قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الحادي عشر

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الحادي عشر

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الحادي عشر

دخلت ريناد وكر الاصدقاء تضرب الارض بخطوات نارية غاضبة، متخذة القرار بإنهاء هذا الجنون بشكل كلي فهي لن تعرض نفسها للخطر من أجل تلك الحقيرة ونزوات صديقها.
وقفت أمام رامي الجالس بعنجهية وسط المكان ثم ازاحت الفتاة الجالسة بين أحضانه في عنف هاتفه في وجهه:
-طبعا، قاعد ولا على بالك ومش حاسس بالمصيبة.
-في أيه يا ريناد أنتي اتجننتي!
صاح رامي معترضًا على طريقتها المهينة فأصرت ريناد على موقفها هاتفه:.

-أيوه اتجننت ومن هنا ورايح أنا ماليش دعوة بموضوع ميرا ده نهائي.
-اهدي الأول وفهميني أيه اللي حصل؟
تنفست من فمها على مهل تحاول تمالك غضبها قبل أن تخبره في هدوء وهمي:
-البيه جوزها كان بيسجلنا صوت وصورة وهددني اننا لو قربنا منها تاني هيفضحنا وهيبعت الفيدوهات لأهالينا.
نجحت كلماتها في جذب انتباه البقية فزمجر حازم مغتاظًا وغاضبًا على رامي:.

-شوفت قولتلك البنت دي مش زي الباقية مصدقتنيش، أديك هتودينا في داهيه كلنا بسبب تهورك.
-استنى يا حازم يعني هيصورنا ازاي، أكيد بيكدب وبيضحك عليكي عشان يخوفنا.
دافع رامي في استماته يحاول تجميع افكاره وتبرير تهديداته فقاطعته ريناد تخبره بشكل قطعي:
-بيضحك أو لا، أنا قراري نهائي من انهارده أنا برا اللعبة شوفلك غيري.

راقبت كيف استقام حازم مع حبيبة طفولته للمغادرة وقد طفح به الكيل من رامي ونزواته المتهورة وكأنه كان ينتظر أي سبب يدفعه للمغادرة دون الظهور بمظهر الخائن المتخلي عن أصدقاء طفولته.
تجاهلت ما يحدث وتوجهت نحو رائف النائم فوق الأريكة تهزه وتحاول إخراجه من حالة اللاوعي التي تلبسها بسبب المخدرات:
-رائف فوق عشان نروح،
رائف، رائف...
انتبهت حواسها لسكونه التام فجأة ومالت عليه تهزه بشكل أكثر عنفًا:.

- رائف أنت مش بترد ليه؟
سيطر الهلع عليها عندما لم يأتها أي استجابة منه فصرخت باسمه دون توقف تضرب صدره بعنف حتى دفعها حازم أكثرهم وعيًا وهو يضع أصبعيه فوق عنقه يستكشف نبضاته الخافتة والتي بالكاد يشعر بها فهتف لهم:
-لازم يروح المستشفى بسرعة.
-لا رائف فوق عشان خاطري.
-مش وقته يا ريناد اسندي معايا.
التف رامي والجميع من الشباب والفتيات الشبة مغيبين حولهما يحاولون حمل رائف إلى الأسفل تحت قياده حازم.

لا يدركوا كيف وصلوا لأقرب مشفى لكنهم فعلوا ووقفوا يتابعون كيف دب الهرج والمرج بين الدكاترة والممرضين وتأهبهم في حالة من الاستنفار لمحاول انقاذ رائف الذي أسرف في تناول المخدر وأصبح بين الحياة والموت.
جلست ريناد أرضًا خارج الغرفة بينما تسقط عبراتها من عيناها دون وعي أو سيطرة منها لا تصدق الحالة التي أصبحت عليها والذعر والحرقة اللذان تملكا قلبها،
أهكذا هو مذاق القهر؟
أهذا هو معنى الضياع؟

فكرت في آسى كيف انقلب حالها من متحجرة عديمة القلب إلى أخرى محطمة القلب، ابتسمت في حزن ساخر، وكأن الدِيْن جاءها أسرع مما ينبغي!
نظرت جوارها إلى ما تسمى حلقة الأصدقاء المتناثرون حولها، والتي تحاوطهم حالة من الرعب تراها بوضوح تستوطن قلوبهم وقد نجحت الصدمة في إفاقتهم من حالة التغيب الذهني.

نظرت لكلًا منهم على حدى وراقبت كيف تفوح رائحة الذعر وتُخيم فوق رؤوسهم فمنهم من بدأ يستفيق من غفوته ويتجلى الخوف في نظراتهم المتبادلة ك حازم و روان المذعوران وكأنهم يرون احتمالية قبوع أحدهم مكان رائف ويتساءلون عن مقدرتهم في إكمال الحياة دون أحدهم الاخر.
ومنهم من رأى جسده مطروحًا مكانه بين الحياة والموت، ك ليلو التي جلست كالحجر الأصم شاحبة كالموتى.

وللأسف منهم من سرقه الشيطان وابتلع روحه هذا غارق بلعنته إلى الأبد و يا ويل هؤلاء من شر العقاب وحدته..

بعد ساعات طويلة عاد رامي من المشفى إلى منزله المخيم بالضباب الأسود لما وقع.
تنفس في راحة فقد نجح الأطباء من إنقاذ حياة رائف ولكنه يزال في حالة حرجه وقيد المراقبة واضطروا للاتصال بذويه لمتابعة حالته.
ضرب الطاولة امامه بساقه في غل وحقد على ما آلت إليه الأمور، ورأى فتاة نائمة فوق أريكته فصرخ فيها أمرًا وهو يدفعها للوقوف:
-غوري من وشي اطلعي برا.

ارتمى فوق مقعده ما ان أغلق الباب خلفها يشرب من قنينة الخمر أمامه دون توقف، يشعر بدمائه تفور ويشعر بالغضب والحقد يثور داخله،
فكل ما حدث بسبب زيدان و...!
- ميرا.
غمغم بحروف أسمها في خفوت ثم جز على أسنانه فبعد أن تكبد كل هذا العناء للحصول على ميرا وارضاء الصياد داخله والحصول على رضا والده، مطلوب منه الانسحاب والتراجع!
لمعت عيناه في غضب أسود وكلمة واحدة تصدح في جوانب عقله.
مستحيل...

في هدوء الليل وبعد مرور فترة زمنية ليست كبيرة ولكنها كانت كافية لتعود الحياة نوعًا ما إلى ما كانت عليه وبدأت تتخذ مسارًا طبيعيًا هادئًا في حياة زيدان وميرا، ابتسم زيدان على مزحة اطلقها والده سعيدًا بصوت ضحكات ميرا ووالدتها التي زينت أرجاء المطعم الذي كان بمثابة منزل ثاني تجتمع فيه العائلتين.

فقد تعمد زيدان جمع والده مع ميرا ووالدتها على الغذاء بشكل شبة يومي، بحيث يندمج كل الأطراف أكثر خاصةً وقد أقترب الوقت الذي يحرك فيه بيدقه نحو الخطوة التالية، كما انه لم يقطع اجتماعات ميرا مع سيدات أصدقاءه وحرص على تجميعهم كثيرًا تحت مرمى عيناه الثاقبة.
التقت عيناه بميرا في لمحة خاطفة سرقت فيها أنفاسه بابتسامتها الخلابة، ثم خرج من شروده في جمالها على كلمات والده الصادمة:.

-طيب تعرفي ان من عادة زيدان ابني وهو صغير انه يحيي الضيوف وهو قالع زي ما ولدته أمه.
دوت الضحكات حول الطاولة بينما شعر زيدان بالطنين في أذنه الحمراء من كثرة الإحراج فتدخل مستنكرا:
-أيه يا حاج الكلام الماسخ ده، أنت بتفضحني؟
وأيه يا اختي خدي نفسك ولا عجبتك أوي!
وجه جملته الأخيرة نحو ميرا التي تكاد تسقط من فوق مقعدها بسبب الضحك:
-اه هموت من الضحك.

اعترفت من بين أنفاسها المتقطعة فوقف زيدان متذمرًا يخبرهم في حزم وحنق طفولي:
-لا بقولكم أيه شغل استفزاز وربي أقوم أقلع هنا وافضحكم فعلًا!
دوت الضحكات حول الطاولة من جديد وكاد يحكي والده شيء محرجً من جديد عن مغامراته الطفولية، فقرر زيدان الانسحاب بميرا قائلًا في انزعاج:
-لا لحد هنا وكفاية أوي، متشكرين لأفضالك يا بابا، بعد أذنك يا طنط أنا هاخد ميرا نتمشى ونسيب بابا يستعيد ذكرياته معاكي!

-ماشي يا حبيبي بس ما تبعدوش عشان الوقت اتأخر وهنروح بعد شوية.
-متقلقيش يا طنط هنلف حوالين المطعم.
غمز لميرا ممازحا فاستقامت ترافقه في صمت، لمعت عيناها عندنا لاحظت نظراته الخاطفة نحوها والتي لم تتوقف طيلة اللقاء وابتسمت لنفسها.
راقبت كيف اقترب منها زيدان عندما مر أحد الشباب من جوارها وكيف غامت عيناه عندما لمحه يتفحصها من بعيد، ثم ابتسمت حين رمقها في غيظ متمتمًا في حدة:
-امشي عدل أنتي كمان.

-الله أنا أتكلمت.
رددت متعجبة من هجومه فأسكتها بعصبية مشيرًا لها لملازمته:
-أمشي هنا وأنتي ساكته مش طايق أشوف حلاوة ملامحك قدامي، أنتي حلوة كده ليه؟
-المفروض أزعل ولا اتبسط مش فاهمة؟
سألت ضاحكة متعجبة من كلماته لكنها سعيدة لرؤية الغيرة تفوح من عيناه المضيئة بلون العسل المحترق، تحرك في صمت دون إجابه فلازمت الصمت هي الأخرى مقررة التمتع بالأجواء الساحرة من حولهم.

رفعت رأسها شاردة في الليل الهادئ من حولها كهذه الليلة في حياتهم بعد عواصف رعدية مرعبة عديدة مرت عليهم، وكم كانت عاصفتها الأشد، صحيح ان ما مرت به ترك أثرًا عميقًا داخلها وعلامة لن تمحى أبدًا لأنها كانت المذنبة في حق نفسها إلا إنها استطاعت تحويل كل تصرفاتها ومشاعرها السلبية إلى حافز قوي بدلت به حياتها.

فجاء التغيير السريع كرد حق وسد دين تدفعه بنفسها لنفسها وروحها الضائعة التي تحملت معها الكثير، فبعد كثير من جلد الذات وما تبعه من ألام ومحاولات للتأقلم مع الذات نجحت في الهروب من سقوط حتمي في دوامة الاكتئاب.

ولن تنكر إنها أكثر البشر ضعفًا وهشاشة لكنها تعلقت بكلمات ألقاها عليها زيدان مرة ولم ينتبه لقيمتها لكنها ظلت محفورة داخل رأسها حين حثها على الإقدام والمحاربة مؤكدًا ماضيك ليس قفصًا تحتمي فيه من التغيير، فقد كان مجرد درسًا قاسيًا تتخطاه وليس عاهة أبدية تلازمك بقية حياتك.

حانت منها نظرة مسروقة نحوه، فبفضل هذا الشخص المتعجرف والحنون في مزيج فريد من نوعه نجحت في تخطي مصائبها بشكل غير متوقع ولن تنسى فضل والدتها الأكبر التي احتوتها تحت جناحها بشكل جنوني لم تتصوره ودون أي استفسارات حتى صارت كلتاهما في وقت قياسي صديقتان مقربتان وليس مجرد أم وأبنه، ولن تنسى الجلسات النفسية مع صديقة والدتها والتي أصرت أماني على خوضها معًا مبررة أن هدفها إنقاذ وتطوير العلاقة بينهما كي تزداد صلابة.

وبالطبع انتهى بها الحال معترفة لوالدتها بكل شيء بالإضافة إلى اعترافها بحبها ل زيدان المسكون داخل ضلوعها وخوفها من تمسكه بالانطباع السيء عنها والذي قد يظل محفورًا في صدره، لكنها تمسكت بكلمات والدتها المؤكدة بأن هذا الشعور متبادل رغم أنها أخبرت والدتها مرات عديدة عن مخاوفها لأنه لم يعترف بحبها لها ولو لمرة واحدة.
انقطعت أفكارها حين تحدث زيدان عما لم تتوقع سماعه منه:.

-بما أن الفترة الصعبة في حياتنا عدت، تقريبًا كده أنتي ليكي في ذمتي مبرر واعتراف!
-بخصوص؟
سألت والترقب يشع من عينيها فقال في جدية محت أي أثار للعبث من على وجهه:
-بخصوص ليلو والموقف اللي حصل في المطبخ، أنا فرغت الكاميرا وجبت المقطع عشان تتأكدي بنفسك،
أن سبب سكوتي لما اتكلمت عنك عشان أوصل للحقي...
رفعت كفها توقف جملته قبل أن تكافئه بابتسامة صادقة مؤكدة:
-مصدقاك من غير ما أشوف حاجة.

ارتفع حاجبه متعجبًا من السماحة المحيطة بتفاصيل وجهها الرائع فسأل زيادة تأكيد لا يصدق أن الفضول لم يتغلب عليها:
-يعني مش عايزة تشوفي وتسمعي بنفسك عشان تتأكدي؟
حركت رأسها بالنفي واستمرت في المشي، فجاورها وهو يضيق عينيه الناعسة للفراغ في مكر مستكملًا بنبرته المراوغة:
-ولا عايزة تسمعي كنت هعمل فيها أيه لو ما رفعتش ايدها عني لو اتكلمت عنك تاني؟

توقفت متعجبة من إصراره ثم عقدت ذراعيها أمامها منتظرة انتهاءه من سخافته لكنه استكمل في لا مبالاة ناظرًا جواره:
-ولا حتى لما باستني...
-أيه!
صرخت في وجهه فاتسعت عيناه في صدمة من نبرتها العالية فقال وهو ينظر للمارة من حوله مؤكدًا:
-والله العظيم ما باستني، أنا بجر شكلك مش أكتر، محصلش حاجة بيني وبينها!

تأففت وهي تلقيه بنظرها الحاد من أسفله لأعلاه لا تخفي غيظها من مزاحه السمج ثم استمرت في المشي مبتعدة عنه، سامحه له بالتحرك جوارها بعد فترة لكنها من اوقفته هذه المرة وهي تسأل في فضول:
-زيدان أنت كنت بتسجلهم ليه؟
بلل شفتيه في حرج لكنه أجابها في صراحة دون مراوغة:
-الصراحة في الأول لما بدأت اتجمع معاكم حسيت بالاختلاف بينكم، وشكيت ان ممكن يكون حد فيهم ماسك عليكي ذلة او بيهددك.

احمرت وجنته لسذاجة أفكاره حينها لكنه أكمل دون توقف:
-مش عارف هو تفكير أوفر بس وقتها قررت ان لازم يكون في ايدي حاجة ضدهم أقدر أساومهم بيها لما اكتشف الحقيقة،
ومحمد في الفترة دي كان مشتري القلم كنوع من الشبحنه واحنا بنشتري سيستم مراقبة المطعم وهكذا.

حرك كتفه دون حاجة لمزيد من الشرح، فرمشت ميرا تحاول استيعاب مبرره وبدلًا من الضحك على وسواسه القهري والبوليسي أحست بالدفء يستكين بين ضلوعها فهدفه دائمًا هو حمايتها.
مطت شفتيها وهي تراقب توتره وكأنه ينظر منها السخرية والضحك لكنها اكتفت بقولها الرقيق ممتنه له:
-شكرًا.

كسر حاجز المفاجأة المرتسمة على وجهه بعد ثوان ثم هز رأسه في إجابه صامته وعادا للتحرك نحو الأمام، ظلا يتحركان في الطريق دون حديث فقط الصمت المريح للقلب والممتع من حولهما.
لكنها ارتبكت لبرهه عندما توقف حاملًا حجارة يرميها نحو طرف الطريق ولم ترد على سؤاله السابح في عينيه عن سبب توقفها فهي لن تخبره بأنها تحشى الإقدام في أي اتجاه هو ليس بجوارها فيه، فقد صار منبع للراحة والاطمئنان بالنسبة لها.

قرر زيدان قطع الصمت أخيرًا فقال في نبرة مشاغبة وقد حسم أمره:
-ميرا، ميرا..
-نعم.
همست في خفوت وابتسامه رائعة فرد مستكملًا مشاكسته:
-جميل الليل، أنا بحب الليل.
كادت تنطق يا بخته ولكنها توقفت على أخر لحظة فاقدة الأمل في أن تسمع كلمة بحبك موجهه منه إليها ابدًا، لا تدري لما انزعجت لكنها صمتت ولم تجيب متعمدة اخذ خطوات مبتعدة عنه لكنه أوقفها من جديد قائلًا بطريقته الاستفزازية:
-ميرا، ميرا...!

-نعم، عايز أيه يا زيدان؟
توقفت عاقدة ذراعيها أمام صدرها في حنق طفولي فضحك مردفًا:
-جميل السحاب، أنا بحب السحاب.
قرصت فوق أنفها تحاول تمالك كلمة بذيئة تناقض حياءها كأنثى وكادت تصفعه بقوة حين ظهرت ابتسامه سمجة فوق فمه الرائع لكنه تابع دون اهتمام بنفس النمط رغم أنها لم تتحرك من أمامه:
-ميرا، ميرا..!
-نعم؟!
-جميل أسمك، أنا بحب ميرا.
-أيوه ايوه جميل عدي علينا...

صمتت فجأة بعد سيل من الكلمات الساخرة وقد أدركت ما وقع على مسامعها للتو فرمشت عدة مرات في تروي هامسة:
-بتقول أيه؟
-بقول أني بحب...
صمت يدعي الارتباك ثم أعاد من جديد متعمد ملاعبتها:
-بحب، آآ...
-هاه قول بتحب أيه؟!
هتفت في نفاذ صبر وودت لو تستطيع رجه كي يستجمع حروفه كشريط الكاسيت المشروخ، فضحك بقوة ممازحًا في مشاغبة:
-الله ما قولتلك بحب الليل والسحا، استني يا مجنونة!

هتف جملته عندما ضربت كلتا قبضتيها في صدره قبل المغادرة وقد طفح بها الكيل من ملاعباته السمجة فركض خلفها يوقفها قائلًا في جدية وصدق:
-يا مجنونة بحبك، والله العظيم بحبك.
أغمضت جفونها جاذبة نفسًا عميقًا تستمع في نشوة إلى حروف تلك الكلمة التي هرمت مسامعها من أجل سماعها من بين شفتيه كثيرًا.

أدارها زيدان في بطء كي ينظر إلى عينيها مبتسمًا وتلقائيًا عكست ابتسامته وغرق كلاهما في اعتراف ضمني تكفلت به لغة العيون ولكن عندما زاد الصمت عن حده، ارتفع حاجب زيدان في تعجب قبل أن يقطع اللحظة بتذمره الطفولي:
-أيه يا حبيبتي بقولك بحبك، ولا انتي بقيتي طرشة ومش بتسمعي دلوقتي، قوليلي وأنا كمان حبك!
لمعت عيناها في تحدي وكادت تذيقه مرارة أفعاله ولكنه رفع سبابته في الهواء محذرًا:.

-يمين بالله لو الكلمة اللي هتطلع من بؤك دي مش بحبك،
لهوريكي المعنى الحرفي لواجب الضيافة عندي واعملي حسابك أنا مش لابس حاجة تحت القميص.
ضحكت ميرا في قوة حتى تأوهت بسبب تشنج معدتها بينما ظل هو واقفًا مكانه دون أي إشارة للمرح أو التسلية على وجهه، طالعت كيف يشاهدها في وجوم وغضب فعادت للغرق في ضحكاتها قائلة في صوت متقطع:
-بحبك ممكن تفرد بوزك ده!

رمقها بنظرة حقيرة من أعلاها لأسفلها وتحرك نظره نحو البعيد لثانية قبل أن يعيده نحوها يثبته عليها محافظًا على وجومه حتى كسرها بابتسامته التي انفرجت في بطء حتى ابتلعت جام وجهه ليخبرها مؤكدًا:
-ما تحاوليش تلاعبيني تاني، عشان أنا في اللعب ما عنديش يا اما ارحميني!

أنهى جملته وهو يلتقط اناملها الرقيقة ويطبع قبله خفيفة فوقها، رفض إفلات أصابعها ومد أصابعه يلتقط يدها الأخرى لتتشابك أياديهم بين جسديهما، أحمرت وجنتي ميرا من تلك اللمسة الحميمة وأثرها على قلبها العذري، وظل الأثنان واقفان كالحمقى في مقابلة أحدهما الأخر غارقان في سحر العيون، وحائرين في حرب فك شفراتها.

لكن التعويذة انفكت سريعًا عندما أحس زيدان بعدة أشخاص من حولهم، فارتفع حاجبه في ذهول لا يزال محافظًا على ابتسامته وعيناه تتنقل بين رأس على يمينه تكاد تلامس كتفه ورأس أخر من ناحية يساره يكاد ينتهي حرفيًا بين ذراعيهما المتشابكان فوجد نفسه يهمس لميرا التي تتنقل عيناها في خضه بين الاحمقين:
-أنا حاسس بانتهاك في الخصوصية سيكا.
-أنا حاسة انها اتفرتكت.

أخبرته بصوت خافت وعيون مرتعبة من هذا التصرف الغريب، فخرج من حالته المزاحية فورًا ليطالع بشكل جدي الرجلان المستحوذان على مساحتهما الشخصية متسائلًا:
-في حاجة حضرتك؟
-أنت زيدان مش كده.
سأل الأصلع على يمينه، فأجابه في ملل:
-أيوة أنا، مين حضرتك؟
-أنت مطلوب معانا، هات أنسة ميرا أنت.
أشار الرجل الأصلع للمعتوه الأخر بإحضار ميرا فجذبها زيدان نحوه يحمي قامتها الصغيرة خلفه محذرًا:.

-حيلك حيلك، محدش يلمسها فهموني كده انتوا مين وعايزين أيه؟
-تعالى معانا من غير شوشرة شريف باشا مستنيك أنت والانسة ميرا، ولو مجتش معانا بالذوق هنعرف نجيبك بالعافية.
أشار لعدد من الرجال يقفون حولهم من بعيد وكاد ينفجر زيدان في وجهه معترضًا على طريقته ولكنه توقف صامتًا في صدمة ما أن سمع شهقة ميرا المتبوعة بصوتها المذعور:
-وبابا باعتكم عايز مننا أيه؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة