قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا الأربعيني الأعزب للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر والأخير

نوفيلا الأربعيني الأعزب للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر والأخير

نوفيلا الأربعيني الأعزب للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر والأخير

لم يضع احتمالات لاجابته ولحق بها على الفور، فكلما انعطفت السيارة في الطرق المودية لمنزل قاسم كان يردد بصدمةٍ:
مجنونة حقاً تلك الفتاة..

توقفت السيارة أمام منزل العائلة، فترددت كثيراً بالهبوط من السيارة، ولكنها هبطت بالنهاية، مسحت دمعاتها بتأثرٍ شديد فكانت تقدم قدماً وتؤخر الاخرى، حتى ساقتها للداخل، فصارت حالة من الجلبة حينما وجدوها تقف أمامهما، فأسرع تجاهها قاسم وجسده يملأه الضمادات الطبية، فقال ساخراً:
ماذا حدث، تخلى عنكِ السيد عاصي؟
حدجته بنظرةٍ محتقنة، فاسترسل حديثه باستهزاءٍ:.

ربما حسبها جيداً فوجد أنكِ لا تستحقي خسارة صفقة ستكلفه الملايين..
تلألأت الدموع في حدقتيها، وهي تستمع لحديثه اللازع، ليست ضعيفة للانصات له بصمتٍ، فتمتلك لسانٍ تراه سليط للغاية، ولكنها بتلك اللحظة مهزومة ولا تقوى على المحاربةٍ، لذا اختارت الصمت وسيلتها للهروب، حتى حينما اقترب منها أبيها فرمقته بنظرةٍ تمنى بعدها الموت، فهمس لها بصوتٍ منخفض:
لماذا عدتي يا ابنتي؟ الا تعلمين ما يضمره لكِ قاسم!

منحته ابتسامة شبه ساخرة على خوفه الغير لائق به، قطع قاسم حديثه المنخفض حينما رفع يديه ليطوفه وهو يردد بنظرة ذات مغزى:
جيد أنك تخبر ابنتك بمن الصالح لها، لا تنسى عمي أملاكك مازالت تحت سيطرة أبي، لذا من مصلحتك أن يتم هذا الزواج..
ازداد بداخله شعور النفور منه ومن ذاته، فانهمرت دمعة تحمل مكنونات العجز على وجهه، فكرهت لوجين رؤية ابيها بتلك الحالة المعتادة، فصاحت بضيقٍ شديد:.

كف عن مضايقة أبي أيها الأرعن، تحدث إلي فأنا من يقف بوجههك وليس هو!
جز على أسنانه غيظاً من حدتها التي لم تخسرها بعد، فترك عمه وذهب ليقف أمامها، فجذبها من خصلات شعرها وهو يردد من بين اصطكاك اسنانه:
كيف تجرئين على الحديث معي بتلك الطريقة!، تعلمي كيف تحترمي زوجك المستقبلي لوجين والا سأقطع لسانك ذات مرة...
ازدادت المشاحنات بقاعة المنزل الكبير، ليقطعها صوتاً مألوف اليها حينما تردد بالارجاء:.

هل انتهيتي عزيزتي!

التفوا جميعاً تجاه مصدر الصوت، فوجدوا عاصي سويلم يقف من أمامهما بثباتٍ مخيف، ففور أن رآه قاسم حتى أخفض يديه عنها بخوفٍ، وبات يبتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغة، أما لوجين فتطلعت له بفرحةٍ وكأن أمنيتها الثمينة تحققت بوجوده، نعم كانت مرتبكة، حائرة، ولكنها بالتأكيد سعيدة لوجوده، اقترب عاصي منهما ومازالت يديه موضوعة في جيب بنطاله فمنح طالة أكثر ثقة وصرامة، ليقف جوارها ثم قال ونظراته تتوزع بينهما جميعاً:.

أخبرتك بأن تنتظري عودتي حتى أخبرهما بنفسي..
ضيقت عينيها بعدم فهم مما يقصده بحديثه، فتساءل أبيها باستغرابٍ:
عن أي شيء تتحدث سيد عاصي..
أجابه بكل ثقة وعينيه تتركز بنظراتها على الأرعن المصون:
سنتزوج أنا وابنتك الأسبوع القادم لذا شرفنا أنت وعائلتك بالحضور..
ثم لف يديه حولها وهو يغمز بها بابتسامةٍ مهلكة:
فلنرحل الآن، سيأتوا للحفل بالتأكيد..
انطلق صوته الغاضب كالشرارة القاتلة حينما قال:.

عن أي زفاف تتحدث!، لوجين لن تتزوج الا بي أنا..
تركها عاصي ثم ذهب ليقف من أمامه، ليجيبه بابتسامةٍ هادئة تخفي من خلفها شر وانذار عظيم:
ستتزوج من عاصي سويلم وأنت تعرف هذا الرجل جيداً، من يقف أمامه يدعس جثمانه كالجرذان...
ثم انحنى على أذنيه ليهمس بصوتٍ منخفض:
أظنك تخشى الجرذ أليس كذلك؟
انقلبت تعابير وجهه لخوف شديد، فتابع بقوله:.

لا تختبر قوة تحملي كثيراً، فربما تلك الكسور والكدمات التي تملأ وجهك تلقنك درساً بعدم التعرض لها مجدداً والا حينها لن يكون هناك مجال لتذكارٍ أخر، فمن الذي سيحمل تذكار ثمين على قلبه القبو!
ورفع يديه ليشير بحركاتٍ دائرية:
أعد حساباتك مجدداً قبل أن يدعسك قطار الموت..

وتركه وخطى للخارج بكل غرور، ليدنو منها فلف يديه حول معصمها وارغمها على الخروج خلفه، فما أن ابتعدوا سوياً عن المنزل حتى جذبت يدها منه وهي تتساءل ببكاءٍ:
لماذا فعلت ذلك؟ أنت لست مجبراً!
ابتسم عاصي ثم ضرب كف بكف وهو يردد بحيرةٍ:
لا أصدق، أنقذتك من ذلك الأرعن منذ قليل ولم يعجبك ذلك!
أطبقت على شفتيها بقوةٍ وهي تتحكم في دموعها، ثم قالت بصوتٍ مختنق:
الى متى ستظل تنقذني منه!

منحها نظرة عميقة قبل ان يقترب منها، ليخبرها بصوته الرخيم:
إلى أن تزهق روحي فحينها سيكف عن ملاحقتك..
ثم تابع بقوله المعسول:
وربما حينها سيخشى أن يلاحقه شبحي فسيتركك لا محالة..
انغمست بكلماته التي اينعت رغبات حبها تجاهه، فرفعت حاجبها وهي تتساءل بدهشةٍ:
ماذا حدث لك؟
تعلقت عينيه بعينيها وهو يجيبها ببطءٍ:
أحببت الحياة التي عكستها عينيكِ، والآن أرغب برؤية المزيد...
ثم جذبها اليه ليردد بهمسٍ ساحر:.

فلنتزوج لوجين..
ابتسمت ساخرةٍ:
لا أصدق أن من يقف أمامي هو السيد عاصي سويلم الكئيب، علني أحلم حلماً سخيف وربما سأستيقظ منه قريباً..
هز رأسه نافياً وهو يخبرها بمكرٍ:
لن أدعك تستيقظي منه إذاً...

الخاتمة...

اليوم بالنسبة إليها ليس عادياً، فاليوم الذي كانت تخشى قدومه هي الآن تنتظره بفارغ الصبر، اليوم لن تجبر على الزواج من البغيض الذي لطالما كرهته، بل ستتزوج من الرجل الذي حمل معظم موصفات فتى أحلامها، حتى وإن كان أربعيني العمر ولكنه مازال جذباً بحفاظه على جسده وعنايته بذاته، وما يحليه صفاته ورجولته، شهامته التي أعجبت بها منذ اللحظة الأولى، تلك الفتاة المشاكسة التي وجدها تختبئ أسفل طاولته ستصبح الآن زوجة له، في حضور الجميع وعلى رأسهم قاسم الأرعن وعائلته، بل والمضحك في الأمر بأن عاصي اختاره ليشهد على عقد الزفاف بنفسه.

إنتهت لوجين من وضع لمساتها الاخيرة من المكيب، الذي صممت وضعه لنفسها ومن ثم وضعت التاج على رأسها ليمنحها مظهراً أنيقاً، فاستدارت تجاه إيمان التي تحمل الصغير، فما أن رأتها حتى رددت باعجابٍ شديد:
حفظك الله من الأعين..
واحتضنتها بفرحةٍ:
أنتي عوض الله لأخي بعد صبر سنوات لوجين، أريدك أن تمنحيه السعادة ولا شيئاً سواه..
ابتسمت وهي تمازحها:
سأمنحه أشياء لا تعد أولهما الضغط والسكر وأخرهما هند..

تعجبت للغاية، فقالت:
هند!
أومأت برأسها وهي توضح لها:
أجل، سأنجب له فتاة وسأسميها هند حتى لا ينسى حبيبته وزوجته السابقة..
انكمشت تعابيرها في ذهولٍ، ثم قالت:
ألن يزعجك ذلك..
واستطردت موضحة:
أعني مجرد تفكيره باخرى ألن يزعجك!
ابتسمت وهي ترد عليها بحكمةٍ:
وما الذي سيزعجني، تفكيره بما مضى من حياته وبات مجرد ماضي!، أنا الآن حاضره ومستقبله..
ضحكت إيمان حتى برزت أسنانها البيضاء، فشددت من ضمها اليها ثم قالت:.

عرف عاصي كيف يختار من تناسبه.
ثم أشارت لها بغمزة من عينيها:
دعينا نخطف قلبه اذاً بطلتك الساحرة تلك..
راق لها تعبيرها فتمسكت بيدها وهي تشير لها:
هيا، لننطلق..

وبالفعل هبطت معها للاسفل، ليمر اطراف الفستان الطويل على زهرات الياسمين الملقاة أرضاً، ومن حولها عدد من الاطفال يحمل كلاً منهما شموع مزينة بالدنتيل الابيض، لينتهي الدرج الخارجي للقصر بمنتصف حفل الزفاف، لتجده يقف نهاية الخط المفروش بالورود، ينتظرها بلهفة وشوق يسبقه برسائل من غرامٍ، تاه به وتاهت به، فكان يبدو وسيماً للغاية ببذلته السوداء الانيقة، هيبته تلك تمنحه وقار واحترام يجبر الجميع على احترامها، انتهى طريقها المحفور بالورد حينما اصبحت امامه، فسلمته يدها وكأنها تستئمنه على روحها، لتستكمل معه طريقها حتى وصل للمأذون الذي عقد قرانهما في حضور اهم رجال الاعمال، وعدد مهول من الصحافة والتليفزيون، وبعدها انضمت معه على المنصة، فتمايلت معه على ايقاع الموسيقى الهادئ، ليقطع عاصي الصمت الذي طال بينهما:.

أتساءل أين تلك المشاكسة التي إعتادت عليها، أراها متختبئة خلف تلك الانوثة المهلكة!
ابتسمت لوجين وهي تهمس له بخبثٍ:
وأنا أيضاً اتساءل أين ذلك الاربعيني الكئيب، أراه يختبئ خلف شاباً في العشرون من عمره ويخشى عين الحسود بينما هي تلاحقه..
تعالت ضحكاته فزادت من وسامته، فحملها بين ذراعيه ثم طاف بها وسط صفقات من الجميع وتشجيع عمر له بمزحٍ:
أحسنت..

تعالت ضحكات ايمان على صفير عمر المزعج، أما لوجين فهمست باذنيه على استحياءٍ:
أحبك عاصي..
توقف عن الدوران بها ثم تطلع بعينيها قبل أن يضع قبلة عميقة على جبينها وهو يهمس لها بنفس رقة صوتها:
وأنا أعدك أن لا أفعل شيئاً سوى أن أعشقك لباقي حياتي...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة