قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

شعرت ببعض الأرق بعد صلاة الفجر بقليل فقررت النزول الى المطبخ لعلها تقوم ببعض الامور التى تساعد فيما بعد عند مجئ ساعة الذروة فى منتصف النهار، نزلت بالفعل و بدأت فى تجهيز بعض الخبر الطازج و الفطائر الشهية، و دخلت تعدل من وضع الطاولات و مفارشها و زينتها و تضم مقاعدها و وضعت يافطة مفتوح على الباب و فتحت التلفاز على قناة دينية تبث آيات القران الكريم..

و عادت لعملها بالمطبخ، أعدت الفَطور فقد حان نزول الجميع بين لحظة و اخرى، و قد صدق توقعها فها قد هل يوسف من اعلى الدرج هابطا مستحسنا رائحة القهوة الذكية التى تصنع و التى يدعو مجرد استنشاق رائحتها الفواحة على الاستيقاظ..
هتف فى هدوء و هو يتناول احد فناجيل القهوة ليصب لنفسها قدحا: - صباح الخير
هتفت بهدوء بدورها: - صباح الخير..

هتف يوسف ممتعضا وهو يرشف قهوته: - هل ما اسمع حقيقيا!؟، أيات من القران فى الصباح الباكر لحظة افتتاح المقهى..!؟ اشعر اننا بحارة شعبية متواضعة و نحن ندير مقهى شعبى و لا استبعد ابدا ان أراك يوما ما تحملين دلواً ترشين منه الماء امام المقهى هاتفة بصوت جهورى اصطبحنا و اصطبح الملك لله ، نحن بحى راق و ندير مقهى راق، اين ذهبت الموسيقى الكلاسيكية الناعمة يا امرأة!؟.

زفرت فى حنق هاتفة: - اولا، اياك ان تنادينى بهذا اللفظ مرة اخرى، تجاهلته مرة فى السابق لكن صدقنى لن أتجاهله مجددا، اما فيما يخص القران فانا اصبحت ادرك تماما عداءك لكل ما يمت لله بصلة و انا لست مجبرة على مراعاة مشاعرك او تحقيق ما أراه قد يسعدك، و اخيرا القرآن بركة فى الصباح و لن يضر مقهاك الراقى بعض من اياته بل على العكس تماما سيفيد و سترى..

هتف منير ومن خلفه هبطت هناء: - يرى ماذا!؟، اما من نهاية لجدالكما!؟.
هتفت هناء و هى تتناول احدى الفطائر التى صنعتها غفران: - لا نهاية يا عزيزى، لكن على ماذا كان الجدال هذه المرة!؟
سألت هناء و هى تتطلع لكل منهما لعلها تلق اجابة لكن صوت تلك الرنات الموسيقية التى تنذر بقدوم احد الزبائن جعلت الجميع يتحفز لخدمته..

نهض يوسف ليبدأ نوبة حراسته الصباحية بينما انشغلت غفران بانهاء ما تعده، اما هناء و منير فأندفعا يرحبان بتلك الاسرة الصغيرة التى جلست فى الركن المواجه لمدخل المقهى حيث يقف يوسف..
ابتسمت هناء لأفراد الاسرة ووضعت أمامهم قائمة الطعام و هى تبادل تلك الصغيرة الرقيقة الابتسام فى مودة..

بدأ كل فرد فى اختيار انواع الطعام التى يفضلها و بدأت هناء فى كتابة تلك الطلبات، لم يمر وقت طويل حتى عادت بالمطلوب بمساعدة غفران التى لاحظت الصغيرة بدورها و بادلتها ابتسامة جعلت الفتاة تهتف فى سعادة: - عيد مولدى يوم الجمعة القادمة..
هتفت غفران فى سعادة مماثلة: - حقا!، هذا خبر رائع، كل عام و انت بخير يا صغيرتى..
هتفت هناء فى حماسة: - نحن نعد كعكات عيد ميلاد راااائعة..

هتفت الام متنبهة: - حقا!؟، هذا رائع، لكن ألا تقيمون حفلات عيد ميلاد للأطفال هنا بالمقهى!؟، فأنا لم اختر مكان لإقامته بعد..
هتفت غفران بسرعة قبل ان تجيب هناء: - بالطبع نفعل، نقيم الحفلات بطلب مخصوص، و دوما ما تكون يوم الجمعة حتى يكون المقهى شاغرا و مخصص للاطفال فقط مع ذويهم..
هتفت الام موجهة حديثها للأب فى حماسة للعرض: - حسنا ما رأيك!؟، افكر فى إقامة حفل عيد ميلاد صغيرتنا هنا..

هز الاب رأسه موافقا: - لما لا، ما التكلفة المبدأية للحفل...
هتفت غفران و هى تتعمد عدم النظر الى هناء التى كانت مصدومة بالفعل: - على حسب ما تختاره سيدى، فقرات الحفل كثيرة و ممتعة للاطفال بجانب الكعكة و ما يمكن ان يُقدم معها من حلوى و مقبلات و بعض العصائر..
هتفت الام مؤكدة و هى تنظر لغفران: - رجاءً رقم هاتفك لنتباحث فى ذلك الامر مساءً..

أملتها غفران رقم هاتفها و اندفعت للمطبخ و فى أعقابها هناء التى صرخت هتعجبة: - ماذا فعلتِ لتوك يا غفران!، من اين جاءت فكرة عيد الميلاد تلك!؟، و هل نحن قادرون على القيام بمتطلبات حفل و فى يوم اجازة المقهى!؟.
هتفت غفران فى ثبات: - سنفعل، و سنكون قادرون تماما على ذلك، دعِ الامر لى، فهذا رزق قد ساقه الله لنا و علينا العمل على تحصيله..

هتفت هناء باتجاه منير: - ما رأيك يا منير!؟، هل سنقوم بذلك الحفل ام نخرج لنعتذر قبل ان يرحل أصحابه!؟.
هتف منير بحماس: - لا اعتذارات بالتأكيد، سنقوم به، نحن لم نفعلها سابقا لكن اعتقد انه حان الوقت لتطوير أنفسنا قليلا، لا بأس من بعض المخاطرة و فى الأخير انها مجرد حفل عيد ميلاد لطفلة، انا اتفق مع غفران تماما، هذا رزق بعثه الله، و علينا اقتناصه..

كان يوسف يقف على اعتاب المطبخ جاء ليخبرهم ان احد الزبائن قد جلس و لم يأت احد لخدمته و سمع ما دار من حوار، وقف يتطلع للجميع و نظر الى غفران و تذكر كلماتها منذ ساعات قليلة، سيفيد وسترى ، و هاهو يرى ابواب من الرزق تفتح أمامهم فعلا، هل حلت البركة كما كانت تدعِ غفران ام انه مجرد مصادفة عجيبة لا اكثر..!؟.

كانت تقف تعد بعض الفطائر عندما سمعت صوت يئن فى وجع أدمى قلبها، ارهفت السمع تحاول ان تستطلع من ان يأتى ذاك النحيب الموجع..
وصلت اخيرا لمصدره خلف باب المطبخ الذى يُفتح على الزقاق الضيق لتجده كلبا اعرجا أنهكه الجوع يئن خلف الباب، رق قلبها و انحنت تهمس فى تعاطف و هى تربت على رأسه بحنو: - مرحبا أيها الصغير، هل انت جائع!؟، بالتأكيد انك لكذلك، انتظرنى قليلا لا تتحرك..

عادت لتدلف من جديد للمطبخ مجمعة بعض من قطع لحم و عظام كانت فى سبيلها للتخلص منها..
وضعتها فى احد الاطباق الكرتونية و خرجت من جديد لتقدمهم لزائرها الشاحب خلف الباب..

دخل يوسف يخبرها انه اخذ طلبات احد الزبائن عندما تأخرت فى الخروج لصالة المقهى، و لم يكن يعلم انها تقدم طلب اخر، تنبه لصوتها الصارخ بشهقات مكتومة و القادم من وراء باب المطبخ الخلفى، اندفع يفتحه ليستطلع الامر ليجد عصبة من كلاب الحى بأسره قد اجتمعوا مهرولين فى سبيلهم الى موضعها و هى تقف فى صدمة تحمل جروا بين ذراعيها، لم يكن منه الا انه جذبها حاملا إياها و كلبها من امام ذاك الطوفان من الكلاب مختلفة الأحجام و الأشكال و التى جاءت متعطشة للعظام التى وضعتها امام باب المطبخ، دخل مسرعا و هى محمولة كما يحمل معطفه الشتوى على ذراعه و الكلب المشرد سبب الكارثة لايزل بين ذراعيها..

انزلها يوسف محاولا التظاهر بالهدوء و ما ان هم بالتحدث حتى هتفت هى فى اضطراب و تيه يتتابع صدرها صعودا و هبوطا من جراء صدمتها: - كيف تجرؤ!؟
هتف يوسف جازا على اسنانه: - أجرؤ على ماذا!؟، على انقاذك من عصبة الكلاب تلك!؟.

لم ترد فهى لم تتخلص من اضطرابها بعد، بينما استطرد حانقا و ما عاد قادرًا على السيطرة على أعصابه: - لا مشكلة، يمكننى إعادتك و صديقك الذى تحملين الى هناك مرة اخرى، صدقينى سأكون سعيدا و انا افعل ذلك فلا تختبرى صبرى..

هتفت محاولة تمالك أعصابها و السيطرة على اتزان قدميها و التى اصبحت كالهلام حرفيا بعد ان حملها بهذا الشكل لتكون صدمتها مضاعفة جراء هجوم الكلاب و كذا حمله إياها: - انت، انت وقح، و لا تتدخل فيما يخصنى مرة اخرى، و لا تلمسنى مجددا مهما كانت الأسباب..
هتف بغيظ: - لا ألمسك!؟، و كأننى كنت الساع لذلك، افيقى يا امرأة فأنا كنت انقذك من موت محقق، ام ان ذاك العاصى الماجن لا يجب ان يمس السيدة الطاهرة!؟.

شهقت هاتفة: - ماذا تقول!؟، انا لم..
هتف يقاطعها: - انتِ ماذا!؟، انتِ حمقاء تزج بنفسها فى مواقف تدفعنى دفعا للتدخل ثم تهتف بعدها الا اتدخل، حتى انها لم تفكر ان ابسط قواعد الادب ان تقدم الشكر.
شهقت من جديد و هتفت ساخطة: - انا مؤدبة، انا كنت سأشكرك بالتأكيد، لكن..

هتف يستوضح متعجلا: - لكن ماذا!؟، الا يخبرك دينك ان اقل ما يجب تقديمه لمن قام بمعروف تجاهك هو تقديم كلمات الشكر له لا التقريع.!؟، انت مدعية..
شهقت مجددا هاتفة بغضب: - انا لست مدعية بل انت..
تقدم منها فى تهديد و شرارات الغضب تتطاير من عينيه فيتحول لونها للون زعفرانى عجيب ألجمها و ما عادت قادرة على التفوه بحرف و قد اشرف عليها بتلك القامة الضخمة مما أشعرها بالتهديد.

همس بلهجة هادئة أخرستها: - انا ماذا!؟، هيا اخبرينى، انا ماذا!؟.
همست متلجلجة: - انت، بل انا، انا آسفة، و شكرًا لك على ما فعلته لأجلى..

و اندفعت صاعدة الدرج فى هرولة تاركة الكلب المسكين بأحد الجوانب يئن، مما دفع يوسف ليضع له بعض الطعام رابتا على ظهره، و متطلعا للدرج حيث اختفت منذ قليل، ليندفع منير مسرعا يحمل بعض الاطباق الفارغة و يضعها جانبا و يتناول بعض ما اعدته غفران حاملا اياه لخارج المطبخ ليقدمه لطالبيه، زفر يوسف حانقا عائدا لموضع حراسته خارج المطبخ و هو يفكر فيما قالته، هل تشعر بكل هذا الاشمئزاز من لمسته الغير مقصودة تلك و التى لم يكن غرضها الا حمايتها!؟، أغضبه الخاطر كثيرا و شعر انه يكاد يختنق قهرا، و تعجب فى نفسه لما يهمه ما يشعراو تقول و هو الذى كان لا يلق بالا لكلام معارضيه..!؟.

كان يتجنب اللقاء بها او التواجد معها وحيدا بعد موقفهما الاخير، فقد أوضحت بشكل صريح انها تريده ان يتجنبها و لا يفكر فى التدخل فى شؤونها مهما كانت، حسنا هاهو يفعل..

كان يقوم بما هو مطلوب منه بهدوء و على اكمل وجه دون ان يحاول الاحتكاك بها مهما كانت الأسباب، حتى كلبها الأعرج صديقها سبب المشكلة الاخيرة و الذى كان يتمسح بقدمه ما ان يخرج للذقاق لبعض شأنه كان يتجاهله اذا ما كانت هى موجودة و يقدم له الطعام و الدعم اذا ما غابت عن المشهد..

دخل الى المطبخ فى تلك اللحظة حاملا احد الصوانى و عليها بعض الاطباق الفارغة متوجها الى الحوض ليضعهم فيه فكادت ان تصدم به و هى تستدير فى سبيلها لاعلى..
عادت القهقرى منتفضة و تطلعت اليه للحظة و اخيرا اندفعت تجاه الدرج عندما صدح صوت آذان المغرب من جوالها..
غابت بالأعلى و تعجب لما لم تنزل حتى الان فسأل هناء فى مراوغة: - المقهى مزدحم لما لم تنزل غفران لمساعدتك..!؟

هتفت هناء موضحة: - لابد و انها تصلى، ذاك طبعها منذ جاءت الى هنا، ما ان تسمع نداء الصلاة على جوالها حتى تندفع صاعدة لغرفتها تؤدى فرضها و تعود للأسفل من جديد و اليوم ليس استثناءً، فلابد انها ستعود بعد قليل حتى تتناول إفطارها..
هتف يوسف متعجبا: - إفطارها!؟.
اكدت هناء: - نعم، فهى كانت صائمة، و ها انا اعد لها الافطار..

صمت يوسف و لم يعقب و خرج لصالة المقهى و لكنه ترك باله مشغولا على تلك التى لم تنزل حتى الان لتتناول طعامها، كان يلق كل لحظة بناظريه لداخل المطبخ لعلها عادت، شعر بالضيق يكتنفه و قرر الصعود لاستعجالها، فاندفع بلا تفكير فى اتجاه المطبخ و منه لأعلى الدرج..

توجه الى غرفتها و ما ان هم بطرق الباب حتى سمع صوتها يرجو بنبرات تقطر تضرعا: - يا رب، أنر ذاك النور بروحه من جديد، فذاك القبس داخله قد خبا و لابد من ان ريح وجع قاسى هى من أطفأ جزوة الإيمان داخله، انرها يا آلهى، ارشده لطريقك الذى ضله فى عتمة التجربة و مرارتها، دعه يدرك انك هاهنا حى بأعماقه اقرب اليه من حبل وريده، قال انه دعاك كثيرا و لم تستجب حتى انكر وجودك، استجب له يا رب، استجب حتى يدرك انك هنا، انك موجود تملأ رحمتك و عفوك براح روحه التائهة و المتعطشة لجودك و كرمك، استجب يا الله، استجب..

و سمع صوت شهقات بكاء تتبع دعواتها الحارة و لم يكن صعب عليه ان يدرك انه صاحب تلك الدعوات و التى ترجو تحقيقها لأجله، و ان تلك الدموع المسفوحة تضرعا و املا من اجل خاطره..

شعر ان شئ ما يهتز بقوة داخل صدره و ان احساسا ما من رهبة و اضطراب قد بدأ يعتريه و يسيطر على مشاعره بشكل أقلقه بحق جعله يرغب فى الهرب منه فأندفع مبتعدا عن الغرفة متجها لأسفل فى هرولة حتى وصل لموضع حراسته داخل المقهى و تظاهر بالثبات و التركيز و هو يدرك تماما انه ابعد ما يكون عنهما و قد شعر بزلزال ما يحرك ذاك الجبل الساكن داخله و ان تلك الكلمات المتضرعة التى سمعها من خلف بابها اخذت تتردد على مسامعه كأنها صدى يتكرر داعيا اياه من خلف جدران التيه..

.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة