قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا غسق الأوس (ليلة دافئة) للكاتبة منال سالم مكتملة الفصل السابع

نوفيلا غسق الأوس للكاتبة منال سالم مكتملة

نوفيلا غسق الأوس ( ليلة دافئة ) للكاتبة منال سالم الفصل السابع
( الجزء السادس من ذئاب لا تعرف الحب )

أعادت ضبط حجابها الذي ارتخى قليلاً، بعد غسل يديها وتجفيفهما بالمناشف الورقية، لتبدو محتفظة بهيئتها الأنيقة المرتبة. لمحت "تقى" في انعكاس المرآة انضمام سيدتين لها، كان تقف على مسافة بعيدة عنهما، ولم تحاول التطرق لحديثهما الساخر، معتقدة أنهما يعلقان بتهكمٍ على غيرها، ظهر الضيق بشكلٍ كبير على محياها، وقد أدركت أنها المقصودة بجملهما الناقمة.

بذلت الكثير من الجهد لتبدو ثابتة، غير متأثرة بطعنهما في شخصها، حتى لا تتسبب في فضيحة، في هذه الليلة الخاصة؛ لكن طالها الأذى بصورة أكبر، وأكثر وقاحة، عندما تعرضت لها "لميس" هاتفة:
-إيه القرف ده؟ أنا مش عارفة إزاي يسمحوا لأشكال الفلاحين دول يخشوا هنا؟!
ثم دنت منها لتدفعها عن طريقها، وهي تهينها بلسانها:
-حاسبي يا بتاعة إنتي؟

للوهلة الأولى تزعزعت ثقتها بشخصها أمام سطوة تلك المرأة المتعجرفة، فهيئتها توحي بإمكانيات مهددة، وقدرة على سحق الآخرين، رغم أنها لا ترتقي أبدًا لبراعة زوجها، لكن تلك طبيعتها المسالمة، دومًا تطغى عليها، ومع هذا تعاملت معها "تقى" باحترامٍ لا يتفق مع ما يدور، وسألتها بصوتٍ شبه مهتز، علها تنهي هذا الخلاف العجيب دون خسائر:
-أفندم، حضرتك بتكلميني؟

حدجتها "لميس" بنظرات متعالية قبل أن تواصل هجومها المهين، وقد فطنت لكونها من النوع الضعيف، المتخاذل:
-حضرتي بيقولك أه، باين عليكي الـ nanny جديدة هنا، اللبس ده بقى شحتاه من مين؟
ارتفع حاجباها في دهشةٍ من اتهامها، وتطاولها المسيء، بالكاد خرج صوتها ثابتًا من بين شفتيها وهي تدافع عن نفسها:
-إنتي غلطانة.. ولو سمحتي حاسبي من طريقي.

اتخذت رفيقة "لميس" موضعها لتكمل تصوير الشجار النسائي من زاوية أوضح، يظهر فيها وجه "تقى" بالكامل، وهتفت مرددة:
-دي مش بتعرف انجليش يا "ليمو"، كلميها عربي جايز تفهم.
علقت ساخرة منها:
-ولو إني أشك إن أمثالها يعرفوا أصلاً يفهموا...

ثم لكزتها من كتفها قاصدة دفعها للخلف، وأمرتها باستعلاءٍ:
-روحي هاتي مناديل تانية غير دول.
اشتدت ملامحها تقلصًا، وردت بجراءة استغربتها شخصيًا:
-مناديل، على فكرة إنتي مش محترمة، وحتى لو كنت باشتغل عاملة في المكان ده، فميصحش تكلميني كده..

وقبل أن يتطور الوضع للأسوأ كانت إحدى العاملات تلج للحمام لتنظر إلى المرأتين المتحفزتين باسترابة، قبل أن تلمح التي تقف بالجانب، وبيدها هاتف محمول ترفعه للأعلى، وزعت نظراتها بينهن، وتساءلت:
-في حاجة يا هوانم؟
ردت "لميس" بقسوة غلفت نبرتها الآمرة:
-مافيش .. شوفي شغلك.. وملكيش دعوة باللي بيحصل.

اندفعت "تقى" للأمام مُنحية تلك الغريبة عن طريقها، وكافحت -بغصة عالقة كذلك في حلقها- لتكبح تلك الدمعة المتسللة إليها، وخرجت من الحمام بملامح باهتة، وواجمة. توقفت على الدرج للحظات لتستعيد السعادة التي اختفت من عليها، فشلت في استدعائها مع رؤيتها لنظرات "لميس" الاحتقارية، اختفت من أمامها آملة ألا يكتشف زوجها ما مرت به من إحراجٍ جديد؛ وإلا لأقام الدنيا، ولم يقعدها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة