قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والأخير

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والأخير

نوفيلا جلمود صخر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والأخير

قال زمردة:
مابال سيدتى اليوم شاردة؟
نظرت إليها قمر قائلة بإضطراب:
لا أدرى يازمردة، ولكن لدي شعور يقلقنى، ويطير النوم من عينى، أحلامى تخبرنى أن شيئا سيئا سيحدث وأخشى أننى لن أستطيع له منعا.
ربتت زمردة على يد قمر قائلة بحنان:
إطمئنى ياسيدتى، إنها أضغاث أحلام، لن يحدث شيئا سيئا لمملكتنا الحبيبة بعد الآن.
نظرت قمر إلى زمردة قائلة بقلق:
ولكنى لا أخشى على المملكة، بل أخشى على ملكها يازمردة.

نظرت زمردة إليها عاقدة حاجبيها بقوة لتومئ قمر برأسها مستطردة:
نعم هناك خطر يحدق بمولاي صخر وأخشى أن هذا الخطر قريب، بل أقرب مما نتصور، أشعر به في قلبى وأدرك أنه حقيقي، بل أكاد أوقن من ذلك.
قالت زمردة بثبات:
إذن فلندعو الله جميعا أن يحميه يامولاتى وأن يبعد عنه كل سوء.
نظرت قمر إلى السماء مبتهلة في همس:
يارب، يارب يازمردة.
فجأة إقتحمت الجناح جارية من جوارى القصر قائلة في هلع:.

مولاتى، لقد هربت الملكة جولنار وهي الآن تقتحم القصر مع رجالها وتتجه إلى الديوان.
لتتسع عينا قمر في، فزع.

كان صخر يجلس على كرسي العرش ينظر في أمور مملكته مع وزيره الجديد سيف الدين، وما أدركه من مستجدات بخصوص هروب تلك المشعوذة الملعونة، حين إقتحم الديوان كل من جولنار والوزير السابق مظفر وعدد من الرجال، لينهض صخر بثبات، ينظر إليها بقوة لتبتسم هي بشماتة قائلة:
مرحبا أيها الصغير؟ها قد إلتقينا من جديد.
إبتسم صخر بسخرية قائلا:.

لقاء غير مرغوب، ووجودك في قصرى غير مطلوب، فإرحلى الآن بسلام، قد تركت لله الإنتقام، قبل أن أغير رأيي وأسجنك مجددا، أوربما أقتلك وهذا لك بالطبع غير محبوب.
إختفت إبتسامتها من على شفتيها قائلة بحنق:
مازلت مغرورا يافتى، وتظن أن بإستطاعتك حبسى مجددا، أو ربما قتلى، فلتنظر جيدا، في يدى صولجانى لم تأخذه منى كالسابق على حين غفلة، بل أمسك به بين يدي الآن وأستطيع تحويلك إلى جرذ ربما، فلا تطلق الترهات مهددا.

إتسعت إبتسامة صخر الساخرة وهو يقول:
هيا فلتفعلى، ماذا تنتظرين؟
عقدت حاجبيها قائلة:
ألا تخشانى يافتى؟
تذكر كلماتها الآن ليقول بإيمان وقوة:
لا أخشى إلا الله.

توترت ملامح الساحرة جولنار في نفس الوقت الذي ولجت فيه قمر إلى القاعة تتبعها زمردة، لتستمع إلى كلماته، ورغم الخوف الذي يملأ قلبها إلا أنها لم تملك سوى أن تنظر إليه بإعجاب وعشق ملك كيانها، لينظر إليها صخر بعيون إمتلأت بالقلق عليها لوجودها الآن في خطر مع وجود تلك الساحرة المأفونة، والتي بدورها لاحظت قلقه على تلك الفتاة الجميلة لتلمع عيونها بنظرة أدركها صخر، هرع بسرعة إلى مليكته يود أن يفديها بروحه وهو يرى يد تلك الساحرة التي أدارتها بصولجانها بإتجاه حبيبته تود بها سوءا، ولكن قبل أن يصل إليها كانت الساحرة قد أصابتها بشعاعها لتتحول قمر إلى تمثال صخري في نفس الوقت الذي ظهر فيه الحراس من كل مكان يحاوطون رجال الساحرة، يقاتلوهم بقوة، بينما إتسعت عينا الساحرة وهي تحاول أن تصيب بصولجانها بعض الرجال منهم لتصيب أشعتها رجالها الذين إتخذوهم الحراس درعا، وبينما إنشغل الحراس مع أتباع جولنار.

استل صخر سيفه وإتجه إلى هدفه، يقتل به كل من يقابله من رجال الساحرة ليصل إليها مستغلا وقوع صولجانها من يدها وإرتباكها للحظات، يبغى إنتقاما أسودا ممن حرمته من والده وسلطانه وأخيرا حبيبته التي حولتها إلى صخر، حتى وصل إليها بالفعل، ليرفع سيفه يكاد يطيح برقبتها، ولكنه بوغت من قبل مظفر بضربة من الخلف أطاحت بسيفه بعيدا، ثم أمسكه مظفر ورجل آخر من رجال جولنار، يثنيان ذراعيه خلفه بينما يحيط مظفر رقبته بيده الأخرى بقوة، قاومهما صخر كثيرا وكاد أن ينجح، لتمسك جولنار صولجانها توجهه نحوه تريد إنهاء مقاومته للأبد، إنطلق شعاعها بإتجاهه ولكنه إستطاع الإفلات من مظفر في تلك اللحظة ليصيب إشعاعها هذا الأخير الذي تحول إلى جرذ على الفور، ليسرع هاربا من الأقدام التي قد تدعسه، ليضرب صخر الرجل الآخر برأسه ليفقده الوعي، بينما أصاب جولنار الحنق لتسدد صولجانها بإتجاهه مجددا، تبغى إصابته قائلة بحقد:.

لن أحولك لتمثال صخري ولن أبدلك لجرذ بل سأقتلك الآن ياصخر وأمحى إسمك من الوجود بأكمله.
أدرك صخر تلك المرة أنه هالك لا محالة، فلم يخشى الموت بل نظر إلى عينيها بقوة أرهبتها ونطق الشهادة، ينتظر شعاعها المميت مؤمنا أنه فعل كل ما بوسعه للقضاء عليها، ولكنها إرادة الله رغم كل شئ، ليراها تعقد حاجباها بشدة وتتسع عيناها بقوة رعبا، ثم سمع صوتا يأتى من خلفها، صوت يعرفه جيدا، إنه صوت العرافة وهي تقول بهدوء:.

مرحبا ياأختاه.
وقبل أن تلتفت إليها الساحرة الشريرة، وضعت العرافة يدها على كتف جولنار، لتتحول على الفور إلى ذرات ذهبية مشعة تزول ببطئ، لتقول لأختها بذهول:
لماذا؟
قالت العرافة بثبات ويقين:
لإن لكل ظالم نهاية وقد حانت نهايتك ياأختاه، فبيدى أخلص العالم من شرك وأزول معك بدورى، فقد صمت كثيرا على أفعالك الشنعاء، ولكنى لم أعد أحتمل فلو تركتك لزالت البشرية جمعاء.

صرخت جولنار برعب قبل أن تختفى كلية، لتنظر العرافة إلى صخر الذي يطالعها بحزن، يدرك تضحيتها بنفسها من أجل خلاص الدنيا من شر أختها، ليراها وهي تتحول إلى ذرات فضية متناثرة بدورها فإبتسمت قائلة:
فقط الحب هو ما يذيب الصخر ياصخر.

لتتلاشى كلية، وسط دهشة الجميع، أفاق صخر من حزنه و ذهوله، لينظر إلى مليكته التي مازالت تقف في مكانها كتمثال صخري وبجوارها زمردة تبكيها، إلى جانب حراسه الذين إستطاعوا القضاء على باقى رجال جولنار، ليصرخ بالجميع أن يغادروا القاعة الآن ويغلقوا أبوابها، نفذ الجميع أوامره، وهم يرون ان ملكهم حزين بل يغمره الحزن حتى النخاع،.

إقترب صخر من حبييته يتأملها بعيون قد شع فيهم قهره وكمده، فلقد إختفت الساحرة قبل أن تعيد إليه حبيبته بصولجانها اللعين، مد يده يتلمس ملامحها المرتعبة القلقة، ليدرك أن آخر لحظاتها كانت بسوء لحظاته الآن وهو يراها هكذا لا روح فيها ولا حياة تنبض في قلبها لتنبض خفقاته بدورها، الآن قد ذهبت وذهب معها كل شئ، ياليتها قضت عليه تلك الساحرة الشريرة لتخلصه من هذا الألم الذي يمزق أحشاؤه الآن، ياليتها قتلته وتركت قمره تنعم بالحياة، تلك البريئة الجميلة التي لا ذنب لها سوى أنها أحبت مملكتها وعشقت ملكها، ولم تبخل عليهم بروحها، فضاعت روحها فداء.

نزلت دموعه في صمت يضم بيديه تمثالها إليه يود لو بعث فيها من روحه لتعيش هي حتى وإن مات هو فلا يهم، فدونها حقا هو جسد بلا حياة، أغمض عيناه ألما تتراءى له ذكرياته معها واحدة تلو الأخرى، ليبتسم تارة ويغمر ملامحه الحزن تارة أخرى، تتردد كلماتها في أذنيه تبعث النبض في عروقه، ليتوقف لثانية وكلمات أخرى تتردد في أذنيه ليفتح عيناه وهو يردد قائلا:
فقط الحب هو ما يذيب الصخر.

ليتأمل وجهها الصخري في عشق قبل أن يميل مقبلا ثغرها بمشاعره التي تنبض الآن بعشقها، إبتعد عنها ينظر إليها بلهفة، لم يرى لها تحولا، بل مازالت كما كانت، تمثال صخري لا روح فيه ولا حياة، ليشعر بالألم وهو يضمها مجددا، تتساقط عبراته على وجهه، يشعر في أعماقه باليأس والإحباط، يوقن أن أمله الأخير قد ضاع إلى الأبد، ليردد بتعاسة من أدرك أن حياته إنتهت بدورها:
وااااحبيبتاه، واااقمراااه.

ليسمع صوتها مرددا بهمس عاشق:
لبيك حبيبى ومولاي.
أبعدها عن حضنه يرى وجهها الذي عاد لطبيتعه يتبعه جسدها ليصبح لينا بين يديه، حيا، بعد ان كان جامدا صخريا، ليبتسم بسعادة ويعاود إحتضانها بقوة مغمضا عينيه مرددا:
حمدا لله، حمدا لله.
قالت برقة:
مولاي ما بك؟أتعتصرنى عشقا أم تقتلنى شوقا؟
أخرجها من أحضانه قائلا وهو يتأمل ملامحها بعشق:.

بل أتأكد محبوبتى من أن روحى قد ردت إلي بعودتك إلى حياتى، قد كنت مثلك الآن، قد أحط قلبى بجلمود حتى صار جلمودا بدوره، فحطم عشقك جلمودى وأعاد قلبى الصخري حيا، اما عشقى فأزال الصخر فقط من على جسدك ولكن ظل نبضك من أعادنى إلى الحياة.
إبتسمت قمر وهي تمد يديها تحتضن وجهه بكفيها قائلة بعشق:.

إن كنت أعيدك حيا، فقد أعدت أنت النبضات لمملكة الفيروز، وجعلتها تخفق بالحياة، لتستحق أن تصبح عن جدارة ملكها وملك فؤادى يامولاي.
إبتسم بحنان قائلا:
صخر، إسمى صخر ياقمرى.
إبتسمت ليميل مقبلا ثغرها الكرزي بقبلة أودعها عشقه وأودعتها هي بدورها، كيانها العاشق.

كانت قمر تنظر إلى خارج القصر من شرفة جناحها الجديد هي وصخر، تتأمل هذا الجمال الساحر للسماء في تلك الليلة بنجومها الرائعة وقمرها المستدير والذي ينير صفحتها بديعة التكوين، حين ولج صخر إلى الجناح فرآها قمر ينير جناحه كما ينير البدر تلك السماء، إلتفتت تنظر إليه برقة فرفرف قلبه بأنشودة عشق أبدية وتردد في أذنيه صوت الغناء، فإقترب ببطئ منها ومع إقترابه زادت دقات خافق قمر ليعلو صوتهم ويدوى صداهم في كل الأرجاء،.

توقف أمامها يبتسم بحب قائلا:
عندى لك خبر أدرك أنه سيسعدك حبيبتى ويزيدك فرحا وضياء.
إبتسمت بدورها قائلة:
أخبارك كلها تسعدنى وتسعد مملكتنا وتزيدها بهاء، فهلم مولاي أطلعنى على آخر الأنباء.
أمسك يديها مبتهجا بكلماتها التي تدخل السرور على قلبه ليقول بحب:.

لقد ساعدت قاسم اليوم بمبلغ من المال بعد أن خسر ماله كله، نزولا على رغبتك النابعة من طيب قلبك ورغم أننى غير راض بالمرة عن ذلك، كما إنتهت تعديلات منزل والديك وبالغد سنفتتحه وسيكون ملجأ للأيتام، كما أرادت مولاتى وتمنت.
ظهرت الفرحة جلية على ملامحها وهي تقول بعيون دامعة:
أسعدت قلبى وأبهجت روحى بصنيعك يامولاي، وأثق أنك شاركت الجميع في عملهم بالملجأ، وكنت لهم مشجعا وأكملت العمل على خير مايرام.

نظر إلى عمق عينيها قائلا بحنان:
لا تشكرينى فقد كان من دواعى سرورى أن أشارك في هذا العمل الجليل، وأن أحقق في نفس الوقت رغبة حبيبتى ومولاتى.
تأملت عيونه بعشق قائلة بدلال:
صرت ملكا وزوجا رائعا يامولاي.
رفع يده يمررها على وجنتها قائلا:
إذا مولاتى راضية عني، حسنا هذا يسعدنى بالتأكيد.
قالت له برقة:
ويسعدنى أن أعرف بدورى لماذا نقلت مسكننا لهذا الجناح الجديد يامولاي؟

ظهرت لمحة من الحزن بعمق عينيه وهو ينزل يده يقول بتنهيدة:
هذا جناح أبى وأمى، قد حرمته علي حين كنت أبغى إنتقاما من جنس النساء، أما وقد إنتهى عهد الضغينة والإنتقام وبدأ عهد العشق والوفاء، فقد آن الأوان، لأعود إليه، حان الوقت لنملأ جنباته بعشق أبدي، كما كان عشقهما بالماضى.
ضمت يديه بحنان وهي تقول:
تمنيت لو رأيتهما، كنت بالتأكيد أحببتهما.
إبتسم قائلا:
ولكانا أحباكى بدورهما، كما أحبك ولدهما يامليكتى.

إبتسمت قائلة بعشق:
وأنا بدورى أحببت ولدهما يامليكى.
إبتسم مقتربا منها أكثر قائلا:
ألا تشتاقين لسعد؟وعبائته بلثامها و التي تخفى ملامحك عن الجميع؟
إبتسمت هامسة وهي تضع يدها على قلبه:
لم تعد مملكتنا بحاجة إليه فقد فعل ملكها ما جعل وجود سعد غير ضروري بالمرة، وأثق أننا لن تحتاجه مجددا ولن تحتاج مملكتنا لخدماته، في وجود هذا الملك الكريم، ذو القلب الذهبي العظيم.
قال صخر بخبث:.

بل سمعت أنهم يحتاجون لشئ آخر، يطالبون به ليلا ونهارا وقد نويت أن أمنحه إياهم.
عقدت حاجبيها قائلة:
وما هذا الشئ الذي يرغبونه بشدة يامولاي؟وتنوى منحهم إياه؟
إتسعت إبتسامته قائلا:
وريث للملكة ياحبيبتى.
قالت بخجل:
صخر.
ليهمس أمام شفتيها قائلا بعشق:
هلك صخر.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة