قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا خطوات نحو الهاوية للكاتبة منال سالم الفصل الأول

نوفيلا خطوات نحو الهاوية للكاتبة منال سالم الفصل الأول

نوفيلا خطوات نحو الهاوية للكاتبة منال سالم الفصل الأول

تورد وجهي بحمرته الخجلة واندفعت الدماء المتحمسة في عروقي لتغذي خلايا جسدي المتعطشة لتذوق حبِ العمر، سرتُ بخيلاء وسط المارة وأنا أتأبط ذراعه الأيمن بعد عقد قراننا، شعرتُ بداخلي أني ملكتُ الأرض وما فيها، أخفض ذراعه ليتمكن من الإمساك بيدي أثناء عبورنا الطريق، تخللت أصابعه أناملي واشتبكت معًا لتعلن ضمنيًا عن ترابطنا، تلك اللمسة الواثقة التي رسخت بداخلي برهانًا على كونه خائفًا عليّ مما قد يؤذيني، حانت منه التفاتة ساحرة نحو عيناي متسائلاً:.

-ماذا تريدين أن تفعلي؟
صمتُ مكتفية بالتحديق في حدقتيه وأنا أحدث نفسي بتوقٍ متلهفٍ:
-أريدك أنت، لا أحد سواك!
تعجب من سكوتي الغريب، بل ورمقني بنظرة متأملة لشرود في عينيه ثم سألني مهتمًا:
-أبكِ خطبٌ ما؟
أومأت نافية وقد تداركت نفسي:
-لا حبيبي!
ابتسم متابعًا:
-حسنًا لنتابع سيرنا، فأنا أريدُ أن أبتاع لكِ أجمل الخواتم وأغلاها.

اعترتني دهشة فرحة من هديته المفاجأة لي، وظللت اختلس النظرات إلى وجهه لأتأكد من حفر معالمه في ذاكرتي.
-يا الله!
هكذا رددت لنفسي بحماسٍ مضاعف عشرات المرات، أحسست بأصابعه تطبق قليلاً على أناملي ليؤكد لي عدم تخليه عني حتى في أبسط الأمور، مشينا بتؤدة وهو يحاذر مرور السيارات حتى بلغنا وجهتنا، وعند محل الصائغ انتقى لي خاتمًا ثقيل الوزنِ، نظرت له بعينين لامعتين هامسة له:
-أعشقك حبيب.

نعم اسمه حبيب وهو الحبيب الأول والأخير، وضع خطيبي يده على طرف ذقنه في حركة مداعبة قبل أن يتساءل باهتمامٍ:
-سأبتاع لكِ سلسلة صغيرة، ما رأيك؟
رددت معترضة:
-هذا كثير
ابتسم معلقًا:
-لا شيء يغلو عليكِ حبيبتي ناردين
وبالفعل اشترى لي هدية أخرى زادت من شوقي الممتن له، بت شبه متيقنة في قرارة نفسي أن سعادتي ستكتب على يديه، أليس هو حب العمرِ كما أسميه؟!

كان يومًا عاديًا كغيره من أيام عملي الروتينية في المركز التدريبي للمتخرجين حينما عرج عليَّ حبيب بعد انتهاء ساعات العمل ليوصلني في طريقه إلى المنزل، كان العمل قد استنزف الكثير من قواي وأنهك بدني للغاية، سرتُ في صمت أرد باقتضاب على أسئلته المهتمة بمعرفة أحوالي، ولكن تبدل الوضع في لحظة، حيث رتب لي مفاجأة أخرى أدخلت السرور على نفسي عندما غير وجهة طريق سيرنا المعتادة ليذهب بي عند بائع الورد، رفعت حاجبي للأعلى مدهوشة من قدومنا إليه، لم أترك لحيرتي الفرصة لتعبث برأسي، التفت نحوه لأسأله بجدية:.

-ماذا نفعل هنا؟
أجابني دون تفكيرٍ:
-سأهديكِ باقة ورد
رددت مصدومة وقد برقت مقلتاي:
-باقة ورد، لي أنا؟
لم أتلقَ باقة ورد في حياتي مطلقًا، بل لم أحلم أن يهدني أحدهم مثلها، هز رأسه مؤكدًا:
-نعم، لكِ وحدك.

ارتسمت بسمة شيقة على ثغري ليكتمل إحساسي الداخلي بأني أعيش حالة متفردة من الحب المحفز للقلوب والوجدان، انتظرت على أحر من الجمر خارج المحل مترقبة خروجه والباقة في يده، انتابني الفضول لأعرف ما الذي سيشتريه لي، اعتقدت أنها بضعة زهرات مختلفة الألوان، كانت الصدمة حينما ناولني الباقة الحمراء هامسًا لي بعذوبةٍ:
-لم ولن أعشق سواكِ.

هل أرقص طربًا أم أغرد بسعادةٍ؟ شل تفكيري للحظة وأخرجت تنهيدة متيمة من صدري لأرد بعدها بصوتي الخافت:
-أحبك يا أغلى الناس!
التف ذراعه حول كتفي لأشعر بعضلاته تحتويني بالكامل، رمقته بطرف عيني بنظرة حانية مليئة بالأشواق وتنطق بالكثير عما يعجز لساني عن البوح به، شدد من ضمه الحذر وسار بي الهوينا حتى أوصلني إلى المنزل وهو يسمعني كلماتٍ عذبة تذيب القلوب وتؤجج المشاعر أكثر.

وحينما يأتي المساء، تشتعل الأجواء الهامسة بالمشاعر الفياضة والأحلام الوردية، كنا نقضي ليلنا نثرثر بالساعات عبر الهاتف المحمول حتى يؤذن الفجر، نتحدث في توافه الأمور وأكثرها أهمية، نضع المخططات، نرسم الأحلام، ونذلل لأنفسنا الصعاب، بدا كل شيء مثاليًا، لا ينقصه إلا إتمام تلك الزيجة بإعلان موعد ليلة زفافنا، حتى ذلك الحلم البسيط شرعنا في التخطيط له ليكون مرضيًا لكلينا، أذكر كلماته المعسولة وهو يردد على مسامعي:.

-كم اشتاق لتلك اللحظة التي أضمك فيها إلى صدري وتستشعري دقات قلبي!
همست بخجلٍ متخيلة إياه يلاطفني بخبرته الذكورية لأصبح أسيرة مشاعره:
-وأنا أيضًا
أسهب في التعبير عن مشاعر حبه لي لأغمض عيناي مستمتعة بكل حرف تتلقاه أذناي، في الأخير أضاف بصوته الهادئ الذي جعل الخدر يسري في حواسي:
-لم يتبقَ إلا القليل حبيبتي
وافقته الرأي:
-فقط أسبوعان وسنغدو زوجين يا حبيب
رد بزفيرٍ مسموع:
-أعطني الصبر يا الله، إنها مدة طويلة.

ضحكت مازحة:
-ليس لتلك الدرجة، ادعو الله أن تكفي لإنهاء النواقص
علق بجدية بدت واضحة في صوته الذي ازداد خشونة:
-وإن يكن، لن أزيد عن الأسبوعين يومًا واحدًا، بل ساعة واحدة، هل تفهمين؟
أشعرني توقه للزواج بي بأني لست كباقي النساء، أنا ملكة متوجة في قلبه، همست له بامتثال أعجبه:
-كما تريد حبيبي!

إنها الليلة الموعودة، حين تعلو الزغاريد وتدق الدفوف، راقبت النظرات المتفرسة في وجهي وثوب زفافي بفتورٍ، بالطبع لن أنال إعجاب الجميع، لكن يكفيني أني حظيت في الأخير على زوجٍ يهيم بي شوقًا، شعرت برجفتي المبررة وهو يمرر ذراعه على ظهري ليميل نحو رأسي هامسًا:
-متى سنختلي بأنفسنا؟

غزت حمرة غير مسبوقة بشرتي وأنا أفكر بتوترٍ فيما يقف وراء كلماته المقتضبة تلك، انتهى حفل الزفاف على خير، وتلقينا التهاني ممن حولنا لنستقل السيارة بعدها إلى منزل الزوجية، تضاعف ارتباكي مع لمساته الحنون التي عزفت على أوتار جسدي بمهارة، استطاع حبيب في لحظات أن يجعلني أعايش تجربة لا مثيل لها في الغرام، رقصنا سويًا على أنغام الموسيقى الهادئة، ورمقني بنظرات حبٍ عشقتها، استسلمت مع مداعباته وهمساته ورقته الحنونة لأنهُر المشاعر التي احتلت كياني بالكامل، تمنيت يومها ألا أفيق أبدًا من ذلك الحلم الجميل، وإن حدث واستيقظت منه فليتكرر مجددًا، تحسس عنقي برفقٍ ليهمس بأنفاس ملتهبة زلزلت ما صمد من حصوني:.

-أحبكِ ناردين!
ذاب الفؤاد، وأعلن الجسد انهزامه بتلك الهمسات الناعمة التي عرفت الطريق فورًا إلى أوصالي، وظننت أني بتلك اللحظة قد استحوذت عليه كاملاً.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة