قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

نوفيلا العوض للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

اختنقت أنفاسها وجف الدمع بعينيها ولم تجد سوي طريقة واحدة وهي أن تخرج من بيتها إلي الأسفل حتى تستعيد ولو قليل من صفاء ذهنها ولكن عبث فهي بأي مكان تلاحقها المشاكل ولكن تلك المرة يبدو أن مشكلتها عويصة وبشده
لو القمر عاوزه حاجة، أنا ممكن أساعدك .

استدارت بسرعة وقلبها ينتفض بفزع وجدت شابًا أسمر الوجه حاد الملامح ينظر لها بخبث وكأنه أسد جائع ينتظر التهام فريسته، تسارعت دقات قلبها، ركضت عيناها فوق ملامحه وخاصه ابتسامته الخبيثة، مررت بصرها حولها، وجدت نفسها في شارع خالي من المارة، دب الرعب أنحاء صدرها، علمت أنها ستقع بكارثة لا محاله، حاول عقلها إسعافها بأي فكره للخروج من ذلك المأزق ولكن توترها كان المسيطر الأقوى على ذهنها...

تراجعت عدة خطوات للخلف قائلة بنبرة حاولت بقدر الإمكان إخراجها ثابتة:
لا شكرًا..
التفتت بوجهها كي تسلك طريقها بأقصى سرعة ممكنة ولكن يده القذرة منعتها، ورغم خفوت صوته إلا أنه وصل إلى مسامعها بقوة: إيه ده أنتي عندك اوفه في عينك.
لا كده أنت اللي عندك أوفه في دماغك يا حلو...

سمعت صوته الذي لطالما بعث لها الامان حاولت تكذيب قلبها الذي يخبرها انه جاء لاجلها ولذلك رفعت عينيها وجدت معاذ، وجدته هو، يقف خلفه وملامحه لا تبشر بالخير أبدًا...
أنا، أقصد أساعدها..
هتف بها الشاب بتلعثم، فقال معاذ بنبرة غليظة وهو يربت بقوة فوق وجه الشاب:
ساعد نفسك يا خفيف، يالا من هنا..

ابتلع الشاب ريقه ففارق الجسد بينه وبين معاذ كبير جدا، وان خاض معه شجار ستكون الخسارة من نصيبه، التزم الصمت وفر هاربًا كالجبان بعدما كان يقف كالذئب أمامها يحاورها بكل جرأه، أين جرأتك أيها الخسيس ولما تظهر فقط على الفتيات، اللعنة عليك وعلي أمثالك من أشباه الرجال..

زفرت براحة وهي تنظر للشاب يهرب بعيدًا، حولت بصرها نحو معاذ وجدت أنظاره مثبتة عليها بقوة، حسنًا قررت ألا تتشاجر أو تشتبك معه، فموقفه هذا يستحق أن تشكره عليه، رسمت فوق محياها ابتسامه ممتنة وتحدثت قائله:
شكرًا يا معاذ بجد على اللي عملته، كنت هموت من الخوف، الحمد لله أنك كنت ماشي من الشارع..
قاطعها ليقول بحده:.

لا حضرتك أنا شوفتك وأنتي نازله متأخر في وقت زي ده نزلت وراكي، أنتي إزاي تنزلي في وقت متأخر كده.
تجاهلت حديثه الأخير، حاولت أن تحتفظ بهدوئها بقدر الإمكان فقالت:
طب متشكرة..
التفتت لتغادر قاصده وجهتها، أوقفها بيده هاتفًا بغضب:
أنتي رايحه فين؟!، هو أنا مبكلمكيش!
هي تحاول بأقصي جهدها ان تقاوم غضبها لذا أجابته بهدوء:
رايحه الصيدلية، خير يا معاذ عاوز تتفضل تيجي معايا..

دفعها للأمام وهو يحرك رأسه بإيماءة بسيطة، رغم سخرية الجزء الأخير من ردها:
آه يالا...
توقفت ترمقه بتعجب:
هو إيه اللي آه، خير مالك يا معاذ، أنت تعبان فيك حاجة، أصل شايفاك ورايا في كل مكان.
ضغط على أسنانه بغيظ:
هو إيه اللي مالي، أنتي عبيطه ولا مبتفهميش، الوقت متأخر ومينفعش تروحي لوحدك، قدامك حل يا تقوليلي عاوزه تجيبي إيه وأنا أجيبه، يا أروح معاكي ماشي.

نظرت حولها الطريق شبه مظلم وخالي من المارة، رفعت رأسها بكبرياء لتقول بنبرة هامسة:
آوك..
التفتت صوب وجهتها تسير بخطوات مسرعة قاصده بتلك الحركة ألا تقترب منه أو يسيرا معًا، وصلا إلى الصيدلية وقبل أن تدلف جذبها من مرفقها:
استني، قوليلي عاوزه إيه اجبهولك أنا..
للمره الثانية يختبر بها معاذ دروس ضبط النفس حسناً يجب ان تهدأ، نعم هي سوف تهدأ ولن تتشاجر معه او هكذا حقاً تتمني ولذلك رفعت أحد حاجبيها بتعجب:.

أنا شايفه إن إيدك بدأت تمدها كتير، وبعدين ليه مدخلش أنا أجيبهم، ناقصلي إيد ولا رجل..
ضغط على جانبي رأسه بعصبيه ثم هتف بنبره تنم عن نفاذ صبره:
يوه يا رهف كل حاجة عِند يابنتي، اهدى بقي وقوليلي عاوزه إيه!
وليه مدخلش أنا مش فاهمة؟!
أشار بخفه نحو الصيدلية وهو يقول بضيق:
في شباب جوه كتير انا هدخل أنجز وأخلص قولي عاوزه إيه بقي!

نظرت نحوهم ثم أخيرًا تنازلت عن عنادها وقررت الانصياع لأول مرة له، أملته ما تريد وانتظرت بالخارج مثلما أمرها، خرج من الصيدلية وبيده حقيبة بلاستيكية أعطاها إياها مبتسمًا:
أتفضلي يا ست البنات..

تباً انه يعرف كيف يجعل قلبها كالغريق به، يعرف كيف يرسم ابتسامه فوق ملامحها، حاولت منع ابتسامتها من الظهور، ولكنها فشلت فظهرت له كوضوح الشمس، رغم بساطتها إلا أنه بالفعل يشتاق لبسمتها، تلك البسمة التي منعتها هي في حضرته، فأظلمت طريقه معها، ولكن الآن هناك شعاع أمل بسيط ويجب عليه أن يتبعه...

سار معاها بهدوء، الجو لطيف، والطريق هادئ نوعًا ما، كل شيء حولهما هادئ إلا مشاعرهما المضطربة كانت في حاله صراع عجيب كليهما يعرف مذاقه، وقعت عيناها على طفلين، طفله تبكي جاثيه أرضًا تمسك بقدمها والآخر يقف بجانبها يحاول إسعافها، هرعت نحوهما تحاول مساعدتها ولكن هتف الطفل وكأنه شاب كبير:
خلاص يا طنط أنا هاخدها وأروحها..
ساعدها بالوقوف ثم حاوطها بيده وسارا معًا، وقفت تراقبهما وابتسامه جميلة تنير وجهها...

كان نفسي يكون عندي أخ.
وضع يده في جيب بنطاله قائلًا بمكر:
ومين قالك إنها أخته..؟!
التفتت له بوجهها ناظره له بعدم فهم: قصدك إيه أنها مش أخته؟!، أمال يبقى مين!
هز كتفيه بلامبالاة مصطنعه:
يمكن جارهم ويحبها..
انتابها حالة من الضحك لتقول بصوت مبحوح نتيجة ضحكاتها:
مش أوي كده!
اقترب منها عده خطوات، أصبح قريب جِدًا منها وهمس بنبرة تحمل مشاعر الحب:.

وليه لا، هو الحب يعرف سن أو وقت أو ظروف، لو كان الحب متقيد بالحاجات دي عمره ما يكون حب!
هزت رأسها عده مرات بعدما استطاعت فهم مجرى حديثه فقالت بتهكم:
أنا من رأيي إنك تشتغل في الراديو تسمع كلام البنات وترد عليهم تحاول تواسيهم..
دقيقة!، نعم دقيقة استوعب فيها حديثها، البلهاء بعد حديثه تجيبه بهذا الشكل، ظهرت ابتسامه شريرة فوق ثغره ثم هتف:
تصدقي يا رهف لولا أني بحبك كنت مسكت طوبة وضربتها فيكي من كتر غلى..

كتمت ابتسامتها بعدما نجحت في أن تفقده هدوءه، وصلا إلى المنزل، وقبل أن يدلفا، وجد أخته تهبط الدرج بسرعة، وعندما وجدتهما تنهدت براحة..
الحمد لله إنك مع معاذ.
انتباها القلق فقالت وهي ترفع بصرها إليها:
ليه ماما تعبانه..؟!
هزت بسمة رأسها نافيه:
لا بس هي كانت خايفة عليكي علشان اتأخرتي فبعتتني أشوف عم سالم البواب يطمن عليكي.
دفعهما معاذ للداخل وهو يقول:
طيب يالا نطلع، مش حلو وقفتنا دي!
منعته بسمة برجاء قائلة:.

لا علشان خاطري فرصه، نروح نشرب حمص الشام على النيل، علشان خاطري يا معاذ.
نظرت لهما رهف ووجدت انه يجب عليها ان تنسحب لذا هتفت بحرج:
طيب روحوا انتوا وأنا هاطلع لماما!.

وجدها فرصه قوية حتى يقترب منها، فإجازته شارفت على الانتهاء، وهي لا تعطيه أي فرصه للتحدث معه دائمًا تقطع عليه كل الفرص، والسبب الأقوى يريد ان يعتذر فهو مؤخرًا زل لسانه وجرحها بغير قصد، الآن فرصته وقدمتها أخته على طبق من ذهب، رفع هاتفه فجأة وأجرى اتصالًا بوالدتها يخبرها بذهابهم في نزهة بسيطه ويطلب منها الصعود لوالدته وسيجلب لهم العشاء ويعودوا للمنزل، وفور انتهائه صفقت بسمة بحماس قائلة بفرحة عارمة:.

يعيش معاذ أخويا الظابط القمر ال..
قاطعها هو ضاحكًا:
خلاص، عرفنا إنك مبسوطة عدي بس الجمايل يلا بينا..
تشبثت رهف بالأرض أكثر رغم يد بسمة القوية التي تجذبها نحو الخارج، فهتفت برفض:
مش عاوزه أروح أنا..
دبدبت بسمة أرضًا بضيق طفولي:
يلا يا رخمه خلينا نطلع نشم هوا بقي، وبعدين أمك قالتلي إنك مخنوقة ونازله تشمي هوا..

أغلقت عينيها بغيظ من والدتها، فجذبتها بسمة للخارج بقوة كادت أن تفقد اتزانها وتقع أرضًا لولا يده التي منعتها من السقوط..
حاسبي يا بسمة..
نطق بها معاذ بصوت مرتفع، وقفت بسمة تنظر نحوهم بأسف ظاهري وبداخلها يتراقص على مكرها، فالماكرة تخطط لاجتماعهما معًا، ولكن القدر يساعدها بلمسات بسيطة، اعتدلت رهف بوقفتها وابتعدت عنه لتقول:
أختك من كتر فرحتها هتكفيني علي وشي، ابقوا خرجوها.

وضعت بسمة يدها بيد صديقتها ثم قالت بمزاح:
آه بالله عليكي قوليله، أصل طول ما هو في الجيش وهو فارض علينا الحظر..
ضحكت رهف وهي تسير معها:
وأنا اللي كنت بقول نفسي في أخ، لا الحمد لله كده.

تشاركت الجميلتان همومهما بطريقه مضحكه، بينما هو كان غارق في بحر من المشاعر، مشاعر افتقدها في الفترة الأخيرة بسبب كثرة شجارهما، وأحيانًا من كثرة التفكير بسبب رفضها له، لم يجد إجابه واضحه، وعجز عقله عن اختراق داخلها، رغم رفضها إلا أنه لم يكتفِ أبدًا عن حمايتها أو محاوطتها بكل السبل، فمن رق قلبه لها جميلة وتمتلك أنوثة تجعلها مطمع للذئاب البشرية، وهي الآن فريسة سهلة المنال، تعاملها بذلك الشكل معه أو مع غيره دائمًا ما تثير لدية غريزة الحماية وكأنها قطة صغيرة ترتجف خوفًا مما حولها فتركض نحو صاحبها تطلب بعينيها الضائعتين الاحتواء، فيلبي هو طلباتها بحنو مُرَبتًا فوق جوارحها بنظراته الشغوفة وشعاع الحب الذي ينطلق من عينيه يحيطها ويجعل من حولها هاله صعبة الاختراق..

جلست بسمة ورهف فوق مقعد خشبي امام النيل مباشرةً، بينما وقف معاذ على مقربه منهما يجلب لهما مشروبهما، انشغلت بسمة بإجراء اتصال هاتفي بصديقتها، أما هي فحاولت التركيز على من حولها محاولة منها ألا تنشغل بالتفكير به، محاولة فاشلة كعادتها وكالعادة تختلس النظر له بهدوء، تلك اللحظات التي تمر عليها وهي ترمقه من بعيد تحفظها بقلبها كطاقة تستند عليها في وقت غيابه، آه من ذلك الحب الذي كُتب عليه الشقاء، ماذا يفعل بها القدر لما يقذفها دائمًا نحوه وهي تحاول بكل جهدها أن تبتعد، لما؟!، تساءلت بحرقه بداخلها، ودت أن تبكي الآن وتخرج ما في جوفها لعلها تهدأ لو قليلًا، لعل تلك النقطة السوداء بداخلها ألا تتمادي، تلك النقطة التي مازالت مصره على تذكيرها بذكرياتهما معًا حتى وإن كان تافهه للبعض، تعلق نظرها به وهي تستعيد لحظاتهما المضحكة معًا..

عادت بعد يوم مليئ بالعمل وهي تحمل حقائب الخضروات المختلفة كما أمرتها والدتها، صعدت الدرج بجسد يصرخ بالراحة وخاصةً بشرتها التي تلتهب بحرارة بسبب تلك اللاصقة التي تغطي عينيها، ركزت ببصرها على الدرج وهي تقوم بعد درجات السلم كعادة قديمه لها، ولكن ذلك القط الأسود وقف لها بالمرصاد، تراجعت للخلف بخوف، فالجميلة لديها نوبة خوف من القطط وَخَاصّه السوداء، التفتت بوجهها وهبطت الدرج بأقصى سرعة تبحث عن الحارس حتى يصعد ويبعد ذلك القط، لم تجده فظلت هكذا واقفة كطفل يعجز عن التصرف، انتظرت دقائق بملل حتى أتى من لا تريد رؤيته في هذه الحالة!، دلف بهيبته وبدلته العسكرية يحمل حقيبته على ظهره خطفت أنفاسها لهيئته تلك، اما هو فوقعت عيناه عليها وكأن القدر استمع لقلبه واشتياقه لها، ابتسم بسعادة فور رؤيتها قائلاً: رهف إزيك.

ابتلعت ريقها بتوتر وهتفت مرحبة به:
الحمد لله، حمد لله على سلامتك.
هبط ببصره نحو الحقائب ليقول مستفهمًا: واقفة بتعملي إيه!
هزت كتفيها بلامبالاة مزيفة وهي تقول:
مفيش عادي..
أشار إليها بالصعود وخطى أولى خطواته ولكنها هزت رأسها برفض وتحججت قائله:
لا أصل أنا مستنيه عم سالم يجيبلي طلبات، اطلع أنت!
طيب اطلعي مش حلو وقفتك، وهو يطلعها بعدين..

وفور انتهائه التقطت أذنيه صوت القطة، فابتسم بخفه عندما أدرك سبب توترها، فقال: يالا اطلعي ورايا ومتخافيش، مش هتقربلك.
نظرت له لثوانٍ ثم هتفت بتوجس:
بجد؟!

هز رأسه بتأكيد، صعدت خلفه مباشره، غافله عن قلبه الذي يتراقص بسبب قربها بهذا الشكل، أما هي فكانت تترقب لحظه هجوم القطة، وبالفعل اندفعت القطة نحوهما بخوف تريد تخطيهما بسرعة وهي تصرخ بفزع وتقفز كالمجنونة في كل الاتجاهات تناثرت حقائب الخضروات حولهما وهي مازالت على تلك الحالة، لم يجد معاذ طريقه لإيقافها سوى أن يمسكها بقوة من كتفيها:
أهدى يا رهف، عدت والله.
وقفت مذعورة تنظر حولها يمينًا ويسارًا برعب:.

بجد والله الحمد لله!.
لم ترَ بعد نتيجة ما فعلته، وجدته يكتم ضحكته بصعوبة فقالت بضيق:
أنت بتضحك عليا، عيب على فكره المفروض تراعي شعوري.
أشار على نفسه وعينيه تشعان براءة:
أنا..؟!
زمت شفتيها بطفولة وهي ترمقه بعتاب:
آه أنت.
لا طبعًا أنا مراعي شعورك، بس أمك اللي مش هتراعي شعورك أبدًا.

رمقته بعدم فهم، فجاءت إجابته عن طريق تحويل بصره أسفلهما، أخفضت بصرها وجدت جميع ما حملته بعناء طوال الطريق يتناثر حولهما بفوضوية، اتسعت عيناها بصدمة وهتفت:
يانهار أبيض، الطماطم، الخيار، لاااا الفلفل.
هتف هو مهدئًا إياها:
اهدي هنلمهم..

هبطا معًا يجمعان بسرعة الخضروات، أحيانًا تتقابل نظراتهما فتبعد بصرها بخجل، وأحيانًا تتلامس أيديهما بعفوية فيبعدها هو احترامًا لها، ، وفي ظل انشغال كل منهما بكبت مشاعره لم يستطع معاذ منع فمه من تذوق كلمه وحشتيني لها، ضغطت بيدها فوق حبه الطماطم وهي تستمع لها وكأنها سمفونيه كلاسيكيه تثير الشغف بداخلها، توردت وجنتاها بخجل فتركت كل الأشياء وفرت هاربة نحو شقتهم ناداها هو بصوت منخفض:.

رهف استني الحاجة يابنتي.
ردت عليه وهي تصعد الدرج بارتباك:
مش عاوزاهم..
رفع بصره نحوها هاتفًا بضحك:
يا مجنونة، استني.
لم تنتظر المجنونة أكثر من ذلك حتى لا تنصهر أمامه خجلًا فيفتضح أمرها، كانت بداية حبهما بلحظات عفوية بسيطه تركت أثر جميل في نفوسهما وذكرى طيبه بذهنهما..
عادت من شرودها على يده الممدوده أمامها بالمشروب، رفعت وجهها وعلي محياها ابتسامه بلهاء..

لو كنت أعرف إن حمص الشام يضحك أوي كده، كنت جبته من زمان!
حمحمت بحرج، نظرت حولها باستغراب تبحث عن بسمة لم تجدها، فأشار معاذ إليها:
هناك أهي بتتكلم في التليفون..
رده كان يحمل برود ظاهري ولكن بداخله يشكر أخته على تلك الفرص التي تعطيها له، جلس على مقربه منها متعمدًا ترك مسافة بينهما، ساد الصمت بينهما واشتبكت مشاعرهما في نضال تعمدت فيه الهرب كعادتها منه..
فاجئها عندما التفت بوجهه يخبرها:.

كتير بتمني امشي أنا وأنتي على النيل وتكوني وقتها حلالي وأقدر امسك إيدك واحكيلك على كل اللي جوايا...
اختنق صوتها وهي تقول:
مينفعش.
سألها بنبرة قوية لا تحمل الفرار:
ليه؟!، ليه مينفعش، رفضاني أنا، ولا الجواز عمومًا..
وضعت الكوب بجانبها ثم نهضت تجيبه بضعف:
أنت، أنت استحالة اتجوزك، ولو كنت آخر راجل في الدنيا، ابعد عن طريقي يا معاذ، ومتخلينيش أبعد من حياتك كلها..

منعت نفسها من البكاء وخطت خطواتها بعيدًا عنه تهرب من نظراته التي تحاول امساكها وكأنها جلاد يجلد قسوتها معه، يكفي ما تشعر به، يكفي حرقتها من عذاب حبه، يكفي حربها مع الذات، وحدها كفيله بإشعال حريق يلتهم قلبها المسكين بلا رحمه، أما هو فحديثها أوقد جمرات من اللهب بداخله، وتصارعت أنفاسه وكأنه سيخوض حربًا للتو إما يخرج منها منتصرًا ويفوز بمن حارب لأجلها، أو منهزمًا عليه الاختيار، واختياره وحده سيحدد مصيره معها فيما بعد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة