قصص و روايات - قصص رومانسية :

نوفيلا كتاب الحب للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والأخير

نوفيلا كتاب الحب للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والأخير

نوفيلا كتاب الحب للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والأخير

عادت إيلي إلى مكتبتها، وأوصدت الباب من خلفها وهي تبكي بحرقة ومرارة قاسية، ثم إنهارت بجسدها، وجلست على ركبتيها على الأرضية الخشبية القديمة وهي تشهق عالياً من الآسى والحزن المرير، لقد عاتبت إيلي قلبها بقسوة، قلبها الذي ضعف وأحب من لم يكن لها يوماً، قلبها الذي ظن أن الحب لا يعرف الفوارق، قلبها الذي كان يؤمن بحلاوة الحب إلى أن تذوق عذابه وقسوته، واليوم تعلمت درساً موجعاً، لن يُمحى من عقلها أبداً، لقد تعلمت أنه لا وجود للحب إلا في الروايات..

بكت إيلي كما لم تبكي من قبل، وتعالت شهقاتها لتخترق ذلك الصمت القاتل في أرجاء مكتبتها العتيقة، ثم نظرت بعينيها الدامعتين حول، فكل ركن من أركان تلك المكتبة يُذكرها به، فهنا جلسا سوياً، وهنا تشاركا الحديث، وهناك داعبها بمعسول الكلام، وهنا تغزل في حسنها الآخاذ، لقد سكنت روحه هذا المكان، وأصبح جزءاً لا يتجزأ منه، فإزداد نحيبها، واغرورقت عينيها أكثر بالدموع، بلى، لقد أدركت أنها لن تتحمل التواجد مع ذكريات من أحبت بمفردها هنا، وهو بصحبة غيرها، فتراه يضمها إلى صدره، ويحاوطها بذراعيه، ويداعبها بكلماته العذبة كما داعبها من قبل، ثم يتغزل في جمالها الذي خطف الألباب، لقد إنهار كل شيء فجأة أمام عينيها، وتبخرت أحلامها، وتحطمت قصورها الوردية، وانتهت حياتها مع طرفة عين، لقد أصبحت المكتبة التي طالما احتوتها وأعطتها الدفء والحيوية في أشد الليالي قسوة باردة، كئيبة، تخنقها أكثر كلما تنفست...

أطرقت إيلي رأسها في آسى، ثم نظرت إلى يدها القابضة على المفكرة، وتسمرت في مكانها للحظة تفكر في أمر أخير، ثم نهضت فجأة عن الأرضية، وسارت بخطوات متعثرة ناحية الدرج، حيث يوجد المكتب الجانبي الصغير، وبحثت بعينها عن أحد الأقلام، فوجدت قلماً موضوعاً بأحد الأدراج، فأمسكت به، ثم فتحت أخر صفحة في مفكرتها، وسطرت فيها بدموع مريرة خاطرتها الأخيرة قبل أن تترك هذا المكان للأبد..
(( لم يعدْ لي مكان في حياته.

فبرغم كل شيء أثرت الرحيل والنسيان،
وأنا وحدي من سأعاني مرارة الفراق،
ولوعة الاشتياق،
فهكذا كنت في حياته،
صفراً على اليسار،
وحبي له ليس إلا حلم صعب المنال،
فأنا لم أكن له يوماً،
وليس لي في حياته مكان، )).

انهمرت مع كل كلمة تسطرها إيلي عبرات حارة، فامتزج الحبر بالعبرات، وتشوهت الكلمات كما تشوهت روحها النقية، ثم أغلقت إيلي مفكرتها، ونظرت إليها مرة أخيرة قبل أن تضعها على سطح المكتب، وتبتعد بخطوات منكسرة - تاركة إياها على ذلك المكتب القديم – ثم توجهت إلى الدرج القريب منه، وصعدت عليه لتتجه إلى غرفتها، حيث بحثت عن حقيبة سفرها القديمة، وقامت بجمع بعض من ثيابها على عجالة، ودستهم بعدم اكتراث فيها، ثم أغلقتها وتوجهت عائدة إلى الطابق السفلي..

وقفت إيلي في مكانها ترثي حالها، ثم نظرت إلى المكتبة بنظرات أخيرة وهي دامعة العينين، وسارت بخطوات بطيئة نحو باب المكتبة الزجاجي، ومن ثم دلفت إلى خارج المكتبة..
تورمت عيني إيلي من كثرة البكاء، وانتفخ أنفها، وظلت تسير هائمة على وجهها إلى أن وصلت إلى محطة القطار، ثم قامت بحجز تذكرة ذهاب بلا عودة عن تلك البلدة القاسية التي دمرت أحلامها، وقضت على مشاعرها...

لم تهتم إيلي بالمكان الذي ستفر إليه من عذاب الحب، فهي قد باتت ضائعة، محطمة، مدمرة، فأي مكان غير هنا سيكون المأوى بالنسبة إليها، فلعلها تستطيع أن تجمع حطام نفسها من جديد...
جلست إيلي على مقد الانتظار الخشبي، ووضعت إلى جوارها حقيبة سفرها، وأسندت من أسفلها تذكرة القطار، وظلت تنظر أمامها وهي شاردة في ذكرياتها المريرة مع رائد..

شعر رائد بالاحباط لأن إيلي لم تأتْ كما وعدته، فسار عائداً إلى غرفة أعضاء هيئة التدريس ليشكو إلى جينا غياب إيلي..

ولكنه تفاجيء بأنها قد عادت إلى هيئتها الأولى، وارتدت ملابسها الفاضحة، بل ما أثار حنقه بحق هو أنها قد اقتربت منه، وداعبت أنفه بطرف إصبعها، ثم تركته واتجهت إلى مكتبه، وجلست على سطحه بطريقة مثيرة وواضعة لساقها فوق الأخرى، ثم ابتسمت له بتشفي، وعلى وجهها نظرات ساخطة، فتعجب هو من حالها و..
-رائد متسائلاً باستغراب، وبنظرات حائرة: لماذا أنتي هكذا؟

-جينا بنبرة باردة، ونظرات قاسية: لأني اليوم قد ظفرت بك، فأصبحت لي وحدي
-رائد وهو يعقد حاجبيه في عدم فهم: ماذا؟
سردت جينا بكل برود خطتها الشيطانية الماكرة والتي نجحت في الإيقاع بينه وبين من أحب، فضيق رائد عينيه في غضب جلي، واحتقن وجهه بالدماء، بينما تابعت جينا حديثها ب..
-جينا بفتور مستفز: لقد كان جزئي المفضل حينما رأتني تلك البلهاء وأنا في أحضانك، فظنت أنك تعرض علي الزواج.

لم يتحمل رائد أن يسمع صوتها اللعين أكثر من هذا، فقد أدرك تواً أن من ظن أنها رفيقته، وأنها تغيرت من أجله ليست إلا امرأة لعوب بحق، فسار بخطوات غاضبة في اتجاهها، ثم رفع يده عالياً في الهواء، وهوى بها على وجنتها ليصفعها بقوة وهو يصرخ ب...
-رائد وهو يهدر بعنف: ما أقبحك! انتِ حقاً شيطانة لعينة.

تأوهت جينا من الآلم، ووضعت يدها على وجنتها تتحسها، في حين تركها رائد وركض مسرعاً خارج الغرفة وهو يسبها ويلعن غبائه الذي جعله يثق بها يوماً..
ركض رائد بسرعة رهيبة - و كأن وحشاً مفترساً يحاول اللحاق به وإلتهامه - حتى وصل إلى الطريق العام، ثم وقف في منتصفه ينتظر قدوم أي سيارة ليوقفها، وبالفعل لمح سيارة آجرة قادمة من على بعد، فأشار لسائقها بكلا ذراعيه في الهواء لكي يُوقفه...

أوقف رائد سيارة أجرة وطلب من السائق أن يقله إلى مكتبة كتاب الحب بأقصى سرعة، فامتثل السائق لطلبه خاصة بعد أن أعطاه رائد مالاً كثيراً..

بعد دقائق عديدة وصل السائق إلى أول الطريق المؤدي إلى المكتبة، فترجل رائد من السيارة، وركض على ذلك الطريق الطيني الممهد بخطوات سريعة، ولم يهتم ببنطاله الذي اتسخ من الطين المبتل بفعل الأمطار، ولا بالسائق الذي ظل ينادي عليه كي يأخذ باقي الأجرة، فقد كان شاغله الأكبر هو الوصول إلى حبيبته الوحيدة..

قفز رائد على الدرجات الخشبية، ثم دفع باب المكتبة الزجاجي بكتفه بقوة، ودلف إلى الداخل وهو يصيح عالياً بإسم محبوبته..
لم يجد رائد أي إجابة، فظن أن إيلي تمكث بغرفتها في الطابق العلوي، فتوجه ناحية الدرج الخلفي، وركض صعوداً عليه، ثم بحث عن إيلي في غرفتها، ولكنها لم تكن متواجدة.

وضع رائد كلتا يديه على رأسه، وظل يفركها في توتر شديد، ثم استدار رائد برأسه ناحية خزانة الملابس ليجدها مفتوحة، وشبه خاوية من الثياب، فإنقبض قلبه أكثر، وتسارعت أنفاسه و...
-رائد بنبرة مذعورة، ونظرات مضطربة: لا يمكن أن تتركني إيلي وترحل، لا يمكن..!

دفع رائد باب الخزانة بيده بعنف، ثم ركض خارج الغرفة، ومن ثم قفز على الدرج إلى أن وصل إلى الطابق السفلي، فلمح مفكرة ما موضوعة على المكتب المجاور للدرج، فمد يده ناحيتها ليمسك بها، ثم فتحها، وقرأ ما بها على عجالة، إلى أن توقف عند خاطرة اعتراف إيلي بحبها له، وخاطرة رحيلها التي مازالت مبتلة بأثار دموعها...
تنفس رائد بصعوبة، وشعر أنه على وشك خسارة من عشقته وعشقها ما لم يصل إليها في الوقت المناسب...

أمسك رائد بالمفكرة في يده، ثم ركض سريعاً إلى خارج المكتبة، ولمح السائق وهو يقف إلى جوار سيارته منتظراً عودته على أول الطريق، فصرخ به عالياً أن يدير محرك السيارة، ويقودها باقصى سرعة حتى يوصله إلى محطة القطار قبل فوات الآوان..

صدحت صوت صافرة وصول القطار في المحطة، فانتبهت لها إيلي، وكفكفت دموعها بأنامل يدها، ثم نهضت عن مقعد الانتظار الخشبي، وأمسكت بحقيبتها وقبضت عليها بشدة، وانتظرت أن يتوقف القطار تماماً حتى تصعد على متنه..
في تلك الأثناء، وصلت سيارة الأجرة إلى محطة القطار، فترجل منها رائد وركض سريعاً في اتجاه رصيف المحطة..

ظل رائد يدعو الله في نفسه ألا يكون قد تأخر في الوصول، تسارعت أنفاس رائد وهو يتخيل أن إيلي قد تركته ورحلت إلى الأبد دون أن يعرف وجهتها..

سارت إيلي بخطوات بطيئة منكسرة ناحية باب عربة القطار، ثم تنهدت في مرارة وهي تمد يدها لتمسك بذلك المقبض المعدني لكي تتمكن من الصعود على متن العربة، وقبل أن تدلف إيلي تماماً إلى داخل العربة، رمقت الرصيف ومن عليه بنظرات حزينة وأخيرة، ثم أطرقت رأسها، وسارت إلى داخل العربة لتبحث عن مقعدها، وتجلس عليه، ولكنها تذكرت أنها قد تركت تذكرتها على مقعد الانتظار الموجود على رصيف المحطة، فإنتفضت فزعة في مكانها، وتركت حقيبتها على متن القطار، ثم ركضت بخطوات متعجلة إلى خارجه لكي تحضر تذكرتها...

وصل رائد إلى رصيف المحطة، وظل يجوب ببصره بين أوجه الجميع باحثاً عن حبيبته بينهم، ولكنه لم يجدها، فظن أنه قد تأخر، ولم يلحق بها، فأدمعت عيناه، وبدأ ينتحب ودفن وجهه بين راحتي يده، ولكنه توقف عن النحيب حينما سمع صوتها العذب والمألوف يأتي من خلفه و...
-إيلي بصوت منزعج: يا الله، لقد تركتها هنا، أين اختفت؟

استدار رائد بجسده ببطء، ليجد إيلي منحنية بجسدها قليلاً للأسفل، ومستندة بقبضة يدها على ذارع المقعد الخشبي، وتبحث بعينيها عن شيء ما على الأرضية الصلبة، فإعتلى وجهه ابتسامة سعادة، وأشرقت عيناه من جديد، ولمعت ببريق الحب، ثم سار بخطوات متمهلة إلى أن وقف خلفها، و...
-رائد بنبرة حانية: يا ربِ قلبي لم يعد كافياً، لأن من أحبها تعادل الدنيا، فضع بصدري واحداً غيره، يكون في مساحة الدنيا.

اعتدلت إيلي في وقفتها، وتسمرت في مكانها، وظنت أنها تتوهم ما تسمعه، ثم التفتت بجسدها للخلف، فوجدت رائد أمامها ليس بينهما سوى خطوة واحدة، وينظر إليها بنظرات عاشقة، ففغرت شفتيها في صدمة، واتسعت عينيها الحمراوتين في ذهول، ولكن لم يتركها رائد لإندهاشها كثيراً، حيث مد ذراعيه فجأة ناحيتها، وأحاطها من خصرها، وجذبها بحب إلى صدره، ثم انحنى برأسه على رأسه، وأطبق على شفتيها بشفتيه، ونهل منهما قبلة حارة مطولة بثت أشواقه وحبه الجارف إليها فيها، و..

-رائد بصوت رخيم وعذب: أحبك يا عميقة العينين..!
استسلمت إيلي لحبها الوحيد، ولم تقاومه أو تعاتبه حتى على ما رأته من قبل في قاعة الدراسة، و...
-إيلي بنبرة متلعثمة: م، ماذا؟
أعاد رائد تقبيل حبيبته مجدداً بشغف أكبر، وبحرارة أشد، ثم أبعد شفتيه عنها، لينظر إلى عينيها بنظرات حالمة و...
-رائد متابعاً بنبرة عاشقة، ونظرات والعة: حبك مثل الموت والولادة، صعب بأن يعاد مرتين..
-إيلي فاغرة شفتيها: هه..

أرخى رائد أحد ذراعيه عن خصر حبيبته، ثم مد يده وأمسك بكف يدها وخلل أصابعه في أصابعها، ثم نظر إليها بعينية اللامعة من بريق الحب و...
-رائد مكملاً بنفس النبرة العاشقة والدافئة: عدي على أصابع اليدين ما يأتي، فأولاً حبيبتي أنتِ وثانياً حبيبتي أنِت، وثامناً وتاسعاً وعاشراً حبيبتي أنتِ..!

ابتسمت إيلي في خجل، وتوردت وجنتيها في حياء شديد، وشعرت بأنها تطير فوق السحاب، وأنه لم يعد هناك بُداً من الجدال أو العتاب، ثم نظرت في عيني رائد بنظرات رومانسية و..
-إيلي متسائلة بنعومة: منذ متى وأنت تقرأ قصائد نزار؟
-رائد مبتسماً في عذوبة، وبنظرات دافئة ومتفرسة: منذ أن أصبح للحب عنوان يُدعى كتاب الحب ...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة