليه قضية نسب ونشوف بقي هيطلع من دا كله إزاي...

جلست "سلمى" على المقعد بأهمال، احلامها حطمت أمام عيناها دون رحمة، قلبها يصرخ بألم فالخيانة هي أبشع ألم قد يختبره!..
إدعت "مايسة" التعب الشديد لتهرع إليها "فاطمة" بخوف فحالت بينها وبين الأرض لتصرخ بمن تقف أمامهم ببرود، مسلطة عينيها على من تبكى بصمت:
_أنتِ كدابة أخويا مش ممكن يعمل كدا...
أجابتها بثقة زائفة:
_هنشوف يا قلبي مين فينا الكداب؟! ...

رمقته "فاطمة" بنظرة غيظ لتصرخ بها بعصبية:
_إطلعي بررره والا وقسماً بالله لأكسر عضامك يا بومة...
زمت شفتيها بتقزز من كلماتها فحملت حقيبتها الموضوعة علي الطاولة قائلة ببرود:
_هخرج بس خاليكم فاكرين كلامي كويس..

ورمقت "سلمى" ببسمة إنتصار لتغادر المكان بأكمله قبل عودة" جان" فهي تعلم من عدم وجوده بعدما هاتفت "مايسة" قبل أن تتحرك لهناك وخاصة بعدما إكدت عليها بوجود "سلمى" كما هو مخطط، أكملت مسلسلها الدرامي الساخر بحزنها علي ما فعله إبنها وما سيحدث له أما الأخرى فكانت بعالم معتم للغاية لا تستمع به لشيء ولا حتى لكلمات "فاطمة" التي تحذرها من عدم تصديقها فتمنت للحظة بأن تعود مثل ما كانت عليه ترأه بصمت وتستمع بصمت فالأن جرحها صار لا يطاق ولا يحتمل!...

بمكتب "سليم"...
رنة هاتفه الثالثة عشر أفاقته من غفلته، فحاول فتح عيناه الثقيلة ولكنه لم يتمكن من ذلك فعاد لفتحهما من جديد، إحتضن رأسه بألم ليردد بهمساً خافت تأويهات مؤلمة، فتح عيناه تدريجياً ليجد ذاته يتمدد أرضاً،نهض عن محله سريعاً بصدمة إكتسحت ملامحه حينما رأى لجواره جسداً عاري لأمرأة!...

تراجع للخلف بزعر حقيقي وصدمته تكاد توقف قلبه،؛ حاول أن يستوعب ما يحدث أو يتذكر أي شيء ولكنه فشل بذلك، نهض عن الارض بصعوبة بالغة ليجذب قميصه ليرتديه مسرعاً ثم إقترب من تلك الفتاة بذهول يزداد كلما إقترب منها إزدادت صدمته أضعافاً مضاعفة، جذب جاكيت بذلته ليضعه علي ملابسها الممزقة ليرفع شعرها عن وجهها مردداً بذهول:
_"هنا"!...

شعر وكأن عقله توقف عن العمل، فحتى الأسئلة التي تراوده لم تكن بالمنطقية!..
لم تستجيب لندائه فجذب كوب المياه الموضوع لجواره على الطاولة، نثر بعض قطرات المياه على وجهها حتى بدأت بتحرك جفن عيناها بحركات منتظمة لتفتح عينها سريعاً مدعية الفزع، تراجعت للخلف بقدر ما إستطاعت وهي تحكم جاكيته على جسدها لتشير بيدها له بخوف مصطنع:
_لا... كفايا... إبعد عني...

قالت كلماتها ببكاء زائف جعلته يتطلع لها بصدمة وعدم إستيعاب لما يحدث، فرك جبهته بألم وهو يحاول أن يفهم ما يحدث!...
مجرد التفكير بالأمر جعل عقله يكاد يشتعل من هذة الأفكار اللعينة، هل إعتدي عليها؟!...
ما الذي إرتكبه بحقها وبحق ذاته؟!...
إقترب منها برجاء بدى بكلماته وتواسلاته:
_"هنا" أرجوكِ تهدي وتفهميني أيه اللي حصل؟!...

وأنتِ إزاي موجودة هنا وبالوقت دا؟!، أنا اللي بفضل هنا بعد ما الموظفين بيمشوا!...
لم تجيبه وظلت تراقبه بصمت ودموع غزيرة ترسم خدعتها بنجاح، حاولت ان تنهض من محلها ولكن وقعت أرضاً بقوة عن عمد، أسرع إليها ليقف علي مسافة منها بتردد حينما صرخت بجنون:
_أبعد عني لسه عايز مني أيه؟...

جلس أرضاً بصدمة فأسترسلت حديثها ببكاء:
_خلاص أنا إنتهيت، كنت فاكرة أني لما هبعد عن أهلي وأشتغل بكرامتي هعرف أثبت نفسي بس مكنتش أعرف أني هفقد شرفي...
قالت كلماتها الأخيرة بدموع غزيرة كاذبة، مرر يديه بين خصلات شعره بعنف وهو يحاول تذكر أي شيء ليهتف بألم:
_لا مستحيل، لأ...
إحتضنت وجهها بيدها لتستكمل تمثيلها الوضيع ولا بأس إن إختطفت بعض النظرات إلى حاله المزعور!...

بدون أي حراسة أو حاشية مشي منفرداً بنفس ذات الطريق الذي كان يسلكه حينما كان صغيراً، مر علي نفس الأماكن بخطوات بطيئة يتمتع بها بالأماكن الذي زارها من قبل، المكان الذي إشترى منه المريول لها (لبس المدرسة)، ومكان أخر يجمع جيرانهم، أماكن عديدة إشتاق لصحبة خطاه بطريقها!..

إستدار "رحيم" للخلف حينما شعر بحركة خافتة وكأن أحداً يراقبه، إنعطف يساراً لينعطف هذا الشخص خلفه فتفاجأ به يقف من أمامه، إبتلع "حازم" ريقه بصعوبة بالغة حينما وجد "رحيم" يواجهه رغم تحذيراته المشددة عليه بعدم تتابعه!..
تملكه الخوف حينما واجهه رحيم وخاصة حينما بدء بالحديث:
_قولتلك متمشيش ورايا!...

أجابه "حازم" وعيناه أرضاً بأحترام له:
_خوفت علي حضرتك، أنا مسؤوليتي حمايتك..
إبتسم "رحيم" ساخراً:
_تحميني أنا!،من مين؟!..
قال "حازم" مشيراً له بحذر بأستعمال كلماته:
_من أي حد المهم أكون مع حضرتك..

وضع يديه بجيوب جاكيته الأسود الفاخر قائلاً بثقة تجتاز عيناه ووقفته الثابتة:
_محدش يقدر يواجه "رحيم زيدان" واللي كان يقدر علي دا موجود في بيتي يا "حازم"...
وضع عيناه أرضاً بأرتباك من كلماته ورد "رحيم"، فاقترب منه ليقول بتوتر بادي بحديثه الغير مرتب:
_يا باشا أنا إتعهدت احميك لأخر يوم بعمري، دانت الوحيد اللي صدقت أني بريء وخرجتني من الحبس بعد ما فقدت الأمل بالخروج..

إيستوقفه "رحيم" بأشارة يديه لينبهه بنقطة هامة:
_لأني كنت متأكد إنك بريء عشان كدا خرجتك...
عيناه كانت تعج بمئات من الأسئلة ولكن لسانه لا يقدر علي نطقها، شعر به "رحيم" فأبتسم بثبات لا يقلل من هيبته تجاه حارسه الخاص:
_ميحسش بالمظلوم غير اللي إتظلم في يوم من الأيام...
وتركه وخطي بضع خطوات والأخر يقف محله بخوف من تتبعه، رفع "رحيم" صوته بحذم لينهي رحلة تفكيره:
_خليك ورايا...

إبتسم "حازم" بسعادة ليهرول مسرعاً خلف سيده، مضي "رحيم" بطريقه حتي مر علي ورشة السيارات، إبتسم بخفة لتذكره كيف أقبل علي العمل بها فكان أول ما إلتحق به، وقف أمامه يتأمله بنظرات متمعنة، ذكريات تجعله يبتسم فحذب، صوت دقات بطيئة جعلته ينتبه لهذا العجوز الهرم الذي رفع غطاء السيارة ليبدأ بالعمل بها حتي سقط(المفك) من يديه فكاد بألتقاطه ليجد من يناوله إياه!...

لم يكن سوى "رحيم" الذي رأي الحياة بمنظور أخر لمجرد دخول "شجن" خاصته لحياته التي تبدلت بدرجات معدودة، أسرع "حازم" تجاه رحيم الذي إنحني قائلاً بوقار:
_عنك يا باشا..
أشار له بالتراجع فأنصاع إليه، إلتقط الرجل المفك من يديه بأستغراب لمساعدته اللطيفة فقال بأحترام لهيئته التي تدل علي كناياته:
_تحت أمرك يا باشا..

تاه بكلماته لدقائق فمنذ سنوات كان يتأمر عليه بالحديث والأن لأرتدائه ملابس باهظة يعامل بمعاملة خاصة!، خلع "رحيم" جاكيته فأسرع حازم بحمله عنه ليشمر عن ساعديه ثم إلتقط أحدى الأدوات الموضوعة أرضاً ليقترب من السيارة فحركه يساراً ويميناً والاخرون يتابعون ما يحدث بصدمة وذهول...
أنهي ما يفعله ليجذب المنشفة الصغيرة الملطخة بالبنزين ليجفف يديه مشيراً له ببسمة هادئة:
_المفك مش هيساعدك...

تابعه الرجل بنظرة دهشة فأقترب منه "رحيم" بعدما جذب جاكيته من حازم ليشرع لأرتدائه بمساعدته ليقول للرجل ببسمته الصافية:
_انت زمان علمتني كدا...
ضيق الرجل عيناه بشك فردد بعدم إستيعاب:
_"فريد"!...
إكتفي برسم بسمة بسيطة ليكمل طريقه، تاركاً خلفه رجلاً يتابعه بصدمة وذهول مما وصل إليه صبيه!...

وصل بعد دقائق أمام منزله القديم فرفع عيناه لشرفتها، إخترق الألم صدره حينما تذكرها، كم كان يعشق وقت رحيله من العمل ليجدها بأنتظاره بالشرفة التي شهدت علي حبهما الطاهر وشهدت أيضاً علي فراقهما، إرتدى نظاراته السوداء ليحجب نظرات الحزن عن من يتابعه، صعد للأعلى فهو بحاجة للقاء بها...
كاد بطرق بابها ولكنه تفاجأ به مفتوحاً، ولج للداخل مسرعاً يبحث عن والدته بلهفة وخوف فوجد المنزل فارغ ليجن جنونه ليشتعل غضبه الشبيه بأبواب الجحيم ... جحيم الأسطورة!...

خرج "آدم" مسرعاً للقاء بجان للعمل على بعض الملفات والدراسات الهامة الذي خصص لها "جان" وقتاً محدود بعد العمل، مساءاً بعد رحيل الموظفين، توقف محله بصدمة وهو يرى سيارته في حالة مذرية، فقد إمتلأت الزجاج الأمامي لها بكتابات ورسوم عديدة يعلم من خلفها، كبت غضبه بصعوبة ليكظم غيظه بالجز علي أسنانه مردداً بوعيد وهو يتجه لقصرها:
_وربنا لأوريكِ...

حاول "مروان" التقرب من "سارة" بشتى الطرق ولكنها كانت تبعده عنها آلاف الأميال حتى بات علي ثقة بأن هناك أحداً أخر بحياتها، فقرر الحديث مع أخيه بالأمر.. .

وقفت أمام الهاتف بأهتمام تنقل خطوات الطبخ عملياً من أمامها بعدما تسببت بحالة من الكوارث للمطبخ، عجنت" حنين" الدقيق بأهمال ثم رفعت يديها تبعد حجابها للخلف لتنال جبهتها حظاً من الطحين، ومن ثم حكت خديها ليصبح وجهها بأكمله ملطخ بالدقيق...
تفادي "مراد" الكثير من الأغراض المعبأة أرضاً ليصل إليها فوقف مشدوه مما رأه، لم يتمكن حجب ضحكاته فأنفجر ضاحكاً حتى إنتبهت له...
تركت الوعاء ووقفت تتأمله بغيظ ليجاهد بالثبات قائلاً بخبث:
_أسف...

ثم جلس علي المقعد المقابل لها ليجذب الملعقة ليحركها يساراً ويميناً مطلقاً صفيراً مسلي علي رؤياها، حاولت أن تطهو أي شيء ولكنها لم تتمكن، مرت الدقائق فرفع "مراد" يديه مشيراً على ساعته:
_معاد أكلي...
إبتلعت ريقها بأرتباك لتجذب المقعد المقابل له قائلة بيأس:
_معرفتش أعمل حاجة...
أشار له بسخرية:_أممم، طيب والحل؟!..

إغتاظت من حديثه الساخر فقالت بغضب:
_أطبخ لنفسك يا حبيبي..
حاول بأن يجعل نظراته أشد ثباتاً وجدية:
_إتقي شري يا "حنين"، صدقيني لو قلبت عليكِ مش هعرف أرجع تاني..
زفرت بحزن إحتل ملامحها لتفرك أصابعها دون النظر إليه:
_ليك حق تعمل أكتر من كدا، مأنا عشان بحبك فأنت سايق فيها ودايس على قلبي المسكين...

إحتضن مقدمة أنفه ببسمة ساحرة علي دورها الطفولي الحزين ليضع الملعقة من يديه ثم نهض ليقترب منها والأخرى تتطلع له بخوف ظناً من أنها ستتلقن ضربة منه!، جذبها لتقف إمامه فرفع يديها إليه، أشمر عن ساعديها ليضغط علي الزر الجانبي لساعته فأضاءت كلتا الساعتين بضوء أخضر خافت، تابعت ما يحدث بأستغراب وخاصة حينما إستمعت لتسجيلات علي ساعتها تنطق بكلمات مختصرة لها بصوته هو، كلمات كان يسجلها لها من الحين والأخر حينما كانت تحتضن الأشواق ببساط الحنين!...

"وحشتيني يا مجنونة"..
"بحبك"...
"وحشتيني يا حنين"...
"سامعك وأنتِ بتتكلمي عني وقريب راجعلك"
"عصير أيه يا هبلة مش بقولك مجنونة"
"مجنونة بس بموت فيكِ للأسف الشديد ومن سوء حظي اني بعشقك!"

صدح صوته المسجل بكلمات بسيطة ولكنها كانت كافيلة بجعلها بحالة لا توصف، حالة تمرد وخجل ونظرات ولصدمته ما فعلته تلك المرة حينما تركته يقف أمامها وأسرعت لتتخبئ مجدداً خلف الستار!...
أصبح مطاف حمايتها ولكن هل سيحميها هذة المرة؟!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة