قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي

نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي

نوفيلا عبث باسم الحب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي

في اللحظات الأخيرة التي تسبق خروج مروان، والتي كانت الثانية فيها فتيل يُلف حول غادة وأحمد ببطء شديد استعدادًا لحرقهما حيان..!
صاحت غادة بأعصاب منفلتة بكل الغضب والخوف الذي تأجج داخلها:
-أنت كده مبسوط خدت حقك.

استدار مروان نحوها، ولم يقاوم تلك الرغبة العنيفة ليصفعها مرات عديدة بعنف أسقطها أرضًا، ولكن تلك الصفعات لم تشفِ غليله، وكأنه في أوج الجحيم أينما إلتفت يلاحقه ذاك الاحتراق المُهلك ويفشل في الخروج منه..!

ثم صدح صوت طرقات رهف على بابها من جديد بعنف تخبره أنها لن تيأس، زفر بصوت مسموع وهو يلقي عليهم نظرة أخيرة؛ راضيًا عن الرعب الذي كان يتراقص في ملقتيهم في احتفال اسود يُنبئ بالقادم أرضى رجولته المُهدرة نوعًا ما..
توجه نحو شقته وفتح الباب لرهف ثم دلف، لتمسك هي به مسرعة تسأله بنبرة هلوعة:
-عملت إيه؟ عملت إيه فيهم؟
فتنهد قبل أن يجيبها بصوت قاتم غير راضٍ عما ينطقه:
-ماعملتلهمش حاجة.
-امال إيه؟

سألته مستفسرة بعدم فهم، فأجابها بنفس النبرة:
-أبوها هو اللي هيعمل.
تخطاها ودخل ليرمي بثقل جسده على الأريكة، مغمضًا عينيه متمنيًا لو تُطرد أشباح صورتهم من ذهنه، لو أنه كان في كابوس شديد السواد وبمجرد أن يفتح عينيه سيهب متحررًا من بين خيوط ذاك الكابوس الثقيلة الموجعة..

بينما رهف كانت تلقي نظرة نحو الباب، وعقلها مغلقًا كفيه على صورة أحمد وهو مُهان مشبع بالضربات يفعل كما يُقال له، وربما يكون بعد قليل في عداد الموتى!
وكأن تلك الصورة تخفف من وطأة ألم الجرح المدفون الذي فتحه فيها أحمد قديمًا، والذي كان ينزح بالصدئ.

ورغمًا عنها بدأ عقلها يستحضر تفاصيل ذلك الجرح...

تحديدًا يوم عقد قرانها على عريس جاءها ووافق أهلها عليه وغضوا البصر عن رفضها والذي كان بسبب حبها الأعمى لأحمد بالطبع، فقطعت هي حينها علاقتها بأحمد مضطرة خانعة، ولكنه لم يفعل مثلها، بل لم تتوقع في حياتها ما فعله..!

حين كانوا جميعهم جالسين قبل عقد القران، صدح صوت أحمد عاليًا عبر أحد الميكروفونات ينادي بأسم والدها، فهرع والدها ووالدتها ليروا مَن هذا، وما إن خرج والدها من الشرفة حتى رأوا أحمد الذي كان واقف على سيارة والميكروفون بيده و بدأ يقول:
-اسمعوووا يا جدعان، رهف بنت الحاج عماد كانت ماشيه معايا بقالها ٣ سنين.

ثم بدأ ينظر حوله يمينًا ويسارًا وكأنه يتأكد من أن الناس في شرفاتهم يشاهدون الفضيحة التي تحدث، وتابع ساخرًا:
-٣ سنين مكالمات وخروج وفسح وعشق ومعشقة، وفي الاخر سابتني عشان جالها عريس.
تجمد عماد مكانه، متنفسًا بصوت مسموع، وعقله بدا كأنه في منطقة محظورة من الاستيعاب، فيما استغل أحمد صدمته المتوقعة وراح يكمل متشفيًا:.

-تسيبني أنا عشان عريس جالها بعد ما قعدت معايا ٣ سنين ولا في الاحلام وكأننا مخطوبين واكتر.
ومن ثم عَلى صوت صاحبه الذي لم يكن بكامل وعيه تقريبًا فتشدق بصوت غير متزن يؤيد أحمد:
-هما كدا يا صاحبي خاينين لما يزهقوا من اللعبة اللي في ايديهم يرموها بحجة العريس المغفل اللي جاي وميعرفش أي حاجة.
فأشاح أحمد بيداه وهو يردف في نبرة مقيتة:.

-مهو أنا جاي بقا عشان أعرفه وأعرفهم كلهم، إنها مش ملاك زي ما بتوهم الناس، دي خبيثة، وكانت عايزه تعلم على أحمد بس لا، مش أحمد اللي يسيب حقه.
حينها انتفض عماد يزمجر فيه في انفعال مفرط وكأنه استفاق من الغيبوبة المؤقتة التي ابتلعته لدقيقتان:
-اخرس يا كلب، أنت كداب.
أخرج أحمد هاتفه من جيبه بسرعة، وفتح على بعض الرسائل بينه وبين رهف، ثم قال:
-مش بنتك رقمها اوله ٢٣ واخره ٤٠؟ وآدي الرسايل بينا اهي.

وتحولت نبرته لدرامية بحتة تحمل تهكمًا صريحًا مرير وهو يستطرد مقلدًا صوت رهف وبدأ يقرأ رسائل عشوائية بينهما:
-بحبك يا أحمد والله وعمري ما هبعد عنك.
ثم ضحك بصوت مسموع قاصدًا دون مرح، واستأنف:
-امال انتي دلوقتي عملتي إيه؟ واخده اجازة مني؟

غمامة سوداء حلت على عيني عماد الذي أمسك بقلبه يتأوه بصوت خفيض خاصةً وهو يسمع بعض الهمهمات من العريس وأهله في الخلف، وكل حرف كان يخرج من أحمد كان يطعن فيه بسكين بارد بلا رحمة.

وحين لمح أحمد عماد وقد تحرك من الشرفة وبالطبع توقع أنه سينزل له، تحرك مسرعًا لينزل من أعلى السيارة وركبها هو وصديقه ثم بدأ ينطلق متحركًا بالسيارة وهو يصيح في زهو والانتصار الوهمي يتشعب بين ثناياه:
-الف مبروك يا عرووووسة.

كانت رهف في الأعلى في حالة يرثى لها، حالة متفاقمة ما بين الصدمة والألم الرهيب، ألم لأول مرة تختبره؛ كل خلية فيها تأن بوجع الغدر، ومرارة الفضيحة وعلقم الاستغفال، لم تكن علاقتها بأحمد سوى وهم، سراب مشت هي خلفه مصدقة مشاعر المراهقة اللعينة ونست كل شيء سواها، نست ثقة والديها، ونست أنها تضع ثقتها بغريب، وتعجلت بالبحث عن الحب ووضعته في موضع شريك العمر متناسية أنه قدر ونصيب وتوقيت محدد من الله.

وبعدها في ظل مغادرة العريس وأهله ونظراتهم التي كانت بمثابة خناجر مسمومة ترشق بمنتصف قلوبهم، صعد عماد خائر القوى مُستهلك نفسيًا لأبعد حد، ركض نحو رهف يصفعها بعشوائية دون توقف جاذبًا اياها من خصلاتها بعنف شديد يلقيها أرضًا أسفل أقدامه بينما والدتها تلطم خديها في فزع شديد من كل ما يحدث، ورهف مغمضة العينين مستسلمة تبكي بصوت مكتوم فقط.

عادت رهف من تلك الذكرى المقيتة تمسح دمعة ساخنة فرت متحررة من بين أهدابها، وقد عادت تلك المرارة بحلقها وكأنها تعيش ذلك اليوم من جديد..
ذلك اليوم الذي كان من صنع يديها، يوم لم تتوقع قط أن تعيشه وأن تجعل والدها يعيشه، كان عقاب مُهلك لا قدرة لها على احتماله، وكان حفرة سقطت فيها مُزهقة الأنفاس..!

اقتربت من مروان وتلقائيًا وجدت نفسها تدفن نفسها بين أحضانه، أحضانه التي صارت الملاذ الوحيد من وحشة الأيام وقساوتها، والبلسم الذي هدئ من إلتهاب جراحها.

بعد مرور حوالي شهر...
شهر كانت رهف تلتزم فيه بالخصام الزائف مع مروان، لتشعره بتأنيب الضمير لكتمانه السبب الوهمي الذي تظن أنه تزوجها من أجله، ولكنها في الحقيقة لم تكن تشعر بالغدر منه، والأسباب الواقعية تحط بينها وبين الحزن الذي من المفترض أن تشعر به فتذيب إياه ببطء...
وهو الآخر طيلة الشهر كان في قوقعة من العزلة يحاول فيها معالجة تلك الشروخ التي أحدثتها فيه الأيام.

إنتبهت لمروان الذي دلف للمطبخ مقتربًا منها وصدح صوته مشاكسًا:
-قمر عليا الطلاق قمر يا جماعه وهلفه ساندوتش وأكله دلوقتي.
رمقته رهف بنظرة ملولة في ظاهرها سعيدة في باطنها من خروجه من حالة الثقل والجمود التي كانت تستعريه:
-ايه العسل دا!
-عسل وطحينه هاهاها.
قلبت رهف عينيها ورمته بنظرة مصطنعة الحنق من اعلاه لأسفله، فتنحنح مروان ثم قال بجدية زائفة:.

-احم، انا كنت عايز أقولك حاجة مهمة جدًا يا رهف كنت مخبيها عنك بس خلاص مش قادر أخبي أكتر.
إتسعت حدقتيها في اداء درامي بحت واستدارت نحوه مسرعة تسأله في شك:
-اتجوزت عليا؟! انا كنت حاسه اصلا انتوا ملكوش أم...
فقاطعها مروان مرددًا في مرح وتلقائية:
-اتجوزت عليكي ايه بس وحدي الله ف قلبك هو اللي يتجوزك هيبص لصنف الستات تاني اصلًا.
-إيه؟

رددتها مستنكرة غاضبة، فابتسم ابتسامة تنضح بالحنو ليُخفي أسفلها فداحة ما نطق به وأكمل:
-قصدي يعني يا حبيبتي من الحب، مش هيبص لواحدة تاني عشان مفيش منك تاني اساسًا.
اومأت رهف مؤكدة في زهو وسألته:
-اه بحسب، امال ايه اللي مخبيه بقا؟
أطرق برأسه أرضًا وتشعب الأسف محتلًا قسمات وجهه وهو يهتف بصوت خافت:
-أنا عليا جنية عاشقة.
تصنمت رهف مكانها وسرعان ما رفعت حاجبها الأيسر وهي تتابع مستنكرة متهكمة:.

-جنية إيه؟ عاشقة! مروان يا حبيبي أنت محدش طايقك من الانس عشان يعشقك من الجن!
-فيه كلام اشيك من كدا وبيدي نفس المعنى.
زفرت رهف بصوت مسموع، ثم رسمت ابتسامة زائفة خالية من المرح وهي تقول:
-يا الله يا ولي الصابرين، كمل يا مروان، ها وإيه كمان؟
هز مروان رأسه في اسف وبجدية أكمل:
-يظنوني الجميع أنني أنهار ولكني في الحقيقة بحيرات.
-اممم طبع، نعم؟

-انتي قفوشه اوي على فكره يا رهف، أنا بضحك معاكي عشان تفرفشي لاحسن الجنيه العاشقة اللي وراكي دي موتها وسمها الناس القفوشه، اه اسأليني انا دا احنا عِشرة!

للحظة وبتلقائية ألقت رهف نظرة خاطفة خلفها وعادت لتنظر له وهي تستطرد في غيظ:
-ورايا إيه اللهم احفظنا وبعدين إيه اللي موتها وسمها الناس القفوشه!
هز مروان رأسه وراح يردف في جدية تامة مُضحكة وهو يخبرها:
-امال انتي فاكره إيه، احنا نسيبها تنتقم من الناس البومه القفوشه واحد واحد والبقاء للفرفوش!
زفرت رهف وهي تحذره بصوت أجش:
-بلاش هزار في الحاجات دي يا مروان الله يرضى عنك.

أشار مروان لنفسه رافعًا حاجباه معًا متمسكًا بدور الجدية الزائف:
-هزار! انا برضو ههزر في الحاجات اللي زي دي يا رهف، انتي شيفاني تافه للدرجة؟! قال وانا اللي جاي احذرك احسن تصحي تلاقيكي اتسخطتي قردة.
عقدت رهف ما بين حاجبيها بعدم فهم وسألته:
-تحذرني من إيه يعني مش فاهمة!
اقترب منها جوار اذنها ثم همس وكأنه يخبرها بأخطر سر في العالم:
-اصلها اللي بيضايقني او يزعلني وينرفزني ب، آآ...
زجرته في حنق:.

-ب إيه ما تنطق؟
ضم شفتاه معًا وهو يهز رأسه في قلة حيلة:
-أنطق أقول إيه، أصل الخبث والخبائث مبيحبوش حد يطلع اسرار المهنة برا، وعمومًا أنا ماشي وهاسيبك تشوفي بنفسك انا بهزر ولا لا.
وبالفعل تحرك يوهمها أنه سيغادر بالفعل، فدارت عينا رهف حولها نحو الغرف المُظلمة، ثم صرخت منادية بتلقائية وهي تسرع نحوه:
-مروان استنى.
كتم مروان ضحكته بصعوبة وحاول الحفاظ على جدية ملامحه وهو يسألها:
-ايه خوفتي يعني؟

هزت رأسها نافية بسرعة، ثم تنحنحت تتشدق في استنكار:
-انا؟ لا طبعًا، بس انت رايح فين؟ وبعدين انت عارف اني مش بحب سيرة الحاجات دي ابدًا.

أغلق مروان الباب ثم استدار نحوها ليقترب منها ببطء وهي تعود بتلقائية للخلف حتى إلتصقت بالجدار من خلفها وهو امامها يُحيطها بذراعيه ويقترب منها أكثر حتى أصبح ملتصق بها تقريبًا فابتلعت هي ريقها بتوتر وهي ترمقه بحذر متساءلة ونبضات قلبها ترتفع أكثر فأكثر:
-أنت بتقرب كدا لية؟
لم يجيبها وإنما كانت عيناه تخبرها عن شرارة الشوق التي إندلعت بين ضلوعه، وكل خلاياه التي تأن توقًا ولهفة لوصالها.

فانحنى بوجهه نحو وجهها ببطء حتى كادت شفتاه تلتقي بشفتيها في لهفة وشغف أنهكه، ولكنها سارعت لتبتعد بتمنع مصطنع وتوتر، ولكنه لم يعطها الفرصة بل ثبتها بذارعيه وهو يهمس بسرعة محذرًا بخشونة:
-اثبتي مكانك لاتولعي.

ولم يعطها الفرصة للابتعاد او الاعتراض بل كتم اعتراضها بشفتيه الاكثر من متلهفة، يلثم شفتاها بتأنٍ مغمضًا عينيه متلذذًا بحلاوة ذلك الشعور اللاهب الذي صار كفقاعة وردية متأججة العاطفة من حولهما، ولم تكن تملك هي اصطناع التمنع فاستسلمت لطوفان عاطفته التي ابتلعتها غير سامحة لها حتى بالتقاط أنفاسها.

وابتعد اخيرًا حين شعر بكتمان أنفاسها، و من ثم راح يهمس بعبث لمع بعينيه:
-دي مش لأجلي لأ دي لأجل الجنية اللي واقفة بتتفرج علينا دي وهتموت وتحرقك.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة