قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

نوفيلا الأسمراني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

دلف ذلك الرجل الذي يتخطي عمره الخمسون عاماً إلي منزله، بعد أن أغلق الباب خلفه بينما أقبلت عليه دعاء وهي تقول بصوت مُهذب:
- حمدلله على السلامه يا بابا
الشيخ سعيد بابتسامه حانيه:
- الله يسلمك يا حبيبة بابا، قوليلي أخبارك ايه؟؛
أومأت دعاء برأسها وهي تقول مبتسمه:
- الحمدلله يابابا بخير أنا لسه جايه من المقرأه دلوقتي كان عندي تسميع
سعيد بتساؤل: سمعتي كويس؟
أومأت برأسها مجدداً، ثم قالت بارتياح:.

- الحمدلله يا بابا أنا كده فاضلي، خمس أجزاء بس وأختم القرآن كاملاً
إقترب والدها ليعانقها بحنان أبوي بالغ، ليعطيها جرعه مكثفه، تعوضها عن حنان الأم الذي حُرمت منه منذ صغرها، فهي نشأت ولم يكن لها أحد سوي والدها بعد خالقها، بادلت دعاء العناق لوالدها، بينما قال سعيد بفرحه عارمه ؛
- أنا فخور بيكي جدا يا حبيبتي، أنتي أحلي بنوته في الدنيا، ربنا يحميكي ويباركلي فيكي.

إنحنت دعاء بجسدها لتقبل كف والدها، ثم إستقامت وقالت بصوتها العذب:
- ويباركلي فيك يا بابا ياحبيبي ويحميك ليا، ثم تابعت بمزاح: أنا هحضر الأكل ونتغدي بس من غير تريقه على أكلي ماشي؟
ضحك سعيد لإبنته ليقول مبتسما: أمري لله ما قدميش حل غير اني أكل من سُكات.

ضحكت دعاء وهي تسير متجهه إلي المطبخ لتعد الطعام لها ولوالدها، الذي لطالما رباها وأحسن التربيه وجعل منها فتاه تخشي خالقها تجعل كل من يراها يدعوا لمن رباها، دائماً ما يشعر بالفخر وأن رأسه عالياً في السماء، ها هي إبنته ترفع رأسه بأخلاقها التي يتحاكي عنها الجميع، تقدم لها الكثير والكثير ولكنها لم تقبل هؤولاء، لأنها لم تري فيهم فتي أحلامها، الذي تمنته متدين على قدر كاف من الإيمان فقررت أن تصبر وتصبر حتى، يأتي من يتواجد فيه هذه الصفات، ويأخذ بأيديها إلي طريق الله، طريق الهدايه والصلاح فهي تكن على قدر كاف من الإلتزام فلما تقبل بمن لا يعرف شيئاً عن دينه؟!

تكون دعاء فتاه بسيطه، ليست فاتنه بجمالها إلي حد كبير فقط هي متوسطه الجمال، ذات بشره خمريه وعينان واسعه سمراء وشعر أسمر ناعم، متوسطه الطول ونحيفه الجسد، تتميز بالطباع الهادئه والكلمه الطيبه، والقلب الطيب أيضاً، توفت أمها منذ أن كان عمرها ثلاث أعوام وهي الآن تبلغ من العمر ثلاث وعشرون عاماً، قام والدها في هذه السنين بتربيتها وأحسن إليها وقام بدور الأب والأم في آن واحد فزرع فيها القرآن وذكر الله وعلمها أن يكون هما أولي أولويتها وأهم إهتمامتها، وها هو الآن يحصد ما زرعه بكل فخرٍ.

- جلس أحمد جوار بسمه في المدرج ملتصقاً بها، ليهمس في آذنيها، بكلمات معسوله تجعلها ترتجف خجلا وترضي أنوثتها، لطالما لم تجد إرضاء أنوثتها، في محمود الذي يسير على الضوابط الشرعيه في فترة الخطبة ويتقي الله دائما ولم يلمس يدها أو ينظر في عينيها نظرة واحده ولم يتفوه فمه بهذه الكلمات نظراً لأنه يخشي الله ويتقيه ولأن ديننا له أصول فلنسير عليه جميعاً حتى، نجد البركه في حياتنا...

إنتهت المحاضره التي لم يفهما منها كلمةً واحدة، فخرجا من المدرج سويا، حتى، قال أحمد ناظراً إلي عينيها:
تحبي نروح فين؟
بسمه متنهده بإبتسامه: أي مكان المهم أكون معاك فيه
شابك أحمد أصابعه بأصابعها وسار بها متجهان إلي خارج الجامعه فقال زافراً بضيق:
مش ناويه تسيبي خطيبك بقا، أنا بجد مش قادر أتخيل إن في حد غيري ممكن يلمسك.

قهقهت بسمه بصوت عالي، ثم قالت من بين ضحكاتها الساخره: خطيبي! خطيبي ده معقد ده مش بيتكلم أصلا، ده كل حاجه عنده حرام حرام
ضيق أحمد عينيه ليقول هامساً: طب ما تسبيه، إيه الي جابرك على كده
بسمه بحنق: أبويا، هو الي جابرني ويقولي مش هتلاقي زيه أبدا
عبس أحمد بوجه ليقول متذمراً: ده مش كلام يا بسمه، أنا بحبك وأنتي من حقي أنا مش من حق الواد المعقد ده..!
همست بسمه له بنعومه وقالت:.

معلش يا بيبي هسيبه أوعدك هسيبه، عشان خاطرك وعشان خاطر حبنا
غمز أحمد لها وقال: طب يلا ياحبيبي ده أنا هفسحك حته فسحه...!

بعد مرور الوقت، سمع محمود صوت آذان المغرب يعلو، فترك ما يفعله ومسح حبات العرق من جبينه وقال بإرهاق:
هصلي المغرب يا حاج زنهم عن إذنك
زنهم وهو يومئ برأسه: ماشي يا محمود بس متتأخرش عليا عشان عندنا شغل كتير
أومأ محمود برأسه وقال وهو يتجه بعيدا في إتجاه المسجد:
فرض ربنا مفهوش سرعه يا حاج زنهم، ثم سار لينظر له زنهم قائلا بابتسامه:
عندك حق يا محمود ياريت كل الشباب زيك، ربنا يهدينا ويهدي كل عاصي...

دلف محمود إلي المسجد، بيتُ الله الذي لا يرتاح إلا فيه ولا يجد هذه الطمأنينه التي تتغلغل داخل قلبه إلا في هذا المكان الطاهر، ما ان دلف حتى، قام بالوضوء، ومن ثم وقف آخر الصف حين أنهي الشيخ سعيد الإقامه ومن ثم أقام الصلاه بالمصلين، وبعد ان إنتهت الصلاة جلس محمود يختم صلاته، بعد أن دعي وأخرج ما في قلبه في سجوده وترك أمنيته لتصعد إلي السماء، ولا يخلوا دعائه لخطيبته بسمه بصلاح الحال والهدايه، وينتظر حتى، يراها كما يريد أن يراها ولكنها لم تهتدي أبدا، أعطاها الله شاباً مثل محمود كي يأخذ بأيديها ولكن الجهل يتغلب عليها ولا تسمع له أبداً وتصر على فعل المعصيه دائما مما جعل محمود ينفر منها في الأيام الأخيره...

جلس إلي جواره الشيخ سعيد وهو يقول مبتسما، إزيك يا محمود يابني أخبارك ايه؟
صافحه محمود وهو يبادله الإبتسامه ويقول: بخير الحمدلله في نعمه وفضل من ربنا
الشيخ سعيد بنفس الإبتسامه: أدام الله حمدك يابني، تستاهل الحمد
محمود بهدوء: الله يكرمك يا شيخ سعيد
سعيد بتساؤول جاد: أخبارك في الحفظ إيه؟
محمود بصوت حزين بعض الشئ:.

بصراحه مقصر جدا يا شيخ سعيد، أنا واقف لحد الجزء العشرين ومعنديش وقت كافي للحفظ بس التلاوه مداوم عليها ولله الحمد
سعيد بعتاب: لا يا محمود ملكش حق، أنت كنت ماشي كويس ليه تقف كده؟ لازم تجاهد نفسك يابني مينفعش كده وبعدين أنت ما شاء الله بتحفظ الأطفال، يعني لازم تكون أنت حافظه كاملاً، عشان بعد كده تحفظه لولادك إن شاء الله
تنهد محمود وقال مبتسماً: حاضر يا شيخ سعيد هكمل بأمر الله
سعيد بجديه: وعد؟

محمود بتأكيد: وعد يا شيخ سعيد
قاطعهما قدوم محمد صديق محمود المقرب وهو يلقي السلام عليهما، وجلس إلي جوارهما، فقال الشيخ سعيد:
أهلا يا محمد يابني، أنت فينك مبتجيش تصلي معانا ليه بشوفك قليل جدا في المسجد
محمد باحراج: احم، أصل كتير أوي ببقي مشغول يا شيخ سعيد والله ونفسي بجد أداوم على الصلاه، وبحاول والله
الشيخ سعيد متنهداً: ربنا يابني يهديك ويرشدك إلي الطريق الصحيح ويثبتك.

محمود رافعاً يده للأعلي: اللهم أمين، وبعدين متنساش يا محمد إن من السبعه الي هيظلهم ربنا تحت ظله يوم لا ظل فيه إلا ظله، شاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد
سعيد بإعجاب: صح يا محمود الله ينور عليك يابني
إبتسم محمد وقال: إدعيلي أبقي زيك كده يا محمود
ربت محمود على كتفه وهو يقول: إن شاء الله تكون أفضل مني أسال الله الهدايه لنا ولك، ثم نهض وهو يقول: أشوف أكل عيشي بقا عن إذنكم تقبل الله...

نهض الشيخ سعيد هو الآخر وهو يقول: وأنا كمان هروح أريح شويه قبل العشا...

خرج ثلاثتهم، وعاد محمود إلي عمله وعاد الشيخ سعيد إلي منزله بصحبة محمد فأنهما في نفس البنايه التي يقطن بها محمود،
وصل محمد إلي المنزل و دلف فوجد والدته نائمه، فتوجه إلي غرفته، ثم جلس وشرد في حبيبته، التي لا يري غيرها ويتمناها دائما، أمسك هاتفه وبدأ يتفحصه بملل حتى، آتاه رسالة منها، كانت محتواها:
صليت المغرب؟
إبتسم وكتب على الفور: الحمدلله، لسه جاي من المسجد
إبتسمت ميار بإتساع ثم كتبت: تقبل الله.

رد عليها وكتب: منا ومنكم إن شاء الله
ميار: يارب.

ظل محمد ناظراً إلي شاشه هاتفه كأنه يراها أمامه، يريد لو أن تكون معه حالياً ولكنه لم يستطع الوصول إليها، فكما يقال بالعاميه المصريه في بلدنا( العين بصيره والأيد قصيره) بمعني أنه شاب فقير في بدايه حياته لا يملك شيئاً، فقط يعمل ويصرف على والدته وإحتياجاته فلم يتوفر معه ثمن شبكه أو مهر ومستلزمات الزواج، أحب ميار منذ عدة شهور، فقرر أن يخبرها بذلك الحب الكبير الذي يكنه في قلبه لها، فهي تكون جارته في نفس البنايه أيضاً، وعاهد نفسه أن يحافظ عليها، يعلم أن تواصله معها دون علم أهلها خطأ وخطأ كبير، ولكنه لا يريد أن تضيع من بين يده، ، أحياناً يود لو أن يعبر لها عن ما في قلبه ولكنها دائما ما تمنعه هي فتاه ملتزمه إلي حد ما، تأخذ نصائحها دائماً من صديقتها دعاء التي دوماً تقول لها كوني كالجوهره الثمينه صعبة المنال..

سمعت ميار صوت طرقات على الباب فأنقبض قلبها بشده كما لو أنها تٙسرق وتخشي أن يراها أحد، فألقت بالهاتف من يدها وتوجهت لتفتح الباب، وما ان فتحت حتى، تنهدت بارتياح وهي تقول واضعه يدها على صدرها:
خضتيني يا دعاء، تعالي
دلفت دعاء وهي تقول مازحه: ليه يا كبير كنت بتعمل ايه؟
تلعثمت ميار وهي تقول: آآ أبدا كنت بتصفح الفيس بوك وبشوف أخر الأخبار
إقتربت دعاء، لتقول لها بصوت حذر: أنتي لسه بتكلميه يا ميار؟

إذدردت ميار ريقها ثم أومأت برأسها، بينما قالت دعاء:
ليه يا ميار ليه مش إتفقنا تنهي كلامك معاه خالص ليه بس كده، ده والدك لو عرف هيزعل منك أوي، وكمان ده غلط وحرام ياميار
أغمضت ميار عيناها ثم أعادت فتحها لتقول بصوت حزين بعض الشئ: يا دعاء إفهميني، آآ أنا بحبه يا دعاء ونفسي ربنا يجمعنا ونكون لبعض
ربتت دعاء على كتف صديقتها، وقالت بنبره حانيه:.

- وتفتكري ممكن ربنا يبارك في حاجه زي كده؟ يعني لما تكلميه بدون علم والدك الي واثق فيكي وإتمنك يا ميار وإداكي حريه التصرف وتيجي أنتي في الآخر تخوني الثقه دي وتكلمي واحد غريب عنك، وتبقوا على صله ببعض تفتكري ربنا ممكن يبارك في كده في حاجه حرام!
ميار بتبرير: بس، بس يا دعاء إحنا مش بنعبر لبعض بمشاعرنا وهو والله بيحافظ عليا و...

قاطعتها دعاء قائله بجديه: طالما بيحافظ عليكي يبقي يجي يتقدم ويطلبك رسمي من أبوكي وتعلنوا حبكم في النور
تنهدت ميار بقوه ثم تابعت قائله: بس إنتي عارفه أن هو مش معاه حق شبكه
دعاء بتصميم: ياستي خليه يتقدم وربنا المعين خليه يعمل الي عليه والباقي على ربنا مش كده ولا إيه؟
ميار: أنا قولتله كده بس هو قالي مش جاهز حاليا للخطوه دي وأول ما يجهز هيتقدم على طول.

دعاء بنفاذ صبر: يا ميار أنا قولتلك على الصح والمفروض يتعمل وبراحتك أنا ما عليا نصحتك لوجه الله..
قاطعتهما والدة ميار وهي تقول بفضول: مالكم واقفين كده يا بنات في ايه؟
ميار بإرتباك: آآ أبدا يا ماما دي دعاء جايه تعد معايا شويه
دعاء بمزاح: ايوه يا طنط إذا مش عندكم مانع يعني
والدة ميار ضاحكه: ده كلام برضو ياحبيبتي، تنورينا طبعا
إبتسمت دعاء، وقالت بهدوء: ربنا يعزك يا طنط...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة