قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

توقفت سيارة حديثة الطراز والمطلية باللون الوردي الصارخ بأن المالك ما هي إلا أنثى مدللة، ركنتها المالكة مباشرة أمام أحد المباني الفاخرة شاهقة العلو والمنتشرة في حي جاردن سيتي، ثم خرج منها شاب يشعر بالملل كما تشير عيناه العسلية المائلة للون الخضرة والناعسة.

حك الشاب الوسيم لحيته السوداء المزينة لوجه وتلقي رونقا جذابا يليق برجل في أواخر العشرينات من عمره، عكست ترجله من مقعد القيادة فتاة بشعرٍ أسود كثيف يحير ثُقل هيئته عين الرائي عندما يقارنه بمدى نحافتها التي تميل للضعف أكثر منها إلى الرقة، أغلقت السيارة بإحكام وتحركت كي تواجه الشاب مثبته عيونها السوداء الواسعة والتي يكاد يجزم أنها تزداد وسعًا مع كل لحظة توتر تمر بها.

لعق الشاب شفتيه وهو غارق في تفحص جاذبيتها الفريدة التي لا يستطيع تحديد سببها من الأساس، فهي ليست خارقة الجمال أو فاتنة الانوثة وتفاصيلها هادئو إلا أن هناك شيء داخل حدقتيها يجعله مهووسًا برغبته في الغرق بهما وكأنها تتوسل إليه لإنقاذها ولكنها أنهت حيرته بصوتها الرفيع المرتبك:
-زي ما اتفقنا إياك تعمل حاجة من دماغك وأي حركة أو رد فعل منك هيكون بإذني، مفهوم؟

أرتفع جانب ثغر زيدان في ابتسامه ساخرة بينما يميل برأسه ناحية اليمين يطالعها وهي تتحدث بتسلية كبيرة وكأنها قردً في حديقة الحيوان، فأغمضت جفونها في غيظ قبل أن تخبره في انزعاج:
-أنت فاهم أنا بقول أيه!

اتسعت ابتسامته على آخرها وكأنه سعيد بانه نجح في ازعاجها واتلاف أعصابها المحترقة إلا إنه فاجئها حين مد ذراعه حول كتفيها يقربها نحو جسده في سهولة مخبرًا إياها في نبرته الخشنة الرجولية أو ربما هي خشنة لأن المقيت لم يتحدث معها أو يفتح فمه بكلمة واحدة طوال الطريق، هزت رأسها كي تصب كامل انتباهها على كلماته:
-أنتي ليه محسساني أن عمر ما حد حضنك قبل كده.

جذت على أسنانها وهي ترمقه بنظرات محتقرة وداخلها يصرخ مجيبًا لأنه لم يسبق أن يضمها رجل من قبله قط، لكنها اكتفت بنزع ذراعه عنها محاولة إخفاء حمرة الخجل عن وجهها وتشتيته في نبرتها الغاضبة:
-أنت ازاي تتجرأ، احنا ما اتفقناش على كده!
لم يعيرها أي اهتمام بل أعاد ذراعه حولها وكأن شيء لم يكن ثم جرها معه نحو المبنى محذرًا:
-لا نهدى كده الله يكرمك، بلاش نفضح العلاقة القذرة دي من أولها، ما تنسيش إني جوزك..

كادت تمطره بوابل من الشتائم بانه ليس زوجها بالفعل، لكن وصول صديقتها قطع توبيخها ما أن رصدتهما وتقدمت في فضول نحوهما مرحبة:
-ميرا واقفة ليه كده يلا بينا الشله كلها فوق...
قطعت حديثها وهي تنظر ل زيدان من أعلاه إلى أسفله مستفسرة:
-مش هتعرفينا ولا أيه؟
رسمت ميرا ابتسامه مهتزة فوق فمها قبل أن تجذب نفس عميق قائلة:
-أيوة طبعًا ليلو صاحبتي، زيدان جوزي!
نظرت لها الفتاة بأعين متسعة قبل أن تهتف في خضة:.

-جوزك، no way مش مصدقه!
-أيوة احنا متجوزين عُرفي.
رفعت ميرا رأسها في عنجهية وفخر تحسد عليهما في حديث فاسد يتعجب له زيدان وكلتاهما يتحدثان عنه أمامه وعن الزواج العرفي وكأنهما يتحدثان عن حالة الطقس أو طبق اليوم!
اتسعت ابتسامه الفتاة وهي تتفحصه في وقاحة دون خجل قبل أن تحرك رأسها في قبول هامسة:
-اممم nice قطتنا كبرت وبقت naughty.

انتهت جملتها وهي تلتفت للتحرك مشيرة لهما لأتباعها وقد فعلا حتى وصلا شقة أخذ الدخان والموسيقى الصاخبة يتسابقان منها ما أن فُتح الباب، حافظ زيدان على تعابير وجهة الثابتة كي لا يظهر طبيعة مشاعرة المشمئزة من المشهد الدائر حوله من فتيات وشباب لا يتجاوزوا العشرين عامًا، يلهون ويتراقصون في مجون وكأنهم في إحدى دول أوروبا.

اشتدت أصابعه حول كتفها الرفيع يحاول كبح مشاعره الغاضبة عليها لتورطها مع هؤلاء ولكنه رفع أصابعه عنها في سرعة وكأنه يخشى كسر عظامها الرقيقة.
زاد غيظه وهو يتابع لمعة عيونها بالانتماء والمحبة وهي ترمي السلام هنا وهناك بين الشباب والشابات قبل أن تستقر على أريكة لشخصين مشيره له بعينيها كي يجاورها.

رسم ابتسامه هادئة على وجهة ثم جلس يصطنع التسلية وعدم المبالاة بما يدور حوله حتى تدخلت تلك المدعوة ليلو بانبهار مقزز وكأنها ربحت اليناصيب:
-أسمحولي افاجئكم واقولكم مين ده، ده زيدان، يبقى جوز ميرا!
-نعم!

علا صوتً ذكوري واحد فوق الجلسة من بين شهقات الجميع الصادمة وتمتماتهم الغير مصدقة، فارتفع حاجب زيدان و انتبهت حواسه لهذا الشاب الجالس أمامه يطالعه في حقد جلي للجميع ما عدا الحمقاء المبتسمة في فخر بجواره.
-اهلا أنا زيدان جوز ميرا.
حرك الشاب رأسه وكأنه يستجمع أفكاره ويخرج من صدمته قبل ان يبادله التحية:
-اهلا، أنا رامي صاحب ميرا.

على الفور بدأت عجلة التفكير تدور في عقل زيدان وهو يشتم رائحة الغيرة المقطرة من حروفه ولكنه تجاهله وجلس بأريحية يتابع نظرات الفتيات إليه.

ابتسم لنفسه في غرور فهو شاب يملك وسامة مصرية أصيلة وله عيون ناعسة قادرة على سرقة قلوب الفتيات وفي الواقع فمعظم فتيات الجيل الجديد فارغات في التأسيس الأبوي أو التربوي بمعنى صحيح وغارقن في العلاقات الجانبية بشكل لا يتركه يبذل الكثير من الجهد من أجل إيقاعهن في شباكه.

رمق البلهاء المبتسمة بجواره والتي تحاول إلصاق كتفها به وكأنها بذلك تصك ملكيتها عليه، ولولا أنه يشعر بدمائه تغلي داخله لخرجت منه ضحكات عالية على سخافتها، أيفترض أن يكون هذا التصرف وقحً من نوع ما؟، حرك رأسه في تعجب من سذاجتها ودون تفكير رفع ذراعه يحيطها به من جديد متجاهلًا تصلبها واتساع عينيها وهو يقربها منه قبل ان يميل على أذنها هامسًا:
-اضحكي كأني بقولك حاجة، المفروض المتجوزين بس هما اللي يقولوها.

احمرت وجنتها في خجل رغمًا عنها فارتفع حاجبة وهو يهمس:
-الابتسامة؟
اهتزت شفتيها في شبة ابتسامه وانخفضت عينيها تشعر بخجل شديد من هذا الاقتراب الحميمي أمام الجميع.

حمقاء غريبة الأطوار تكاد تفقده ما تبقى من صوابه بتصرفاتها المتناقضة وتجعل مهمته في تحليل تصرفاتها وفهم مداخل شخصيتها مهمة شبة مستحيلة، رفعت عيناها المرتبكة نحوه ترمقه في توسل كي يرحمها من اقترابه ولكنه وجد نفسه يفعل العكس بإحكامه لذراعه حولها بينما يعدل جلسته مستندًا بظهره للخلف ضامً لها جواره وكأنها زوجته بالفعل.
حسنًا، هي وضعت البداية وما هو إلا الناهي في تلك الحكاية!..

فكر في خبث وهو يسترجع بداية الجنون في حكايتهم.

-أنت طلعت دماغ يا زيدوو المنشور قلب الدنيا ولف الفيس بوك كله!
قال محمد صديقة بينما تابع صديقهم الثالث كيرو في مرح:
-اومال أيه دماغ بصحيح، إلا قولي يا زيدوو عملتها ازاي دي!
ضحك زيدان على حماسه أصدقائه وكأنه مخترع الذرة وليس منشور على موقع للتواصل الاجتماعي، لكنه ابتسم في غرور سعيدًا أن المنشور لاقى اعجاب مئات الآلاف بشكل خرافي أنبهر به أصدقائه المخابيل.

-الحقوا ده في جريدة إلكترونية كاتبة عننا، قام شاب أسمه زيدان بتنزيل منشور يجمع صور له ولعدة من أصدقائه وقد ارفق ممازحًا على صورة صديقة الاول الحقي واحجزي عرض لفترة محدودة باد بوي أوي، وسيم، عربية،
أما عن الصديق الثاني فأكمل ممازحًا جنتلمان، معسول الكلام، هينفعك أوي في الفسح مع صحابك الكابلز، أما عن صورته فكتب بكل غرور...
قاطع زيدان محمد في ملل وانزعاج:.

-ما خلاص يا ابني ما أنا اللي ناشر البوست وحافظه.
-ماشي يا سيدي زعق براحتك، بردو هسامحك.
ضحك الأصدقاء ليشاكسه كيرو بقوله:
-طبعا لازم تسامحه بعد كمية البنات اللي دخلت تشتري خدماتكم فعلًا!،
احنا اتسيطنا أوي يا زيدوو يا عم اعمامنا كلنا!
حرك زيدان رأسه لليمين واليسار في يأس ثم أخبرهم:
-لا نركز مع بعض كده عشان ربنا يكرمها معانا ويكملها على الخير البوست نزل كدعاية وشوو قبل ما نفتح الكافية بتاعنا احنا التلاته،.

وياريت مننساش ان البيه متجوز والتاني خاطب وشكرًا.
نظر الثنائي لبعضهم البعض نظرات ذات مغزى قبل أن يرمقوا زيدان في حنق يترجمه محمد بقوله المنزعج:
-فاهمين، عايز تقولنا نلم الدور وما نلفش على كل البنات دي، عايزنا نرفص النعمة يا جاحد!

علت ضحكات زيدان وقرر تجاهلهم وهو يمسك هاتفه يتنقل بين اشعاراته الكثيرة ولكن إشعار واحد فقط نجح في جذب انتباهه أكثر مما ينبغي، اتبع فضوله وفتح الرسالة المرسلة من فتاة اسمها ميرا.

والذي حارب لكي يبعد عيناه الشاردة في تفاصيل ملامحها الظاهرة من صورتها المصغرة أعلى غرفة الدردشة بأعجوبة وداخلة شعور بانه يعرفها، ثم انتقل يقرأ ما ارسلته في ذهول، حرك رأسه في صدمه يحاول استعادة انتباهه المشتت وأعاد قراءة كلماتها المريبة:
-محتاجاك تمثل انك متجوزني عرفي لمدة ست شهور وهديك مبلغ كبير جدا فوق ما تتخيل.
مالت شفتاه للأسفل في اشمئزاز متمتمًا:.

-أيه الطلب الحقير ده، يعني مش أمثل إني متجوزها لا أمثل إني متجوزها عرفي، أكيد ده تهريج مش بجد.
أنهى همساته وهو يتجه مباشرة لفتح الصفحة الشخصية الخاصة بها وتلقائيًا تحرك أصبعه لفتح وتكبير صورتها الشخصية، تنقل بنظراته المتفحصة كأي رجل في العالم فوق جسدها النحيف المخفي تحت ثوب مخملي فضفاض بلون السكر ورقيق للغاية يستقر نهايته أسفل ركبتيها مباشرة ويبدو ملمسه مريحًا للجسد والعين على حد سواء.

وما ان انتقل نحو وجهها الرفيع ذو الذقن المدبب نوعًا ما، حتى تعلقت عيناه بعدستيها السوداء الواسعة، وقد أسرته الألفة فيها ونظرتها المبهمة المحملة بالعديد من المشاعر فبالرغم من وجود ابتسامة خفيفة مزينة لثغرها الصغير إلا أنها تخفي في عيناها خوفً أو ضعفً دفين أنطلق كالسهم مهاجمًا صدره مثيرًا مشاعر غريبة عنه تدفعه دفعًا لحمايتها.

ضاقت عيناه وهو يحاول تبين ملامحها أكثر والتحقق منها بينما يؤكد له عقله رؤيتها من قبل ومعرفته بها بشكل أو بأخر، عض على شفتيه يحاول عصر أفكاره ليتذكر أين رءاها من قبل ولكن دون جدوي.
اتجه لقراءة بياناتها المتاحة والتقليب بين ألبومات الصور الخاصة به في عزم شديد لمعرفته هويتها حتى انفرج فاهه مصدومًا وهو يتعرف على صورة والدتها!

إنها العمة أماني الحفيدة الكبرى للشقيق الأكبر لجده رحمة الله، حمد الله في سرة انه لم يغرق في معضلة ارتباطها الأسرى به فهي قريبته من بعيد ووالده أخبرهم بمناداتها عمتي في كل لقاءاتهم العائلية القليلة..
من سيخدع؟ فتلك اللقاءات تقتصر على حالات الوفاة وحفلات الزفاف فقط.

حرك رأسه في ذهول وهو يتذكر أخر لقاء منذ ثلاث أعوام تقريبًا كان يوم وفاة أحد أقاربهم، يومها رأي تلك ال ميرا ولكن شتان بين هيئتها في تلك الصورة وهيئتها يومها فقد كانت صغيرة بالكاد تتعدى السادسة عشر عامًا وشديدة النحافة تختبئ أسفل قبعتها.
كانت منزوية في أحد المقاعد كعادتها كلما تصادف ولمحها في أي تجمع عائلي وكأنها تحاول عزل نفسها عن نظرات الشفقة والتنمر من حولها.

تذكر يومها كيف ثار غضبه عندما نعتتها إحدى الفتيات بعود الكبريت وكيف ظهرت الربكة على محياها وهي تفتعل انشغالها بهاتفها وعدم سماعها لهم بل إنها تمادت بأن وضعت سماعات الأذن لتختفي أكثر وأكثر في ذاتها بعيدًا عن الجميع.

كما تذكر كيف كاد يقتلع لسان ابن خالته عندما تحدث معها ولم يجد منها ما يجاري حديثه فرماها بوصفً بشعًا كبشاعة قلبه ولولا تدخل والده على الفور وإنهائه للأمر قبل أن ينتبه الأخرون لكسر صفي أسنانه بقبضته.
لطالما كانت الصغيرة تناشد بقعة داخلة وكأنها تطلب منه الحماية والأمان بسوداويتها الواسعة وكأنها تائهة بين بقاع العالم وتنتظر أن يرشدها هو.

ارتسمت ابتسامه طفيفة على فمه وهو يتذكر التقاطه لعيناها الواسعة والتي كانت أكثر وسعًا آنذاك نتيجة لنحافتها المفرطة، كيف لم يتعرف عليها بل كيف لم يميز مشاعره الدفاعية الوليدة داخله كلما رءاها وتلك الرغبة في الاحتواء التي تقدر هي وحدها على إشعالها في صدره.
اختفت ابتسامته وحنينه للماضي وسرعان ما تبدلت وملء العبوس الفراغ في منتصف جبينه وهو يتذكر محتوى رسالتها!

-لا هي أكيد عارفة إني قريبها وبتهزر معايا، مفهاش كلام تاني.
تمتم للهواء من حوله فأخرجه صوت كيرو الذي يلصق وجهه في هاتف زيدان متطفلًا:
-هي مين دي يا نمس؟
أغلق زيدان هاتفه على الفور وهو يدفع صديقه موبخًا:
-يا انسان يا بارد خليك في حالك.
وقف مغادرًا إلى أحد الغرف ووجد نفسه يراسلها مجيبًا:
عرفي مرة واحدة، طيب اخدعيني الأول.
أتاه ردها الجاف المتجاهل لمزحته سريعًا وكأنها تنتظر إجابته على أحر من الجمر:.

ولمدة ست شهور لو أنت مهتم، قابلني بكره في ، الساعة أربعة العصر.
لعق شفتيه وهو يفكر في حيره وارتباك لماذا لا تبادله المزاح أو تخبره بأنها تعلم هويته، قرر مسايرتها فالأمر به خدعة لا محال ف ميرا وذلك الطلب المشؤوم لا يجتمعان سويًا في جملة واحدة، عض شفته وهو يحرك أصابعه فوق الهاتف مرسلًا:
اتفقنا.
أغلق الهاتف وعقله منشغل بما سيحدث في الغد من ألاعيب.

رمى أحد الأشخاص بجسده إلى جواره مخرجًا إياه من ذكرياته، فنظر زيدان إلى الفتاة الجالسة جواره مبتسمه بشكل واسع قبل أن تمد كفها نحوه قائلة:
-هاي، أنا ليلو تاني نورت شيلتنا.
رفع يده عن كتف ميرا ليلتقط كف ليلو غريبة الأطوار قائلًا في نبرة مفعمة بالمغازلة:
-زيدان، ومنورة بيكي صدقيني.
-ميرا عايزك.

التفت زيدان نحو رامي الذي مد كفه يلتقط كف ميرا الصغير بينما يحدق في عينيه متحديًا في وقاحة منتشلًا إياها من جواره ثم اتجه معها إلى داخل الشرفة، تجمد زيدان في مكانه لحظات ثقيلة قبل أن تغلي الدماء في رأسه يحاول القيام برد فعل سريع فهو لن يترك قريبته هائمة بين الفاسدين أمام ناظرة.

وقف متجاهلًا ليلو التي كانت منغمسة في حديث معه وانطلق خلفهما يرافقهما في الشرفة، التقط وجوده رامي اولًا وكاد يجزم أنه رأى الحقد يتناثر من مقلتيه، هذا الفتى لديه مشاعر نحو الحمقاء.
-صدقني زيدان حد كويس.

التقت أُذُنه إجابتها التي لابد أنها إجابة على شكوك المدلل في شخصه النبيل، فكر ساخرًا ثم ابتسم في غرور يرميه بنفس نظراته المتحدية قبل أن يمسك بأصابع ميرا متجاهلًا الارتعاش الطفيف التي تمالك أطرافها، ثم قال في نبرة هادئة:
-ميرا، يلا بينا.

نظرت له ميرا متعجبة اقتراحه ولوهلة شعر برغبه في صفعها، اذا هي لا تحضر فقط وسط هؤلاء الحمقى بل تسهر لأوقات غير مفترض أن يسمح بها لفتاة وبالتأكيد ليس فتاة في مثل سنها، اخرجه من سياق أفكاره صوت رامي المنزعج:
-الساعة لسه عشرة، ميرا متعودة تسهر معانا ووالدتها عارفة.
رماه زيدان بنفس ابتسامته المستفزة وهو يخبره بنبرة ماكرة:
-ومن قالك إنها هتروح بيتها، ولا أية يا روحي؟

كاد يبتسم حين رمقته في حدة على تدليله لها فقد علقت أكثر من مرة مؤكدة كرهها لهذه الكلمة.
-أه، أيوه، فعلًا، معلش يا رامي مضطره امشي.
وجهت حديثها لرامي بصوتها السعيد أكثر من اللازم قبل أن يجرها زيدان خلفه للرحيل، فمالت عليه في طريقهم للخارج هامسه:
-أنت بتعمل أيه بالظبط؟
-هاخدك وأروح عشان عندي شغل الصبح.
-أفندم!

نظرت له وكأنه مجنون ولكنها صمتت مبتلعة اعتراضاتها حتى خرجا من الشقة ومن المبنى كليًا ووصلا إلى داخل السيارة، وقتها التفتت نحوه هاتفه من بين أسنانها في لهجة مستنكرة:
-ممكن أفهم أنت ازاي تتصرف من دماغك.
مط ذراعيه قبل أن يعدل مقعد السيارة للخلف بشكل أكثر أريحية مجيبًا في تهكم:
-في العادة الناس بتتصرف من دماغها، لكن لو أنتي غير مقدرش أجادلك.

ارتفع ثغرها في شبه ابتسامه مستهجنه تنظر له بعدم تصديق قبل أن تردف:
-اه انت رايق وبتستظرف وأنا محروق دمي،
أنت كان المفروض تقضي وقت جنبي من سكات وتسمع كلامي وبس مش تتصرف من دماغك!
-طيب وأنا عندي شغل الصبح وما ينفعش أسهر أكتر من كده.
عقدت ذراعها أمام صدرها ثم رددت في حدة تتناقض مع حجمها الضئيل:
-محدش طلب منك تسهر، بعد كده لو مشغول، امشي لوحدك ما تجرنيش وراك أنا ملحقتش أقعد معاهم!

دوت ضحكته المكان ما أن أنهت تذمرها وكاد يقسم وهو يراقبها تقبض أصابعها أنها تحارب كي لا تصفعه على وجهه ولن ينكر أن داخلة جزء صغير تمنى لو تفعلها كي يرد لها الصفعة صفعتين علها تنعش خلايا عقلها المحتضرة، ثم قال ساخرًا يحاول إخفاء نواياه الغامضة خلفها:
-حلو وبما أن وقت اللعب انتهى وشوفت أصحابك اللُذاذ طحن، تقدري تسمعي شروطي في اللعبة.
ارتفع حاجبها الأيسر وهي ترمقه بريبه متسائلة:.

-شروط أيه، احنا ما اتفقناش على كده.
-ما احنا بنتفق يا روحي.
-ما تقوليش يا روحي!
-اسمعي ما تقاطعنيش!
هتف في حدة أكثر من اللازم لكنها كانت كافية لصدمها وغلق فمها فأستكمل مؤكدًا جديته:
-ممنوع منعًا بتاتًا تيجي هنا أو تتلمي مع أصحابك دول وأنا مش موجود معاكي.
رفع أصابعه في الهواء يوقف فمها المنفرج بالتأكيد للاعتراض ثم استطرد:.

-ممنوع تقفي مع أي راجل غيري أو أنك تسمحي لحد يمسك إيدك أو يحط أيده على أي مكان في جسمك طول ما انا في الصورة.
-لا أنت اتجننت رسمي، فوق شوية أنت مش جوزي بحق وحقيقي.
-واحد صدقيني واحد، طالما أنتي أرتبطي بيا قدامهم يبقى الموضوع مفيش نقاش فيه.
-وأنا مش موافقة على التهريج ده.
حرك رأسه في تروي قبل أن يخبرها في غرور وحزم:
-تمام يبقى الاتفاق ملغي.

-أفندم يعني أيه ملغي، بعد ما شافوك واتعرفوا عليك عايزهم يقولوا اني كنت بسرح بيهم أظهرك مرة في حياتي وبعدين تختفي.
صرخت في حدة لا تصدق وقاحته لكنه أصر على موقفه مجيبًا في لامبالاة ونبرة باردة جعلت رأسها على حافة الانفجار:
-والله هو ده اللي عندي.
-ومقولتش ليه من الأول.
سألته في حقد وهي تطالعه بعيونها الواسعة المشعة بغضبها عليه فأكتفى بتحريك كتفه مردفًا:
-المفروض دي بديهيات مش محتاج أقولها.

ساد الصمت بينهما قليلًا وهو ينظر خارج النافذة يعلم في قلبه انها ستخضع له وحاول كبح ابتسامه حين سمع زئيرها الخافت قبل أن تخبره:
-ماشي يا زيدان أي شروط تانية؟
لمعت عيناه وهو يرمقها بنظراته الوقحة من أعلاها لأسفلها:
-الطاعة يا روحي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة