قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا نجمة الباشا للكاتبة دينا ابراهيم و رحمة سيد الفصل الثاني

نوفيلا نجمة الباشا للكاتبة دينا ابراهيم و رحمة سيد الفصل الثاني

نوفيلا نجمة الباشا للكاتبة دينا ابراهيم و رحمة سيد الفصل الثاني

كانت نجمة في حالة من الصدمة الضاحكة تفشل في التحكم في ابتساماتها الواسعة لا تصدق انها تفعل ما توبخ صديقاتها وتستنكره حين يفعلنه ولكن سليم فرض خيوطه على قلبها ليشعله بشرارة جديدة عليها ودون أن يتفوه بكلمة واحدة.
هو من بدء بالهجوم وما هي فيه ليس سوى حالة غريزية عن صوابها المفقود، فكرت في صلافة ثم التفتت تبحث عنه بعينيها فوجدته يبتعد نحو الخارج يحاول الإجابة على الهاتف، ضاقت عيونها في تساؤل:.

ترى مع من يتحدث، هل ستتفاجأ الآن بارتباطه وتسقط فوق جدران أحلامها المحطمة؟!
عضت شفتيها مفكرة في اتباعه وارضاء الفضول، فماذا ستخسر، لقد تخطت الواقع واستسلمت لجنون إعجاب منذ البداية وسلكت طريق لم تمر به يومًا.
جذبت نجمة حقيبتها مخرجة هاتفها واتبعت خطاه تبحث عنه بعينيها وهي تعبث بهاتفها للاتصال بوالدتها وشعرت بغيظ حقيقي لأنه اختفى عن مرمى بصرها لكنها انشغلت حين قاطعتها والداها التي أجابتها:.

-الو يا نجمة، خلصتي الفرح؟
-الو يا ماما لا لسه شوية متقلقيش انا بتصل بس عشان اطمنك عليا.
-طيب متتأخريش أحسن أبوكي يبهدلك نص ساعة بالكتير.
ضحكت نجمة وهي تستمع لهمهمات والدها بجوار والدتها لابد إنه يتذمر لها بانه لم ينطق بحرف وان هي من تتحدث باسمه، وتمنت في تلك اللحظة من كل قلبها أن تجد شريك العمر كي تعيش معه مثل تلك العلاقة الرائعة الطفولية، فقالت مؤكدة بنبرة مشاغبة:.

-خلاص يا ست ماما نص ساعة وهروح، مع السلامة دلوقتي.
-خدي بالك من نفسك وكلميني أول ما تتطلعي من الفرح ومتنسيش تبعتيلي اللوكيشن لو ركبتي أوبر.
أسرعت والدتها في تلو إرشاداتها ولكن كل ما لفت انتباه نجمة المرتبكة هو ذلك الشاب المار من جوارها وهو يلقي كلمات الغزل فحاولت إنهاء المكالمة قبل ان تنتبه والدتها وتطالبها بالعودة فورًا ولكن نجدها الله حين توقف الشاب عن مضايقتها وأبتعد دون كلمة أخرى.

على ما يبدو أنه انتبه لحديثها مع والدتها على الهاتف، ابتسمت متهكمه، حسنًا فعلى الأقل لديه مبادئ، كعدم التعرض للفتيات أثناء حديثهن مع والدتهن، فكرت ساخرة قبل أن تقاطع والدتها في نبرة عجلة:
-حاضر، حاضر يا ماما مع السلامة.
-مع السلامة.

تنفست الصعداء ما أن أغلقت الهاتف ثم التفت حولها أمله أن تلمح سليم فتفاجأت به يقف خلفها مباشرةً بطوله الفارع مقارنه بطولها المتوسط الواصل لمنتصف صدره الآن عرفت لما هرب الشاب، شهقت بعنف وما زاد من اضطرابها انه كان محور افكارها فخشيت بان يكون قد استمع لدواخلها بطريقةٍ سحريةٍ ما، لكنها اردفت في حدة متذمرة:
-قلبي كان هيقف على فكرة.
ضحك سليم رافعًا كلا كفيه أمامه في استسلام ثم غمزها بطرف عينه في مكر:.

-سلامة قلبك، ان شاء الله قلبي أنا.
حاولت السيطرة على ابتسامة ترغب في الظهور وقالت بينما تعقد ذراعيها أمامها:
-على فكرة الشغل ده مش هينفع معايا.
-طيب ايه اللي ينفع معاكي؟
رمشت أكثر من مرة بعيون متعجبة من صراحته المباشرة لكنه فاجأها أكثر حين استكمل بثبات يحسد عليه:
-شوفي عشان ابقى صريح معاكي، أنا حاسس اني مشدود ليكي وعايز اتعرف عليكي أكتر.
-اه قولتلي...

قالت في نبرة ساخرة قبل ان تقضب حاجبيها مستكملة في حده:
-طيب شوف يا أستاذ سليم، أنا كنت فكراك حد محترم بس جو التعرف والارتباط ده...
-ايه ايه وحدي الله في قلبك كده، انتي فهمتيني غلط، أنا مقصدتش اللي في بالك.
-أومال تقصد ايه؟
عقدت ذراعيها في دفاعية أمام صدرها تنتظر اجابته:
-انا عايز أتعرف عليكي بأي طريقة تعجبك، ان شاء الله تكتبيلي عنوان بيتكم،.

انا بعمل كل ده عشان خاطرك مش اكتر لأني حاسس والله أعلم انك هتحبيبني وهتموتي فيا.
قالها سليم بابتسامه كبيرة مشاغبة وعيون لامعة في إصرار فرفعت حاجبها قبل أن تخبره في شموخ:
-ده عشم ابليس في الجنة.
-هنشوف.
قال في تحدي واضح قبل ان يشير للداخل هامسًا في تهكم بعيون مشاكسة:
-اتفضلي لأحسن رقصة تفوتك لا سمح الله!
-حاجة ما تخصكش.
قالت في ميوعة متعمدة التمايل امامه للداخل، فأجابها في غموض وتحدي:.

-وماله كله في وقته.
رمقته بعناد والتفتت للعودة تاركة الحبال لابتسامه كبيرة واسعة ابتلعت وجهها، فاقدة السيطرة على قلب يدق بعنفوان، سعيدة وفخورة بأن شعلة الجنون وشرارات الإعجاب كانت متبادلة ولم تتملكها وحدها.
بينما اتبعها سليم بنظراته الثاقبة وخطواته الثابتة وهو يتوعد بأن يمتلكها قريبًا.

خرجت نجمة من افكارها حين انتبهت لوصولها واقترابه من منزلها فهتفت به في رفض:
-متدخلش أكتر من كده نزلني هنا.

-لا هوصلك عند بيتك.
-أنت ليه انسان مستفز بقولك نزلني لحد من أهلي يشوفني وتبقى مصيبه.
اخبرته مستنكره عناده واصراره، فصرح متهكمًا:
-أنا عايز كده ومتقلقيش هبقى أصلح غلطتي.
ارتعشت شفتاها وقد جفت من القلق والذعر محاولة الهمس في توسل:
-عشان خاطري يا سليم نزلني هنا، بلاش فضايح!
-لا أنا عايز فضيحة يمكن وقتها ألاقي مبرر اتقدملك بيه ونخلص من حججك الفارغة.

اقترب من مبناهم فهبطت عبراتها وهي تضع طرف أصابعها فوق وجهها وتدور بجسدها شبه تخفي نفسها بالمقعد لتتوسل له باكية بحروف أسمه:
-يا سليم عشان خاطري.
أطبق فكيه والتفت يرمق هيئتها الخائفة فارتعش قلبه الخائن للرعب المتجلي في عيونها ليزفر وهو يضرب بكفه فوق مقود السيارة وينطلق مسرعًا متخطي مبناها وإلى خارج الطريق لكنه لم يتمالك غضبه وصاح في مشاعر حارقة:
-ليه عايزة نبقى كده؟

بدل ما تبقي حلالي، عايزة تبقي جانبي وانتي خايفة كده!
-انت مش فاهم حاجة كده أفضل لينا احنا مننفعش لبعض!
ردت بين شهقات بكائها فاستكمل بلهيب الغضب:
-ليه مُصره تهدمي كل حاجة بينا بالطريقة دي؟
استمرت في البكاء دون ان تجيبه فهتف بها في نبرة تعبر عن الحرقة داخله:
-ليه توصليني اني بدل ما ابقى فخور بتعبي وبمركزي ابقى كاره حتى البدلة اللي لابسها،
عملت أيه عشان العنف الغير مبرر ده عليا وعلى شغلي؟

-انا اسفه، بس مش هينفع.
اخبرته بين بكاءها المتواصل فهز رأسه بخيبة أمل قبل أن ينظر أمامه بكبرياء قائلًا بنبرة جافة:
-نشفي دموعك وانزلي، انا هرجع وراكي لحد ما توصلي.
هزت رأسها مقهورة ثم مسحت عبراتها قبل ان تحاول الهبوط لكنه اوقفها لا يصدق سخرية القدر الذي دفعه للتصريح بمثل هذه الاتهامات، قائلًا:.

-ولو رفضاني كان لازم تفكري في ده قبل ما تلعبي عليا، أنا مش من الرجالة اللي تلفي وتضحكي عليهم وبعدين ترميهم.
نظرت له مصعوقة لاتهاماته المخجلة ونظرته الموجعة فيها ولكنها لن تبرر ولن تدافع فهي تستحق وهي من بدء اللعبة وربما سليم هو عقابها، أغمضت جفونها عندما استطرد هامسًا في خفوت مرعب:
-وابقى خلي اللعب ينفعك، انزلي.

ترجلت وقد نجح في غرز شعور بالرخص داخل صدرها، فتحركت كالمغيبة تجفف دموعها لا تشعر به يتبعها ولا تشعر بالعيون المتسائلة من حولها حتى انقذها القدر أخيرًا بأن وصلت لمبناهم بعد دقائق مرت طويلة وفرت هاربة إلى منزلها.

بعد مرور ساعات دخل سليم إلي منزله يشعر بإرهاق كبير حين اوقفته والدته قائلة:
-أيه يا سليم جاي بدري يعني؟
-لا يا ماما أنا هاخد دوش واريح ساعة وهنزل تاني.

اخبرها وهو يقبل رأسها ويتحرك نحو غرفته لكنها اتبعت مستكملة:
-طيب كويس انك جيت كنت عايزاك أنا وخالتك في خدمة.
ضحك سليم في خفة على اختيارها للكلمات لكنه اخبرها في نبرة صادقة:
-أؤمريني انتي وخالتي.
-الواد نبيل ابن خالتك مدوخها وعايزاك تشده عشان تربيه شويه.
ارتفع كلا حاجبيه في تعجب صريح قبل ان يرد متسائلًا:
-عايزاني احبسهولها؟!
-يووه، تحبسهولها أيه يا سليم، بقولك ابن خالتك!

ضحك سليم وهو يبعثر خزانته بحثًا عن ما يريد وأردف:
-ايوة يعني عمل أيه نبيل ومطلوب مني أيه؟
-المنيل عايز يخلي أمه تبيع الدهب بتاعها كله وتدهوله من ورا ابوه.
توقف سليم واستدار نحو والدته يتساءل في نبرة منذهلة:
-ده اللي هو ازاي؟
هو اتجنن ولا ايه ولا هو مش عارف أبوة.
مطت والدته شفتيها لليمين قائلة في خيبة أمل:
-محدش فاهم دماغه والله يا ابني وكل اللي نازل عليه ان امه تبيع الدهب عشان يتجوز المحروسة!

رمى سليم الملابس من يده فوق الفراش غاضب على ابن خالته وقيمة المهتزة، ليخبرها في انزعاج واضح:
-يا ماما الله يرضى عليكي سبيني أحبسه، ده لازم يتربى.
-والله يا ابني ما عارفة، المهم كلمه وعقله.
عض سليم فوق شفتيه في وعيد صامت لقريبه المجنون قبل ان يخبرها مؤكدًا:
-إلا هعقله، ده أنا هخلي يبوس ايدها قبل وبعد كل وجبة في اليوم.

ابتسمت والدته في رضا لكنها هزت رأسها فاقدة الأمل في فهم ملامحه وتكهناته الغامضة ثم اتجهت للخارج مردفه:
-تسلملي يا حبيبي أنا هروح اجهزلك الغدا، ربنا يباركلي فيك ويرزقك ببنت الحلال قادر يا كريم.
ارتفع جانب وجهه في سخرية مغمغمًا:
-بس متقوليش كده لتتحرق في مكانها.
انعقد حاجبي والدته وسألته قبل أن تغلق الباب:
-بتقول أيه؟
-بقول يارب يا ماما، يارب.

وبذلك دلف إلى المرحاض وكل خلية في تفكيره تحارب لأخذ هدنة من التفكير في نجمة وطبيعة علاقتهما المتدهورة منذ فترة.
.

أما في منزل نجمة، كانت جالسة في غرفتها تتلاعب بخصلات شعرها بإصبعها بينما ملامحها تتلوى غضبًا، والأفكار تتشابك داخل عقلها كخيوط العنكبوت، تلعنه وتعلن الفوضى التي أثارها بكيانها وتلعن حظها التعس فلأول مرة في حياتها تنسى مبادئها وتخاطر بألقاء شباكها على الجنس الآخر، وماذا أخرجت من جعبتها، دونًا عن كل الرجال وقعت في سليم.
-استغفر الله العظيم، فعلًا الغلط عقابه وقتي.

تمتمت تحاول إيجاد مبررات لعقلها الغاضب من اللعبة التي بدأتها هي ويقتلها وصفة لها بالتلاعب فهو الذي يُلاعب أوتار انوثتها بمهارة، يحاصرها بوجوده الرجولي حولها فلا تشعر سوى ونفورها يذوب من حولها.
يحاربها بأقوى سلاح يُذيب الأنثى، الاهتمام، لا يكف عن جعل تلك الشعلة تلهبها بعاطفة لم تجربها قبلًا.
يحاول ويحاول ليطعن رفضها تحت قدمها، فكيف لها هي ألا تلين؟!

ألا تذوب في متعة ذلك الاهتمام الدافئ وتلك المعاملة التي تشعرها بأنها ملكة يسعى ويحارب للوصول إليها؟!
ولكنها كالعادة كلما تركت نفسها لطوفان العاطفة، سرعان ما يصحو هاجسها من غفوة لذة العشق ليحذرها، يُخيفها، يدهس استسلامها أسفل عجلاته.
تنهدت في حرارة تمنت لو لم تكتشف مهنته أبدًا، وتركت ذاكرتها تتماوج مع ذكريات يوم الزفاف.
.

بعد انتهاء الزفاف وذهاب العروسين، وقفت نجمة بين مجموعة من الفتيات يحاولن التقاط شبكة لطلب تطبيق المواصلات الشهير ولكن ب دقائق من المحاولات تدخل سليم المراقب للوضع وبعد إلحاح وافقوا على أن يقوم بإيصالهم بحجة أن الوقت قد تأخر.

كبحت ابتسامه انتصار وهي تتابع عيناه تلاحقها في تذمر حين جلست في الكرسي الخلفي خلفه مباشرةً تحرمه من جلستها جواره لكنها كلما رفعت عيناها العسلية تنظر للمرآة تصطدم بنظراته العابثة المتابعة لها بتفحص ليرميها بغمزة من طرف عينه دون أن يلاحظها غيرها.
أبعدت نجمة وجهها سريعًا محاولة كبح ابتسامة ناعمة خجولة على شفتاها ثم أدارت رأسها بالكامل للجهة الاخرى بتمنع..

واصلوا الطريق وسط احاديث صديقاتها فقابلوا في طريقهم لجنة للشرطة، أطلقت احدى صديقاتها صفير منخفض توقع مناوشاتهم قائلة مستفسرة:
-اووه ده في لجنة وبيفتشوا هو في حاجة ولا إيه!
هز سليم رأسه بابتسامة خفيفة وثقة متمتمًا:
-عادي متقلقيش.
اقتربوا من الكمين ثم أخرج سليم حافظة البطاقة الخاصة به، مخرجًا رأسه من شباك السيارة ليصيح مشيرًا بيده في تحية عسكرية شهيرة:
-مساء الفل يا باشا.

رد الضابط التحية وما إن نظر للبطاقة في يده حتى ابتسم ونظر للعساكر الواقفة في الطريق آمرًا بحفاوة شديدة:
-افتح يابني عدي الباشا.
ثم أشار لسليم بابتسامة مُجاملة:
-اتفضل يا باشا.
-متشكرين ربنا معاكم.
تمتم بها سليم وهو يستلم محفظته منطلقًا بالسيارة، نال ما حدث إعجاب الفتيات إلا نجمة التي رفعت حاجبها الايسر وتمتمت بشقاوة متهكمة:
-باشا! هو انت من الأعيان ولا إيه؟

ابتسم سليم في فخر مشاكسًا لها هو الآخر بهزة مؤكدة من رأسه:
-اه طبعًا اومال!
حينها تدخلت إحدى صديقاتها تخبرها بنبرة منبهرة:
-طبعًا من الأعيان يابنتي مش رائد قد الدنيا!
تجمدت نجمة في جلستها لثواني قليلة وشحبت ملامحها وتلك الكلمة تخترق اذنها ضاربة صخرة مخاوفها بمطرقة الصدمة، سعلت بخفة قبل أن تتمتم بعدها بصوت منخفض وكأنها تتوسل التكذيب:
-مين ده اللي ظابط؟
سليم؟

أومأت الاخرى مؤكدة برأسها، بينما قال سليم بمرح مستنكرًا صدمتها:
-إيه ماشبهش ولا أيه!
تحشرجت أنفاسها وحينها فقط، كل المشاعر التي انتابتها، كل الشقاوة والعبث الذي ظهر في حضرته، انقضى وفر ادراج الريح!

أغمضت جفونها وقد عادت نجمة لواقعها عساها تغلق الوميض الخافت داخلها الذي يخبرها أنها تلاعبت به بالفعل، هزت رأسها نافية تنفيه بمبررات واهية.

وحينما أرادت سحق ذلك الوميض بين ثنايا الظلام، أمسكت هاتفها لتتصل بصديقتها المقربة دنيا ، أجابتها بعد قليل ليأتيها صوتها المرهق:
-الوو ازيك يا نجمة؟
تمتمت نجمة بود تخفي ارتباكها:
-الحمدلله بخير، ازيك انتي يا حبيبتي واخبار صحتك دلوقتي؟
-انا الحمدلله بخير انتي عامله ايه؟
من يوم المستشفى مشوفتكيش وحشتيني أوي.

خجلت نجمة أن تخبرها بأنها خشيت الاتصال فتتسبب لها بمشاكل جديدة تنتهي بعقاب زوجها المجنون لها، لكنها قالت في تلعثم:
-الحمدلله وانتي وحشاني اكتر، بس الكلية شغلتني شوية،
مال صوتك أنتي تعبانة ولا إيه؟!
اتاها صوت دنيا المبحوح بتعب والذي أثار اوتار شفقتها، وحنقها في آنٍ واحد:.

-لأ ده دور برد، وأنا مطبقة من أمبارح بخلص تجهيز عزومه اهل احمد عشان هيجوا بكره ومش عايزه خناق مع أحمد لو ملاقاش كل حاجة جاهزة انتي عرفاه!

هزت نجمة رأسها بتأكيد، كيف لها ألا تعرفه، فحتى لو لم تكفي حكايات دنيا على سبيل الفضفضة لتعرف انه شخص عنيف بربري، يتعامل معها احيانًا وكأنه يعامل احد المجرمين، فتلك الآثار القبيحة التي رئتها توشم جسد صديقتها كافية لتعرف قُبح شخصيته، فزوج دنيا هو السبب الرئيسي لمخاوفها، فهذا البربري ضابط مُتسلط مستغل لسلطته كذاك الذي يلاحقها هنا وهناك..!

خرجت من شرودها لتقول بصوت خرج حاد من فرط انفعالها دون أن تقصد:
-ما تريحي يا بنتي صوتك باين عليه التعب جدًا، وخليه يطلب اكل جاهز او حتى أجلوا العزومة،
انتي هتموتي نفسك عشان هو عايز يعزم أهله هو للدرجة دي مش حاسس بالمصيبة اللي عملها؟!
اتاها ردها في قلة حيلة:
-لو أهلي كنت أجلت العزومة يا نجمة لكن لو قولتله أجلها او هات أكل جاهز مش هخلص منه ومن خناقه وتهزيقه وهجيب لنفسي كلام أنا في غنى عنه!

خلينا ماشيين كويسين بالزق كده احسن، كفاية العيل اللي في بطني!
غمغمت نجمة بغيظ:
-سبحان ما مصبرك عليه بصراحة!
ابتسمت دنيا ابتسامة مصطنعة فلولا اكتشافها لحملها لأصرت على موقفها في الطلاق ولكن ذويها وذويه مع تهديداته الحادة بانتزاع الطفل المنتظر منها جعلها تستسلم لقدرها، أغمضت جفونها تصفي ذهنها قبل ان تغير الموضوع:
-سيبك مني المهم انتي إيه اخبارك، مفيش جديد في حياتك؟!
سعلت نجمة ثم تنهدت مردفه بتردد:.

-هو بصراحة في، أنا متصلة بيكي عشان أحكيلك حاجة كنت مخبياها!
تشدقت دنيا في لهفة سعيدة بمحور الحديث:
-بجد طب احكيلي بسرعة يا مقصوفة الرقبة.
تنهدت نجمة تعلم رد فعلها لكنها بدأت تقص عليها كل شيء بدءًا من أول مرة رأت فيها سليم وصولاً بركضه خلفها هنا وهناك وحتى أخر مشاجرة بينهما، صرخت دنيا وهي تدفع كلماتها دفعًا لحافة لسانها:
-اوعي يا نجمة، اوعي!

ظباط لا، الشباب مليانين الدنيا بس اوعي من الظباط دول ملهمش أمان، أنا أتلسعت مرة وبقولك بلاش اديكي شايفة أحمد وشايفة حياتنا عامله ازاي، والله لولا اللي في بطني ما هستحمل!
الاجابة كما توقعتها تمامًا، ولكن شيء داخلها اندفع يسيطر على لجام لسانها وهو يبرر له ولو مرة:
-بس هو مش بيعاملني زي أحمد، اكيد مش كل الظباط زي بعض يعني قصدي آآ...
قاطعتها دنيا بصوت أجش تقطع حيرتها من جذورها:.

-لا يا دنيا كلهم كده بحكم شغلهم مبقاش عندهم مشاعر، ولو على المعاملة الحلوة كلهم بيبقوا كده في الأول يا نجمة الممنوع مرغوب هيعمل اي حاجة عشان يوصلك،
ما انتي عارفه أحمد مكنش كده أيام الخطوبة.
حديث دنيا وجد صداه بقوة داخل نجمة التي كانت معبئة بتلك الهواجس، فهتفت تنهي ما اتصلت لأجله:
-ده كان رأيي وقراري خصوصا بعد اللي حصل معاكي، بس كنت حابه افضفض يا دنيا،.

أنا مش همشي ورا احتمال ١٠٪ انه كويس وادمر حياتي على سبيل التجربة!
أكدت دنيا لها في سرعة:
-بالظبط، انتي تستاهلي احسن من كده بكتير، تستاهلي تعيشي كل لحظة في راحة من غير تفكير وقلق.
ابتسمت نجمة ابتسامة صغيرة تخفي خلفها قهر كبير ثم قالت في خفوت:
-تسلميلي يا دودو، مش هعطلك اكتر بقا وهسيبك تشوفي اللي وراكي عشان ميجيش ينكد عليكي.
حركت دنيا رأسها مؤكدة في نبرة مرح حمل مرارة في طياته:.

-انتي بتقولي فيها، هيجي ينكد عليا فعلًا لو لقاني بتكلم خصوصًا إنه النهارده جاي بدري شوية.
وبلحظة وكأن زوجها كان ينتظر حديثهما، اقتحم المزعج المكان صائحًا بصوت حاد أعلى من اللازم:
-هو ده اللي مش لاحقه تخلصي، أنا شايف انك عماله ترغي في التليفون مع الناس الفاضية!
زفرت دنيا بتمهل تحاول ألا تنفعل وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه، ثم أجابت محاولة التبرير:
-دي نجمة كلمتها شوية عشان بقالي كام يوم مكلمتهاش.

زمجر الآخر بغضب اشتعل من اللا شيء بمجرد تذكر نجمة التي يستشعر مقتها بسهولة كلما قابلها في لقاءاتهم المعدودة:
-وطبعًا بتحكيلها قصة حياتنا والهانم بتسخنك عليا صح؟!
-لا طبعا.
نفت دنيا سريعًا ولكنه لم يعطها الفرصة بل انتشل الهاتف من بين أصابعها هاتفًا في الهاتف بنبرة غليظة:
-متكلمهاش تاني أحسنلك، هي دلوقتي واحدة متجوزة ووراها مسؤوليات مش عندها فراغ زيك وبطلي تدخلي نفسك في خصوصيات الناس!

انهى جملته بأغلاق الهاتف في وجه نجمة التي انتفخت اوداجها بالغضب وهي تهز رأسها فاقدة الأمل في صلاحه.
لن تكرر خطأ صديقتها..
لن تضع نفسها تحت رحمة شخص همجي عنيف يحتاج أن تبرر له لو تحدثت يومًا إلى صديقتها...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة