قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

كان يبحث عنهما حتى رآها تتنقل بين الخياطين، تترك ملاحظاتها هنا وهناك بينما تتبعها طفلته تمسك بدفتر صغير تدون فيه بعض الكلمات، تسألها علي مايبدو شيئا فتترك مابيدها مهما كان وتميل حتى تواجه الصغيرة تجيبها بابتسامة حانية قبل ان تعود إلى محدثها. هل يمكن أن يتضخم القلب عشقا حتى تشعر به يكاد أن ينفجر مطالبا بقرب حتمي ليشبع رغبة هائلة في ان يكون حد معشوقه لتشعر أنت بأنك تتنفس الهواء الذي يتنفسه الحبيب فترتاح خفقات القلب. هذا ماشعر به أدهم لينساق وراء رغبته ويقترب منها يقف خلفها تماما فأبصرته نفين أولا تقول في سعادة: بابي.

استدارت هند بسرعة مما أربك خطواتها فكادت تسقط إلى الخلف ليمسكها بيديه قبل ان تفعل وجدت نفسها تتطلع إلى مقلتيه فقط تقرأ كلمات سطرت بهما فأعجزتها عن التحية حتي. تنهل من هذه المشاعر التي أطلت من نظراته فتحول عالمها إلى اللون الوردي حتى كادت أن تري الفراشات من حولها لتستفيق علي صوت الصغيرة تقول: بطل يابابي عشان مخليتش طنط هند تقع.

استقامت هند علي الفور فترك ذراعيها وهو يمرر يده في شعره باضطراب يطالعها وجهها الذي احمر خجلا وقد كاد في غمرة مشاعره أن يتبع رغبات قلبه حتى النهاية ويميل مقبلا ثغرها لترتاح خفقاته التي تسارعت تطالب بارتواء للمشاعر وهل هناك ارتواء أكثر من تلاحم ثغرين عاشقين ينهلان من الحب قدر استطاعتهما فيشعران باتحاد الروح قبل الجسد.

جلس علي ركبتيه يواجه طفلته قائلا: مش كفاية كدة يانفين؟ أكيد تعبتي طنط هند، انت طول اليوم معاها.
ولا تعب ولا حاجة. نيفين منوراني ومفرحاني بوجودها معايا.
رفع عيونه إليها فوجدها تطالع الصغيرة بحب بينما قالت نفين: شفت يابابي أهي قالتلك اني منوراها.
ابتسم يداعب غرتها وهو يقول: خلاص ياستي ربنا يهنيكم ببعض، ممكن طيب أعزمكم علي العشا؟ أنا جعت قوي يانفين.
لينهض قائلا: ايه رأيك ياهند؟

ظهر التردد علي وجه هند وهي تقول: الحقيقة لسة ورايا شغل كتير و...
قاطعها وهو يتطلع إلى عينيها بنظرته التي تربكها قائلا: الشغل مبيخلصش وانت لازم ترتاحي عشان تقدري تكملي وبعدين ياستي قلتلك جعان. ولو مأكلتش معاكم مش هاكل وهموت من الجوع.
أمسكت نفين بجانب فستان هند قائلة: بليز وافقي ياطنط، أنا كمان جعت. وعايزة آكل شيش طاووق.
ابتسمت هند قائلة: تكرم عيونك ياقمر.
مد أدهم يده إلى نفين قائلا: يلا بينا.

أمسكت الطفلة يده بينما مد يده الأخري لهند فترددت للحظة قبل أن تتأبط ذراعه، تشعر بكل العيون ترمقهم وهم يغادرون، يحسدونها بالتأكيد علي صحبته واهتمامه، بينما كان يفكر أدهم بنفس الشيء، يدرك بكل يقين أنهم يحسدونه عليها ومن منهم لايتمني صحبة فتاة بهذا الجمال وتلك الطيبة والموهبة؟

دي آخر ورقة هتمضيها عشان نبعتها للشركة ونجيب الاكسسوارات اللي نقصتنا.
ذيلها خالد بتوقيعه قبل أن يمنحها لصفية التي وضعتها مع باقي الأوراق قائلة: تمام كدة. هبعتهم علطول.
كادت ان تغادر فأمسك يدها يمنعها من مغادرة حجرته فطالعته بحيرة ليقول بحنان آسف: معلش تاعبك معايا ياصفية. انا بقيت كويس بس الدكتور اللي مصمم منزلش الشغل دلوقت.
ابتسمت قائلة: صدقني مفيش أي تعب.

ثم سارت باتجاه الباب يتابعها بحب لتتوقف فجأة وتستدير تتطلع إليه قائلة: عارف أكتر حاجة بحبها فيك إيه؟ احساسك ده.

قالت كلماتها واستدارت مغادرة بسرعة لينظر بإثرها في عدم تصديق. هل اعترفت أنها تحبه للتو؟ نعم كلماتها لا تحمل معني آخر. انها تحبه. اليوم هو أسعد أيام حياته، سينتظر صعود والدته إليه يحجرته وسيطلب منها أن تتحدث مع الخالة نبيلة في امر زواجه من صفية وسيكون حفل الزفاف في أقرب وقت. فقط سينتهون من عرض الأزياء ثم يعقد قرانه عليها دون تأخير.

كانا يبتسمان بينما يشاهدان نفين تلعب مع الأطفال في ملعب هذا المطعم الشهير والذي أصر أدهم ان يصطحبهما إليه، رفعت هند كوب العصير إلى ثغرها ترتشف منه حين سمعت أدهم يقول بحزم: تتجوزيني؟
شرقت فأسرع يمنحها بعض المياه فشربت القليل وهي تطالعه بصدمة بينما ظهر القلق علي وجهه قائلا: أنا آسف. معلش. غصب عني فاجئتك. بس والله لقيت الكلمة علي لساني فمقدرتش أحوشها.
يعني انت مش قاصدها؟

لأ طبعا عايز أتجوزك بجد بس الحقيقة كنت مأجل عرضي لحد ماأتأكد من مشاعرك. كنت حابب أديكي فرصة انت كمان تتأكدي من مشاعرك وتشوفي لو حابة تكملي حياتك معايا. لكن في اللحظة دي واحنا متجمعين كعيلة اتمنيت نفضل كدة فلقيتني بعرض عليكي قلبي وحياتي وبنتي واسمي وبتمني تقبلي وتحققي أمنيتي.
أدهم انت فعلا فاجئتني بطلبك بس لازم تعرف اني مبخلفش، يادوب شهر وبجهض وده ملوش سبب ولا علاج.

عارف وميهمنيش صحيح كان نفسي يكون ليا طفل منك بس دي ارادة ربنا وراضي بيها، انت كفاية قوي عليا. وجودك جنبي انت ونفين بالدنيا دي كلها.

وجدت نفسها تقارن بينه وبين عادل في هذه اللحظة لتشعر بمرارة شديدة في الحلق جعلتها تطرق برأسها لثوان قبل أن ترفع رأسها إليه تطالعه قائلة: انت قلتلي اني طول مابكره عادل وبيخطر في بالي يبقي لسة منستوش. طول ماذكراه بتوجع قلبي يبقي لسة في حياتي ودلوقت غصب عني قارنت بينكوا انتوا الاتنين ورغم ان مفيش اصلا وجه مقارنة لكن وجع قلبي ومرارة جرحه أكدولي اني لسة منسيتهوش. هتزعل لو طلبت منك وقت كمان. مش عشان اوافق عليك لاني موافقة طبعا ودي مفيهاش مجال للشك لكن الوقت ده عشان اتأكد اني حقيقي نسيته وقادرة افتح صفحة جديدة من غير أي ماضي يعكنن علينا فرحتنا.

مد يده يمسك يدها قائلا: صراحتك ووضوحك بيأكدولي حاجة واحدة. ان قلبي عرف يختار. مستعد أديلك الوقت اللي محتاجاه ولو هستناكي العمر كله، قلتلك كفاية عليا أكون جنبك وتكوني جنبي ياهند.
طالعته بنظرة حب جعلته يوقن أنه لن ينتظر كثيرا حتى يحصل علي موافقتها النهائية، بضعة أشهر أو أسابيع وربما، أيام.

وقفت العارضات مصطفين علي المسرح بينما تقدم أدهم يصطحب هند ثم بعدهما خالد يمشي مصطحبا العارضة الأولي والتي لم تكن سوي صفية التي أصرت هند علي ان ترتدي هي ثوب الزفاف دون غيرها لتكون الليلة احتفالا علي صعيدهم المهني والشخصي فهي ليلة العرض وليلة زفاف العروسين خالد وصفية. صفق الحضور بقوة ليبتسم الجميع بسعادة وقد لاقي العرض استحسان الجمهور الكبير الذي لبي الدعوة احتفالا بدار أزياء متميزة كالصفوة وحضور حفل زفاف أحد ملاكها. ليرفع خالد أنامل صفية ويقبلها أمام الجميع قبل أن يحملها ويدور بها رغم رفضها وخشيتها علي جرحه ولكنه طمأنها بكلمة أحبك التي صرخ بها فهلل الجميع، مال أدهم علي أذن هند قائلا: كان نفسي أعمل زي خالد بس معلش ملحوقة ياقمر.

ابتسمت هند بخجل ثم طالعت أخاها وزوجته وسعادتهما الواضحة علي وجهيهما لتوقن من أن الله ان أصاب عبدا بابتلاء فله حكمة فإن ارتضي العبد وحمد الله جزاه الله خير الجزاء ومنحه أكثر مايتمني.

إيه ده؟ أنا صاحية ولا نايمة؟ مش دي هند ولا أنا بتهيألي؟ آه والله هي؟ ايه الجمال ده كله والشياكة دي كلها؟ طالعة في التلفزيون ياهند. بتقولوا ايه؟ هي اللي مصممة كل الفساتين دي؟ والله ولعبت معاكي يابنت محاسن. طب جت ازاي دي؟ شكلك كمان مش تعبانة وشعرك رجع احلي من الأول وحلاكي بزيادة. يكونش غلطوا وبعتولك تحاليل واحدة تانية زي اللي بنشوفه في الافلام؟ آه ياضنايا لو شفتها دلوقتي. هتتحسر علي نفسك أكتر مابتتحسر.

هند مين دي كماني اللي يشوفها ياولية انت، جنيتي إياك؟
انتفضت نجية علي صوت وردة الحانق فقالت باضطراب: يوه. خضتيني ياوردة؟ ده انا كنت بتفرج علي التلفزيون، بيقولوا هند طليقة عادل هي اللي معمول لها الهليلة الكبيرة دي النهاردة فكنت بكلم نفسي. محصلش حاجة يعني؟

اتسعت عينا وردة باستنكار وهي تطالع هند في التلفاز وهم يجرون معها حديثا لتقول بغل: وه. وه ايه اللي جاب النيلة دي اهنه، هي مش كانت عتموت وبتطالع في الروح؟
يحيي العظام وهي رميم.
اجفلي الهباب ده جبل ماياجي عادل بدل ماأكسره بيدي.
قفلته أهو. ايه غيرانة من ضرتك ياوردة؟
قالت باستنكار: آني اغير من البت الماسخة دي. وبعدين دي مبجتش ضرتي ولا نسيتي اني جوزي طلجها جبل مايتجوزني.

لأ منسيتش بس انت عارفة طلقها ليه ومش بعيد لو شافها كدة يروح يطلبها للجواز تاني.
هتمي يومك ياولية وتبطلي تحرجي في دمي ولا أخربها عليكي وأرتاح منيكي عاد؟
عقدت نجية حاجبيها قائلة: قصدك ايه؟
تخصرت وردة قائلة: هجول لجوزي علي عمايل أمه اللي خربت عليه جبل سابج واللي جلتيها لأبوي عشان تثبتيله انك كنت رايداني آني وعملتي المستحيل عشان عادل ياخدني.

شحب وجه نجية بينما تعدد وردة علي أصابعها مردفة: هجوله انك كنت بتحطي لهند برشام يسجطها لمن بتعرفي انها حامل ومكنتيش تعرفي انه إكده إكده هينزل ياحزينة. وهجوله انك كنت بتسممي ودانه بكلام محصلش عنيها وكنتي بتسممي بدنها هي كماني في الراحة والجاية ومكنتش بترد عليكي وانها كانت عتطفح الدم في شغل البيت حتى وهي مرضانة وكنتي بتجوليله انها جاعدة هانم وفايتاكي تشتغلي وحديكي مش اكده؟

لأ ياوردة أبوس ايديكي متقوليلوش حاجة. ياهابلة هيرجع ليها ويسيبك.
ميجدرش. أبوي ماسكه من يده اللي عتوجعه و بعدين حد جالك انه حتى لو عملها هترضي بعد مافاتها وهي مرضانة؟

فتح الباب في هذه اللحظة وأطل منها عادل يطالعهما بوجه مصدوم. شهقت وردة بينما جلست نجية علي اقرب كرسي وقد عجزت قدماها عن احتمالها، اقترب منهما عادل يقول بألم: قد كدة انا رخيص عندكم ومليش قيمة؟ قد كدة قلبي بالنسبة لكم ولا حاجة تجرحوه وتعذبوه ولا يهمكم غير نفسكم واحلامكم وبس. مش غلطتكم. دي غلطتي. أنا اللي سمعت كلامك ياامي ومشيت وراه فضيعت اللي كانت فعلا مهتمة بقلبي وخايفة عليه وانا اللي استسلمت للطمع فاديت لواحدة زيك اسمي ياوردة وخدته منها هي. الوحيدة اللي حبيتني بجد. كان لازم ده يكون جزائي. كان لازم دي تكون النهاية.

سي عادل آني...
إخرسي. مسمعش صوتك تاني. انت طالق ياوردة طالق.
اتسعت عيناها في صدمة بينما أرسل عادل لوالدته نظرة جمعت بين الألم والحسرة وخيبة الأمل قبل أن يغادر المكان بسرعة وكأن الشياطين تطارده.

توقف فجأة وهو يري صورتها علي شاشة التلفاز تبتسم بعفويتها التي لا حد لها، شعر بأنه يشعر بالبرد فدثرته ابتسامتها بدفء تاق له، كيف أصبحت هكذا؟ هل زاد جمالها في الفراق؟ هل صارت أفضل؟ بكل تأكيد بينما هو قد آل حاله إلى الضياع. وجد هذا الرجل الذي يبدو كممثلين السينما يقف جوارها، يبتسم هامسا في اذنها ببضع كلمات فابتسمت بدورها في خجل، قبض يده بقوة. يعرفها جيدا ليوقن انها تحمل لهذا الرجل بعض المشاعر، اتجه بغضب إلى تلفاز المقهي وحمله ثم طرقه ارضا بقوة فتحطم، أمسكه صاحب المقهي ينوي الفتك به فتجمع بعض زوار المقهي يحولون بين صاحب المقهي وعادل، يحكمون عليه بدفع المال كتعويض له عن التلفاز فوضع يده بجيبه واخرج رزمة من المال ألقاها إلى صاحب المقهي ثم رحل ليضرب الرجل كف علي كف يدرك انه مجنون ليدفع ثلاثة أضعاف ثمن التلفاز ويرحل هكذا بينما كان عادل يمشي في الشارع وكلمات أغنية قريبة تتهادي إليه. تجعل الدموع تتساقط علي وجنتيه كشلال من المطر الذي لا ينضب.

يا وجع القلب
يا دنيا واخدة مني كتير
وسايبالي جرح وجعه كبير
أشوف وشك خلاص علي خير
يا فرحة في قلبي مكسورة
يا حلم حلمته ومطولتوش
كلام جوايا منطقتوش
يا بر أمان وموصلتوش
حياتي ع الهم مجبورة
وزيد ع الهم هم كمان
وع الدمعه بحور أحزان
أنا فيا معادش مكان
يتحمل فراق غاليين
يا وجع القلب ملازمني
وقاطم ضهري وكاسرني
في مين في الحزن يقاسمني
يشيل عني اللي حاسس بيه
يا واخد مني أغلي الناس
وكاسر فيا أنا الإحساس
هموم الدنيا لو تتقاس.

هتبقي أقل من اللي أنا فيه
يا وجع القلب إيه مالك
مفيش غيري يعني قدامك
عليا حلفت حلفانك
ماشوفش الراحة لو ليومين.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة