قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السادس

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السادس

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السادس

أغلق رامي هاتفه ثم القاه أرضًا يشعر بالغضب ينفر من عروقه، فضحكت ريناد وهي تخبره بسخرية:
-ما قولنا فرصتك ضاعت، الواد لازق بغرا، طلعها من دماغك بقى عشان الحكاية بوخت!
-ما هو كله منك يا غبيه، كل ما أخطط لحاجه تخليها تعمل عكسها!
اتهمها رامي في عنف وهو يتجه كي يتوسط المجلس بين الحاضرين، فدافعت ريناد عن نفسها مستهجنه:.

-الله وأنا كنت هعرف منين اني لما اكلمها عن الارتباط وانها لازم تبقى زينا عشان تتكيف مع حياتنا وتفضل صديقه لينا انها هتروح تتجوز أول واحد يقابلها!
دعك رامي عيناه وهو يلتقط قنينه الخمر من جواره يبتلع منها في جرعات دون اهتمام بالشعور الحارق في حلقه والمستقر داخل صدره قبل أن يقاطعه حازم متمتمًا:
-ميرا غير يا رامي وأغبى من انها تبقى معاك اصلًا، نصيحتي ليك أبعد عنها وسيبها تبعد عنا،.

هي مش زينا ومش هتبقى زينا ومحدش فينا قادر يتكيف مع وجودها حوالينا.
-اتفق مع كلامك.
همست روان وهي تقبل انامل حازم الذي رمقها بابتسامه مشاغبة ثم مال يقبل وجنتها في حنو بالغ، فردد رامي في احباط ونفاذ صبر:
-اسكتي، أنتي على طول موافقة على كلام حبيب القلب،.

ثم ده قراري أنا وزي ما بساعدكم كلكم لازم تساعدوني ثم إنها مش بريئة اوي زي ما انت فاكر يا حازم بيه، ما قدامكم أهيه هي راحت وتجوزت عرفي ولا هي جت عليا أنا!
تأففت ريناد وهي تجيبه متذمرة:
-أنت اللي فضلت تلعب بيها يمين وشمال وتضيع وقت في انك تستناها تفهم اعجابك وتلميحاتك وهي عقلها أتخن من كده بكتير.
اعترضت ليلو وهي تشعل سيجارتها في نفاذ صبر وانزعاج:.

-اوف بقى هو يومنا كله هيكون عبارة عن ميرا ميرا ميرا، أنا زهقت ومبقتش طايقة الاسم ده،
أنا حاسه انها سحرالك أنت وزيدان ما هو مش معقول واحد زيك وواحد جامد زيه يبصيلها الصراحة!
علت ضحكات روان وهي تستند برأسها فوق كتف حازم على الأريكة لتخبرها في نبرة غلب عليها كيد النساء:
-قولي انك هتموتي عشان زيدان بيحب ميرا، رغم كلامك عنها ومحاولاتك باستماته انك تبيني عيوبها.

-أنا اموت من فرق لوز دي، أنا لو عايزة أقدر ابعده عنها في ثانية.
تشدقت ليلو من بين اسنانها غاضبة على صديقتها التي تعريها أمام الجميع، حتى هتف بهما رامي منهيًا النقاش:
-اسكتوا كلكم، كفاية رغي وسيوني أخطط!
وبهذا انغلق الحديث وانغمس كلًا منهم في فساده وعلى طريقته الخاصة.

اندفع زيدان يسبقها في خطوات حادة من المصعد متجهًا نحو وكر الشياطين أمامهما فأوقفته ميرا وهي تمسك بذراعه مغتاظة من عقابه الصامت وتجاهله المقصود لها ثم قالت مستنكرة:
-أنا مش فاهمة أنت زعلان ليه، مش هو ده الاتفاق من الأول انك تحضر كل اجتماعتنا.
-اجتماعات ايه؟
انتوا شوية عيال ضايعة مش عارفين تعملوا أيه في حياتكم!

هتف في وجهها وكأنها أفلتت بلمستها غضبه الوحشي على تصرفاتها والحياة التي ترفض إعطاءه دور البطولة فيها وتتركه يتلوى في تعطش لامتلاك زمام مكنوناتها.

أبعد ذراعه عن لمستها دون مراعاه انه قد يهدم مخططه الذي كان يسير بشكل ممتاز حتى اللحظة، او مراعاه لكونه قد يحطم قلبها الصغير بكلماته، فهو غير قادر على تمالك نفسه والمضي في تلك المسرحية الباهتة فكلما ظن ان هذا الفصل من حياتها انتهى ارتفع الستار عنه من جديد.
-عيال ضايعة؟

همست مصدومة من كلماته القاسية وكاد يتابع زيدان في صب غضبه عليها إلا أن الحديث انقطع حين فتحت ليلو الباب مودعة أحد الشباب، وانتبهت لهما فقالت في نبرة متعجبة من وقوفهما في الممر:
-مالكم، لا مش معقول عصافير الغرام بيتخانقوا؟
بدأت حمرة الغضب تفرض حصارها على ملامح ميرا ونظراتها الحاملة للوم والعتاب تهاجمه فأبعد هو عيناه الناعسة رافضًا الاستسلام لمشاعره.

ضاقت عيناه أكثر ثم مال برأسه لليمين يتفحص مغتاظًا وجه ليلو الساخر وابتسامتها المستفزة متعمدًا عدم أجابتها عن سؤالها السابق مكتفي بجذبه الحاد لذراع ميرا المتصلبة جواره متجهًا معها نحو المدخل.

توقف تقدمهما وارتفع حاجبه في تساؤل حين استقرا أمام ليلو التي لم تتنحى خطوة عن الباب في سبيل مرورهما، وزادت مفاجأته حين مالت مستقرة بين جسديهما أثناء إحاطتها بذراعيها حولهما تضمهما إليها سويًا، في تحية خاصة جدًا جدًا، ولم يفُت على زيدان كيف فركت وجنتها فوق ذراعه كالهرة وقت التزاوج، وكيف تلتقم أعلى كتفه بأصابعها النحيفة تقربه نحوها في حركة ودودة أكثر من اللازم.

كانت ميرا أول من ابتعدت للخلف خطوة كأنها صعقت بالكهرباء، حريصة على جذب زيدان معها وهي تلقيه بنظرة مملوءة بالاتهامات وكأنه هو المخطئ الذي قفز فوق الساحرة الشمطاء لضمها!

انتقلت نظرات ميرا المصدومة نحو الساحرة المبتسمة كالأفعى وكأنها ترغب في اقتلاع عيناها لأنها تجرأت على ضم زيدان، أراد أن يبتسم سعيدًا بمشاعر الغيرة المنبثقة منها والتي أعطت ل ميرا الرقيقة الخاضعة هالة من العنف لم يشهدها فيها من قبل ولكن الترقب والريبة المسيطران على عقله يمنعانه، فتلك التصرفات الغريبة التي تنبعث من ليلو نحوه تجعل نواقيس الخطر تضرب في قوة، متسائلًا عما ينوي هؤلاء الأشقياء فعله؟

زاد الشك داخله حين رمقتهما ليلو بنظرة خبيثة ثم استدارت متجه للداخل قائلة بصوتها الرفيع المزعج:
-كفاية خناق ويلا السهرة قربت تخلص.
انعقد حاجباه مشيرًا سبابته باستنكار نحو ليلو معلقًا نظراته المستهجنة بعيون ميرا المشتعلة بالغضب وكأنه يحرك قلمًا فسفوري اللون فوق تصرفات المدعوة صديقتها ثم أشار لها بالدخول متهكمًا:
-اتفضلي يا غالية مش عايزين نتأخر على شلة المراهقين.

جذبت نفسًا عميقًا تحاول عدم الصراخ في وجهه على سخريته الصريحة منها ومنهم، لكنها ابتسمت ابتسامة مغلولة مقررة اعتلاء العناد وأصابته فيما يثير جنونه.
رفعت يداها ترمي سترتها التي تغطي عري أكتافها ثم رفعت أنفها في شموخ وكأنها فخورة بثوبها الأخضر الذي يفتقد للأكمام، ممتنه لوزنها الزائد والذي بسببه صارت أكثر ثقة في هيئتها.

لمعت عيناها في تمرد سعيدة لأنها أصبحت تعرف تلك النظرات الغاضبة المفعمة بالغيرة والمتغلغلة داخل أعماق قلبه حتى كاد ينفث النيران من أنفه وتخرج الأدخنة من أذنيه.
رفعت ذقنها محافظة على ابتسامتها الصفراء ثم قالت:
-فعلًا مش عايزين نتأخر.
تحرك زيدان خلفها في خطوات هادرة يحاول كبح رغبة أصابعه في الامتداد والالفاف حول خصلاتها الملتوية باحترافيه فوق ظهرها وجذبها للمغادرة رغمًا عن أنفها.
-هاي وحشتوني.

قالت ميرا أثناء جلوسها بجوار رامي على الأريكة متجاهلة زيدان ورد فعل رامي المتعجب من استقرارها لجواره على غير العادة.
مرت كلمات ترحيبيه بين الجميع قبل أن تستقر الألسن على أحاديث جانبيه وشكرت حظها التعس حين بدأ رامي في اختلاق حديث معها وانضم الباقي إليهما سارقين انتباهها عن ذلك الغاضب لدقائق طويلة.

تعلم أن تصرفاتها رعناء كالأطفال المدللين ولكنها تشعر برغبة كبيرة في معاقبته وقد اكتشفت ان زيدان أكثر شخص قادر على أذيتها واجبارها على رؤية الحماقة في كل أفعالها وأكثر شخص قادر على الحط من قيمة أشياء تضعها أعلى برج اولوياتها فتنقلب حياتها رأسا على عقب.
هي غاضبة على نفسها وعليه لأنه يجعلها تتساءل عن طبيعة صداقاتها ومدى صلابتها.

جزت على أسنانها تكاد تمزق شعرها من شدة الغضب عندما لاحظت كيف زحفت ليلو واستقرت إلى جوار زيدان الجالس في صمت قبالتها والذي لم يحيد ببصره الغامض عنها والذي لا يفصح عن طبيعة مشاعره.
سرق انتباهها عنه رامي حين مال يهمس في أذنها:
-هو مزعلك ولا أيه؟

ارتبكت بسبب اقترابه الغير متوقع منها وأحست بقشعريرة الرهبة تسري فوق جسدها، تلقائيًا تحركت ميرا بعيدًا عنه بضع إنشات ثم اتسع بؤبؤي عيناها الكبيران في هلع حين استقام زيدان واقفًا أمامهما وقبل أن يفتح فمه وقفت ليلو تخبره في دلال مفرط:
-أخيرًا حد قام، بعد اذنك يا زيدان ممكن تيجي معايا نجيب المشاريب من المطبخ،
الصينية هتكون تقيله عليا جدًا.

تشابكت أصابع ميرا وتشنجت فوق بعضها البعض من شدة الغيظ تكاد تهتف اعتراضاتها في وجهيهما خاصة هو لأنه من المفترض أن يقوم بدور زوجها وليس دور العشيق لتلك الأفعى!
أغمضت جفونها لوهله ترفض البكاء الذي يفرضه شدة استنكارها عليها بسبب تصرفاته الهوجاء، وحين ارتفع جانب فمه في ابتسامة مشاكسة فوق وجهه المغرور قاسي الملامح شعرت بقلبها يعتصر في ألم خاصة حين يتشدق في إجابة ملتوية:
-وماله اللي أنتي عايزاه.

راقبت في غل كيف تحرك كلاهما للداخل في هدوء، بينما جلست هي تشتعل بنيران الغيرة وشعرت بجسدها الصغير يهتز من شدة الغضب مع مرور كل ثانية تمر عليهما سويًا في الداخل.
زفرت حنقها ولم تقدر على التقلد بالثبات أكثر فهبت مستقيمه من مكانها في حدة إلا أن رامي أوقفها جاذبًا ذراعها كي يعيدها للجلوس على حين غرة متهمًا في انزعاج:.

-اتقلي شوية مش كل ما يروح مكان لازم تبقي في ديله وتحت طوعه، أنتي انسانه ليكي حياتك الخاصة بعيد عنه.
شعرت بالإحراج من هجومه على مشاعرها وبسبب تصرفاتها الواضحة للعيان فوجدت نفسها تبرر متلعثمة:
-أنت فاهم غلط، أنا هروح أشرب.
ارتفع حاجبه ساخرًا ثم تمتم مشيرًا لها بالذهاب:
-اشربي براحتك.
وقفت على مهل متجهة للمطبخ خلفهم وهي تعض شفتها السفلية وتبلل جفافها متجاهلة نظرات ريناد خائبة الرجا فيها.

ارتفعت شفتي ريناد في اشمئزاز صريح ما ان ذهبت ميرا وهي توبخ رامي:
-أنا مش فاهمة أنت معذب نفسك معاها ليه؟
أشعل رامي سيجارته يحاول إطفاء النار المستوطنة داخل صدره وهو يراقب ابتعاد ميرا الساهية عن رغباته الدفينة، وانكمشت ملامحه يشعر بالغضب يسيطر عليه حين أخبرته ريناد متهكمة:
-أنت داخل على سنة مهوس بيها وهي ولا هي هنا.
-ريناد مش وقت كلام مستفز.

-براحتك، أنا بس مش فاهمة أنت متعلق بالبنت المفعوصة دي ليه؟
يعني ولا شكل ولا منظر ولا شخصية، ولولا انك أجبرت وجودها علينا مكناش سيبناها في حياتنا خمس دقايق.
رمقها بنظرة صلبة سوداء فرفعت كفيها في استسلام ضاحكة ثم اعادت تركيزها نحو رائف الذي قرر استكمال الحديث معلنًا الحقيقة التي ظنها رامي مخفية عنهم:
-الممنوع مرغوب يا قلبي،.

لو هي مكنتش بنت أكبر منافس لأبوه على الكرسي في كل ترقيه، مكنتش هتحلو في عينيه أوي كده،
ثم أن ميرا كانت مفعوصة قبل جوازها من زيدان ما يخليها تتدور وتملا وتبقى أنثى على حق.
بلل رامي شفتيه في رضا عن وصفه لها وشعر بالتشفي عندما غامت عيون ريناد بالحقد نحو زوجها، مقررًا تجاهل شجارهم الناشب وانتقلت عيناه الحادة كالصياد يتابع المكان التي اختفت منه فريسته حتى أخبرها:.

-مش وقته، قومي وراها شوفي ايه اللي ليلو ناوية عليه لتخرب الدنيا!

في الداخل، وقف زيدان في مكانه مترقب لحركة ليلو التالية بعد محاولتان متتاليتان من لمسه عن قصد وتعمد ببنما تتصنع البراءة والاعتيادية، ولم يخب ظنه فقد اندفعت نحوه تلاصقه وتتعلق به وكأنها توشك على السقوط!
تركها تتأوه وتتعلق رقبته وبداخله لغز كبير يحاول الوصول إلى باطنه كي يفهم تحركات هؤلاء القوم وداخله احساس كبير بانهم يكيدون له مكيدة من نوع خاص!
-مالك متوتر ليه وكأن عمرك ما لمست بنت؟

كان محتارًا هل يصيح بلفظ اعتراضي فج يحوم داخله أم يستمر في تمثيله للوصول إلى هدفه ومعرفة غرض الشمطاء من تقربها المُقيت منه، تنهد ووجد نفسه يستسلم لفضوله متسائلًا في لهجة متعجبة:
-هي مش ميرا صاحبتك والصحاب مش بيعملوا كده بردو؟
اتاه ردها المُلتاع في سرعة وكأنها توقعت سؤاله:
-ميرا مش صاحبة حد.
-مش فاهم؟
-مش لازم، أنا مش عايزة تفكيرك يبقى في ميرا، أنا عايزة عينيك العسلي دي وعقلك عليا أنا.

وضع يده على خصرها مجبرًا ثم حرك رأسه مرة يتصنع الحيرة أثناء التقاطه لعيناها في براءة متسائلًا:
-سؤال واحد محيرني، ليه عاملين صحابها وسايبنها سطيكم، أنا وأنتي عارفين ان مالهاش مكان بينكم.
-حكم القوي، بس مين يفهم!
غمغمت بصوت غير واضح ثم لعقت شفتيها وقد تعلقت عيناها بشفاه الغليظة، وكادت تلامسها لولا ابتعاده في أخر لحظة قائلًا في صوت أجش مشاكس:.

-لو ميرا عرفت هتخسروا بعض فعلًا، أنا هيجي يوم وهسيبها انتوا اللي هتفضلوا معاها.
-تفضل مع مين؟
بكره رامي يوصل لغرضه منها ويريحنا منها ومنشوفش خلقتها تاني.
زمجرت كلماتها في حقد دفين ثم استكملت في نبرة منخفضة غائمة برغبتها الوقحة بينما تفرك كفاها فوق صدره:
-أنا اللي مش قادرة أفهم أنت ارتبطت بيها ازاي، دي اكتر بنت ساذجة ومملة في الحياة.

مالت تستنشق عطره الرجولي دون أن تنتبه لتشنج جسده المتصلب تحت أصابعها ولكنه تابع في هدوء تام يناقض عنف كلماته المتوهجة:
-لو ما بعدتيش إيدك عني حالًا، هكسرهالك عشان تحرمي تمدي إيدك على حاجة مش بتاعتك من تاني.

كان ردًا حاسمًا قويًا ولكن القدر لم يكن حليفًا له ففي تلك اللحظة قررت ميرا المختبئة عند المدخل والتي كانت تراقبهم منذ نطقت ليلو بسؤالها المتعجب عن سبب ارتباط زيدان بها، أن تستسلم لحرقة قلبها ودموعها والهرب قبل أن تصل لمسامعها جملته الأخيرة القادرة على اقتلاع جذور الحزن والقهر المنسابة داخل صدرها.

دفع ليلو عنه في حركة عنيفة والتي كانت لا تزال مصدومة بفعل وقع كلماته على مسامعها، ثم ابتعد في خطوات واسعة ينوي جذب ميرا من خصلاتها بالفعل هذه المرة إن قررت الاعتراض ورفض المغادرة معه.
لكنه وقف كالأبله وسط دائرتهم لا يجدها بينهم فسأل سريعًا:
-فين ميرا؟
توقف قلبه عن الخفقان لحظة عندما انفرجت ابتسامه رامي الخبيثة فوق فمه مردفًا في لهجة متشفية:
-ميرا مشيت.
-مشيت، ليه؟

حرك كتفه بلا مبالاة، لكنه استدار للخلف عندما تحركت عيون رامي المتسلية نحو ليلو المتجهمة، فاتسعت عيناه في هلع متوقعًا سبب ذهابها..
تبًا للجحيم المتجسد في شكل حياته!
فكر قبل أن ينطلق مسرعًا للخارج متمنيًا من كل قلبه ان يكون سبب ذهابها هو عنادها وليس رؤيتها لما حدث بينه وبين ليلو دون فهم!

مدت ميرا حقيبتها نحو ريناد التي تحملت مهمة فتحها وإخراج المفاتيح، وحمدت الله إنها كانت في طريقها للمغادرة وعرضت عليها إيصالها سالمة إلى المنزل بعد ما رأته، دلفت في صمت متبعه خطوات ريناد متخذة أول مقعد يقابلها، لا تزال تبكي بعد أن حطم زيدان قلبها إلى فتات صغيرة.
كيف فعل هذا بها؟
كيف جذب بساط السعادة والأمان من اسفلها بتلك السهولة؟

كيف كانت ساذجة لهذه الدرجة فتظن أن شاب مثله قد يرى فيها أكثر من صديقة؟
علت صوت شهقات بكاءها ولم تنتبه إلى ريناد التي لوت فمها تخبرها في استنكار:
-بطلي تعيطي، وبعدين أنا نبهتك أكتر من مرة أن زيدان مش دايم ليكي وأنتي اللي ما سمعتيش الكلام!
-أنا مش مصدقة اللي حصل!
همست كلماتها الخافتة دون أن تتوقف دموعها، فاستكملت ريناد في هدوء:
-ليلو طول عمرها أنانية فاكرة لما كانت بتلف عشان تخطف رائف مني،.

أنا كان ممكن اقولك حاربي عشان زيدان وان هي السبب بس زيدان ما ينفعكيش!
-قصدك أيه؟
سألت ميرا تشعر ان قدرتها على الاستيعاب قد توقفت، فأردفت ريناد في نبرتها الجامدة والتي تخفي الكثير خلف لمعة عيناها الماكرة:
-أقصد أن زيدان عينه زايغة ومكنش سايب بنت في الشله إلا وبيلف عليها.
-زيدان؟!
-أيوة حتى أنا حاول يتقرب مني لكني صديته وهددته اني هقولك،
أنا مش فاهمة ازاي اصلًا نزلتي مستواكي واتجوزتي الكائن ده!

جزء داخلها كان مشدوهًا يتمزق مع كل حرف ومعلومة تسمعها عنه، وجزء أخر منها يحارب للدفاع عنه ولكن كيف وقد رأته بعينيها؟
انسابت دموعها الحزينة فوق وجنتيها الشاحبة لا تصدق مدى الألم الذي ينهش قلبها!
-كفاية عياط يا غبية!
قاطع جلدها للذات صوت ريناد، فقالت وحروفها تتكسر بسبب بكاءها:
-أنا حبيته بجد!

كانت كلماتها منخفضه لمن حولها ولكن الصراخ كان عاليًا، عاليًا للغاية داخلها، كانت تلومها لأن اللُعبة تحولت إلى حقيقة، تريد الصراخ ورمي اللوم على ريناد لأنها من وسوست في عقلها وجعلتها تحيك تلك المسرحية الشيطانية التي فقدت في خضمها خفقات قلبها اللين، أرادت الصراخ لأنها من أشعلت فكرة الارتباط برجل في عقلها وكانت دومًا تلسن عن كونها الفتاة الغريبة متلبدة الأحاسيس والتي لم ترتبط باي رجل حتى الآن.

أرادت الصراخ معترفة بأنها لم تستطع تخطي اللون الأحمر لأن أسفل قشرتها المتلونة باللامبالاة والتمرد يكمن معدنها الأصلي الذي يلمع كالذهب مُرصعًا بالحدود الطبيعية التي تحكم أي شخص أصوله طيبة وتلقائية كميرا، فرغم افتقارها لاهتمام والديها ولكن شخصيتها الأقل من عادية لديها مكيال يحذرها عندما تزداد حمولة الخطأ وهو ما لا يتناسب مع بهتان شخصياتهم التي صدأة بالانحلال التي تود ميرا بلا تفكير الوصول لها.

خرجت من انهيارها على صوت ريناد الذي أستمر في قطعها كالسكين الحاد:
-كفاية عياط على حد ما اهتمش بيكي لحظة.
-لكن هو اهتم، هو مكنش كده معايا، زيدان كان بيهتم.
خرجت كلماتها هستيرية دون وعي منها انها قد تسقط في بحر أكاذيبها وتكشف أوراق لعبتها الخفية بينها وبين زيدان والاعتراف بخديعتها لهم، فاستطردت ريناد مؤكدة:.

-فوقي يا غبية، ده واحد شغال مندوب يا ماما وكل هدفه من جوازه منك هي فلوس باباكي ولا نسيتي بابا يبقى مين يا بنت معالي الباشا الكبير!
ساد الصمت طويلًا ثم استقامت ميرا متحركة في بطء كأنها إنسان آلي فاقد للروح نحو غرفتها بعقل مُشتت تركها ليعود إلى كل خطوة صارا فيها سويًا للتحقق من كل موقف وكل حرف نطقه به لها.
تمايلت فوق فراشها تشعر بدوار خفيف، ثم تأوهت وخرجت حروفها في صعوبة:
-آآه، آآه، يا زيدان.

علا صوت الهاتف فوق آهاتها المتألمة بحروف أسمه واغرورقت سوداويتاها بالعبرات من جديد حين لمع أسم زيدان فوق شاشة هاتفها، انشق صوتها الباكي شقًا من صدرها وتوالت ولولتها دون قدرة على التحكم في الذات.
فمن بين أنحاء الأرض لما تسقتر دومًا على استيطان المكان الخطأ؟

-أنتي مشيتي ومش بتردي عليا ليه؟
أنهى زيدان رسالته ثم رمى الهاتف في المقعد المجاور له ما أن وصل إلى سيارته التي يندم على تركها وقبوله لاستقلال سيارتها الوردية، زفر مستغفرًا الله في باطنه يتمنى أن يأتي ردها مخالف لظنونه وانها لم ترى ما حدث وأساءت فهم لعبته، زمجر اعتراضه للهواء يود لو يخنقها بيديه على أفعالها الطائشة وتجاهلها المتعمد له دون أن تفهم أو تنتظر مبرر منه.

نظر إلى ساعة يده المشيرة إلى الساعة الثانية عشر صباحًا واتخذ قراره بالذهاب بنفسه كي يطمئن على وصولها سالمة غانمة، فهو يعلم أن والدتها قد سافرت وأصبحت بلا رقيب أو حسيب.
بالفعل في أقل من ثلاثون دقيقة كان يترجل من السيارة أسفل البناية التي تسكن فيها، ثم أمسك هاتفه مرسلًا لها رسالة أخيرة يطالبها بالإجابة على اتصالاته.

انتظر حتى قرأت الرسالة وحين لم يأته الرد بعد دقائق طويلًا أتخذ خطوات حاسمة للداخل مقررًا الصعود لها.
دق فوق الباب مرات متتالية أعنف مما ينبغي خاصة في هذه الساعة من الليل فعلى صوت ريناد من خلف الباب موبخه:
-اتفضل أمشي من هنا هي مش عايزة تشوفك.
-أفتحي خليها تقولي كده في وشي.
قال زيدان مصرًا على موقفه رافضًا التزحزح من أمام الباب وقد زاد وجود ريناد معها من حنقه، فأجابته هي في نبره مليئة بالاستهجان:.

-هي مش قادرة تتكلم معاك نهائي، ف أحسن حل انك تتفضل وتمشي.
-مش لازم تتكلم أنا عايزها تسمع الكلمتين اللي هقولهم وهمشي.
فتحت جزء صغير من الباب تطل عليه ثم رفعت حاجبها الأيسر وكأنها ترميه بتعليقاتها الساخرة قبل أن تؤكد:
-افهم هي فعلًا مش قادرة حتى تضغط على نفسها وتشوفك،
عمومًا هي مش عايزة تعرفك من تاني، وكفاية أوي اللي حصل والانهيار اللي هي فيه من ساعتها.

كادت تغلق الباب في وجهه فأمسك بكفه الإطار يمنعها من إغلاقه قبل أن يخبرها متهكمًا:
-وأنتي المحامية بتاعتها؟
-على فكره هي عارفة إنك هنا وهي اللي قالتلي اقولك الكلمتين دول وأقولك تمشي وماتجيش هنا تاني.
-يا ميرا اطلعي ضروري لازم تسمعيني صدقيني أنتي فاهمة غلط.
علت نبرته يناديها وزاد صوته صلابة حين وقفت له ريناد بالمرصاد رافضة تقدمه وتركه يدخل المنزل هاتفة:
-قولتلك مش عايزة تكلمك، أنت مش بتفهم؟

-الحوار ما يخصكيش، الكلام بيني وبينها، واوعي تفتكري اني مش فاهم عايزه توصلي لأيه بعمايلك دي!
خرج صوته قويًا رغم نبرته الهادئة ومد أصابعه يرن جرس الباب مرات متتالية عسى أن يجبرها على الخروج وملاقاته غير مبالي باعتراضات ريناد:
-كفاية فضايح أنت كده جاي تفضحها مش تصالحها.

جز على اسنانه يكبح انفعالاته ثم أومأ رأسه في تروي مستشعرًا العقلانية من كلماتها فوقوفه مهللًا لن يسبب سوى الفضائح لها، تنفس من أنفه ببطء وكأن صدره سينفجر من الغضب الهادر داخله قبل أن يضرب كفه فوق الباب الخشبي مرة مستديرًا للمغادرة وهو يسب ويلعن الحمقاء الغبية وصديقتها.

لماذا إذا لا يتفق قلبه مع عقلانية السِباب؟، ويتلوى معتصرًا رافضًا قرار الانسحاب كقائد طوقت كتيبته للتو، رافضًا المغادرة دون رؤياها والاطمئنان على حالها!
التوت شفتيه يكبح سيل من الشتائم، فالكئيبة على أتم الاستعداد للغرق في شلالات من الدموع والأحزان على أن تعطى للنضوج دقيقة واحدة كي تدرك الأمور من حولها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة