قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

إلي متي سيظل القلب يإن للذكريات، يوجعه أقل شيء يجعلني أدرك غيابك، أختنق حين أتلفت حولي ولا أجدك. وأشعر بالألم حين أري طيفك وأدرك أنه لا يستطيع احتوائي. أصبح نهاري كليلي ظلمات لا يتخللها ضوء، الحزن يرعي لحظاتي والدموع تؤنسها، ليقفا بين الجسد والمهاد ويتركاني أعاني مرارة الفراق.
مسحت دموعها برقة تطالع الحديقة من حولها فانتفضت علي صوت يأتي من خلفها قائلا: واقفة لوحدك ليه؟

استدارت تواجهه قائلة: مفيش. حبيت أشم شوية هوا.
في اللحظة اللي فرحنا فيها بسببك فضلتي متحتفليش معانا و تبعدي عننا عشان شوية هوا؟ معتقدش.
منحته ظهرها قائلة: مش يمكن حبيت أكون لوحدي في اللحظة دي؟

استدار يواجهها قائلا: الوحدة قاسية قوي بتاخدك في دوامة تكبر فيها مشاعرك السلبية، هتخلي حزنك أعظم ومرارتك توجع القلب. هتاخدك سكة مش هتعرفي ترجعي منها. الوحدة عمرها ماكانت حل قد ماهي هروب من الحل والحل الحقيقي للوجع هو وجودك بين اللي بيحبوكي. انت بتحاولي تبني مابينك وبين الناس سد عشان ميحسوش بوجعك بس مش آخدة بالك ان السد ده هيمنع كل المشاعر الحلوة كمان تدخل قلبك وتسعدك. السعادة زي الحزن لو مشاركتيهاش حد تقتلك.

انت عايز توصل لإيه بالظبط؟
مش عايزك تستسلمي لحزنك، أنا كنت زيك مجروح من الدنيا وقلبي موجوع، انت حبيبك مات وأنا حبيبتي غدرت والوجع في الحالتين رغم اختلافه بيقتل، ولقيت دوا جرحي وسطكم. لقيته لما لقيت حب أكبر من أي حب. حب العيلة والسند.

طالعته بعيون حائرة فتردد للحظة قبل ان يمسك يدها فانتفضت ولكنها لم تترك يده وهو يقول: اتمنيتي الموت ألف مرة مش كدة؟ حسيتي ان الحياة مبقالهاش طعم وان حتى أنفاسك مليانة مرارة زي الحنضل. بتوجعك كل مابتخرج وتدخل، بقيتي زي اللي لابس نضارة سودا، صحيح مش أعمي وشايف الدنيا بس شايفها كئيبة ومتستاهلش الحياة، لحد ما فجأة النضارة اتشالت من علي عنيكي لما بدأتي متفكريش في ألمك وتفكري في ألم غيرك. هند. وجعها خلانا نعرف قيمة الحياة. حبنا ليها خلانا نقوي عشانها هي، ابتديتي تعرفي زيي ان كان لازم تعيشي لان دورك في الحياة أكبر من أي دور ممكن حد يقوم بيه. انت السند لكل اللي حواليكي ومن غيرك هيضعفوا وينكسروا. مش ممكن نحسسهم بضعفنا لانه هيوجعهم ويخوفهم ويكسرهم. ودي حاجة مش ممكن نسمح بيها أبدا. مش كدة ياصفية؟

اغروقت عيناها بالدموع تهز رأسها ببطىء فابتسم بحنان قائلا: يبقي تمسحي دموعك دي حالا وتدخلي تفرحي هند بوجودك جنبها زي مافرحتينا باقتراحك. شاركيها فرحة كنت لوحدك السبب فيها. اسنديها وقويها وصدقيني هتلاقي نفسك أقوي من الماضي وقادرة تعديه.
ترك يدها في هذه اللحظة فهمست قائلة: انت أخ عظيم قوي ياخالد وانا فرحانة بجد لانك موجود في حياة هند، وياريت تعتبرني أختك لانه شيء هيسعدني بجد.

اكتفي بابتسامة هادئة بينما تستدير صفية عائدة للداخل بينما يهمس خالد قائلا: دقة قلبي بتقوللي انك مش هتنفعي تكوني اختي ياصفية. وان قدامي مهمة شبه مستحيلة عشان اقنعك بمشاعر اتولدت جوايا من يوم ماشفتك. بس عندي يقين انك قدري وان مهمتي حتى لو مستحيلة ففي النهاية هنجح فيها وهفوز بقلبك اللي زي الدهب ده.
سار يتبعها إلى الداخل بعزم ويقين محب.

قال أدهم باعجاب وهو يري دفتر رسومات هند: انت كنت فين من زمان. ايه الجمال ده؟ التصاميم فيها لمسة مش قادرة أوصفها بس فعلا مبهرة وكإني بتفرج علي تصاميم لمصمم عالمي.
قالت بخجل: مش للدرجة ياأستاذ أدهم. انت أكيد بتبالغ.
بتقولك بتبالغ. بص ياسيدي علي التصاميم وقولها انت جايز تصدقك.

تطلع خالد إلى الدفتر يقلب صفحاته بعيون امتلأت بدورها اعجابا، ينظر إليها قائلا: بيبالغ؟ علي فكرة ياهند. دي اجمل تصاميم فساتين سهرة وقعت عليها عينيا من يوم ما دخلت المجال. يمكن سر جمالها وتميزها أناقتها وشياكتها وبساطتها وأنوثة تفاصيلها وفي نفس الوقت مش واخدة منحني العري اللي موجود علي الساحة. انا مستغرب لحد دلوقت ازاي مابدأتيش كارير خاص بيك وانت بالموهبة دي.

ظهر الحزن علي وجهها فأطرقت قائلة: لما حسيت ان تصميم الملابس مبقاش هواية بالنسبة لي وبس، لأ بقي حاجة أكبر من كدة. اتجوزت والجواز بيبقي مقبرة الأحلام او الطموح. رفض عا...

صمتت للحظة ليشعر الجميع بثقل أحرف اسم طليقها علي روحها، ربما يذكرها بطعنة الغدر التي تلقتها منه، لتردف قائلة وهي ترفع عينيها إليهم قائلة بمرارة: رفض وطلب مني أركز في بيتي وفي الأطفال اللي هنجيبهم للدنيا. استسلمت ووافقت. الحب أصله أعمي والواحدة فيه بتسلم أمورها لحبيبها وبتحاول ترضيه من غير ماتاخد بالها انها بترضيه علي حساب نفسها.

قالت خالد: مش كل الجواز بيبقي مقبرة للأحلام، عندك أدهم أهو كانت مراته الله يرحمها خريجة اعلام ولما اتجوزها مطلبش منها تتوقف عن حلمها بانها تكون مراسلة للقناة اللي شغالة فيها رغم انها كانت بتضطر تسيبه وتسافر كتير. وحتى أجلت مشروع الأطفال لحد ماتحقق طموحها لكنه عمره مااشتكي ولا طلب منها تتخلي عن طموحها.
نظرت هند إلى أدهم تقول بابتسامة باهتة: الأستاذ أدهم مبقاش منه في زمانا ده ياخالد.

طالعها بنظرة طويلة وقد تسارعت خفقاته من جراء بضع كلمات بسيطة جاءت كإطراء له من هذه الملاك، بينما لم تستطع هي اشاحة نظراتها عنه وقد جذبتها نظرة عيونه الحانية. حتى قطع تواصل أعينهم صوت خالد الذي قال وهو يراجع دفتر الرسومات: ناقص بس شوية تصاميم لأطقم صباحية ومسائية وبدل عملية للشغل وتبقي المجموعة كاملة.
رفع عيونه إلى أخته يقول: تقدري تخلصي الشغل ده كله في قد ايه ياهند؟
أسبوعين بالكتير.

قال أدهم بسرعة: خدي راحتك احنا لسة قدامنا وقت، انت لسة خارجة من عملية خطيرة وأكيد مش حابين نتعبك.
القلق بصوته رق له قلبها فقالت بابتسامة: مفيش تعب ولا حاجة ياأستاذ أدهم. دي حاجة بعملها وانا قاعدة في مكاني والجنينة هنا تجنن، هتديني باور جامد.
قال خالد بمرح: نفسي أعرف سر الجنينة دي اللي كل شوية حد يتسلل من وسطنا ويروح يقعد فيها. من شوية صفية ودلوقتي ماما وخالتي.

قالت صفية: جمال الطبيعة ياأستاذ خالد، جنة ربنا علي الأرض. قد ايه بتكون مريحة للنفس ومهدئة للأعصاب. ومثيرة للتفكير الإيجابي والإبداع أكيد.
كجمالك صغيرتي.
فكر خالد قبل أن يقول بمرح: خلاص يبقي ننقل شغلنا للجنينة هنا.
قال أدهم: والله فكرة.
ضحك الجميع ينظرون إلى بعضهم البعض وقد عمت الفرحة قلوبهم ليدرك كل فرد فيهم ان أيام الحزن قد ولت وأن السعادة باقية لاريب.

قبل يد والدته مودعا، ثم اتجه إلى الباب تصحبه دعواتها. خرجت وردة من الحجرة توقفه قائلة: سي عادل متنساش تاجي بدري، انت وعدتني تخرجني الليلة. أني بفكرك أهو.
قال عادل بابتسامة باهتة: منسيتش ياوردة وعامل حسابي. سلام.
غادر المنزل بينما استدارت وردة تنوي العودة إلى حجرتها حين وصلها صوت حماتها الهامس بحنق: شايفة البت لا صبحت ولا حتى عبرتني بكلمة لأ وكل اللي يهمها الدلع الماسخ والخروج.

استدارت تواجهها قائلة: بتجولي حاجة يامرت عمي؟
نهضت نجية تقول بحدة: آه يااختي بقول. ومقولش ليه ماانا فاض بيا، الواد في النازل وكل يوم ياضنايا بشوفه قدامي حاله يصعب علي الكافر، البسمة اللي كانت مبتفارقش وشه راحت وبقيت أشوف لها طيف باهت ملوش طعم. وانت ولا همك غير نفسك وخروجك كل يوم والتاني، بدل يااختي ماتتهبلي علي الفسح ماتتهبلي علي حتة ضنا يفرحني ويفرح الغلبان ده.

أطلقت وردة ضحكة ساخرة اتسعت لها عينا نجية باستنكار قبل ان تقول وردة: ولدك في النازل عشان عرف آخرتها يامرت عمي، الضنا اللي عتموتي عليه معيجيش الدنيا دي واصل. خابرة ليه؟
طالعتها بحيرة بينما تقول: عشان العيب في ولدك. ولدك مش عيجيب عيال واصل.
لتضحك مجددا بينما تتسع عينا نجية في صدمة.

تأملت هذا البساط الطبيعي الأخضر المليء بالآزهار الجميلة مختلفة الألوان. تغمض عيناها لتسمع زقزقة العصافير فتطرب لألحانها التي امتزج صوتها العذب بصوت خرير المياه في هذه النافورة القريبة، فتحت عيناها تنظر إلى السماء التي غابت غيومها وسطعت بها أشعة الشمس لتلون السماء بألوان الطيف فتبعث في الروح بارقة أمل ونشاط. أخذت نفسا عميقا ثم ابتسمت بارتياح وهي تمسك دفتر رسوماتها وتبدأ في رسم التصاميم المطلوبة منها بقلب مفعم بالسعادة، فكانت خطوطها تعكس هذه السعادة في قلبها. ليتردد هذا الصوت في قلبها ويمتد صداه إلى عقلها.

طريق طويل سأمشيه وسأحمل معي أماني الغالية
لن أخشى مستقبل مجهول ولن أستسلم لحياة بالية
ولن أرضخ لكلمات تقيدنى. سأحطم كل القيود وأتسلق الأسوار العالية
سأعبر حدود الخوف. سأمحى ظلمة الأيام والمشاعر الخالية
سأترك كل شئ ورائى. ضعفي. خضوعي. عثراتي. ودموعي الجارية
سأكون أنا. هذه المرأة القوية التي لن يكسرها رجل ولن يوهموها بأنها لا تستحق فرصة ثانية
فالحياة أمامى تفتح لي ذراعيها تستقبلنى بإبتسامة حانية.

أرى الطريق أمامى مشمسا. تنيره أشعة الأمل ويقينى بربى ودعوات أحبتي الباقية
سأسعى لأحقق في دنياي سعادتي. سأضخها في شرايينى وأجعلها في دمائي سارية
فالحياة أقصر من أن نعيشها في كمد. وجميعنا ندرك أنها فانية.
بتقولي ايه يابت انت؟

اللي سمعتيه يامرت عمي، كنت عاوزاني آروح لداكتور لما ماحملتش الشهر اللي فات وزنيتي علي جوزي عشان ياخدني وأتاريكي زنيتي علي خراب عشك. الداكتور ملجاش فيا أيوتها عيب، وجتها طلبت منه يعمل تحاليل لجوزي، اشمعني يعني آني اللي أعمل التحاليل لوحدي. واللي عملت حسابه لجيته، بصة واحدة في التجارير وجابها لعادل علي بلاطة. حيواناتك المنوية ضعيفة ومشوهة وعشان إكده ضرتي كانت دايما بتسجط جبل مايعدي شهرين علي حملها. ونصحه ميحاولش يجيب عيال لإنهم لو حتى كملوا وده احتمال بعيد هينزلوا مشوهين او عندهم تخلف عجلي.

جلست نجية بصدمة لا تقوي علي الحراك بينما تخصرت وردة قائلة: سبحان الله. كني جلبي كان حاسس ومكنتش راضية أجيب منه عيال دلوك وعشان إكده كنت باخد حبوب منع الحمل. كنت ناوية أأجل وجع الراس هبابة. أصلي مبحبش العيال ولا رايداهم. مش عايزة أبهدل روحي لأجل ولد ملوش عازة ولا عينفعني لما يكبر. أهي جت من عند ربنا. فياريت يامرت عمي تكوني ارتاحتي وعرفتي ولدك في النازل ليه وتبطلي تزني ع العيال. أني عارفة كنت عاوزاهم ليه؟

اتجهت وردة إلى حجرتها بينما تابعتها حماتها بعينيها بكره تقول: كسرتي نفس الواد ياحزينة. منك لله ياوردة. الله يلعن اليوم اللي فكرت فيه أطلقه من هند وأجوزهولك. طمعي في مال أبوكي وغيرتي من حب ابني ليها عموني ودي النتيجة. بدلتي الدهب بالفالسو ومبقاش ينفع الندم يانجية.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة