قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الأول

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الأول

نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل الأول

كانت تسبح فى نوم عميق، أيقظها منه شعور غريب، وكأن الصقيع يحيط بها، يجمد أطرافها، يجعلها ترتعش وبشدة.
إنفلجت عيناها ببطئ لتراه يطالعها ببرود، بعينين زادت قتامتهما ليصبحان فى لون الليل السرمدي، جالس على كرسى بجانب سريرهما، يبدو جسده جامدا كتمثال صخري، وكأن أنفاس الحياة قد غادرته للأبد.
أحست بالقلق، بالخوف من كل ما هو آت، ابتلعت ريقها فى صعوبة وهى تقول مرتبكة:
-إحم، صباح الخير.

نظر إليها (عاصى) نظرة طويلة أربكتها، وكأنه يلومها، يعاتبها، أم يودعها؟!
تنهد بألم شعرت به يأتى من مكان سحيق فى أعماق قلبه، وينعكس على ملامحه التى تجعدت حزنا وهو يقول بحزم:
-إحنا لازم نتكلم.

نظرت اليه بتساؤل قلق، تخشى كلماته، تود لو تتوسل اليه بالصمت، ولكنها اكتفت بقولها:
-خير ياعاصى؟!

زفر بيأس ثم طالعها بألم قائلا:
-أنا خلاص تعبت ياعشق و مش قادر اتحمل أكتر من كدة.

أصابها الرعب من كلماته المتمزقة ألما، ابتلعت ريقها تتوجس خيفة من إجابة سؤالها ولكن كان لابد لها من أن تسأله، لذا قالت وهى ترجو الله فى سرها أن يخيب ظنونها:
-قصدك ايه؟!

تأمل( عاصى )ملامحها الرقيقة والتى ظهر عليها الضعف والخوف، كاد أن يرق لها، أراد أن يأخذ كل قرار اتخذه ويضرب به عرض الحائط، لتعود الذكريات اليه بقسوة، تطيح بعشقه لها، ذلك العشق الذى يضعفه ويجعله حطام رجل.
ليقف فجأة وقد قست ملامحه يقترب منها قائلا ببرود:
-خلاص ياعشق الحياة بقت بينا مستحيلة، مش قادر أكمل مع واحدة كل اللى بينى وبينها أطلال حب، وذنب حملتهولى ودايما بتفكرنى بيه.

ترقرقت الدموع بعينيها ترغب فى النفى؟تود لو تنكر ذنبها، تدحض كلماته اللائمة لها، ولكن هيهات، فالذنب يقيدها ويخرس كلماتها النافية، لينحنى عليها فجأة قائلا بمرارة:.

-اللى مات ده كان ابنى زى ما هو ابنك، وموته وجعنى أد ما وجعك، ويمكن أكتر. ارادة ربنا انى أعمل الحادثة وهو معايا، ارادة ربنا ان هو اللى يموت وأنا اللى أعيش، لو بإيدى كنت اديتلوا روحى وانا اللى مت بداله؟بس هعمل ايه، ربنا عايز كدة، هعترض على مشيئته؟

طالعته بقلب تمزق ألما بينما إعتدل وهو يزفر فى يأس، يمسك الجسر ما بين حاجبيه وهو يغمض عيناه بألم ثم يفتحهما مجددا قائلا بصوت متهدج النبرات:
-أنا تعبت أبرر، وتعبت أديكى أعذار وتعبت أستحملك.

ليظهر فى عينيه التصميم وهو يستطرد قائلا:
-عشان كدة قررت أريحك منى وأرتاح أنا كمان، هطلقك وأسافر، مين عارف؟ جايز أنسى اللى عشته معاكى.

صرخت فى لوعة وهى تنهض من السرير تتعلق بذراعه بقوة، تتشبث به بإستماتة رافضة كلماته التى تبعده عنها وهى تقول:
-لأ يا عاصى، أبوس ايدك بلاش، أنا بعترف انى غلط وإنى ندمانة على غلطتى بس عشان خاطرى متسيبنيش، انا مقدرش أعيش من غيرك.

نفض ذراعها عنه وهو يقول بألم:
-للأسف فات أوان الندم.

إستقام مستطردا بصوت مذبوح من الألم:
-انتى طالق ياعشق، طالق، طااالق.

نظرت اليه بصدمة عاجزة عن الكلام بينما نظر اليها بلوم وعتاب وعذاب، قبل أن يغادر بخطوات غاضبة حزينة صافقا الباب خلفه. إنهارت (عشق )أرضا فلم تعد قدماها قادرة على حملها، تجرى دموعها على وجهها، تدرك أنها النهاية لقصة حب رائعة أضاعتها بغبائها، عادت بذاكرتها سنوات عديدة إلى الوراء، حيث بدأ كل شيئ ليمر شريط ذكرياتها يزيد من مرارة الحلق ووجع القلب.

فى الربيع تشرق الطبيعة وتتزين بالألوان
فى الربيع تنقشع قسوة الشتاء وتنبلج الشمس فى عنان السماء فتمنح الروح لكل الكائنات، تظللهم ببهجة لا تضاهى.
فى الربيع تتفتح الزهور ويتجدد الأمل ويصبح كل شيئ، بالإمكان.

كان الربيع ل(عشق )هو فصل الحياة، يمنحها ماتحتاجه من إبداع لتجسد كل مظاهره الخلابة على لوحاتها، وكان لها أيضا فصل الحب ففى هذا الفصل تحديدا رأته لأول مرة، نصفها الآخر، حبيبها ورفيق الصبا (عاصى).

هذا الإبن الوحيد لجيرانهم والذى يكبرها بثلاثة أعوام، جمعتها به صداقة قوية منذ اللحظة الأولى، تطورت رويدا رويدا ليظللها مشاعر أخرى مع مرور الأيام.

كانت تراه فقط فى فصل الربيع حين يأتى مع والديه لقضاء الإجازة فى الضيعة، فيبعث فى قلبها بهجة لا يضاهيها شيئ سوى بهجة تفتح زهور حديقتها لأول مرة، تنطلق معه لإستكشاف الكون حولها من جديد فيتلون بكل الألوان الزاهية ويصبح لهذا الكون مذاق خاص تضفيه فقط صحبته هو، (عاصى)، توأم الروح.

لم يتركا شبرا فى ضيعتهما إلا وأدمغاه ببصمتهما، وتركا فيه ذكرى تحيا فى قلبيهما، ليسبغ الحزن طيات تلك القلوب مع إنتهاء فصل الربيع، عندما يحين أوان الرحيل، يفترقان بألم وحزن كل بداية صيف، ليعودا ويلتقيا مع الربيع المقبل لتشرق الشمس فى حياتهما، تبعث الدفء فى قلبيهما من جديد..

لا تنسى( عشق) أبدا هذا اليوم الذى غير مجرى علاقتهما ربما للأبد، كان هذا اليوم فى آخر أيام ربيع عامها الثامن عشر، يومها ودعته بدموع ظللت مقلتيها تتمسك به بقوة، تأبى ان تترك يده وتدعه يرحل ليمد يده الحرة يمسح دمعة هاربة على وجنتها بحنان قبل أن يقول بهمس:
-مش عايز آخر حاجة أشوفها قبل ماأمشى تبقى دموعك ياعشق.

طالعته بعينين حزينتين قائلة:
-غصب عنى ياعاصى، المكان هنا بيبقى وحش أوى من غيرك.

قرصها فى وجنتها قائلا بمرح يحاول أن يزيح به تلك الغصة التى يشعر بها فى صوتها ومتغلغلة فى صدره:
-وانا اللى كنت فاكر إنك مابتصدقى تخلصى منى عشان ترجعى ترسمى من تانى.

قالت بعينين نطقتا بالحب دون إرادة منها:
-أنا ممكن أرسم على فكرة وانت موجود، بس مبحبش أضيع لحظة واحدة وأنا معاك، الرسم ممكن يستنى بس انت، انت مبتستناش ياعاصى.

تأمل عيونها التى زاد صفاؤها مع ضوء الشمس فأصبحت فى لون العسل الصافى قائلا:
-هرجعلك والمرة دى هجيبلك معايا حاجة بتمنى تسعدك.

طالعته بحيرة قائلة:
-حاجة؟حاجة إيه دى!

مد يده فى جيب بنطاله يخرج ورقة مطوية منحها إياها وسط حيرتها وهو يقول:
-متقريش الورقة دى غير بعد ماأمشى، هستنى تليفونك النهاردة بالليل عشان تجاوبينى.

كادت أن تسأله عن أي إجابة يبحث؟ولكنه لم يمنحها الفرصة بل إلتفت يبتعد بسرعة عنها وكأنه يخشى البقاء أكثر، بينما تابعته بناظريها بشوق شعرت به يسرى بعروقها منذ الآن، إختفى طيفه ومعه إختفت معالم الحياة، ستنتظر بألم عودته لينبض كونها بالحياة مجددا، فالليالى طويلة فى الفراق والأيام لا تمر.

رفعت الورقة المطوية تطالعها بقلب ينبض حبا لصاحبها، فتحتها، فوجدت فيها كلمتان زلزلتا كيانها وأرسلتا الرعشة فى أوصالها..

(بحبك، تتجوزينى؟).

إتسعت عيناها بصدمة تحولت إلى سعادة غامرة أطاحت بدقاتها، رفعت عيناها إلى طيفه حيث اختفى منذ قليل، لتقفز فرحا وهي تقبل تلك الورقة مرارا ثم تصرخ قائلة:
-بحباااااااااااك.

ثم إنطلقت إلى منزلها بخطوات حماسية سعيدة، لم تنتظر حتى الليل بل حادثته على الفور، تخبره بموافقتها ومشاعرها ليبادلها كلمات العشق والوعد بالوفاء، وها هو الربيع قد أتى مجددا ومعه سيأتى (عاصى) كما أخبرها ليجلب الحياة إلى كونها، سيجلب لها سعادة وعشق ومحبس يدمغ حبهما برباط أبدي، سيخطبها هذا الربيع من ذويها وماإن ينتهى من دراسته كطبيب حتى يتزوجا ويكللا هذا العشق الذى يسرى بقلبيهما برباط مقدس سيحملهما إلى سماء العشق فيحلقا هناك سويا، إلى الأبد.

رأته من شرفتها يدلف إلى حديقتهما لتشع السعادة فى شرايينها، تتطلع إليه بعشق، لوح لها بإبتسامة فلوحت له بعيون مشعة قبل أن تدلف إلى حجرتها بسرعة تفتح الباب وتنطلق إلى الأسفل لتلاقيه، وجدت والدتها فى طريقها فأمسكت بيديها وطافت معها فى سعادة قائلة:
-ياقلبى ياماما، ياحبيبتى ياماما.

أوقفتها( منال)عن الطوفان، تنظر إلى إبنتها التى تبدو عليها السعادة ظاهرة قائلة بدهشة:
-مالك ياعشق؟إتجننتى ياحبيبتى؟!

قالت (عشق )بسعادة:
-جه ياماما، عاصى جه.

لترفع حاجبيها صعودا وهبوطا وهي تغنى قائلة:
-ماتزوقينى ياماما أوام ياماما، ده عريسى هياخدنى بالسلامة ياماما.

ثم قبلت والدتها فى وجنتها بحب قبل أن تسرع بالهبوط إلى الدور الأرضى تتبعها السيدة (منال) وهي تقول بإبتسامة حانية:
-ربنا يسعدك يابنتى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة