قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السابع والأخير

نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السابع والأخير

نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السابع والأخير

وقفت خديجة تقلب الطعام داخل الأواني الموضوعة على نار الموقد وكل عقلها وتفكيرها منصب على كلمات سهيلة والدة طارق لهما منذ يومين، فقد اعطتهم مهلة سبعة أيام متوقعة أن يترك فيها كلاهما العناد والكبرياء، مرتبين فيها الأمور في عقولهم على أمل اتخاذ قرار نهائي وحاسم بشأن وضعهما السخيف الذى طال، تنفست في حرارة وهي تتذكر كلماتها الأخيرة المتهمة:.

-واعملوا حسابكم مش هقبل بأي قرار يمس حياة احفادي، ومش هسمح ليكم تدمروهم،
ولو وصلت أني أخدهم وأنا اللي اربيهم ويبقى عليه العوض في أبوهم وأمهم.

نظرت إلى طفلتها التي تلعب بالأواني على باب المطبخ في آسى وندم ثم ضغطت على رأسها تحاول عدم الغرق في التفكير أكثر فقد غرقت اليومان الماضين في تفكير لا نهائي تختص فيها حياتها ومصائبها، حتى أنها لم تذهب العمل من وقتها طالبة بضعة أيام راحة.

شعرت بدوار طفيف وهي تتنقل في أرجاء المطبخ لكنها تجاهلته كالعادة، فعقلها مشغول بأمور أهم كالندم، والأسف، وترتيب الأولويات ، هاجمها من جديد ألم في الرأس أجبرها على التنفس خلاله على أمل الخروج من شدته، حاربت رغبة جفونها المثقلة من أجل الانغلاق ولكنها أحست بالدنيا تدور بها روحها تسحب من أنفاسها ولم تشعر سوى بانزلاق جسدها مصطدمًا بالأرض قبل أن يتملكا السواد والصمت الحياة من حولها.

خرج طارق من المرحاض بعد أن أخذ حمامًا ساخنًا، ووقف يرتدي أفضل ملابسه مقررًا إنه لن ينتظر حتى نهاية الأسبوع وأنه سيصعد لزوجته اليوم، عاكفًا على استرضاءها رافضًا أي رفض منها، حتى إنه قرر التنازل عن حقه في الاعتراض بشأن عملها، مقررًا اعطاءها مساحتها الخاصة فان كان العمل ما سيرضيها كي تعود له، سيتركه لها كي تشعر بالانتصار الذي لا يوازي شيء بجوار انتصاره بحيازة عائلته الصغيرة من جديد بين أحضانه وتحت رعايته.

ابتسم رغمًا عنه فهو متأكد انها ستعود إليه وانها تعشقه كما يعشقها، فقد كان عتابهم على الدرج كافيًا وصريحًا ومرضيًا للطرفين، نظر إلى الساعة سعيد أنه نجح في الحصول على أجازه استثنائية لليوم وقد حرص على طلبها ما أن علم من شقيقته ان خديجة استطاعت الحصول على عطلة لمدة أسبوع كامل، مقررًا استغلال الوقت في صالحهما.

دندن ألحان أحد الأغاني بينما يعدل خصلاته بعنايه أمام مرآته إلى أن انتبه أخيرًا لصوت صرخات طفله صغيرة، توقف عن الدندنة عاقدًا حاجبيه في تركيز قبل أن تنفرج مقلتاه في ذعر عندما ميز صوت صرخات أيتن الصغيرة.

لم يتردد ثانية وهرع راكضًا دون اهتمام للأثاث المعترض لطريقه أو بالطاولة التي انزاحت من قوة اصطدامه بها أو حتى صوت الزجاج المحطم الذي دوى المكان من خلفه، فتح الباب وصعد سريعًا وهو يحارب للوصول لأعلى وصرخات صغيرته تقترب وتقترب.
طرق فوق الباب فورًا بجنون هاتفًا في صوتًا عالي:
-خديجة، افتحي الباب، خديجة!

وضع أذنه فوق الباب يستمع لصرخات طفلته المستغيثة التي لم يسمعها تخرج مثلها من قبل واتسعت عيناه في رعب حقيقي عندنا سمعها تنادي ماما وسط بكاءها الطفولي المذعور، حاول التصرف وبدء في تقدير المسافة التي تبعد فيها طفلته عن الباب فصوتها يخبره انها بعيدة ولكنه صرخ محذرًا على أي حال:
-أيتن ابعدي عن الباب عشان متتخبطيش، انا جايلك بسرعه متخافيش!

انهال على الباب بخبطات متتالية وهو يلعن غباءه الذي جعله ينصاع لها ويعطيها المفاتيح الخاصة بمنزله كي تشعر بالخصوصية، ضربة اخيرة وانفتح على مصرعه رغم محاولته في الإمساك به خوفًا من أن يطيح بطفلته ان اقتربت، ركض بعدها مذعورًا يتتبع بكاء طفلته في المطبخ وكاد يتوقف قلبه عن الخفقان وهو يرى زوجته الشاحبة ملقيه على الأرض دون حراك.

ركض يجثو جوارها يهزها في جنون ثم استقر برأسه فوق صدرها متنفسًا الصعداء عندما وصلته نغمات قلبها الخافت في ضعف.
-خديجة، فوقي، انتي سمعاني.
وقف يحاول تطويق طفلته يبعدها عنها لكنها تمسكت في عناد وخوف كبير بطرف ثوب والدتها رافضة الحراك بعيدًا عنها فقال في توتر بالغ:
-اهدي يا ايتن ما تخافيش ماما كويسه.

انهى جملته لكن كل انتباهها كام مصوب فوق والدتها التي ترفض فتح عيناها ولا تفيق، جذب قنينة ماء من البراد وعاد جوار زوجته يرش الماء في وجهها.
رمشت خديجة عدة مرات تحاول إدراك أين هي وماذا يحدث من حولها فكل ما يصل أذنها هو صوت أنين طفلتها الهستيري، حاولت فتح جفونها لكنها شعرت بالضعف وبذراع قوي يرفع جذعها العلوي في حنو قبل أن يصلها صوت تعشقه يهمس جوارها:
-اشربي يا حبيبتي.

شعرت بالماء على شفتيها فأخذت تتجرع في بطء ثم هزت رأسها مبتعدة عند الاكتفاء ثم رفعت كفيها تضم طفلتها إلى صدرها هامسة في ضعف تحاول طمئنت قلبها:
-متخافيش يا ايتن، انا كويس.
-بس يا حبيبة بابا، بصي ماما بقت كويسة ازاي، دي كانت نايمه بس.

قال طارق في رقة بالغة بعد أن استقر بجسده خلف جسد زوجته يجبرها على الاعتدال والاستناد فوق صدره، أخذ يربت على ظهر صغيرته التي توقفت عن البكاء تدريجيًا وبدئت تلتقط أنفاسها، ثم ترك لخديجة مهمة طمأنتها وزاد من ضم زوجته نحوه هامسًا في قلق:
-أيه اللي حصل ده!
هزت رأسها تمحض قلقه وتمتمت في ضعف:
-تقريبًا ضغطي وطي عشان بقالي يومين مش بنام.
-ومش بتنامي ليه يا عيوني؟

سألت معاتبًا في خفة وهو يلامس وجنتها في رقة، فأجابت في استسلام:
-كنت بفكر فيك وفينا...
استقر بأنفه بين خصلاتها يستنشق عطرها الذي صار كالإدمان بالنسبة له قبل أن يصرح في حب وصدق بالغ:
-أنتي عارفة انك صفيتي دمي واني عايز أخد مكان أيتن بس مش قادر، مش كده؟
مالت رأسها للخلف تطالع مشاعر حبه المنبثقة من عينيه ثم رفعت كفها الأخر للخلف تلامس وجنته وذقنه النامية هامسة:.

-وأنت عارف أن أنا بحبك ومش قادرة أكمل من غيرك، مش كده؟
ملئ صدره بنفس عميق محمل بعطر أنفاسها في رضا ثم مال يقبل أعلى رأسها متوسلًا في استسلام:
-عشان خاطري يلا نرجع زي ما كنا أنا وانتي وولادنا، ونرجع نعمر بيتنا من تاني،
ولو على الشغل أنا مش هطلب منك تسبيه، وكل اللي هتطلبيه مني مجاب بس بلاش بُعاد من تاني!
غمرتها سعادة قوية قبل أن تبتسم راضية بكلماته ثم هزت رأسها في موافقة هامسة:.

-احنا رجعنا لبعض أصلًا، أنا مش هسيبك تطلع من هنا.
سند طارق برأسه فوق جبينها قبل أن يقبل جبينها مرات متتالية لا يستطيع التعبير عن الرضا والسلام الداخلي الذي غمره مع موافقتها وكلماتها وقد شعر بأن روحه التي انتزعت منه تعود إليه من جديد، اقترب يستقر بشفتيه فوق شفتيها الجافة الصغيرة لكنه انتفض عندما سمع صوت والدته المرتعدة وخطواتها المبعثرة حتى ظهرت أمامهم تطالعهم في ذعر متهمة إياه:
-أنت هببت أيه تاني!

حرك طارق رأسه في خيبة أمل واعتراض من هجومها الدائم عليه قبل أن يخبرها في نبرة مغتاظة:
-ليه دايمًا أنا السبب مش فاهم!
-عشان أنت جلاب المصايب!
هتفت في غيظ من سخافته وهي تلقي بأكياس البقالة في وجهه قبل ان تجثو جوار خديجة متسائلة في قلق جلي:
-مالك يا بنتي، عملك أيه قوليلي!
ضحكت خديجة مجيبة في خفوت:
-معمليش يا ماما، أنا دوخت شوية ومحستش بنفسي!
-لا ازاي زودي شويه ساسبينس عشان ترتاح!

تدخل طارق في تهكم مغتاظًا من تصرفات والدته فقالت في غضب:
-أعملك أيه، نزلت أشتري حاجة من السوق رجعت لقيت باب الشقة مفتوح على وسعه والفازة متفرفته مية حته،
طلعت اجري على فوق لقيت باب الشقة مكسور وخديجة مرمية على الارض...
قاطعها مستكملًا في سخرية السيناريو المحتمل في رأسها:
-فأنتي قولتي بقى اني فشفشت الفازة تحت على دماغ خديجة، وطلعت كسرت بيها الشقة وكملت عليها في المطبخ!

علت ضحكات زوجته رغم الوهن الذي يتملكها بينما لكزته والدته في غضب مزمجره من بين أسنانها:
-إنسان سخيف مستفز، وأنت سايب البنت على الأرض كده ليه ما تتنيل تهز طولك وتدخلها الأوضة!
قالت وهي تستقيم وتتجه لحمل أيتن ألا ان الصغيرة تأوهت في رفض رافضة ترك والدتها فضمتها خديجة لها أكثر مطالبة:
-سبيها يا ماما معلش هي خايفة!

استقام في خفة ثم رفعها بسهولة هي وطفلتها متجهًا بها للغرفة حيث وضعها ببطء ورقة فوق الفراش، حاولت والدته من جديد استماله الطفلة ولكن أوقفتها خديجة في إصرار:
-سيبيها يا ماما أنا محتجاها في حضني!
نظرت إلى طفلتها الممسكة بها وزادت من عناقها تستشعر مدى الارهاق العاطفي والنفسي التي مرت به بسبب ما حدث.
-طيب حاولي تنامي وترتاحي يا حبيبتي وأنا هستنى أنس لما يجي.

التفت إلى أبنها متعجبة من وقوفه جوارهم حتى الآن، فأشارت له في صمت كي يتبعها لكنه أبى حتى لكزته في الخفاء تحاول إجباره على التحرك كي لا يزيد من تعب وارهاق خديجة بوجوده لكنه همس متوجعًا:
-أه يا ماما بتقرصيني ليه؟
انا هفضل معاها وهاخد بالي منها.
كادت تصفعه على وجهه من شدة الغيظ ولكن أوقفها صوت خديجة الناعم تخبرها:
-احنا اسفين على كل اللي خليناكم تمروا بيه بسببنا يا ماما بجد متأسفين من كل قلبنا،.

وحبينا نقولك اننا قررنا نرجع لبعض خلاص!
انفرجت أساريرها وهبت تزغرد في قلب الغرفة دون توقف قبل أن تلتفت وتلكم أبنها في صدره مزمجره في حقد:
-وأنت كنت مستخسر تقولي وتطمن قلبي يا بوز الأخص!
-لا ماما كده كتير، أنتي تنزلي عشان أنا تعبت.
قال وهو يدفعها ممازحًا للخارج ولكنه لم يستطع كبت ابتسامه سعيدة راضية وقد وصلته صوت نغمات ضحكة أهم امرأتين في حياته.

تململت خديجة في الفراش وقد استيقظت بعد ساعات قليلة ولكنها كانت كافية لإشعارها بالراحة وكأنها حصلت على مئة عام من النوم، فتحت عيناها ببطء متوقعه الالتقاء بجسد صغيرتها ولكنها التفت بعيون زوجها البنية المشعة بالحب حيث يستلقى جوارها وجهًا لوجه.
هبطت نظراتها نحو أنامله المشبوكة في قوة مع أناملها ثم سألت في نبرة مخلوطة بأثار النوم:
-أومال أيتن فين؟

-مع أنس وماما تحت، صحيت من شوية ومرضتش اخليها تصحيكي فنزلتها.
رد في بحته الهادئة رغم خشونتها فاكتفت بتحريك رأسها وقد شعرت بالخجل يطغي على وجنتيها وكامل وجهها، ضحك في خفة قبل أن يشاكسها في ندم:
-مكسوفة ليه؟
كان على عيني والله بس امي قالتلي اديكي أجازة انهارده.
كادت تخرج عيناها من مقلتيها في ذهول لا تصدق أنه قد يتحدث مع والدته في هذا الأمر ولكنه أنفجر ضاحًا مؤكدًا:
-تعبير مجازي يا ماما متقلقيش،.

أنا بس اللي عندي دم ونظر شوية شويتين تلاته كده،
لكن بكره لن أرحم أحد!
أكد جملته بملامح ما بين الجدية واللعب، فعضت شفتيها في خجل قائلة في لهجتها المشاكسة التي تثير جنونه:
-مجنون بس بحبك!
-وأنا حبيتك وبحبك ومش هبطل أحبك.
-أنا مش هكمل شغل على فكرة، وقبل ما ترد لا مش هقعد من غير شغل ابدًا،
مبدأ الشغل موجود وهدور على حاجة انسب ليا لكن حاليًا أنا محتاجة شهور أسترجع فيها نفسي وبيتي.

انهت جملتها واثقة من قرارها وهي تمسك بنظراته المتعجبة من التحول في قراراتها فسأل في توجس:
-لو بتعملي كده عشان فاكرة انك هتراضيني...
قاطعته وهي تضع كفها فوق فمه تُسكته، مردفه في جدية:
-لا خالص أنا مستحيل أتخلى عن الشغل لاني محتاجة أحس بنفسي وبصمتي وبوجودي،
المشكلة كلها فيا، موضوع الشغل جديد عليا، شوكتي طرية من الأخر ومجهودي مش كافي،
من الأخر انا هشتغل لكن لما ألاقي الشغل المناسب ليا.

انهت جملتها دون تعمق في هواجس سابقة كانت كوقود لعنادها وغباء قراراتها فطوال الوقت السابق كانت تظن أن رغبتها في العمل نابعة من وسواسها القهري من رئيسته السابقة ميري لكنها اكتشفت انها سعيدة وتحب تجربتها العملية فهي تفتح لها آفاقًا جديدة في نفسها.

لكنها بغبائها جعلت في ميري رمزًا ومحركًا تخط به حياتها الجديدة حتى إنها في وقتً ما استمدت أسلوبها في مواجهة الحياة وغيرت من شكل ملابسها محاكاةً لها وكأنها ستصبح بشكل ما أقوى ومرغوبة، لكنها دون ان تدري كانت تضعف نفسها أكثر وأكثر، ففي النهاية كانت قوتها الحقيقة مستمده ونابعه من حبه لها.

تابع طارق في صمت تقلب المشاعر داخل عينيها حتى استقرت بنظرتها المحبة نحوه، فلم يسأل مكتفيًا بحركة من رأسه في موافقة على رغبتها السابقة راضيًا انه لم يتسبب في أي ضغط نفسي من نوع ما عليها، حتى انه عرض عليها في حماسه وقد تذكر امرًا ما للتو:
-أنتي ممكن تبدئي شغل من البيت، أعرف زميلي مراته بتشتغل كده،
أنا ممكن أخليكم تتواصلوا يمكن يجي معاكي سكة.

كانت تطالعه في حب وشوق وتلقيه بابتسامتها الواسعة وكأنها تتسأل كيف استطاعت امتلاك ذلك القلب الأبيض، أبعدت انظارها عنه قبل أن تتنهد وتقترب منه مستقرة في أحضانه بشكل كامل، هامسة في شوق حارق:
-وحشني حضنك!
-آآه، أبوس إيدك كفاية، أنتي معندكيش أخوات رجالة، حسي بيا، يحس بيكي ربنا.
علت ضحكاتها وهي تزيد من الاختباء في أحضانه مستنكرة:
-كنت عارفة انه لا على فكرة!
-ده بعينك على فكرة...

طبع قبلة طويلة فوق ثغرها المرحب بأشواقه العارمة وحبه الأهوج لكنه ابتعد عنها تسيطر عليه رغبه أكبر في الغرق داخل عينيها فظل ينظر إليها في حب كبير قبل أن يقطع الصمت من حولهما متسائلًا في مشاغبة:
-عارفة أيه أكتر حاجة مجنناني ومزولاني دلوقتي؟
نظرت في تساؤل بينما تحرك رأسها بالنفي فاستكمل بعيون ضيقة:
-هموت وأعرف ابنك لما باس البنت ضربها بالقلم ليه!

ما أن انهى جملته حتى خطفهما الضحك دون توقف، كانا يضحكان ويضحكان كالمعاتيه بل وكأنهما امتلكا جميع الجاه والأنعام في العالم، كان يكفي أن ينظر أحدهم إلى عيون الآخر كي يجد سببًا للسعادة المنبثقة من قلوبهم ومبررًا للضحكات الهاربة من شفاههم.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة