قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

نوفيلا حبهان للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

-انتي ازاي تخليه يقف قريب منك كده والباب مقفول!
هتف بعروق بارزة وكأنه على وشك التهامها حية من فرط الغضب والغيرة التي تمزق أحشاؤه، وبصوت عالي دون اهتمام بالمارين في الخارج لكنها فعلت وقالت من بين أسنانها:
-افندم، لا ثانية واحدة أنت بأي حق تكلمني كده؟
سألت مدهوشة من الغضب المشع من مقلتيه السوداويتان، فأقترب خطوة دون تفكير عكستها هي للخلف وهو يُصرح بخشونة:.

-بحق إن في رجالة في المنطقة واللي بتعملي ده ميعجبش حد.
رفعت سبابتها امام وجهه في حزم دون اهتمام بتقدمه وقالت بشراسة:
-ألزم حدودك، انت ازاي تتجرأ وتلمح بكلامك السخيف ده، ثم أنا عملت أيه لكل الكلام ده؟
-عملتي انك قفلتي عليكي مكان انتي وواحد مش محترم.
-اولا مش انا اللي قفلته الباب ده بيفضل مفتوح دايمًا، ثانيًا ما يخصنيش محترم او محترم انا مش بعمله كشف هيئة المهم انه زبون بيطلب أكل وخلاص!

-طالما ملكيش في الشغل ومتعرفيش توقفي زبون عند حده يبقى خليكي في بيتكم ربي بنتك أفضل!
كانت في حالة من الذهول للاعتيادية والثقة المنبثقة من كلماته وكأنه يملك الحق في التحكم بحياتها وتصرفاتها.
-سبق وقولت إلزم حدودك ومش عشان أنا ست ومطلقة كل واحد يسمعني كلمتين ملهمش داعي.
-ما هو عشان أنتي مطلقة مينفعش ابدًا تدي لحد الفرصة انه يكلمك كلمتين.

قرصت أنفها بتفكير مصطنع قبل أن تبعد عيناها عنه مشيرة للباب بتهكم جلي:
-شكرًا على النصيحة، حضرتك تقدر تحتفظ بيها لنفسك.
اقترب مرة أخرى وتلك المرة شعرت بأنفاسه تصدم أعلى وجهها وكأنه ينفث نارًا توشك على حرقها، فاحمرت وجنتها في خجل لقربه الذي يشبه القمر، كلما اقترب اكثر زاد وهجه القوي إنارة في ظلمتها التي أحكمت زمامها، ثم هتفت في محاولة للسيطرة على رعشة امتلكت جوارحها:
-ممكن متقربش مني كده!

-يا سلام مقولتيلهوش الكلمتين دول ليه!
قالها مندفعًا بعصبية ولم يخفى عنه ذاك التوتر الذي جعل منها ورقة في مهب ريح غضبه، فأكمل متمتمًا:
-المرة الجاية مش هعديها بالساهل وحطي كلامي حلقة في ودانك ودخلي الشعر اللي طالع من الطرحة ده!
قال اخر كلماته وهو يشير لخصلتها المتمردة، ثم رمقها بنظرة حادة أخيرة من أسفلها لأعلاها وتركها ندفعًا نحو الخارج يتمتم بسباب وقد تغير مزاجه مائة وثمانون درجة.

ترى كم سيتحمل بعد قبل أن ينفجر كتمانه معلنًا عشقًا اصبح كالسقم في جسده لها أو أسوأ، وقبل أن يطفح به الكيل من سكان تلك المنطقة ومعتقداتهم التي بهتت في ثنايا ذهنها لتتركها ناقمة على بني جنسه ويختطفها هي وطفلتها الرائعة.
أو ربما سينتظر ويترك لها الوقت حتى يأتي رجل أخر يسرقها منه من جديد أو أسوأ يبدأ الرجال في مضايقتها والتحرش بها..!

أوقف هذا التفكير تقدمه وأشعل رأسه بأفكار مجنونة ولم يشعر بنفسه سوى وبقدميه تتحرك وتعود به مرة أخرى نحو محل عملها ورائحة الحبهان الرائعة سبقت رؤيته لها لتسيطر على أنفه وتجذبه لها كالسحر.
دلف فهد مرة أخرى واتخذ خطوات متحفزة نحوها ثم ثبت نظرهُ الثاقب بنظرتها المتسائلة وقال:
-خلاص نخلي من حقي.
-نعم؟
(أنت بتقول أيه! بصوت وأداء محمد رمضان).

تساءلت في عدم فهم لما يخرج من فمه عاقدة حاجبيها فأجابها في ثقة وتحدي وهو يعقد ذراعيه معًا:
-اتجوزيني!
-اتجوزك! لا طبعًا أنا مش بتاعت جواز.
شلت الصدمة عقلها فردت ببلاهة دون تفكير، ليعقد ذراعيه في غضب رافضًا التزحزح من أمامها وسأل في تهكم:
-يا سلام ومالك مخضوضه ليه كده اومال بتاعت ايه، شغل حلق حوش في المحلات!
-شوف يا ابن الحلال ياللي مشوفتش ثانية، ثانية واحده تربية.

كتم اعتراضه عندما أحس أنها ستكمل حديثها وبالفعل استطردت بنبرة مكتومة توقع أن مصدر خنقتها ذلك الماضي الذي لازال يسلسل حاضرها..!
-أنا جربت الجواز وعارفة إن بختي فيه زفت ومن الآخر مطلعتش منه غير ببنتي ومش بفكر في الموضوع ده تاني!
انهت جملتها في ضيق وقد تسارعت أفكار تدعوها للذعر والخجل بمختلف الاتجاهات داخل عقلها فأقترب خطوة منها وتابـع بجمود:
-ده كلام فارغ ميدخلش عقل حد عاقل!

-الله بقولك مش عايزة اتجوز هو عافية؟
هدرت بها مذهولة وقد استنفرت كل خلية بجسدها، ليستكمل متسائلا بنفس البرود المستفز:
-خلاص اديني سبب مقنع، ترفضيني بتاع ايه؟!
ضحكت في سخرية ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها واخبرته:
-هو الأستاذ براد بيت ولا حاجة، عادي برفضك وخلاص مش محتاجة مبرر.
اقترب حتى صار لا يفصلهما سوى شعره من الهواء، وكأنه قرر استخدام تعويذة قربه المُربكة والتي تبطل وجود عقلها الذي يستفزه، وطالب:.

-اديني أسباب، ايه عيبي؟
فلوس ومعايا الحمدلله، شغل وبشتغل، بنتك وبحبها وهي كمان بتحبني...
أشار إلى جسده في فخر وقال بوقاحة وغرور:
-شكل ومتناسق ومتقارنيش بيني وبين براد بيت عشان هو خاين وأنا راجل بجد.
كادت تنطلق الحروف بعنف من بين شفتاها لتوبخه فقاطعها رنين هاتفه، فرفع هو اصبعه امام وجهها قبل ان يجيب:
-ألو، طيب أنا جاي إياك تمشي.
اغلق الهاتف ثم أردف مؤكدًا:.

-انا عندي مشوار وراجعلك اياكي تقفلي الا لو عايزاني اطلع اكلمك عند امك وشوفي بنتك فين مش برا!
-مش مستنيه حد أنا، وبنتي مع امي فوق ودي كمان حاجة متخصكش، ومش هكررها خليك في حالك يا فهد عشان تصرفي مش هيعجبك.
حرك كتفيه بتحدي دون اهتمام ثم أبتسم في مكر مؤكدًا:
-حلو أنا كمان بقول أكلم أمك على طول واهو خير البر عاجله.

ذهب وتركها تكاد تنفجر من أفعاله تلك، حياتها أبشع من أن تتحمل مغامرات جديدة، زفرت في تعب فقرار الزواج مرفوض تمامًا فهي لن تضع رقبتها مرة أخرى تحت رحمة رجل يرتوي من شبابها وروحها.
فمنذ طلاقها وهي متخذه القرار بأن تعيش لذاتها ولطفلتها فقط ولكن هؤلاء الرجال يحومون حولها بلا توقف لأغراض تمقتها وجميعهم راغبين في نهشها ومبررهم في ذلك عقيم متمثل في لقب مطلقة.

جلست خلف المنضدة الزجاجية وجسدها لا يزال يرتعش من قربه، يجب ان تتعلم السيطرة على أفكارها والثبات أكثر فـ فهد شاب في مقتبل عمره ولم يسبق له الزواج وبالتأكيد يخادعها هو الآخر مثله مثل غيره وحتى إن صدق فقرارها واحد وهو الرفض...!

تحرك فهد في خطوات سريعة متلهفة للوصول إلى محل عمل زينة بأسرع وقت فلا يزال خجلها ورفضها الغير اعتيادي على طلبه للزواج منها يداعب أفكاره بمرح منذ الصباح، فهذا الرفض هش مُفتعل لا مبرر بعد رؤيته للمعة الحيرة التي تملكت عيناها صاخبةُ المشاعر والمذهولة لطلبه الغير متوقع.

فتح الباب الزجاجي وانتقلت عيناه بشوق يحاول إيجادها وارتفع حاجبه بتساؤل عندما لم يجدها، لكن صوت خبطات ضعيفة نبهته لذلك الباب الصغير خلف المنضدة الزجاجية التي تفصل البائع عن الشاري في نهاية المكان.

لمعت عيناه بمكر حين التفت حولها واتجه ناحية الباب محاولًا رؤية ما تفعله بداخل الغرفة الصغيرة للغاية التي بالكاد تكفي وقوفها داخلها مع تلك الرفوف المحاطة بجدران الغرفة التي لا تتعدى المترين، ليجدها تصارع شوال كبير الحجم تحاول دفعه في أعلى رف وهي الارتفاع لأطراف قدميها، كاد ينفلت من أصابعها وهي تدفعها للداخل كي لا تقع فوق رأسها فهرع نحوها يدفعه عنها للداخل مكتسبًا شهقة وأنين مكتوم منها لقى صداه باهتياج مجنون من المشاعر بين ثنايا صدره قبل أن تلتفت نحوه بأعين متسعة فوبخها بقوله:.

-انتي شهرتك زينة حبهان مش زينة هركيليز على فكرة، كان جابلك ارتجاج في المخ الشوال ده!
كانت تحملق به في سكون عاجزة عن قول أو فعل أي شيء فقط أصابعها المشبوكة أسفل ذقنها بقلة حيلة تهتز قليلًا، ضاقت عينيه باتهام ليخبرها في غضب:
-لو ده هو رد فعلك على أي حد اتهجم عليكي وانتي لوحدك في المحل وديني ما هتشتغلي تاني!

ابتلعت ريقها وقد أنساها غضبه خوفها وكادت تصرخ به عندما أنغلق الباب وسمعت صوت احكامه ثلاث مرات، التفت فهد في صدمة ودفع مقبض الباب في محاولة فتحة وصاح:
-افتح الباب، مين قفل الباب!
علا صوت زينة من خلفه وزادت خبطات كلاهما دون جدوى فألتفت نحوها حين سألت:
-مين اللي قفل الباب؟
-مش عارف، أنتي كنتي مستنيه حد؟
-لا، يلا نفضل نخبط تاني يمكن حد يسمعنا.

انطلقا مرة أخرى في الصراخ والطرق على الباب لفترة طويلة ولكن ما من مجيب.

ابتعد عن الباب واتكأ إلى الخلف بينما وقفا كلاهما في صدد بعضهما في تلك الغرفة الصغيرة كلاً منهما يلتقط أنفاسه بصعوبة، تحركت عينـا فهد لتلتقط مظهر وجه زينة المتعرق.
لمعت عيناه وهو يراقب بشغف تلك الخصلة الناعمة التي تمردت لتتحرر من حجابها وتلتصق بجبينها وجانب وجنتها فتعطيها جمالًا زاد من هلاك قلبه.

بينما تعرق هو لأسباب تفوق حرارة الغرفة للمنغلقة وقد أصبح أول صدره الأسمر لامعًا بقطرات العرق التي تنساب ببطء فتعطيه جاذبية خاصة.
انتشله من سحر اللحظة صوتها الأجش وهي تسأله بفظاظة:
-أنا عايزة أفهم الباب اتقفل ازاي علينا؟
هز فهد كتفاه معًا بقلة حيلة متمتمًا في إجابة مقتضبة عابثة:
-مش عارف.
احتددت مخالب الشك داخل عينيها البنيتان بشراسة وهي تتهمه والغيظ ينضح من نبرتها:
-أنت اللي عملت كده عن قصد، صح؟

هز رأسه نافيًا ولم يستطع كبت تلك الضحكة وهو يضرب كف فوق كف مرددًا:
-إنتي مجنونة منا محبوس زيي زيك، هحبسنا ازاي يعني؟
-امال مين هيعمل كده!
قالتها وكأنها على وشك البكاء بينما بدأت تحرك يداها امام وجهها أملاً في نسمات هواء ثم عقدت يداها معًا في يأس و تذمر طفولي كطفلة في الخامسة عشر من عمرها وليست سيدة في العشرون.
جذب مظهرها الطفولي ابتسامة حانية مُشرقة بشمس شغفه بها.

بعد حوالي ثلاث ساعات...
كان كلاً منهما واقف بمكانه يفصله عن الآخر بعض سنتيمرات، فتأفف فهد باختناق حقيقي ليفتح ازرار قميصه ثم خلع قميصه كاملاً لينتبه لشهقتها الخجولة المصدومة وهي تصيح فيه بصوت مبحوح استوطنه الحرج:
-أنت اتجننت أنت بتعمل إيه؟
إتسعت بسمته العابثة وهو يجيبها بصراحة فجة:
-قلعت القميص الجو حر اوي مش هقدر استحمل، إقلعي انتي كمان!

كلماته الأخيرة الوقحة وذلك الوضع جعل الحمرة تزحف لوجنتيها البيضاء لتجعلها كحبة فراولة شهية.
تعيش خجل وحرج وتشعر بجسدها كله يلتهب بمشاعر حارة تتدفق داخلها لأول مرة وكأنها لم يكن لها سابق تجربة ابدًا في زواج فاشل..
ولكن هل تقارن زوجها السابق القاسي المثير للاشمئزاز صاحب الخمسة والأربعين عامًا بذلك الرجل الوسيم ذو العيون السوداء الوقحة العالق أمامها؟!

اتسعت عيناها بذهول لتفكيرها الغريب لتركز طاقتها على ما خرج من فمه منذ قليل فشعرت بفاهها يُفتح تلقائيًا بطريقة مسرحية وهي تستطرد مصدومة وكأنها لم تستوعب:
-نعم! أقلع إيه أنت الحر لسع مخك خلاص!
فأشار لها بيده وهو يهز رأسه ضاحكًا يوضح لها مقصده وقد مالت نبرته لدرجة من درجات ذلك العبث الرجولي الذي بدأت تعرف معناه امامه:
-مش قصدي اللي جه في بالك يا شقية، قصدي إقلعي الحجاب هيخنقك وشكلنا مطولين اوي.

هزت رأسها نافية بسرعة وهي تدير رأسها للناحية الأخرى على أمل فصل نفسها عن تلك العاصفة الهوجاء من العواطف، ثم همست:
-لأ شكرًا انا عايزه اتخنق.!
تحرك فجأة ليجلس أرضًا أمامها مباشرةً حتى أصبح شبه ملتصق بجسدها قبل أن يتنهد بارتياح، فرمته بنظرة مرتعبة وهي تضع يدها أمام نصف جسدها السفلي غير راضية عن جلسته لتجده يشير لها بيداه:
-انزلي اقعدي انا تعبت اكيد انتي تعبتي بردو ده تذنيب ٣ ساعات.

أشاحت بوجهها للناحية الاخرى وهي تحاول الابتعاد قدر الإمكان عنه دون جدوى ودون إشارة إلي استحالة جلوسها جواره في مساحة المكان الصغيرة التي لن تسمح لها بذلك وإن أرادت.

شهقت فجأة بعنف عندما جذبها من يدها بقوة لتسقط جالسة فوق قدماه المثنية أسفله ثم أحاط خصرها بيداه سريعًا يُقربها منه وهو يُطالع بنيتاها بعمق مستشعرًا نبضات قلبه تطوف متبعثرة كذرات الهواء بذلك الشعور اللذيذ الذي يخلقهُ قربها منه لتلك الدرجة.
لم يفكر أكثر كي لا يحدث أمر يندم عليه ولم يعطها فرصة للنطق إذ قال وهو يميل أمام وجهها مباشرةً بعبث ومكر شقي وأنفاسه اللاهبة تصفع أعلى وجهها:.

-طب ما تتجوزيني وتستري عليا اول ما نطلع من هنا؟!
ظهر الذعر جليًا على وجهها صدمةً من وقاحته وعبثه اللذان لا حدود لهما، ثم حاولت التملص بصعوبة محاولة النهوض وهي تشعر بسخونة جسده الأسمر اللامع يذيبها داخليًا بشعور خارج عن إرادتها وذلك الشعور بالخطأ يرفع من نبضاتها إلى السقف كليًا...

كادت تصرخ في وجهه فوضع كفه فوق فمها قائلًا يشاكسها وهو يحرك حاجباه معًا:
-لا عايزين نكون لزاز مع بعضينا انا عندي صداع مميت وشكلنا هنقضيها كتير هنا.
حاولت التحدث وإبعاد يده فثبتها أكثر مؤكدًا:
-معلش انا أشيل ذنبك ده وماشيلش ذنب موتك مخنوقة!
-انت مش محترم واللي بتعمله ده اكدلي إن قراري كان صح اني لا يمكن ارتبط بواحد سافل زيك.
قالت بتمرد ما إن رفع كفه وهي تحاول الإفلات منه فابتسم بسماجة ثم أردف:.

-لا هترتبطي بعون الله وبطلي تفركي عشان مترجعيش تزعلي!
قالها في وقاحة وهو يعدل جسده ليربع ساقيه ويعدل جسدها ليصبح جانب جسدها قباله صدره وساقيها بالكاد لهما مكان جوارهما لينتهي بها الأمر بثنيهما.
كانت في حالة غير معقودة من الذهول وعقلها توقف تمامًا عن التفكير فيما يحدث لها وفيما يفعله الوقح حين قطع تفكيرها تشنج جسده المفاجئ وسؤاله الحاد:.

-الساعة داخله على ١٢ بعد نص الليل، ايه هي أمك متعودة انك بتسهري كل ده بره، أنا مش سامع حتى رنة موبايل من برا!
زمت شفتيها في غضب ولا اراديًا صفعت كتفه في غيظ وقالت مهددة:
-فهد اتلم احسن لك وبطل تلميحاتك اللي زي السم دي عشان متندمش!
قالتها وهي ترفع اصبعها أمام وجهه في حزم فاقترب في محاولة لالتهامه وهمس:
-ماشي هعديهالك يا حبهان!

سقط الأسم على قلبها بدقة عنيفة ثائرة كالمطرق بين دقات قلبها ثم ضاقت عينيها وهي تزمجر في وجهه رافضة تلوي كل ذرة داخلها بتأثر له:
-اسمي زينة متقوليش يا حبهان.
-ما كل الناس بتقولك حبهان ولا هي جت على الغلبان أنا!
عقدت ذراعيها وابعدت وجهها الأحمر عنه ثم أكدت في حدة:
-الناس القريبة مني بس اللي بتقولي كده، انا معرفكش عشان تقولي كده.
شد على خصرها ليكسب شهقة خجلة منها وهو يخبرها في مشاكسة:.

-بس اللي أنا شايفة إني أقرب حد ليكي دلوقتي يعني من حقي إني أقولك يا حبُ، هان..
أنهى جملته بابتسامة واسعة بعد أن زادت حمرت وجهها وكاد يمد أصابعه لفك حجابها لكنها صاحت في غضب:
-خلاص خلاص انا في حضنك حرفيًا هنموت كفرة أيه أكتر من كده، مالكش دعوة بالطرحة بتاعتي.
لم يستطع كبت ضحكته فانفجر ضاحكًا من قلبه ثم حرك كتفيه بمرح قائلاً:
-أنا قولت بجملتها يعني، ثم انتي هتكوني مراتي قريب قولت اقصر الطريق.

خرج منه زمجرة مكتومه عندما التقى مرفقها بمعدته قبل ان يبتسم لسماعها توبخه:
-إياك تفتح بؤك وتتكلم معايا تاني لحد ما المصيبة دي تخلص او نموت في ستين داهية، ممكن؟!
-انتي حرة بس عنيفة أوي يا حبهان.
قالها بمشاكسة مستمتعًا بغضبها الذي يجعلها لذيذة، ثم امسك مرفقها قبل أن يقابل معدته مرة أخرى وحذرها:
-خلاص قولنا، سكت اهوه.

ثم استند بظهره اكثر وساد الصمت بينهما فقط رائحة الحبهان المطحون في أعلى الرفوف والتي اشتهرت بمذاقة الحاد في طعامها الرائع الشهي مثلها، هز رأسه وترك رائحة الحبهان تداعب حواسهم خاصة هو كي يشغل جسده عن حواس أخرى.

تململ فهد في نومته يشعر بثقل وتنميل في ذراعه وقدماه، فبدأ يفتح عيناه ببطء ليخترق مرمى بصره مظهر زينة وهي تغط في نوم عميق بين أحضانه كطفلة امتزج جنونها بذلك الحنان المنبثق من بين احضانه فاستكانت خلاياها خاضعة لذلك الارتياح الذي لم تناله منذ زمن..!

اشتدت ملامحه متوجعًا يشعر وكأن قدماه وذراعه قد توقف عن الشعور بهما تمامًا، ولكنه لم يحاول تحريكهما حتى لا يزعج نومتها، يكفيه مظهرها وهي تحرك وجهها لتتمسح به دون شعور كالقطة الوديعة تتلمس دفئ احضانه...

بقي كهذا لدقائق مُقرب وجهه منها جدًا يراقبها دون كلل او ملل ولم تتحرك عيناها من وجهها الأبيض الذي يشع ضي وفتنة، يشعر أن كل ساكن متبلد داخله يصبح ثائر أهوج مُهتاج بتميمة عشقها التي لا تردع تأثيرها عنه!
إلى أن أحس بضرورة الابتعاد عنها وإلا حدث ما لا يحمد عقباه، أجبر نفسه على التنفس بصوت عالي وهو يبعد وجهه عنها كي لا يحرج ذاته بردود أفعال مراهقة.
ولكنه لم يستطع...

و تكاتل عليه عواطفه لتقمع أي سلطة للعقل وتترك للقلب القرار فتنفجر كل ذرة به متأوهً بالشوق وتندفع شفتاه دون لحظة انتظار اخرى نحو شفتاها لتتقابل الشفتان في أول وصال حار أذاب ما تبقى من تحكمه، استيقظت هي حينما شعرت بكتمان أنفاسها فحاولت التملص من بين هجومه العاطفي العنيف الذي شنه عليها، ولكنه لم يسمح لها إذ أمسك وجهها بين يداه مثبتًا إياه بقوة بين ذراعاه ليسنح لشفتيه امكانية اجتياح شفتاها بجموح اكبر...

ولم يكن منها إلا أن شعرت برفضها ذاك أصبح مجرد شوكة اقتطفها ثوران مشاعره في طي هجومها لتذوب هي كليا معه في تلك القبلة المجنونة فصارت مستسلمة بتيه تتلقى مشاعره غير قادرة على مجاراة شغف لم تعلم عنه شيئًا من قبل...

دامت تلك القبلة لدقيقتان تقريبًا، ثم حدث ما لم يكن متوقع إذ وجدوا فجأة الباب يُفتح وصوت ضجة وأناس بالخارج جعل كلاهما ينتفض مبتعدًا عن الآخر، وعقل كلاهما واقف عن العمل، فدلف ذلك الرجل الأرمل الذي كان يزعجها في بالأمس متقدمًا هؤلاء الناس وهو يشير نحو زينة و فهد ويصيح بانتصار مشمئز:
-اهوه جالكم كلامي شوفتوا بعينكم المطلقة الطاهرة العفيفة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة