قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل السادس والأخير

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل السادس والأخير

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل السادس والأخير

مواجهة حامية الوطيس دارت بين أندرو وأفراد العصابات الذين وصلوا إلى منزله بالغابة، تقاتل معهم بضراوة وأشبعهم ضربًا، ونال من الضربات والطعنات ما سيترك أثرًا في جسده لاحقًا، لكن المهم حاليًا هو القضاء عليهم قبل أن يطالوها، هي لم تعد مجرد أمانة يحميها، بل حبًا وجد الطريق إلى قلبه منذ زمن لكنه كان محجوبًا عنه، حبًا اكتشف تعلقه به في لحظة غريبة.

نفض أندرو يديه من الدماء، ونزع سلاحًا من يد أحدهم ليستخدمه بعد أن فرغ ما يخصه من الطلقات النارية، هرب من المكان باحثًا عنها في الغابة، تفرس في الأرجاء المظلمة بنظرات ثاقبة عله يجدها مختبئة في زاوية ما، لكن لا أثر لها، انقبض قلبه بقوة وشعر أنه خذلها وأخلف وعده معها، ستعتقد حتمًا أنه تخلى عنها وتركها في الخلاء.
لم يشعر بنفسه إلا وهو يصرخ عاليًا:
نيكول، نيكول!

ركض كالمجنون يفتش عنها بين الشجيرات فربما تكون اختبأت بداخل واحدة منهن، لم يتوقف عن النداء باسمها، تقطعت أنفاسه، ولهث بقوة حتى شعر أن حلقه مشتعل بالنيران، رن هاتفه في جيبه فأخرجه ليضعه على أذنه قائلاً:
من أنت؟
أتاه صوت قويًا يرد بصلابة:
فتاتك معانا
اعتصر قلبه ألمًا لمجرد سماع تلك الجملة الموجزة، سيقتل من يمسها بسوء، لن يسمح لهم بأذيتها، وقبل أن يرد عليه تابع الرجل قائلاً:.

أحضر آلبرت ثيودور لنا وسنعطيها لك!
اشتدت قسمات وجهه وهو يسأله بانفعال:
من يحدثني؟
ستعرف لاحقًا!

انهى ذلك الرجل الغامض المكالمة معه دون أن يعرف هويته، فجن جنونه أكثر، هي مختطفة من قبل مجهول شرس، ربما سيعتدي عليها، سيجبرها على شيء تكرهه، صرخ بهياج مُفزعًا طيور الغابة الساكنة بالأشجار، انهار على قدميه مستندًا على مرفقيه ينتحب بألم كبير، هو بات الآن أمام مأزق عصيب، حريتها مقابل حرية والدها، عليه أن يختار إما هي أو هو، كان في موقف لا يُحسد عليه، وضع يديه على رأسه ضاغطًا بقوة عليها يفكر بجنون في طريقة لإنقاذها دون أن يضر بسيده، هو الأخر لديه حق عليه، عاود أدراجه مسرعًا نحو منزله ليستقل سيارته المرابطة هناك، رجع إلى المدينة ليلتقي بالسيد آلبرت، فهو بحاجة إلى رأيه في تلك المسألة، إنها ابنته قبل كل شيء.

أنا فداء ابنتي، لن أدعها لهم
اعترض قائد الشرطة على قراره المتهور مرددًا:
سيد آلبرت لابد أن تحكم عقلك
صرخ به الأخير بعصبية هوجاء:
اصمت!
اضطر قائد الشرطة أن ينكس رأسه بحرج من طريقته الصارمة معه، هو متفهم لانفعالاته الزائدة، بالطبع أي والد في موضعه سيفعل مثله، التفت آلبرت ناحية أندرو موجهًا حديثه له:
أندرو، أقدر مجهوداتك، لكن هي بحاجة لي، ولن أتخلى عنها تلك المرة
رد عليه بنبرة عازمة وقد قست نظراته:.

أنا معك سيدي، لن أدع شعرة واحدة منها تُمس!
ابتسم آلبرت هاتفًا بامتنان:
أشكرك أندرو!

تم ترتيب اجتماع طارئ مع أفراد قوة الاقتحام التابعة للشرطة والسيد آلبرت ثيودور ومساعده أندرو لوضع خطة تحرير ابنته نيكول، استطرد قائد الفرقة القتالية حديثه قائلاً بجدية:
حسنًا يا سادة لنرتب الخطة ونعرف مع من سنتواجه
ثم استدار نحو آلبرت متسائلاً:
هل لديك أعداء محددين، سيدي؟
هز رأسه بالنفي وهو يقول:
لا أعلم
أضاف رئيس الشرطة موضحًا:.

القانون الأخير سيد آلبرت سيسبب كوارثًا جسيمة لأحدهم، ربما هو من يقف وراء ذلك
رد عليه بامتعاض:
لا أستبعد هذا الأمر!
تابع قائد الفرقة القتالية قائلاً بجمود:
لنفكر بصورة عقلانية حتى نحدد أهدافنا.

استمرت محاولاتهم في وضع الخطة المناسبة للاقتحام والتحري عن الخاطف المجهول من ناحية، ومن ناحية أخرى راقب أندرو الهاتف الخاص به بنفاذ صبر متلهفًا لمعرفة أي شيء عنها، لم يتوقف عقله عن التفكير بها، دار في رأسه ألاف الخيالات العبثية التي تتأذى فيها، ففقد أعصابه على الأخير، وحينما رن من جديد اندفع كالمجنون يجيب على المتصل صائحًا بانفعال:
أين أنتم؟
رد عليه الرجل ببرود:
اهدأ، هل حصلنا على اتفاق؟

صاح به أندرو باهتياج:
نعم، ولكني أحذركم، إن تأذت نيكول ستدفعون الثمن غاليًا
رد عليه الرجل مؤكدًا:
لا تقلق، هي لا تهمنا، فقط أبيها السياسي الكبير!
ستحصلون عليه، حدد المكان والزمان!
اتفقنا، ستصلك رسالة بعد ساعة
حسنًا!
على قدر المستطاع حاول أن يماطل في الحديث معه لتتمكن أجهزة التعقب من تسجيل المكالمة ومعرفة مكان المتصل ومنها هويته، تساءل أندرو بحدة:
هل حددتم مكانهم؟
أجابه رئيس الشرطة بتفاخر:.

نعم، تمكنت أجهزة المراقبة من التقاط إشارة الهاتف، إنها في مقاطعة قريبة من هنا
رد عليه أندرو بلا تفكير:
لنذهب إليها فورًا
اعترض رئيس الشرطة قائلاً بصرامة:
لا، دع الأمر لنا!
رد عليه بإصرار أكبر غير قابل للجدال:
لن أتركها!
تدخل آلبرت في المناقشة المحتدمة بينهما ليلطف من الأجواء محذرًا:
أندرو تريث، الشرطة تعلم دورها جيدًا، و...
قاطعه الأخير بحسم:.

سيد آلبرت، لقد قطعت لك وعدًا ألا أسمح لأحد بالاقتراب منها، فدعني أكمل عملي للنهاية!
أدرك أن رجله الأول لن يتخلى عن عناده وسيظل متشبثًا برأيه، فابتسم بامتنان كبير:
افعل ما تراه مناسبًا
حدق أندرو في عينيه مؤكدًا بجدية تامة:
سأحضرها لك سالمة
أثق بك أندرو!

توجه بصحبة الشرطة إلى المكان المنشود، خطأ واحد ارتكبه باولو وهو الحديث من نفس الهاتف دون الاكتراث بالتقنيات التكنولوجية الحديثة التي تتعقب الاتصالات الهاتفية وتحدد المواقع وتعطي إحداثيات دقيقة بها في أقل من ثوانٍ معدودة، أغفل عن ذلك وأوقع نفسه ورب عمله سانتوس في مأزق خطير.

تمكنت الشرطة من الوصول إلى مكانهم بدقة، وبهدوء بالغ اصطفت السيارات على مقربة من تلك المنطقة النائية، كان المكان يحوي مستودعات قديمة لم تعد قيد الاستخدام، لكنه كان مفيدًا للعصابات الإجرامية والخارجين عن القانون في التعدي على من يتجرأ عليهم وإنهاء أمره دون معرفة أحد، كان مكانًا مناسبًا للجرائم الشرسة، تحرك أفراد الشرطة بحذر في اتجاه المستودع المقصود مستخدمين الإشارات الصامتة لإرشاد بعضهم البعض لكيفية الاقتحام والهجوم.

اندفع الأدرينالين المتحمس في دمائه ليحفزه على الانقضاض بلا تريث على مختطفي نيكول، وبصعوبة شديدة ضبط حاله ملتزمًا بالتعليمات الشرطية، وحينما حانت اللحظة المناسبة للاقتحام كان من أوائل المهاجمين على تلك الشرذمة.

تم تبادل الطلقات النارية بكثافة، وسقط الكثير ما بين جرحى وقتلى، شاغله الأكبر كان هي، لم تكن معهم، بل كانت محتجزة في غرفة بعيدة بالمستودع، تنفس الصعداء لأنها كانت في منأى عن مرمى النيران، ركض نحوها نازعًا القفل عن بابها المعدني الموصود عليها، كانت مقيدة في الفراش ومكممة من فمها، حل قيودها هاتفًا بتلهف:
نيكول أنتِ بخير.

تلألأت العبرات في عينيها غير مصدقة أنه قد جاء من أجلها، ردت بصوت مختنق وهي تزيح الكمامة عن شفتيها:
أندرو، لقد أتيت
احتضنها بقوة وهو يضمها إلى صدره قائلاً:
لم أكن لأسمح لهم بأذيتك!
أغمضت عينيها وهي تبكي بعدم تصديق:
أوه، أندرو.

أبعد تمامًا كافة القيود عنها، وعاونها على النهوض من على الفراش ليخرجها من ذلك المكان الموحش، تحركت معه باطمئنان حتى وصلت للخارج، رأت تلك الجثث الملاقاة بعشوائية، وأولئك المجرمين المكبلين بالأصفاد وهو يجثون على الأرضية، هتف أندرو بجدية:
لا تنظري إليهم، انتهى كل شيء!
أحاطها من كتفيها ليلصقها بصدره، لفت ذراعها حول خصره متعلقة به، وهمست بنبرة مرتجفة:
كنت مذعورة للغاية، خفت أن أقتل!

شدد من قبضته عليها قائلاً:
نيكول، أنتِ الآن معي، لن يمسك سوء!
اصطحبها نحو الخارج فلمح سيارة والدها وهي تأتي من على بعد، اعتلى ثغره ابتسامة مشرقة، وهتف متسائلاً بغموض:
احزري من جاء أيضًا؟
رفعت رأسها لتنظر نحوه باستغراب وهي تسأله:
من تقصد؟
أشار لها بعينيه قائلاً بتنهيدة:
والدك
انتبهت حواسها لكلمته الموجزة تلك، وتساءلت بعدم تصديق وهي تدير رأسها للأمام:
أبي، أهو هنا؟
أشار بسبابته متابعًا:
نعم، هناك!

سلطت نيكول أنظارها حيث أشار فرأت والدها وهو يترجل من السيارة، وقعت عينيها على إصابات كتفه، وكذلك ساقه، فانقبض قلبها بخوف، انسلت من أحضان أندرو لتركض نحو أبيها هاتفة بخوف:
أبي!
فتح ذراعه ليستقبلها بابتسامة عريضة متلهفة لها:
نيكول، ابنتي!
ضمها إليه وطوقت هي عنقه بذراعيها، بكت عفويًا وهي تقول:
سامحني أبي، ظننت أنك تخليت عني، لقد أخبرني أندرو بكل شيء
لا يهم ما مضى ابنتي، يكفي أن أراكِ بخير
أحبك كثيرًا.

وأنا أيضًا
وقف إلى جوارهما أحد الضباط قائلاً بجدية:
عذرًا آنستي، نريد أخذ أقوالك!
التفتت ناحيته لتقول:
حسنًا
تابع آلبرت قائلاً بجدية وهو يمسح على ذراع ابنته برفق:
سيبقى أندرو معك، وسألحق بكِ بعد ذلك
هزت رأسها بتفهم، ثم أعطته ضمة أخرى وهي تهمس له بصدق:
أحبك أبي.

ابتعدت نيكول عنه لتذهب بصحبة ضابط الشرطة في السيارة ليتم إنهاء التحقيقات معها بالمخفر، ولحق بها أندرو كي لا يتركها بمفردها، أُلقي القبض على سانتوس في مكتبه بعد أن اعترف عليه رجاله بالتخطيط لواقعة الاختطاف، وتم إثبات صحة ذلك من خلال تسجيلات المكالمات الهاتفية بينه وبين باولو بالإضافة إلى كاميرات المراقبة الموضوعة بالطرقات والتي التقطت أرقام السيارات التابعة له.

قرر أن يلتقي معها في مكان غريب عند سفح أحد الجبال العالية، لم تتوقع تلك المغامرة الشيقة معه، تعثرت لأكثر من مرة، ولم يمل هو من مد يد العون لها، هي بالطبع لم تصعد على جبل من قبل، فاستغرقها الأمر عدة ساعات لتصل إلى أعلاه، وبالطبع ساعدها كثيرًا حتى لا تتعرض للسقوط أو الأذى، كانت تجربة جديدة عليها كليًا، ناهيك عن المنظر الخلاب من على القمة، وضعت يديها على منتصف خصرها محدقة أمامها بنظرات إعجاب كبيرة، التفتت نحوه وهي تبتسم بنعومة لتسأله بفضول:.

لماذا أتيت بي إلى هنا؟
التفت أندرو ناحيتها ممددًا يده نحوها ليمسك بكفها، فأخفضت نظراتها نحو قبضته وعاودت التطلع إليه بأعين لامعة، ابتسم قائلاً بهدوء:
لأعرض عليكِ الزواج
فغرت شفتيها مذهولة وهي تردد بعدم تصديق:
هنا؟
أجابها بغرور:
نعم، كالعنقاء حبيبتي، أتذكرين؟
هزت رأسها بحيرة فتابع موضحًا:
عند سفح الجبال ترقد العنقاء لتموت قبل أن تولد من جديد
أصغت إليه باهتمام ممزوج بالحماس، فأكمل بنبرة حالمة:.

وهنا قررت أن أولد معكِ نيكول!
تورد وجهها كليًا من طريقته المربكة لحواسها، فلديه أسلوب في التغزل بها بطريقة تثير مشاعرها وتسبب لها الخجل، رأته يجثو على ركبته أمامها، فحدقت فيه باندهاش، وقبل أن تفتح ثغرها لتنطق بكلمة همس متسائلاً بثباتٍ:
هل تقبلين بي زوجًا محبًا ومخلصًا لكِ؟

نهج صدرها من فرط الحماس المتوتر، هو يعرض عليها الزواج، كم انتظرت تلك اللحظة وحلمت بها مع فارس أحلام يختطفها على فرسه، واليوم تحقق حلمها، مع فارق كبير، لكنها مرت بتجربة مثيرة أضافت لها الكثير، تسارعت أنفاسها وهي تجيبه بلا تأخير:
نعم، أندرو!

نهض واقفًا ليجذبها نحوه مطبقًا على شفتيها بفمه ليقبلها بحميمة كبيرة، فبث لها قدرًا قليلاً من مشاعره المشتعلة بداخله، تبادلت معه مشاعرًا حسية متشوقة له، وتحسست بأناملها ذلك الوشم المحفور بطول ذراعه وكأنها تداعبه، فمنه بدأت جذوة الفضول والمشاحنة لتتطور إلى الاهتمام والمتابعة، وتغذت بالمشاعر الرقيقة حتى وصلت إلى أوج العاطفة، وانتهى الأمر معهما بحب عاصف تسلل إلى قلبيهما وتوغل في أعماقهما ليبدأ سويًا دربًا جديدًا في الحياة محفور في وشمه اسمها.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة