قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

نوفيلا طفلة في قلب الفرعون للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

بدأت اهدابها تهتز ببطء في محاولة لأفتراق جفنيها، الرؤية تعاكس اتجاهها فترفض الثبات في عينيها، والألم لا يطاق برأسها كالناقور يصر على هلاكها!..
واخيرًا استطاعت فتح جفنيها، وما إن اتضحت الرؤية امامها حتى هبت منتصبة تجلس وهي تتحسس جسدها بتلقائية لتجد أنها بملابسها الداخلية فقط...!
الشهقة حفرت روحها، ذبحت هدوءها وسلبت قمم ثبات مهتزة ومشروخة داخلها من الاساس..!

دقيقة وكان يزيد يقف عند الباب عاري الصدر، نظراته الباردة تمشطها من أعلاها وأسفلها وهو يهتف بنبرة ساخرة أذت شيء داخلها:
-صباحية مباركة يا، يا عروسة!
حينها لم تشعر بنفسها سوى وهي تنهض من الفراش ترمي تلك الأغطية بعشوائية وتركض نحو يزيد صارخة بكل معنى للجنون عرفته:
-أنت عملت إيه يا حيوان، يا حقير منك لله! ربنا ياخدك وارتاح منك.

بدأت تضرب صدره العاري بذراعيها بعنف وصراخها مستمر، لينقطع ذلك الصراخ فجأة عندما شهقت مستسلمة لاختناق البكاء الذي كاد يقتلها لو لم تطلق سراحه...!
لاول مرة تبكي امامه، تبكي ضعفها، تبكي ضياع الشيء الوحيد الذي يميزها ك أنثى، تبكي شخصيتها التي كانت تعتقدها كالجبال لا تهتز ولكن فجأة اكتشفت أنها كورق شجر يتساقط مع اول عاصفة من الرياح...

بينما هو كان متصنم ببرود كالجماد تمامًا، إلى أن هبط لمستواها بهدوء يرفع وجهها بإصبعه ببطء تزامنًا مع همسه بصوت أجش:
-بتعيطي لية دلوقتي!؟ مش إنتِ اللي وصلتي نفسك لكده بلسانك الطويل؟ مش إنتِ اللي كنتي عايزه اثبات اني عايز الطفل مش حاجة تاني...
هزت رأسها نافية بطريقة هيستيرية وهي تخبره صارخة:.

-لأ، مكنتش عايزه الاثبات ده، اخر اثبات كنت اتمناه هو انك تلمسني، حرام عليك، أنت لية بتعمل فيا كده! أنا اذيتك في ايه، ملعون ابوه بيزنس اللي يخليكم بتقطعوا في بعض كده عشانه!
برغم تلك الهزة العميقة التي اجتاحت كيانه لكلماته التي غرزت به، إلا أن شفتاه التوت بتهكم واضح لجملتها الاخيرة:
-بيزنس؟! بيزنس إيه وهبل إيه! مش بقولك طفلة مش فاهمة حاجة، دي مافيا، مافيا في اكتر من دولة برا مصر وليهم مندوبين في مصر!

إتسعت عيناها تلقائيًا، منذ أن قابلته وصفعات الحقائق تتوالى عليها صفعة بعد صفعة حتى فقدت القدرة على الشعور بتلك الحقائق...
رفعت عيناها التي استكانت فجأة له لتسأله:
-يعني إيه؟!
رفع حاجباه معًا ثم قال مستنكرًا:
-مش فاهمة ولا بتستعبطي؟! عايزه تقنعيني انك متعرفيش ان ابوكي بيشتغل مع المافيا!؟
هزت رأسها نافية دون تردد:.

-ابويا بيعمل حاجات غلط كتير اه، وانا كنت بساعده يلعب مع ده او ياخد ورق من ده او يهدد ده، بس كله عشان البيزنس، انما مافيا! مافيا ايه لا طبعًا احنا مش بنشتغل مع المافيا
كادت ضحكة ساخرة ترتسم على شفتاه دون أذن منه، ولكنه عاد لتجهمه المخيف وصلابة وجهه التي مُحيت منها أي مشاعر...!
وبحركة مباغتة كان يقبض على ذراعها بقسوة ثم لواه خلف ظهرها فشهقت هي متأوهه بألم لتسمعه يهمس جوار اذنها بشراسة:.

-بلاش تحاولي تصيعي عليا! أنتِ لو مكنتيش تعرفي مكنتيش فرقتي مع مسعد الشامي، لكن هو خايف على نفسه من المعلومات اللي معاكي
أفلتت ذراعها من بين يده بصعوبة، تحاول التمسك بهدوء لم تعد تمتلكه منذ أن احتل حياتها ذلك الفرعون...
وخرج صوتها هادئًا حادًا نوعًا ما برغم تلك الشرارة التي أطاحت بحروفها:
-انا اه اعرف معلومات تأذيه جدًا، انما معرفش حاجة عن المافيا اقسم بالله!

تنهد بصوت مسموع قبل أن ينهض متأففًا يكاد يستدير ليغادر...
داخله مشروخ بعنف بين جزئين، احدهما يصدقها والاخر يستنكر حديثها وبشدة..!
وما أصعب ذلك الشرخ عندما يقضي على الحلول الوسطى...!
كاد يخرج من المنزل ولكنها وقفت امامه بسرعة ودون تفكير، لتصبح على بعد سنتيمترات قليلة جدًا منه، تهز رأسها نافية وهي تحدق بعيناه التي لطالما غطت اي وميض للحياة بها...!
ثم نطقت بحدة محملة بالحقد:.

-لأ، انت مش هتسبني محبوسة هنا تاني وتخرج أنت عادي كده!
كان هادئ تمامًا حتى أنهت اخر جملة لها فاقترب هو منها هذه المرة ليصبح ملتصقًا بها، يداه تلتف حول خصرها ببطء لترسل له رعشة عنيفة ازدادت حدة كلما حدث تواصل جسدي بينهما...
ثم اقترب بوجهه منها ببطء متجاهلًا نفورها، ليهمس وشفتاه تتلمس اذنها عن عمد بصوت رجولي خشن:
-لو عايزاني أقعد ونعيد امجاد الليلة اللي فاتت أنا معنديش أي مانع.

-ده في احلامك، المرة الجايه قبل ما تلمسني هكون قاتلة نفسي!
صرخت بجملتها بجنون وقد دفعته بعيدًا عنها بعنف حتى ترنح نوعًا ما من المفاجأة، ليرفع نظره تلقائيًا لعيناها التي اشتعلت بفتيل من نوع آخر، فتيل الكره، كره واضح يلون خلفية كافة جوارحها...!
هز رأسه نافيًا وهو يستدير مرة اخرى ليغادر مسرعًا دون أن ينطق بحرف، وكالعادة أغلق الباب عليها وهو يلعن كل شيء...!

بعد مرور يومان...
مصر
في احدى الملاهي الليلية...
كان ياسر جالسًا امام البار، كأس الخمر بيده وعيناه فقدت تركيزها مع الدنيا حاليًا...!
خلال اليومان الماضيان لم يكف عن محاولة إيجاد دنيا وذلك الفرعون اللعين، ويتناوب هو ورجاله دائمًا على ذلك القصر، ولكن يبدو أن الحياة قررت سلبه اخر خيط يربطه بها..!

وفجأة كان يرمي ذلك الكأس من يده بعنف ليسقط متهشمًا وراح يصيح بحروف متقطعة:
-لية! لية كده، لية أي حاجة بحبها بتروح مني؟!
دقيقة وكان احد رجاله يقترب منه بسرعة يحيط بذراعه وهو يردد له بنبرة لم تخلو من ترانيم مشفقة:
-اهدى يا ياسر، اهدى
ولكنه دفعه بعيدًا عنه بجنون مزمجرًا فيه:
-متقوليش اهدى، رد عليا، أنا لية بيحصل معايا كده؟ مش لو كانت حبتني زي ما حبيتها كنا اتجوزنا وبعدنا عن ابوها وشره..!

هز الاخر رأسه مؤيدًا بسرعة:
-ايوه ايوه بس اهدى الناس هتتفرج علينا
لم يعطي ما يقوله اهتمام، فأخذ يحك رأسه بعشوائية وهو يسأله عن ذراعه الأيمن وصديقه أيمن دون أن ينظر له:
-فين أيمن؟ انا عايز ايمن ناديهولي هو اللي هايفهمني..
فأجاب بهدوء يخبره:
-كان بيشرب سيجاره برا
اومأ ياسر برأسه بعشوائية، يشعر أن جبل ثقيل، ثقيل جدًا يجثو على دقاته، يعيق حركتهم!
بدأ يهز رأسه وهو يتمتم وكأنه على وشك البكاء كطفل فقد والدته:.

-كنت بحبها اكتر من ابوها حتى، بس هي دايمًا شايفاني زبالة! كنت بحميها منه ومن شره وبدافع عنها في اي حاجة
حينها لوى الاخر شفتاه ثم تابع مستنكرًا:
-انت عمال تقول شره شره، ده ابوها على فكرة يا ياسر يعني بيخاف عليها وبيحبها زيك و...
قاطع حديثه صراخ ياسر المنفعل وكأنه لم يعد يدرك ما يتسرب من بين شفتاه:
-لا، مش ابوها، دي بنت مراته ومش بيخاف عليها...!
-بنت مراته ازاي يعني؟!

إنفلت السؤال منه تلقائيًا، ليضحك ياسر عاليًا بهيسترية وهو يستطرد:
-بنت مراته اللي قتلها بأهماله مرة ولما ضربها لحد ما فرفرت مرة تانية
إتسعت حدقتا الرجل بذهول، ليست ابنته!
كيف، متى اكتشف ياسر، وكيف قتل زوجته ولا يشعر بالذنب تجاه ابنتها حتى..!
صراع طويل من الاسئلة يدور في رأسه، ولكنه أنهى ذلك عندما نهض بهدوء يسحب ياسر معه قائلًا بمهاودة:
-تعالى بس يا ياسر نمشي، ونبقى نشوف الموضوع ده بعدين...

وبالفعل سحبه معه بهدوء للسيارة نحو الخارج، حتى وصلوا لها حينها اقترب منهم أيمن بسرعة يسأل الرجل الاخر:
-ماله ياسر؟
رد بغموض:
-مالهوش، كتر شرب شوية بس روحه أنت وخليك معاه
اومأ ايمن مؤكدًا بهدوء وبالفعل امسك ب ياسر جيدًا ليدخله السيارة ويغادرا...

لبنان
في نادي رياضي...
أخذ يزيد نفسًا عميقًا ثم تقدم من فتاة ما تعمل ك سكرتيرة لرجل المافيا الذي يخبئ الميكروفيلم الذي من الممكن أن يقضي على كل شبكة المافيا، وكان يزيد على علم أن الميكروفيلم مع هذا الرجل لذلك اخبر بعض اعداء هذه المافيا أن الميكروفيلم معه هو، ليستطع سلب بعض المعلومات منهم ويساومهم على شيء ليس معه من الاساس، وهكذا يتلاعب بالطرفان...!

كانت تجلس في احدى الجوانب تتناول كوب العصير بشرود في اللاشيء، ليقطع يزيد خلوتها عندما تقدم منها يهتف بصوت رجولي هادئ:
-ممكن أقعد؟
رمت نظرة متفحصة له بطرف عيناها، بدايةً من بشرته الخمرية وملامح وجهه الرجولية الجذابة، حتى ثبات عينيه السوداء التي بدت كعينا صقر يجيد التصويب نحو هدفه...!
ثم نطقت بعد فترة تقطع ذلك الصمت المخيم على الأرجاء:
-اتفضل، مين حضرتك؟

حدق بعيناها مباشرةً، يذوب بلون البحر بهما وهو يردف بمكر رجولي:
-مُعجب بالقمر!
أحمرت وجنتاها ببطء وهي تبتسم له شيءً فشيء بعدما تخلصت من تقلص ملامحها بقلق، لتهمس بخجل مبتهج وهي تمد يدها لتصافحه:
-ميرسي كتير، أنا لين
إتسعت ابتسامته وهو يلتقط يدها ليُقبلها ببطء مثير هامسًا ببحة خاصة:
-جاسر الغمراوي..
سألته مفكرة والابتسامة لم تغادر شفتاها:
-بس من وين بتعرفني سيد جاسر؟

-انا مصري مُقيم هنا، وكنت بشوف صاحبي في الشركة بتاعت سراج بيه اللي إنتِ شغالة فيها وشوفتك ولفتي نظري جدًا، ودلوقتي شوفتك صدفة وكانت احلى صدفة في حياتي..!
أنزلت نظرها عنه وتابعت بحياء:
-ميرسي، هاد من زوقك
ظل يزيد يتحدث معها بأشياء عدة، يتلاعب بأنوثتها بمهارة، يسرق ابتسامات ذات مغزى ونظرات صُوبت نحو نقاط ضعفها كأنثى...
إلى أن تحرك بكرسيه يقترب منها متساءلاً وكأنه يفكر:.

-الا بالحق يا أنسه لين، عندي سؤال اتمنى ماتفهميش فضولي غلط، هو سراج بيه مختفي يعني بقاله فترة وحتى عنوانه محدش يعرفه لية؟! اقصد يعني لية بيخفي نفسه بالطريقة دي، مستغربه جدًا صراحة خصوصًا أنه رجل اعمال قد الدنيا
هزت لين رأسها ثم اقترب لتخبره بجدية:.

-مابعرف شو صاير بالتحديد، بس مستر سراج صارله فترة ما بيجي عالشركة وبيبعت الرجال تبعو ليمشي الشغل، وما بيعرف عنوانه الا الناس اللي بيوثق فيهم خاصةً أنو غير بيتو من فترة صغيرة...
شرد يزيد في كلامها، يبدو أنه يحاول تأمين ذلك الميكروفيلم بشتى الطرق...!
وهكذا استمر يزيد، يتلاعب ويتلاعب بها ليسلب منها ما أراد من المعلومات عن سراج...!

دلف يزيد من باب المنزل بهدوء، لمحته دنيا التي كانت تجلس على الأرضية بشرود، بضياع، تحاول استعادة شيء ذاب بين بواطن الماضي وانتهى...!
وما إن لمحته حتى كادت تنهض راكضة له بجنون ولكنه كان قد خلع قميصه بحركة سريعة ليرميه على الأريكة ويدلف للمرحاض مغلقًا الباب خلفه قبل أن تصل له...
سيجن جنونها من بروده الذي كالجيد يثلج قلبه اكثر فأكثر!..

لا لا، هي جُنت بالفعل، تشعر أنها لو استطاعت لقتلته بدم بارد ممزقة احشاؤه...
ظلت تدور امام المرحاض ذهابًا وايابًا بجنون تهمس لنفسها:
-قسمًا بربي لاعرفك إن الله حق، أنا يتعمل فيا كده! انا؟ ومن واحد حيوان، والله لاوريك يا يزيد الكلب
وفجأة لمحت قميصه فركضت نحوه تمسكه بغل لتلقيه ارضًا وهي تصيح بهيستيرية:
-حيواااااااان وربي حيوااان.

سقطت ورقة صغيرة من جيب القميص فعقدت ما بين حاجباها وهي تهبط كردة فعل تلقائية لتلتقط تلك الورقة بأصابع مهتزة، فتحتها بسرعة ليتسعا بؤبؤي عيناها رويدًا رويدًا وهي تقرأ المكتوب على كارت تلك السيدة من الخلف
وانا كمان معجبة فيك كتير، فيني اعزمك على سهرة لطيفة عندي بالبيت بكره المسا؟ هاد عنواني ورقم تليفوني، رح استنى انك تتواصل معي، لين!

غليااااان، غلياااان كان يحرق أوردتها حرفيًا، شعرت كما لو أن تلك الحروف كمياه نار وسُكبت بين ثناياها ببطء...!
يدمرها ويسلبها كل شيء، ثم يذهب ليقضي وقت ممتع مع النساء!
الضيق يزداد ووتيرة انفاسها في حالة اضطراب تام، ربما شعرت بالغيرة، ولكنها وأدت ذلك الشعور حتى قبل أن يستحوذ على خلية واحدة بها وهي تخبر عقلها أن سبب ذاك الجنون هو ما فعله بها فقط...!
بدأت تضرب على باب المرحاض بعنف صارخة:.

-أنت يا كابتن، لو عندك دم اخرج كلمني، أنت دمرت حياتي وسايبني في الخرابه دي عشان تتسرمح مع ستات * وتستمتع بوقتك!
لم تجد رد فازداد لهب جنونها اشتعالاً، وقفت امام الباب مباشرةً متأهبة للهجوم عليه ما إن يفتح الباب، ولكن حدث ما لم تتوقعه، حيث فتح يزيد الباب فجأة وهو عاري الصدر يلف المنشفة حول جزءه السفلي، وقطرات المياه تتساقط من جسده وخصلاته السوداء الناعمة...

كادت دنيا تسقط عليه من تلك الحركة المفاجئة، ولكنه أحاط بخصرها بتلقائية وذراعاه يحيطان بها يسنداها ببطء، تبًا لكل شيء يعاكس تيار رغبتها وجنونها..!
كانت تميل لأسفل دون ارادة منها، ويزيد يميل نحوها عن عمد، كلما ازداد تعمقه لزرقة عيناها، كلما شعر أنه يغرق بشيء بهما، يغوص ويغوص وهو فاشل في السباحة وسط هجوم من امواج لا يدري ماهيتها...!

أنفاسه اصبحت تداعب وجهها الشاحب، تساقطت قطرات مياه من شعره على وجهها، فرفع إصبعه دون شعور يتبع تلك القطرة متحسسًا تقاسيم وجهها، يمسح قطرات المياه ببطء، أصابعه تسير دون اذن منه مستجيبة لنعومة بشرتها، ظل يتحسس جبهتها، ثم وجنتاها، حتى وصلت أصابعه لشفتاها، حينها ازداد بطء حركة اصابعه، وحدة انفاسه، ودبت تلك الرجفة المعتادة بكيان كلاهما...!

رغبة مُلحة ظهرت داخله تحثه على استبدال إصبعه بشفتاه، خاصةً وهو يرى نظرتها التي أشعرته أنها شبه مُغيبة...!
كاد يسحب إصبعه ببطء، ولكن ايضًا حدث كل شيء فجأة فكانت دنيا تدفعه بعنف وهي تستقيم في وقفتها، تحاول تنظيم شتات نفسها قبل أن تزمجر فيه بتوتر:
-لا دا أنت صدقت نفسك بقا! أنت مفكر إني هاسيبك تلمسني تاني؟!
هز رأسه نافيًا بهدوء:
-انا ماكنتش هلمسك.

رفعت حاجباها معًا باستنكار واضح، ليزفر متابعًا باستسلام وكأنه يعترف لنفسه اولًا:
-طيب، انا فعلًا كنت عاوز أبوسك بس!
إتسعت عيناها من وقاحته العلنية، ولكنها برغم الغصب والحقد الذي تدعيه زحفت الحمرة ببطء لوجنتاها، فحاولت تجاهل تلك الخفقة الهاربة من مسارها الطبيعي، لتنظر نحو القميص وكأنها تستعيد حالة فورانها فغمغمت بحدة واضحة:
-بقا حابسني هنا عشان تروح تقضي وقت مع السنيوره!

أمطر العبث نظراته الهادئة، ليرفع حاجبه الأيسر متابعًا بمكر:
-شامم ريحة غيرة!
صاحت فيه بعدم تصديق:
-غيرة إيه أنت اهبل! دا مفيش حد مش طايقك وكارهك قدي...
استكانت نظرته، وتبدلت نغمة صوته التي كانت تموج بالعبث والمكر لتصبح خشنة كعادته عندما يلتزم خط الجدية معها، ثم قال بكل هدوء:
-هدي نفسك شوية بلاش الجنان اللي إنتِ فيه ده، على فكرة ماحصلش أي حاجة بيننا!
شهقت بصوت عالي صارخة والذهول يحكم قبضته حول مشاعرها:.

-نعم! أنت بتقول إيه؟
اومأ مؤكدًا بنفس الهدوء الذي بدأ يزيد جنونها:
-ايوه، محصلش حاجة، انا بس كنت بوريكِ إني لو نفذت وتممت الاتفاق اللي إنتِ مفكراه سهل اوي إيه اللي هيحصل!
تكاثرت مشاعرها عليها في هذه اللحظات، تشعر بالغضب، الجنون، والغيظ والذهول!، تشعر بصدى شظايا كلماته تتناثر داخلها لتزيد من تلك الضجة الروحية...!
وفجأة فجرت به كتمان تلك الضجة التي تعتمل داخلها لتضربه على صدره بجنون وهي تصرخ:.

-أنت مريض نفسي، استحالة تكون بني ادم طبيعي! إيه الجنان ده بجد!
لم تجد اي رد منه، فرمت بجسدها على الأرضية تجلس عليها بأرهاق حقيقي...
لأول مرة تشعر أنها داخل متاهات دائرية، تخرج من واحدة لتدخل بأخرى..!
همست بصوت شاحب دون أن تنظر له:
-متشكرة كرم اخلاقك عشان مالمستنيش، بس ممكن تسيبني لوحدي؟!
اومأ موافقًا دون رد ليغادر للغرفة الاخرى، بينما هي تعيد ترتيب تلك الاحداث المتراكمة وكأنها تحاول الاستيعاب...!

صدح صوت هاتف يزيد بنغمة الرنين ليخرجه من جيبه يزفر بملل وهو يجيب:
-الوووو
سمع صوت الطرف الاخر هادئًا يقول:
-يزيد باشا، في اخبار جديدة مهمة
سأله يزيد باهتمام:
-اخبار إيه؟!
-ياسر كان سكران في الكباريه، كان في حالة مش طبيعية وعمال يبرطم بكلام كتير، واضح إنه بيحب دنيا جدًا ومش متخيل إنها ضاعت من بين ايديه كده، وقال كمان إن مسعد الشامي مش ابوها!
لم يستطع يزيد إحكام ثباته حول صدمته فصاح فيه غير مصدقًا:.

-إيه! أنت بتقول إيه؟!
أكد الطرف الاخر حديثه ليتابع:
-زي ما بقول لحضرتك كده يا باشا، مش ابوها، جوز امها وكمان كان سبب موت امها، ضربها لحد ما فرفرت في ايده، وعمومًا يا باشا انا صورته فيديو من غير ما يحس هبعتلك الفيديو على الواتساب دلوقتي
اومأ يزيد مؤكدًا بجدية:
-تمام، ابعته بسرعة وخليك مركز
-تحت امرك يا باشا
أغلق يزيد الخط وهو يفكر، ماذا عساها أن تفعل تلك المسكينة إن علمت بالأمر؟!..

يا الله، هو نفسه تصدع شيء داخله من الذهول فماذا عنها!..

امسك هاتفه مرة اخرى ليرى الفيديو ثم اتصل بشخصًا ما، وما إن اجاب حتى قال بهدوء جاد:
-رائف باشا، في اخبار جديدة
سأله المدعو رائف بنبرة عملية:
-خير يا يزيد، قدرت تعرف اي حاجة من البنت اللي اسمها دنيا؟
هز يزيد رأسه نافيًا وكأنه يراه، ثم اكمل:
-لا يا باشا، المصدر اللي مع ياسر دراع مسعد الشامي اليمين عرفني دلوقتي اخبار مهمة...

قص عليه يزيد كل ما في الفيديو بالحرف، ليسمعه يقول بعد فترة من الصمت:.

-اسمعني كويس يا يزيد، دلوقتي هنستخدم اخر كارت في ايدينا مع دنيا دي، دنيا لازم تعرف إن مسعد الشامي مش ابوها وإنه قاتل امها كمان وتعرفها حقيقتك انت كمان، ساعتها لو هي فعلًا كويسة ولو بنسبة ٤٠٪ هتقلب على مسعد الشامي ١٨٠ درجة وهتقولك كل المعلومات اللي معاها عنه وهتعوز تنتقم منه عن طريقنا احنا، إنما لو فضلت مصممة على اللي هي فيه ساعتها هنضطر نرجعها مصر وتتحبس لانها اساسًا تعتبر شريكة مسعد الشامي في مصايب كتير حتى لو المصايب دي ملهاش علاقة بالمافيا...

كان يزيد يستمع بصمت ولكن داخله مشاعر متناقضة...!
لم يعد يدري هل هو يحقد على دنيا ام يشفق عليها بطريقة ما..؟!
الالغاز تزداد داخله حتى شعر ولأول مرة انه لم يعد يستطع حل ألغازه...!
انتبه للمتحدث وهو يستطرد:
-انت هتسيب موبايلك قدامها مفتوح من الباسورد والتأمين وهتدخل الحمام مثلًا، وهي طبيعي هتجري عليه وهتشوف الفيديو، وبعدها بدقايق هنبعتلك رسالة على الواتساب وبمجرد ما دنيا تقرأها هتعرف حقيقتك!

اومأ يزيد موافقًا:
-تمام يا باشا، سلام
أغلق الخط مغمضًا عيناه، شيء داخلي يصرخ بالرفض لنهاية دنيا، وآآه من تلك الدنيا التي توغلت داخله ببطء دون أن يشعر، ليعترف لنفسه واخيرًا أن هناك انجذاب مجهول الأصل بينه وبين تلك الطفلة!..

دلف المنزل مرة اخرى متوجهًا نحو دنيا ليضع الهاتف امامها على المنضدة بضيق وكأنه لم ينتبه انه ترك هاتفه، بالفعل نهضت دنيا على اطراف اصابعها تمسك بهاتفه وما إن أنارت شاشته حتى وجدت الفيديو امامها، فتحته بفضول وهي تخفض صوت الهاتف حتى لا يصل ليزيد...
وما إن رأته شعرت بشيء يتخطى الالم بمراحل، شعرت بشق عميق ومؤلم حد الوجع الجنوني يصيب قلبها الذي لم يعد يحتمل..!

يا الله، نبضها كاد يتوقف حرفيًا وعقلها تضخم من كثرة الحقائق فبدت وكأنها لا تستوعب..!

بيد مرتجفة فتحت الرسالة الاخرى التي وصلت لتكتمل لصدمتها وهي تقرأ الرسالة
إيه يا حضرت الظابط، العملية دي طولت واللواء رائف ابتدا يشك في قدراتنا، مفيش اوامر او اخبار جديدة؟!
واخيرًا استطاعت ادراك شيء واحد فقط
يزيد ضابط عمليات خاصة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة