تصنيف الشخصيات من سلسلة عناصر الرواية
نحن نصنف الشخصيات الحقيقية تصنيفات كثيرة أولها أخلاقي، فنقول عنها خيرة ومستقيمة وبناءة تبعا لسلوكها، وعملها لصالح المجتمع وأفراده وعلى العكس من ذلك ننعت العاملة ضد المجتمع بالشريرة والهدامة والمنحرفة ممّن يرتكبون جرائم السرقة والغش والاختلاس والتزوير وتهريب المخدرات.
وهناك التصنيف النفسي للشخصية وهو كونها سوية أو غير سوية. فالشخصية غير السوية هي التي تعاني من اضطرابات نفسية وأمراض تؤثر على سلوكها مع من حولها وماحولها، فتتحول إلى شخصية عدوانية أو زاهدة في الحياة، ولكن الشخصية السوية مائة بالمائة نادرة الوجود، ومعظم الناس يتعرضون في حياتهم لمشاكل وأزمات تؤثر على سلوكهم، وإن لم تصل إلى حد المرض.
وهناك التصنيف الذي يعتمد على الأبراج، فيقسم الناس حسب سلوكهم تجاه الحياة إلى إيجابيين وسلبيين، فالسلبي من يترك الأقدار تسير مصيره، والإيجابي من يخطط ويضع كل ثقله لتغيير مجرى الأحداث سواء في العمل أو الحب أو السياسة. وليس معنى ذلك أن السلبي لايعمل، بل إنه يقوم بعمله ويترك الباقي للظروف، أما الإيجابي فيحاول تغيير هذه الظروف لمصلحته. والإنسان نفسه قد يكون إيجابيا أحيانا وسلبيا أحيانا أخرى.
وهناك تصنيف يعتمد على الصفة البارزة عند الإنسان، فقد تكون غالبة على طبعه حيث يكون حليما أو شجاعا أو أنانيا أو مستبدا. وقد تكون هذه الصفة غالبة على مزاجه فيكون انطوائيا أو منبسطا، مرحا أو كئيبا. وقد تكون غالبة على عواطفه فيكون عطوفا أو حقودا. وقد تكون غالبة على تربيته فيكون مائعا أو اتكاليا. وقد تكون غالبة على وسائله في تحقيق غاياته فيكون انتهازيا أو وصوليا.
وسنحاول الجمع بين هذه التصنيفات، وسنعتمد على الصفة او الصفات البارزة في الإنسان لتقييم الشخصية، ونبين إذا كانت سلبية أو إيجابية في تعاملها كما نبين إن كانت مستقيمة أو منحرفة وبناءة أو هدامة فيما يتعلق بغاياتها ودوافعها ووسائلها. فالشخصية المستبدة مثلا هي شخصية منحرفة وهدامة وغير سوية، والشخصية العطوفة هي شخصية خيرة وسوية وإيجابية ومستقيمة في الوقت نفسه وهكذا...
وحين ينتهي الكاتب من خلق الشخصية أو الشخصيات المحورية، يجعلها تتفاعل مع بعضها بعضا من خلال العلاقات الإنسانية والأحداث، ويجب أن تسلك الشخصية وفقا لتكوينها وطباعها ومزاجها، فلا يمكن لشخصية شجاعة أن تتصرف تصرفا جبانا إلا في ظروف خاصة يقتنع بها القارئ، ولا يمكن لشخصية عاطفية يتحكم فيها هواها الجامح أن تفكر تفكيرا عقليا منطقيا وهكذا... وتتغير ملامح كثير من الشخصيات في نهاية الرواية نحو الأحسن أو نحو الأسوأ.
ويجب أن يكون ماثلا في أذهاننا أن الشخصية التي يخلقها الكاتب ترتبط ارتباطا عضويا بالموضوع الذي ينوي معالجته، ومنسجمة مع الشخصيات الأخرى في الرواية (ولا نعني هنا الانسجام في العلاقة، بل مع موضوع الرواية) فحين تصور نجيب محفوظ شخصية أحمد عبد الجواد كنموذج للشخصية المتسلطة في المنزل، كان لا بد أن يتصور معه المرأة والأولاد ليظهر تسلطه، وكان لا بد أن يتصور سلوكه خارج المنزل وبالتالي أن يتصور أصدقاءه وجلسات الأنس والطرب ليظهر ازدواجيته.
وهذا يعني أن الشخصية تولد وموضوعها معها، وتولد ضمن بيئة وليس في فراغ، ثم تنمو ضمن علاقتها مع الشخصيات الأخرى. ويجب أن تكون طباعها ومزاجها وتكوينها منسجمة مع غاياتها ووسائلها، فلا يمكن أن ننقل مثلا محجوب عبد الدائم بطل رواية القاهرة الجديدة و نضعه بدلا من السيد أحمد عبد الجواد في رواية بين القصرين والعكس صحيح .فبناء الشخصية هو جزء من البناء القصصي للرواية فيها.