قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا غسق الأوس (ليلة دافئة) للكاتبة منال سالم مكتملة الفصل الأول

نوفيلا غسق الأوس للكاتبة منال سالم مكتملة

نوفيلا غسق الأوس ( ليلة دافئة ) للكاتبة منال سالم الفصل الأول
( الجزء السادس من ذئاب لا تعرف الحب )

بدت ملاكه الحارس فاتنة في ثيابها البيضاء؛ وكأنها تعكس نقاء روحها، وبالرغم من الثراء الفاحش الذي تنعم به في كنفه، إلا أنها تمسكت بتحفظها، فيما يخص نوعية الثياب المحتشمة التي ترتديها. أنيقة، رشيقة، جذابة، خلابة أقل ما يمكن أن يصف به طلتها المبهرة التي دومًا تفتن نظراته، وتجعله عاجزًا عن التطلع لغيرها، وحدها من استحوذت على قلبه قبل عقله.

انخفضت نظراته نحو كنزتها الطويلة تجوب على تصميمها المتسق مع رشاقتها بذوقٍ كبير، لتصل عيناه بعدها نحو سروالها المتسع، والذي اتفق مع حذائها الرياضي، حيث وقع الاختيار عليه ليكون مريحًا لها في رحلتهما القصيرة، والغامضة. عبث الهواء بطرف حجابها الخفيف، فأعادت ضبطه وهي تلتفت ناحيته، خفق قلبه بقوةٍ؛ وكأنه مراهق حديث العهد بطقوس الحب، لتلك الابتسامة الرقيقة التي ازدانت بها شفتاها. دنت منه مستطردة حوارها معه، وبربكةٍ لطيفة في نبرتها:
-"حياة" لسه نايمة، و"ريان" قاعد مع "ليان" مش عايزة تسيبه خالص، وأنا هاطلب "عفاف" كمان شوية أطمن عليهم وآ...

قاطعها "أوس"، متطلعًا إليها بنظراته الهائمة، وذراعه يلتف حول خصرها النحيل:
-حبيبتي.. مش عايزك تقلقي.. كلهم عارفين هيعملوا إيه..
رمقته بنظرة استغرابٍ من عينيها الزرقاوين، فأكمل موضحًا لها بهدوئه المعتاد:
-ده غير إننا نقدر نشوف اللي بيحصل جوا الفيلا من كاميرا الموبايل، أنا عامل حسابي.

أشعرها حرصه على أدق التفاصيل بالقليل من الارتياح، ومع هذا عاد القلق ليستبد بها، فسألته وهي ترمش بعينيها:
-يعني كان ضروري أسافر معاك؟ ممكن تروح لوحدك، وأنا مش هزعل.
وضع يده الأخرى أسفل ذقنها، داعب بشرتها بإبهامه، وقال لها بلهجته الصارمة، مع نظرة قوية –شبه محذرة- من حدقتيه:
-"تقى"! مش عايز نقاش، لازم تبقي موجودة معايا.

اقتضبت مرددة بإيماءة خفيفة من رأسها، وهي تحاول الابتسام له:
-طيب.
وبلباقةٍ تحسدها عليها الكثيرات، تقدم "أوس" خطوة للأمام، دون أن يحرر خصرها، ليفتح لها باب سيارة الدفع الرباعي، يدعوها للجلوس بها وهو يقول:
-اركبي هنا.

امتثلت لأمره المباشر، وجلست حيث أرشدها، ثم انحنى عليها ليساعدها على وضع حزام الأمان، كان قريبًا من شفتيها، ورمقها بنظرة نهمة تعكس رغبته المتقدة بحبها، توردت بشرتها حرجًا من تقاربه الجريء أمام الخدم؛ لكنه لم يكترث مطلقًا. استقام "أوس" في وقفته، وأغلق الباب لها..،

ثم دار حول مقدمة سيارته ليتخذ مكانه خلف عجل المقود، وبتمهل قادها نحو الخارج، ليزيد بعدها السرعة تدريجيًا. أمعنت "تقى" النظر في المرآة الجانبية لها، استغربت من عدم تتبع سيارة أفراد الأمن المكلفين بحراسة رب عملهم، كانا تقريبًا بمفردها، كأشخاص عاديين، التفتت نحوه لتسأله بغرابةٍ معكوسة على ملامحها:
-هي الحراسة مش جاية معانا؟

منحها نظرة سريعة من عينيه قبل أن يشتت نظراته عنها ليحدق في الطريق مجددًا، وأجاب بغموضٍ زاد من اندهاشها:
-لأ.
على الفور سألته:
-ليه؟
بدا مسترخيًا في قيادته وهو يجيبها:
-أنا عايز كده.
لم تفهم ما الذي يدور في رأسه لإبعاد الحراسة عنهما، في الوقت الذي كثف من تواجدهم في أرجاء فيلته؛ وكأن الحرب على وشك الاندلاع هناك. تنهدت تسأله من جديد، في حيرة واضحة عليها:
-طب احنا رايحين فين؟

ابتسم قليلاً وهو يخبرها:
-هتعرفي..
سألته بحاجبين معقودين بشكلٍ لافت:
-هي مفاجأة؟
ابتسم قليلاً في تسلية مستمتعة بحيرتها قبل أن يعقب بإيجازٍ غامض:
-يعني.
استفزها مراوغته فنادته بصرامةٍ تناقض رقتها:
-"أوس"!

تدلت على شفتيه بسمة عذبة تذيب الفؤاد، ثم التفت نحوها، زرمقها بنظرات دافئة متقدة دومًا برغبته فيها، ليردد بعدها بما يشبه الغزل:
-عيون "أوس".
أربكتها طريقة نطقته المفعمة بالحرارة، وجاهدت لتحافظ على ملامحها جادة حين ردت متسائلة:
-أنا حاسة إن في حاجة فيك متغيرة، قولي في إيه؟ في حاجة حصلت وإنت مش عايزني أعرف؟

حرك "أوس" ذراعه ليمسك بيدها، وخلل أصابعه بين أناملها، منحها نظرة أخرى عميقة، تنطق عما يجيش بين جنبات صدره من رغبات متقدة، ثم استطرد قائلاً:
-"تقى"، حبيبتي .. اهدي كده، لسه السكة قصادنا طويلة.
بدا على وجهها الناعم قلقٍ أكبر من تجاهله لما قالته، وألحت بتذمرٍ:
-ما هو أنا مش مرتاحة من اللي بيحصل ده.
لفظ الهواء ببطءٍ من صدره ليقول لها بنفس أسلوبه الغامض:
-شوية وهتعرفي.. مش إنتي بتثقي فيا.
ردت دون أن تستغرق أي لحظة في التفكير:
-أيوه..

ثم صمتت هنينهة لتضيف بعدها باعتراضٍ حذر:
-بس أصل آ....
تحررت يده من كفها ليضع إصبعه على شفتيها، ألزمها الصمت باختيارها، وقال وهو يداعبهما برقةٍ:
-متفكريش في حاجة وأنا معاكي، اتفقنا؟
كان رجاءً عنه أمرًا، فاضطرت أن تكبت فضولها مؤقتًا، علها تحصل في النهاية على الأجوبة المشبعة لفضولها المتنامي بداخلها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة