قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل السابع

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل السابع

نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل السابع

عَمل سليم بنصيحة رفيقه المقرب هيثم، وقرر أن يرحل فوراً مع سيدرا ومربيته عن الضيعة، ثم توجه بهما إلى المدينة..

وطوال الطريق فكر سليم – وهو يقود السيارة - في الطريقة التي سيبلغ بها والدته عن مسألة زواجه من تلك الفلاحة، ولكنه لم يجد أي سبب مقنع كفيل بأن يجعل والدته توافق على تلك الزيجة أو حتى تباركها، لقد كان شاغله الأكبر هو كيفية تبرير ما أحدثه فيها من إعتداء بدني ونفسي، فقد خشي أن تشتكيه للشرطة، وبالتالي يتعرض للملاحقة القانونية، لقد أدرك أنه أوقع نفسه في مصيبة كبرى..

ظل يضرب لأكثر من مرة على المقود بعصبية وهو يقود السيارة، في حين كانت تتابعه المربية سوسن بتوجس شديد، وضمت سيدرا إلى صدرها أكثر...

بعد مرور بعض الوقت كان سليم قد هدأ إلى حد ما، وبين الحين والأخر كان يختلس النظرات - عبر مرآة سيارته الأمامية - لينظر إلى سيدرا النائمة على كتف المربية سوسن بنظرات غريبة، لا يعرف ما الذي يجذبه لكي يتابعها وهي ساكنة مستكينة كالحمل الوديع، ربما لأنه لم يراها من قبل عن كثب، ولم يلاحظ جمالها الطبيعي، هناك شيء ما بتلك الفتاة يآسره، شيء ما يجعله يتعذب لأنه قد أذاها بدون تردد، ورغم هذا فقد كان مستمعاً بقربه منها..

ثم لمح نظرات المربية سوسن له والتي كانت تحمل الكثير من العتاب إليه، وتذكره بجريمته، فاضطر أن يبعد ناظريه عنهما، وينظر للطريق أمامه...

لم يكف عقل سليم عن التفكير للحظة في حل لتلك المعضلة، فهو أمام خيارين إما أن يتعرض للمسألة القانونية إذا ما اشتكت عليه زوجته وقالت أنه إعتدى جسدياً عليها وسوف تثبت التقارير الطبية هذا، وبالتالي سيتعرض للسجن، والاحتمال الأكبر لخسارة ترخيص عمله كمحام مرموق، ناهيك عن تبري عائلته منه ورفضهم لتلك الزيجة الغير متكافئة.

أما الخيار الأخر ربما يكون غير مقبول لسيدرا، ولكنه الأسلم لكليهما، ففي النهاية سيبتعد كلاهما عن الأخر، وستحصل سيدرا على حريتها، وهذا ما سيدفعها للقبول به..

لقد توصل سليم إلى فكرة شبه معقولة – من وجهة نظره – لكي يسردها على والدته، حيث قرر أن يبلغها بأن تلك الفتاة التي معه هي ابنة المربية سوسن، وأنها جاءت للعمل معها في قصره الكبير بالمدينة لبعض الوقت، ومن ثم ستعود إلى ضيعتها بعد ذلك، وفي المقابل سيطلق سيدرا ويعطيها مقابل مادي بالإضافة إلى الالتزام بإعفاء عائلتها من سداد الدين كما اتفق معهم مسبقاً..

أقنع سليم نفسه أن هذا الخيار هو الأصوب والأقرب للتنفيذ، ولن يكلفه إلا القليل من المال، وبعض الكلام الذي يحمل التهديد والوعيد لكي يضمن تنفيذه..

وبالفعل اتفق مع المربية سوسن على أن تدعي أنها والدة سيدرا، وهددها بخسارة وظيفتها وربما السجن وملاحقتها قضائياً إن قالت غير هذا، فرضخت المربية لطلبه حيث ظنت أنها ستحمي سيدرا منه حتى لو بالكذب حتى تنتهي تلك المهلة المشروطة في عقد الزواج المزعوم والذي لم تكن تعرف هي الأخرى شيئاً عن حقيقة كونه زواجاً أبدياً موثقاً...

بعد عدة ساعات من القيادة على الطريق، توقف سليم بسيارته أمام بوابة حديدية ضخمة مزدانة بالزجاج الغير شفاف، حيث يوجد خلفها قصر ضخم ذي ألوان فاتحة تسر الناظرين، تنهدت المربية سوسن في قلق، فهي لم تطيء بقدميها ذلك القصر منذ سنون طويلة، وتوجست خيفة أن يُعاد مع سيدرا ما جرى معها قبل زمن سحيق...

بلى لقد كانت المربية سوسن هي تلك الفلاحة التي عشقها السيد خالد، ولكنها رفضت أن تتزوجه حرصاً منها على استقرار اسرته، ورغم أنه أصر على الارتباط بها بعد أن انفصل عن زوجته كوثر والتي كشفت خيانتها له مع أحد رفاقه، إلا أنها رفضت أن تبني حياتها على حطام غيرها، وأثرت أن تظل عزباء حتى أخر يوم في عمرها، واكتفت بأن تكون إلى جوار السيد خالد كخادمته، وليست كزوجته التي أحبها بجنون فقط من اجله ومن أجل ابنه الوحيد، حتى لا يُصدم مرتين في أمه وأبيه..

تعهدت المربية سوسن في نفسها أن تخفي حقائق وأسرار الماضي حتى لا يضطر السيد خالد إلى كشف حقيقة زوجته الزانية أمام ابنه الوحيد فينهار تماماً، وخاصة أنه كان يعشق والدته، ويكن لها الإحترام الشديد، فكيف تسمح هي لتلك الصورة المثالية بأن تنهار محدثة فجوة عظمى في حياته قد تنعكس عليه مستقبلاً..

وطوال أعوام مضت، كانت هي الخادمة الوفية لرب عملها، ولم تكف يوماً عن رعايته وتلبية طلباته، لذا كان السيد خالد حريصاً على قضاء معظم وقته في الضيعة، في منزله العتيق هناك، لكي يكون برفقتها حتى لو كانت هي فقط أمام الجميع خادمته المخلصة، وليست زوجته الوفية
رمقت المربية سوسن القصر بنظرات متفحصة لما فيه، وانقبض قلبها وهي تستعيد تلك الذكريات القاسية في عقلها، و..

-سوسن لنفسها في شجن: لم يتغير هذا المكان أبداً، مازال الحزن مخيماً عليه.

أصر سليم على الدخول إلى القصر من بوابته الخلفية حتى يتمكن من انزال سيدرا وحملها دون أن تراه والدته أو أي أحد أخر..
وبالفعل بعد أن أوقف السيارة أمام باب الخدم الخلفي، ترجل هو من السيارة، ثم دار حولها، وترك الفرصة للمربية سوسن بالنزول أولاً، ثم انحنى بجسده إلى داخل السيارة حتى يتمكن من وضع ذراعيه أسفل جسد سيدرا لكي يتمكن من حملها..

أرشدته المربية سوسن إلى الطريق داخل القصر، ثم أشارت له بيدها نحو غرفتها القديمة بقبو القصر، و...
-سوسن بنبرة جافة وهي تشير بيدها: من هنا سيدي..

ثم نزل سليم على الدرج الرخامي وهو حاملاً إياها للأسفل، وتوجه بها إلى غرفة مربيته القديمة، ثم وضع سيدرا بكل رفق على الفراش، ودثرها جيداً، ثم رمقها بنظرات متفحصة وهو مُنحني على رأسها، وأزاح بيده خصلة كانت منسدلة على جبينها، وتحجب عنه رؤية وجهها، ولكنه تآلم في نفسه حينما رأى أثار جريمته متجلية على وجهها، فكور قبضة يده في امتعاض، وظل يعتصرها بشدة، فإخترقت أظافره راحة يده، وجرحتها بشدة إلى أن أدرك هذا، ثم اعتدل في وقفته، وقبل أن يبتعد عنها أصابه الفضول أن يتلمس بأطراف أصابعه بشرتها، ولكنه خشي أن يلمسها فيزداد شعوره بالندم والخزي على ما فعل، فهو لا يستحق أن ينالها بعد الذي كان، فقاوم بشدة رغبته تلك، وسار راكضاً، ومبتعداً إلى خارج الغرفة..

أحضرت لاحقاً المربية سوسن الحقيبتين، ووضعتهما بداخل الغرفة، وأوصدت الباب على سيدرا حتى لا يدلف أحد إلى الداخل وهي غير موجودة معها، وبالتالي تبدأ التساؤلات حول هويتها دون أن تخبرها بالإتفاق الذي عقدته مع سليم...

تفقد سليم القصر فوجده خاوياً إلا من الخدم، وحينما سأل عن والدته أبلغته إحدى الخادمات أنها في رحلة قصيرة مع زوجها، فاكفهر وجهه، وقطب جبينه في تأفف، ثم تركها وانصرف في اتجاه الدرج، ثم أمسك بالدرابزون وصعد عليه لكي يتجه إلى غرفته الموجودة بالطابق العلوي..
فتح سليم باب غرفته، ثم توجه ناحية فراشه ليلقي بجسده المرهق عليه، ثم استدار بجسده ليحدق في سقفية الغرفة وهو يتنهد في انزعاج..

-سليم لنفسه بنبرة ضائقة: لماذا يحدث كل هذا لي؟ لماذ لا أجد السكينة في حياتي؟ يا الله!
ثم نهض عن فراشه، وتوجه ناحية المرحاض بعد أن نزع قميصه وألقاه على الأرض ليمسك بمنشفته القطنية، ومن ثم صفع الباب خلفه بحدة ليغتسل بالماء البارد لعل جسده المشتعل يهدأ قليلاً...

حل المساء وسيدرا مازالت غائبة عن الوعي، والمربية سوسن جالسة إلى جوارها تراقبها وتهتم بها، ثم مدت يدها لتمسك بقطعة من القماش لتبدأ في تطريزها بالخيوط اللامعة والملونة لتشغل وقتها الطويل..
تبادلت بعض الخادمات الأحاديث الجانبية عن ابنة المربية سوسن والتي تعمدت إخبارهن بأنها مريضة حتى تتجنب فضولهن في رؤيتها..

لم يطقْ سليم البقاء في القصر لمدة طويلة، وخاصة أن عقله لم يكف عن التفكير في سيدرا، وما فعله بها، لذا قرر العودة إلى مكتبه، وقضاء ليلته هناك، وفي حالة شعوره بالضجر ربما سيذهب إلى أحد النوادي وقضاء باقي السهرة مع رفيقاته لعله يجد السلوى في وجوده معهن...

مرت عدة أيام، والوضع على حاله، فسليم يأتي ويذهب دون أن يتحدث مع مربيته أو أي أحد بالمنزل حتى الخدم، ويكتفي فقط بالنوم ليلاً في القصر بداخل غرفته – هذا إن جاء مبكراً، في حين أنه كان يقضي معظم وقته بالخارج إما في المكتب أو في النادي مع رفاقه، ورغم أن الفضول كاد يقتله لمعرفة ما الذي صار بسيدرا إلا أنه كان يتعمد تجنب اللقاء بها حتى لو مصادفة كي لا يزداد عذاب الضمير معه، ولكن كان مسعاه هذا دون جدوى، فيوماً عن الأخر يزداد تعلقاً بها، واشتياقاً إليها، فلم يغب عن عقله لوهلة نظرات عينيها المزعورة وهي تتوسل إليه كي يرحمها، ولم يكف أيضاً عن تذكير نفسه بأنها جاءته طوعاً، فإغتصبها قسراً، لم يهنىء هو للحظة، فعذابه يزداد، وقلبه يشتعل، بل إنه يكاد يخرج من بين ضلوعه قهراً وكمداً عليها..

أما عن حال سيدرا فلم يختلف كثيراً، فقد كانت معظم الوقت راقدة في الفراش، ترفض الحياة، مستسلمة لرغبتها في الموت، مما دفع المربية سوسن للاستعانة بطبيب متخصص للكشف عليها، ولمداوتها، وظلت هي عاكفة على رعايتها، والاهتمام بصحتها إلى أن بدأت تتماثل للشفاء، وتستجيب للحياة بعد جهد مضني في رعايتها...

كانت سيدرا بين الحين والأخر تسمع صوت سليم يأتي من الخارج، فيرتجف جسدها وترتعش بشدة، ثم تضم ساقيها إلى صدرها، وتتكور على نفسها محاولة الاختباء منه، لقد باتت تخشاه أكثر من أي شخص..

فقد نجح في أن يحفر في ذاكرتها ذكريات آليمة لا يمكن أن تُمحى بسهولة من مخيلتها، وأصبحت الدموع هي رفيقتها، لقد ذابت زرقة عينيها مع حمرة مقلتيها، ولم يعد وجهها مشرقاً كما كانت من قبل، واختفت الابتسامة العذبة من على شفتيها لتحل محلهما قسمات الانكسار والخزي..
وعلى قدر الإمكان حاولت المربية سوسن أن تهون عليها، وتعزي حالها بالكلام الطيب، فشعرت نوعاً ما بأنها تزيح عنها هموماً كالجبال..

تأكدت الخادمات أن ابنة المربية سوسن تعاني من مرض ما لأنها لم تظهر أبداً لهن، وترفض بإصرار الخروج من غرفتها رغم سماعهن لصوتها، فبدأن في إختلاق القصص عنها، بينما ظلت تبرر لهن المربية سوسن سبب عزلتها بأنها تعاني من حساسية بالصدر تستلزم بقائها حبيسة غرفتها لأشهر، وأنها قد جاءت للقصر من اجل تلقي العلاج في المدينة، حيث عجز الأطباء في ضيعتهم الفقيرة عن علاجها...

وبعد أيام أخرى، التقت المربية سوسن مصادفة بسليم وهو ينزل عن الدرج متوجها إلى مكتبه، فأشاحت بوجهها بعيداً عنه، وسارت عدة خطوات للأمام، وإدعت أنها مشغولة بتنظيف غرفة الصالون..
تردد هو في سؤالها عن سيدرا، فقد خشي أن ينفضح أمره إذا ما استرق أحدهم السمع لحديثهما، ولكنه استجمع شجاعته، وقرر أن يسألها..
تفاجئت المربية سوسن بأن سليم يقف خلفها، و..
-سوسن بتوجس: هل هناك شيء ما سيدي؟

-سليم بنبرة متلعثمة، ونظرات زائغة: أنا، أنا أريد أن أسألك عن، عن سيدرا، كيف حالها؟ و، وأين هي؟

شعرت المربية سوسن أن حلقها قد جف فجأة، وأن الكلمات قد هربت من على طرف لسانها، وارتبكت أمامه بشدة، ولكنها سيطرت بسرعة على حالتها الانفعالية، و حاولت أن تختلق على عجالة أي قصة ما لكي تتجنب أن يلتقي بسيدرا فيحدث لها ما لا يُحمد عقباه، وخاصة أن الطبيب قد أوصاها أن يجعلها تبتعد عن أي ضغوط نفسية كي تتحسن حالتها للأفضل...
لذا تعمدت أن تبلغه بأن سيدرا قد هربت من القصر فور أن تماثلت للشفاء، و...

-سوسن بنبرة حزن زائفة: وللأسف لم أعرف لها أي مكان
-سليم بنبرة مصدومة وغاضبة، ونظرات مشدوهة: وكيف حدث هذا؟ أين كنتي حينما هربت؟
-سوسن بتعلثم: آآ، لقد باغتتني، ولم أظن أنها قادرة على فعل هذا
لم يصدق سليم أذنيه حينما علم بمسألة هروب سيدرا، فترك المربية سوسن وانصرف وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة..
-سوسن بخفوت وهي تتابعه بعينها: هذا أسلم لها ولك سيدي، فأنا لا أريد أن أراها تعاني مجدداً.

في صباح اليوم التالي، عادت السيدة كوثر إلى القصر بمفردها، وتفاجئت بوجود المربية سوسن به، فامتعض وجهها، وعاملتها بطريقة فظة وفجة للغاية، ثم أخبرتها إحدى الخادمات - أثناء وجودها في غرفة نومها - بأن المربية ليست بمفردها، وإنما معها ابنتها المريضة والتي تدعى سيدرا و...
-كوثر بنبرة متأففة ومتهكمة: لقد تحول القصر إلى ملجأ للمشردين في غيابي.

-الخادمة بنبرة خافتة: بلى سيدتي، ولكنك أتيت الآن، فبماذا تأمريني؟
-كوثر بنبرة متعالية، ونظرات متكبرة: اذهبي الآن، فأنا لا أريد أي شيء
-الخادمة بخفوت وهي منحنو الظهر: حاضر سيدتي..
وما إن انصرفت الخادمة حتى نهضت السيدة كوثر عن مقعدها الوثير الموجود بغرفتها - وذي اللون الأحمر القاني – وسارت بخطوات غاضبة نحو باب غرفتها، ثم وقفت بجوار الدرج، واستندت بكفي يدها عليه و...

-كوثر بنبرة عالية وآمرة: سوسن، اصعدي إليّ حالاً..!

كانت المربية سوسن في تلك الأثناء منشغلة بترتيب وتنظيف غرفة المكتب الموجودة بالطابق السفلي، وما إن سمعت صوت السيدة الغاضب حتى انتفضت فزعة في مكانها، وركضت مسرعة خارج الغرفة، وكادت تتعثر في خطواتها وتسقط على وجهها، ولكنها تمالكت نفسها، ثم اتجهت إلى الدرج وصعدت عليه وهي تلهث بصعوبة إلى أن توقفت أمام باب غرفة السيدة كوثر، فأخذت نفساً عميقاً، ثم زفره على مهل، هي تعلم أن وجودها بالقصرغير مرغوب فيه، خاصة وأنها من كشفت خيانتها للسيد خالد، ولكن ليس باليد حيلة، عليها أن تواجهها، وأن تبدو أمامها ذليلة منكسرة، فقط من أجل المسكينة سيدرا، حتى تمثل للشفاء، وتنتهي مدة عقد الزواج، فتأخذها وترحل مبتعدة عن هذا المكان..

أخذت المربية سوسن نفساً مطولاً، وزفرته على عجالة، ثم طرقت الباب وانتظرت أن يأتيها السماح من الداخل لكي تدخل..
طأطأت رأسها وهي تدلف للغرفة و..
-سوسن بخفوت: مساء الخير سيدتي كوثر، أحمد الله على رؤيتك سالمة، و بخير
رمقتها السيدة كوثر بنظرات استعلاء، فهي لم تسترح لها يوماً، وكانت متيقنة من أنها هي التي تسبب في كشف حقيقتها لزوجها الأسبق خالد، ثم رمقتها بنظرات استهجان قبل أن تردف ب...

-كوثر بنبرة غاضبة: كيف تسمحي لنفسك بإحضار ابنتك إلى هنا دون إذن مني؟!
-سوسن بنبرة متلعثمة: أنا، أنا
-كوثر بنبرة هادرة، ونظرات احتقارية: أنتِ خادمة في هذا القصر، ولستِ بسيدته لكي تأتي بمن تشائين وقتما تريدين..!
-سوسن بحزن: أنا أسفة سيدتي، ولكن ابنتي مريضة وآآ...
رفعت السيدة كوثر يدها في وجه المربية سوسن لكي تصمت، ثم..

-كوثر بحدة: اغربي عن وجهي الآن، فأنا أبغض سماع صوتك الكريه، وإياكي أن تجعلي ابنتك تعبث في قصري، وإلا..
-سوسن بنبرة مرتعشة: لا تخافي سيدتي، فابنتي قعيدة الفراش، لا تقوْ على شيء، وقريباً سأرسلها للضيعة..
-كوثر بتهكم صريح، ونظرات شماتة: يا ليت الموت يأخذ كلتاكما فأرتاح للأبد..!

ابتلعت المربية سوسن مرارة الإهانة، وقاومت عبراتها، ثم سارت بخطوات بطيئة للخلف، ودلفت إلى خارج الغرفة وهي تسبها بخفوت شديد، في حين عاد السيدة كوثر للجلوس على مقعدها الوثير مجدداً لتمسك بمجلة ما لكي تقرأ ما بها...

غاب سليم عن القصر لأيام أخرى، حيث ظل جالساً مع والده في المشفى لكي يراه، ومنه يذهب إلى عمله إلى أن أصبحت حالته الصحية أفضل نوعاً ما فقرر أن يعود للقصر، وهناك عرف بعودة والدته إلى القصر، فارتسمت علامات السعادة على وجهه، وتنهد في ارتياح، فقد افتقد وجودها لفترة، وشعر أن الفرصة قد جاءت له لكي يبوح لها بما يكنه في صدره من أحزان، لذا بكل حماس توجه إلى غرفة والدته لكي يلقي عليها التحية ويجلس معها، ثم توقف أمام باب غرفتها، وقبل أن يمسك بالمقبض ليديره فيُفتح الباب، تسمر في مكانه، فقد سمع دون قصد منه حديث فاضح بينها وبين أحد الأشخاص عبر الهاتف...

ظن في البداية أنه زوجها الحالي، ولكن اخترق أذنيه اسم شخص أخر، وتعالت ضحكاتها الرقيعة وهي تبادله كلمات الغزل الصريحة، وما ألجم لسانه وعقده بحق هو سردها بأريحية تامة عن جرائمها في الماضي وتفاخرها بدهائها الأنثوي، لقد تباهت بخيانتها لأبيه، وإرتباطها بغيره، ومن ثم علاقتها الغير شرعية حالياً بمن تهاتفه، واتفاقها معه على الخلاص من زوجها الحالي من اجل الزواج به...

إسود وجه سليم، وتحولت عينيه لجمرتين من النيران، واشتعلت خلايا جسده بالغضب الجم، لقد حاول جاهداً أن يكظم غيظه، ويسيطر على عصبيته، فأخر مرة تهور بها كاد أن يودي بحياة انسانة بريئة..

ثم قرر أن يبتعد عن غرفتها، وألا يقابلها حتى لا يتشاجر معها، ويعنفها على أفعالها المشينة، فقد صُدم فيها صدمة كبيرة، وشعر أن الصورة المثالية التي كانت دائماً موضوعة لها قد إنهارت في لحظة، فقد باتت الحقيقة عارية تماماً أمامه..

دلف سليم إلى داخل غرفته، وحاول أن يقنع نفسه بأن ما سمعه هي مجرد أوهام، ولكن تردد صدى كلمات وضحكات والدته في عقله، فقاوم بشدة تلك الأصوات، ولكنها كانت في إزدياد، ثم طاف بعقله نواياها الخبيثة مع زوجها الحالي، فتملكته العصبية الشديدة، ولم يعد قادراً على التحكم في إنفعالاته، فإندفع كالوحش الكاسر في داخل غرفته يمسك بما تطاله يديه ويحطمه، ثم ألقى بمحتويات الغرفة على الأرضية الصلبة، وحطم زجاج المرآة، وثارت ثائرته، ثم خرج راكضاً من غرفته، وقفز على الدرج تاركاً القصر وهو في حالة لا يُحسد عليها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة