رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس
تم إغلاق المقهى مبكرا كما اتفق الجميع و اختفوا جميعا فى غرفهم استعدادا للحفل، ساعة و طل احدهم تلو الاخر، تجمعوا حول مائدة صغيرة أنيقة فى احد أطراف المطبخ تتوسطها كعكة عيد الميلاد..
جلس جميعهم فى سعادة و بدأوا الاحتفال..
اندفعت غفران تطفئ الأنوار بعد ان اشعل منير الشموع المغروسة بالكعكة..
اخذوا فى الغناء و المزاح و ما ان هم يوسف بأخذ شهيقا قويا حتى يطفئ الشموع حتى هتفت غفران مازحة: - فليأخذ كل منكما ساتر، فالإعصار قادم فى الطريق..
انفجر الجميع ضاحكا الا يوسف نظر عابسا و هتف مدعيا الحنق: - بعض الهدوء، هناك شموع نركز لنطفئها..
هتفت غفران فى سخرية تغيظه: - اشعر انك تحاول ان تطفئ الشمس لا بعض الشموع..!؟.
لم تستطع هناء إمساك قهقهاتها و هتفت: - كفى غفران و دعينا ننهى إطفاء تلك الشمعات، ام انك تلهينا عن تناول الكعكة حتى لا نحكم عليها!؟، يبدوانها سيئة..
هتفت غفران تدافع عن كعكتها العزيزة: - انا لا مثيل لكعكاتى ابدااا..
هنا استغل يوسف انشغالها بالدفاع عن كعكاتها و نفخ بقوة لتنطفئ الشمعات دفعة واحدة ليعم الظلام..
نهضت مندفعة لتفتح الأنوار مرة اخرى ليندفع يوسف فى نفس ذات اللحظة ليفعل ذلك فأصطدمت به و تأوهت محاولة الصمود و حاولت ان تتماسك حتى لا تسقط فما كان منه الا الإمساك برسغها فى قوة لتتمالك نفسها و تقف فى ثبات اخيرا..
شعرت بلمسته تشبه جمر حارق قبض على ذراعها فجذبته فى سرعة مضطربة و فتح هو الأنوار ليعود كل منهما للطاولة من جديد..
هتف منير الذى لم يلحظ و زوجه توتر غفران الذى حاولت السيطرة عليه بمهارة: - ماذا تمنيت چو و انت تطفئ الشموع!؟.
هتف يوسف مبتسما: - تمنيت السعادة للجميع، اما عن نفسى، فما عاد هناك شئ اتمناه..
هتفت هناء متعجبة: - لا امنيات مطلقا!؟، لا رغبة فى مال او عمل مرموق او ربما زوجة و اولاد..!؟.
هتف يوسف فى هدوء يناقض تماما ذاك الوجع الذى يعتمل بصدره: - لا، لا رغبة على الإطلاق، اكتفيت بنفسى..
هتف منير متسائلا فى مرح: - كم عمرك الان!؟.
هتف يوسف مبتسما: - أربعون عاما كاملة على تلك الارض..
هتف منير مشيرا لغفران: - مرحى يا رجل فلقد أتممت انا الأربعين منذ أسابيع قليلة، اتذكرين ماذا قلتِ لى ساعتها يا غفران!؟.
همست غفران و لم تتطلع الى اى منهما بل تشاغلت بتقطيع الكعكة: - لا، لا اذكر..
على الرغم من انها كانت تذكر تماما ماذا قالت لكنها اثرت الإنكار و هى توزع الحلوى على الاطباق ليستطرد منير: - قلتِ ان سن الأربعين هو سن النضج الحقيقى و انه مذكور فى القران كذلك على لسان سيدنا سليمان شاكرا انعم الله..
هزت غفران رأسها مؤكدة متجنبة النظر اليه: - نعم هو كذلك، تذكرت..
و حاولت تغيير دفة الموضوع هاتفة: - الان جاء موعد تذوق الكعكة، أراءكم دام فضلكم، دون مجاملة..
بدأ الجميع فى تناول قطع الحلوى ليبدأ منير التعليق مهمها فى استمتاع: - راااائعة، حقا رائعة..
لتتبعه هناء هاتفة من خلف تلك القطعة الضخمة التى تحاول ان تلوكها فى فمها بسعادة: - ما هذا الجمال!، سلمت يداكِ غفران، لابد و ان تخبرينى سر الصنعة..
لقد صنعت العديد من الكعكات و لم تكن احداهن بذاك المذاق الخلاب..
هتفت غفران فى احراج: - انتِ تبالغين هناء، كل ما تصنعينه شهى بحق..
انتظر الجميع رأى صاحب عيد الميلاد لكنه استمر فى تناول قطعته حتى انتهى منها و مد كفه يتناول قطعة اخرى يضعها بطبقه و اخذ فى تناولها فى هدوء..
سأله منير متعجبا: - چو!، لم نسمع رأيك بعد..
هتف يوسف لامباليا: - لا بأس بها..
هتفت غفران فى ضيق و هى تجذب طبق الحلوى من امامه: - حسنا لا مزيد من القطع، واستطردت ساخرة: - لا بأس بها، لقد تناول بالفعل نصف الكعكة.
قهقه الجميع لملاحظتها ليهتف يوسف مشاكسا: - كل ينظر الى حجمه، النصف قليل بالمناسبة..
تثاءبت هناء و هتفت و هى تنهض فى تكاسل: - لقد حان وقت النوم، تصبحون على خير، و كل عام و انت بخير چو، بالمناسبة غفران اتركى كل شئ و لا ترهقى نفسك فأنت بحاجة للراحة ايضا، وغدا صباحا نقوم بالجلى..
و صعدت الدرج ليتبعها منير، نهضت غفران بدورها و بدأت فى جمع الصحون ضاربة بكلام هناء عرض الحائط، و بدأت فى تنظيفها متناسية انه لايزل هنا قابعا على كرسيه فى هدوء مسترخيا كنمر برى بعد وجبة دسمة..
شعرت بحركة خلفها و همت بالالتفات لتجده يحمل باقى الصحون و يضعها امامها فى حوض الجلى..
هتفت فى هدوء: - شكرًا للمساعدة، يمكنك الصعود للنوم، فقد كان..
قاطعها مشرفا عليها بقامته متسائلا: - لما!؟
رفعت رأسها لتقابل نظراته مستفسرة: - لما ماذا!؟.
همس بتعجب: - لما لم تخبريهما بما حدث بالامس!؟.
هتفت تتشاغل بالجلى: - علاقتك بالله تخصك وحدك و على الرغم من انك تنكر تلك العلاقة من الاساس، لكن تلك العلاقة المقدسة هى سر بين العبد و ربه و لا يحق لأحد التدخل فيها، و قد علمت بذاك السر و لا يحق لى إفشائه..
نظر اليها من عليائه و صمت و لم يعقب و اندفع يعتلى الدرج و ما ان هم بوضع قدمه على اولى الدرجات حتى توقف هاتفا: - بالمناسبة..
استدارت ناظرة اليه تستفسر: - الكعكة كانت رائعة بحق، انا لا أميل لتناول الحلوى بوجه عام لكن تلك الكعكة كانت استثناءً، سلمت يداكِ..
و اندفع للأعلى دون ان ينتظر ردها لتعود لجلى الصحون من جديد على شفتيها ابتسامة واسعة تحمل نكهة سعادة لم تتذوقها منذ زمن بعيد..
ذهبت هناء لزيارة طبيبها بصحبة منير و ظلت غفران لإدارة المقهى بمساعدة يوسف، كان الامر فى البداية مقبول و كانت غفران قادرة على السيطرة عليه لكن ما ان انتصف النهار حتى اصبح الامر اشبه بالسيرك مع كل هذا الكم من الطلبات التى ما عادت قادرة على تلبيتها بمفردها و بدأت تشعر بانها تنهار بحق الا ان يوسف تدخل فى اللحظة المناسبة قبل ان تصرخ فى هستيريا من كل هذا الضغط الواقع على أعصابها: - اهدأى، سأكون عونا لكِ..
ترك مكان حراسته على مدخل المقهى و بقى معها بالمطبخ توجه مباشرة حيث تقف و بدأ فى النظر حوله بعين خبيرة و تركها تفعل ما تقوم به دون ان يزعجها و قام برفع غطاء ذاك القدر الذى يغلى على النار، كان حساءها الذى تعده يوميا، امسك بملعقة و بدأ فى تذوقه، استحسنه بهمهة عالية جذبت انتباهها، سقط ناظريها عليه و هو يتناول احد أوعية البهار و يضع بعضه فوق الحساء فصرخت مرتعبة هاتفة فى صدمة: - ماذا فعلت!؟.
نظر اليها فى تعجب هاتفا: - وضعت بعض البهار..
صرخت فى غيظ: - و من اخبرك لتفعل ذلك!؟، لقد أفسدت حسائى و ما من وقت لإعداد غيره، العون من عندك يا رب..
هتف بدوره مغتاظا: - لم افسد شيئا..
هتفت تتهمه بغضب: - بل فعلت، وضعت بعض البهار على حسائى العزيز، ماذا افعل الان!؟.
هتف يغيظها: - تذوقيه..
صرخت أمرة: - ابتعد عن موقدى و قدر حسائى الان، و لا تعبث كفك بأى شئ الا بتكليف مباشر منى..
و مدت كفها تتناول احد الملاعق الخشبية و وقفت امام الموقد حيث كان يقف منذ لحظات و تقهقر هو للخلف ناظرا اليها فى تحدى متخصرا، رفعت الملعقة لفمها تتناول بعض الحساء الذى ظنت انه افسده لعلها تصلح ما يمكنها اصلاحه، و لكن للعجب أعجبها الطعم كثيرا، تلك الإضافة البسيطة التى قام بها جعلت من الحساء متكاملا بحق، كانت دوما ما تبحث عما ينقص هذا الحساء رغم روعته بالفعل و لكن ها قد جعل الحساء مثاليا..
شعرت بالحرج و هى تستدير لمواجهته لكنها ادعت اللامبالاة هاتفة: - حمدا لله ان الحساء لم يصبه ضرر لفعلتك..
و تناولت طبق تملأه هاتفة و هى تمرره اليه: - هيا خذ ذاك الصحن لطاولة رقم ثلاثة، اسرع فقد تأخرنا..
تناول الصحن من كفها ووضعه على صينية تقديم و اندفع خارج المطبخ ليعود بعد لحظات هاتفا: - انت مدينة لى باعتذار، الحساء اصبح مذهلا بعد اضافتى السحرية..
هتفت ساخرة: - تقصد إضافتك العشوائية، مجرد حظ..
رغم سخريتها تلك الا انها فى قرارة نفسها كانت تدرك ان إضافته للبهار قد اضافت للحساء نكهة مميزة لا يمكن إغفالها، كما انها لاحظت انه أضاف تلك البهارات بثقة كبيرة لا يملكها الا محترف يعرف ما يفعل..
هتف يشاكسها: - انا اعشق العشوائية، و سأبهرك بنتائجها فى كل مرة..
هتفت محذرة: - اياك ان تمد إصبعاً على طعامى مرة اخرى، اياااك..
هتف يغيظها: - تحذيراتك تغرينى لمزيد من التجارب، و سأفعل و لن تستطيعى منعى..
هتفت بغيظ تهدده: - حاول مجرد محاولة، و سترى..
انفجر ضاحكا و اندفع يقدم المزيد من الطلبات تاركا إياها تشعر بالقلق على أطباقها التى تتفنن فى صنعها خوفا من ان يصيبها ضرر ما جراء عشوائيته..