قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

فتح طارق البوابة الخارجية لمبنى العائلة ودخل في بطء كأنه رجل عجوز يجر ساقيه وليس شاب في السابعة والعشرين من العمر، تنهد وكأن هموم العالم تستقر فوق كاهله.

مر على الطابق الأرضي دون اهتمام فهو لا يفتح إلا عند وجود زوار أو في حالة حضور شقيقته وزوجها للبيات وهذا نادرًا ما يحدث مع زوجها الغارق في أعماله طيلة الليل والنهار، فتنتهي شقيقته ببقائها مع والدته طوال اليوم حتى يأتي زوجها مَسَاءَا كي يأخذها ويتوجهان للبيت، صعد للطابق الأول علوي حيث تقطن والدته وتوقف لحظة ينظر للدرج بتمني وشوق كبير، يود لو يستطيع الصعود إلى الطابق الثاني والأخير في المبنى حيث تقبع حياته السابقة بمليكته التعسة ملكة الجفاء، زفر في حدة كارهًا هذا الشعور بالضيق وعدم الانتماء الذي يعتري صدره في غيابه عنها، عض شفتيه وهو يحارب غضبه كي يضع المفتاح في مكانه الصحيح، لا يصدق أنه يحرم عليه الصعود إليها منذ ما يقرب الثمانية أشهر، ثمانية أشهر يلتقيان فيها صدفة كالغرباء.

انعقد حاجبيه في ترقب أثناء فتحه الباب وقد سمع صوت ضحكات طفولية، دخل على عجلة ليقابل أنس الصغير ذو الخمسة أعوام الراكض نحوه مهللًا:
-بابا، بابا وحشتني!

التقفه طارق المبتسم بين ذراعيه في حنو بالغ متجاهلًا نبضاته المرتفعة والمترقبة للمح طرفها في أي لحظة، قبل رأس الصغير ذو الابتسامة المشرقة ثم تنهد وهو يتشمم رائحة والدته اللذيذة من خلاله، قاطعهما خروج والدة طارق الحاملة لطفلته أيتن وباليد الأخرى تضع طبق ممتلئ بالأطعمة لحفيدها آمره:
-سيب بابا وبلاش حجج وأقعد خلص أكلك كله قبل ماما ما تيجي!

تحطمت أماله في رؤيتها وتعكر مزاجه من جديد لكنه تخطى الأمر سريعًا متعجبًا من عدم وجودها فسأل والدته التي تضع صغيرته بين العابها في نبرة متيقظة:
-أمه فين؟
تحركت سهيلة نحو حفيدها تحمله من أحضان والده مجيبة وهي تضعه أمام طعامه:
-مجتش لسه من الشغل.
أغمض طارق جفونه واهتزت شفتيه في شبه ابتسامه لكنها ما لبث أن اختفت قبل أن ترتسم بينما يهز رأسه يحاول ابتلاع اعتراضه في سكون.

فلا فائدة من إحراق ما يتبقى من عقله الآن، فعملها أصبح أمر واقع يصفعه في كل خطوة يخطوها، طرقع أصابعه في غيظ وهو يتابع تنقل والدته في اعتيادية حول المكان متعمدة تجاهله والانشغال بترتيب المنزل، لكنه قطع مسرحيتها متسائلًا في نبرة هادئة:
-شغلها خلص من ساعة يا امي، يبقى ازاي في الشغل؟
-علمي علمك وأنا هعرف منين!

قالت وهي تحرك يدها في الهواء وتميل بشفتيها للشمال في تعجب مقصود، متعمدة عدم الإمساك بأنظاره، فأسبل طارق جفنيه ثم نظر إلى ساعه يده مستشعرًا ارتفاع مؤشرات غضبه، قبل أن يهز رأسه في استسلام مكتفيًا من استفزازها المتعمد متحركًا نحو الشرفة.

أتاه صوت بكاء طفلته ذات العامين وصوت توبيخ والدته لأنس الصغير متهمة إياه بأنه شقي مشاغب كوالده متسائلة أي شيطان قد يشاغب شقيقته ويسبب في بكاءها ووالدتها ليس في المنزل، زفر طارق في حدة متعمدًا الوقوف في انتظارها وهو يتوعد لها:
-وماله يا خديجة، أنتي اللي جبتيه لنفسك، أنا ماسك نفسي عنك بالعافية.

همس في وعيد وهو ينظر إلى ساعته من جديد، مرت دقائق طويلة تنقلت فيه عينيه بين الطريق والساعة يكاد يجن فيها من القلق وشعوره المرير بالغيرة، متسائلًا لما بحق السماء ستتأخر كل هذا الوقت ومع من؟!

جز على أسنانه موبخًا ذاته، كان ينبغي عليه التمسك بجنونه العارم وقت إعلانها بدء العمل منذ ثلاثة أشهر ماضية بل كان عليه ضرب اتفاقهم التافه وتعنتها السخيف في وجهها وإجبارها على البقاء في منزله ولو بحبسها فتبقى زوجة له وأم لأولاده فقط رغم أنفها، فهو لم يرتكب خطأ لا يغتفر يستحق عليه هذا العقاب المرير.
-لا كده كتير!

رفع هاتفه يحادثها فتفاجأ انها تضعه على لائحة الرفض، انفرط صبره ودخل نحو والدته قائلًا في لهجة عنيفة مستهجنة:
-اتصلي بيها حالًا واعرفي هي فين!

اتسعت أعين والدته وحاولت المحافظة على ثباتها وإخفاء حقيقة أنها قد هاتفتها تخبرها عن تأخرها بسبب غياب زميلتها لكنها سعيدة بتحرك ولدها الأحمق الذي يفسد فرصته معها دون وعي فمنذ حصلت على العمل وهو يتعامل معها كأنها هواء بل أسوأ هو يتعامل بتعنت كبير كأنه لم يكن السبب فيما وصلا إليه، رمشت مستغفره الله قبل ان توبخه في خفه:
-ما تعليش صوتك عليا وأنت بتتكلم.

-أمي أرجوكي متلعبيش بأعصابي اكتر من كده، اتصلي بيها وشوفيها اتأخرت ليه!
زفرت سهيلة وهي تربع ذراعيها تجيبه في تعالي:
-انت قلقان ليه كده؟
خديجة مش صغيرة والصراحة بقى أنا سيباها براحتها مش عايزة اخنقها ولا أنت مش هترتاح غير لما تاخد أحفادي وتمشي من هنا!
قرص طارق طرف أنفه يحاول الهدوء والسيطرة على فيضان مشاعره ثم سأل:
-يعني أنتي بردو شايفة ان انا اللي غلطان مش هي؟!

حركت والدتها كفيها في خيبة أمل قبل أن تخبره في صدق:
-أنتوا الاتنين زفت، وبعدين تعالى هنا أنت مش كنت راكب دماغك بقالك تلات شهور ومش معبرها ووقفت هنا بعلو الصوت تقول لو اشتغلت يبقى ما تلزمكش وانك رميت طوبتها!، هاه، راجع عايز أيه دلوقتي، تتأخر ولا متتأخرش أنت مالك؟
-هو أيه اللي مالي، أنتم فايتكم حاجة صغيرة تقريبًا مش واخدين بالكم منها، بس هي لسه مراتي وعلى ذمتي!

رد طارق وهو يشير إلى رأسه يحاول فهم طبيعة المنطق المسيطر على عقولهم، لكنه وزفر في اختناق عندما خرج من والدته صوت استنكاري أثناء ضربها بكفها فوق الأخر ساخرة:
-لحد دلوقتي على ذمتك،
يا عالم بكره يحصل أيه!
-يعني مش هتتصلي بيها؟!
قذف طارق كلماته في حده قاطعًا مجرى خيالات والدته التي تتعمد اضطهاده، فأجابته في عناد مماثل لعناده:
-لا وروح شوف وراك أيه، عايزة ألعب مع أحفادي قبل امهم ما تيجي وتاخدهم!

حرك طارق رأسه في صمت متجهًا في خطوات ثائرة نحو الشرفة يكاد يرطم رأسه في الباب الخشبي لها من شدة الغيظ، لكنه عكف عن ذلك وتسمر في مكانه وهو يرى زوجته تتهادى من بعيد في كامل أناقتها وزينتها، تعالت سباباته وهو يتابع خطواتها الواثقة وتمايلها في تلك التنورة المرسومة فوق جسدها أكثر مما ينبغي ويوافق.

تابعها تدلف إلى البناية ولم يستطع الانتظار أكثر شاعرًا بدمائه تفور، فها هو يموت قلقًا وينقلب حاله رأسًا على عقب من رؤياها وهي تتمايل وتتبخر دون أي مبالاة للعالم من حولها.
اندفع في شر إلى الخارج مستهدفًا لقاءها قبل ان تختبئ متجاهلًا نظرات والدته المتسائلة عن عجلة خطواته الواسعة، أغلق الباب خلفه وما هي إلا لحظات حتى ظهرت أمامه، فهتف من بين اسنانه دون أي مقدمات:
-أنتي كنتي فين؟

توقفت خديجة لحظه بفم مفتوح من هجومه المفاجئ، وجذبت أنفاس متتالية تصطنع نفاذ الصبر ولكنها في الحقيقة تجاهد من اجل السيطرة على خفقات قلبها المتعالية، لكنها استجمعت قوتها ورمقته مرة في لا مبالاة ثم أبعدت أنظارها عنه في برود مخالف تمامًا لتوقها ورغبتها الكبيرة في النظر أليه وابتلاع ملامحه داخل مقلتيها، قبل أن تجيب على مضض:
-كنت في الشغل!
-كدابة، الشغل بيخلص من ساعتين، كنتي فين؟!

صرح في نبرة جامدة حادة بينما يعقد ساعديه يمنع تخطيها له، فخرجت منها ضحكة منذهلة من وقاحته قبل أن تحاول استكمال صعودها مردفه في لهجة مقطرة بالسخرية:
-عُرف المطلقين ولا نسيت؟
-بقولك أيه، أنا على أخري بلاش لعب العيال ده معايا!
تقف قبالته في تحدي، ثم تمادت في اخباره من بين شفتيها المنفرجة محافظة على ثبات حاجبها الأيسر المرفوع في سخرية:
-لعب عيال!
اه صح نسيت، أنت متعود على لعب الكبار.

رفع كفه الكبير يعتصر به ذراعها متعمدًا ألامها بعض الشيء، مزمجرًا في لهجة تفوح بالغضب:
-قولي اللي انتي عايزاه،
لكن انا وانتي عارفين كويس اني مغلطش يا خديجة وأن الموضوع جه مصلحة، سلم عشان اهداف معاليكي!
أجبرت ضحكة متهكمة من بين شفتيها قبل أن تضغط فوق كفه مجبرة إياه في عنف على ترك ذراعها، مستكملة:
-طبعًا هو في راجل بيغلط، أكيد أنا اللي غلطانة وأنا اللي وصلتنا لكده!

-متغيريش الموضوع يا خديجة أنا عايز اعرف حالًا سبب تأخيرك؟
طأطأت بغنج زائد وهي تحرك أصبعها لليمين واليسار في رفض أمام وجهه قائلة في نبرة نجحت في استفزازه:
-وبعدين قولنا عرف المطلقين!
-أنتي صدقتي نفسك ولا ايه؟
أنتي لسه على ذمتي يا هانم، وأن كنت سايبك سايقة فيها العوج فده بمزاجي،
يعني واحسن لك تفوقي لنفسك قبل ما أطربقها على دماغك!

انهي جملته وهو يدفعها نحو الحائط يمنعها من تخطيها للمرة العاشرة وكعادة كل مرة يمنعها فيها تستقر عيناه فوق شفتاها الوردية فيشتعل غضبه اكثر وأكثر، أما هي فقد أشتدت اعتراضاتها وقد انتبهت كل حواسها له فما كان منها إلا أن تدفعه عنها هاتفة:
-متلمسنيش، وبعدين لو مش عجبك طلقني!
كاد يمطرها بكلمات لا ترضيها ولكن والدته سبقته فاتحة باب المنزل، مقاطعة إياهم في نبرة حازمة:.

-على الأقل راعوا ان في أطفال جوا مش عايزين طول الوقت يشوفوا خناقات ابوهم وامهم،
عيب اكبروا واعقلوا!
تركها طارق قبل أن يزيحها عنه في قسوة أشد من اللازم ثم زفر في قوة منسحبًا مقررًا المغادرة.
وضعت خديجة كفيها فوق وجهها وقد انزاح قناع القوة باختفائه عن الأنظار، تنهدت تحاول اخفاء حزنها الحقيقي واهتزازها الفعلي بسبب أفعاله وطريقته الفجة معها، شعرت بسهيلة تربت على كتفها قبل ان تهمس في حنان بالغ:.

-أنتي عارفة انه بيحبك وان اللي هو فيه ده قله حيله مش أكتر.
ابتسمت خديجة في حزن مشفقة على قلبها الساذج الذي يرفض التخلي عن معذبه، مؤكدة في نبرة ضعيفة:
-لا يا ماما ابنك مبقاش بيحبني، ابنك عايز يكسرني عشان ارجعله وده مش حب!
لم تجادلها والدته وامسك كفها تجذبها للداخل مغيرة الحديث:
-تعالي اتغدي وشوفي العيال، انتي وحشتيهم أوي انهارده.
-لا ماليش نفس ربنا يخليكي، أنا هطلع فوق عشان لو هو رجع.

-مش هيرجع دلوقتي، أمانه عليكي تعالي البت مرام نايمة جوا ومش راضيه تتغدى غير لما تيجي!
ابتسمت خديجة سعيدة بوجود شقيقة زوجها ورفيقتها الوحيدة التي تزوجت منذ سبعة أشهر، فهزت رأسها في موافقة ممازحة:
-النفع الوحيد من شغل جوزها اللي ما بيخلصش اننا مش حاسين انها اتجوزت اصلًا.

ضحكت كلتاهن وتحركت خديجة معها في صمت للداخل على أمل تغيير المزاج المكتئب، وكل امنياتها تتمثل في عدم ظهور طارق اليوم مرة أخرى فقلبها الهالك بحبه لن يتحمل أكثر.

علت ضحكات النساء الثلاثة بينما أنس يلعب بدراجته حول طاولة الطعام وشقيقته تحاول اللحاق به.
-كان لازم تشوفي وش كريم لما شاف العروسة ولقاها شبه اسماعيل يس في الآنسة حنفي!
انهت مرام جملتها بضحكة عالية وهي تصف رد فعل شقيق زوجها ورئيس خديجة في العمل عندما اخذه شقيقه لرؤية عروس مقترحة.
-يالهوي عليكي أنتي وجوزك هتجيبوا صدمة نفسيه للراجل، عشان كده الراجل مكنش قادر ياكل معانا في البريك!

قالت خديجة بين ضحكاتها بينما تمد منتصف جسدها لالتقاط طفلتها من أمام دراجة شقيقها المبتهج الغير واعي لخطورة الموقف أن تقابلت دراجته مع وجه شقيقته، فاستطردت مرام في مرح:
-جمال كان هيموت من الضحك وهو بيوصفلي صدمته وطلع من هناك حلف ميه يمين ما حد يجبله عروسه وانه هيلاقي عروسه لنفسه.
-يخيبكم، طيب لما أنتي عايزة عروسة مقولتيش ليه ما هي ليلى بنت طنطك سلوى موجودة.

انضمت سهيلة في اعتيادية لهم، بينما ترفع ساقها المتعبة فوق مقعد مجاور لها، فعقدت مرام حاجبيها في ذهول متسائلة:
-ليلى متجوزة يا ماما، أنتي ناسية؟
-يوه هو انا مقولتلكيش، مش اتطلقت من جوزها بعد ما اتجوز عليها!
ضربت مرام فوق صدرها هاتفة في صدمة:
-اتجوز عليها ازاي ده كان بيموت فيها!
استدارت خديجة لهما تتابع حديثهما عن كثب فاستمرت سهيلة في حديثها المتعمد بينما تثبت أنظارها فوق ابنتها:.

-أمها بتقول اتخانقوا والمسكينه راحت غضبت في بيت اهلها شهر، قام رجعت لقته متجوز عليها وطلقها،
ما انتي عارفة يا مرام الرجالة ملهمش خلق في البعاد ودلع الحريم.
سعلت خديجة في خفة وأسبلت جفونها قبل أن تلعق شفتيها الجافة في توتر مفكرة بمنحنى علاقتها مع زوجها، فهما منفصلان شفاهيًا منذ ما يقرب الثمانية أشهر ترى هل سيكون هذا مصيرها؟

لن تنكر ان هذ الأمر أحد المخاوف التي تعتريها لكن تلك المنطقة السوداء داخلها ترغب في التمادي واختبار مدى تحمله، الأنثى داخلها أصبحت قاسية مجنونة تشعر بأنها مهددة، غارقة في انعدام ثقة كان هو سببً له.
أغمضت جفونها والتهت عن حديث ذويه، بذكرياتها الخاصة.

قبل ثمانية أشهر، تنفست خديجة الصعداء أخيرًا وهي توصد باب غرفتهم لا تصدق أن طفليها خلدا للنوم أخيرًا، نظرت نحو زوجها الغارق في حاسوبه بين تصاميمه، ثم خلعت رباطة شعرها ترميها جوارها بإهمال منغمسة في إعادة ترتيب خصلاتها كادت تخلع الروب المنزلي لكنها تراجعت في أخر لحظة تشعر بالتوتر من وزنها الزائد كيلوجرامات قليلة منذ ميلاد طفلتها لكنها تراها بوضوح، نفضت مخاوفها واتجهت نحوه تحتضنه وتقبل رأسه مهنئة:.

-كل سنة وأنت طيب يا أغلى ما ليا.
اتسعت ابتسامة طارق تاركًا حاسوبه، ملتفتًا نحوها كي يضمها ويقربها منه هامسًا في محبة حقيقية:
-وأنتي طيبة يا حياتي كلها...
قبل باطن كفها في رقة بالغة قبل أن يستطرد كلماته داعيًا:
-ربنا ما يحرمني منك يا غالية.
-يالهوي عليا لو بجد يتحبني كده!
همست حالمة من بين ابتسامتها المشرقة، فصدحت ضحكاته داخل الغرفة وهو يستقيم كي يعيد ضمها بين ذراعيه في قوة مخبرًا إياها في نبرة مشاكسة:.

-يا سلام، والهانم عندها شك ولا أيه؟
تمايلت بين ذراعيه في دلال مدعية التفكير وهي تخبط سبابتها جانب فمها، قائلة:
-والله على حسب، عامل حسابك تأكد ولا لا.
التوى فمه في نصف ابتسامة مشاغبة قبل أن يقرب فمه من فمها مداعبًا بتلاتها الوردية بأنفاسه قائلًا:
-طيب نبدأ التأكيد ولا نتلكع لحد ما عيالك يصحوا!

لم يعطها فرصة للإجابة ومال يغلق فمها قبل أن تكتمل ابتسامتها الراضية، تعلقت به في شوق سامحة له باستباحة وجدانها والشروع في نقش أبجدية عشقهما.
أبعد شفتيه عنها يحاول التقاط انفاسه لكنها اقتربت منه دون وعي اعتراضًا على تفريقهما غير منتبهه لصوت الرنين الذي كان سبب في قطع وصالهما.
-ثواني هشوف مين بيتصل.
زفرت في حنق متمتمه في استنكار:
-مين البايخ اللي بيتصل بحد بعد نص الليل.

راقبت ملامحه تتغير للارتباك ثم الجمود وهو يشير بأصبعه فوق فمه مطالبًا إياها بالصمت، ليجيب في نبرة جدية مهنية:
-مساء الخير يا مدام ميري.
صمت قبل أن يسرع في الاجابة على رئيسته في العمل وصاحبة مكتب الأعمال الهندسية الذي يعمل فيه كمصمم داخلي.
-طبعا، خلصته وقدمته لمحمود، متأسف جدًا يا مدام ميري الصبح هيكون على مكتبك.

اقتربت منه خديجة في انزعاج صريح، ورفعت حاجبها متعجبة من حالة التأهب الذي أصبح فيها زوجها أثناء حديثه مع المدعوة ميريهان أو مدام ميري كما تجبر الجميع على ندائها، تلك الشمطاء المتصابية فكرت في غيره أنثوية وهي تتذكر ملابسها الفاخرة والشبة فاضحة والتي تخجل هي ذات الثالثة والعشرين عام من ارتداءها.

زفرت في حنق تكره الاعتراف بحسن جسدها الرفيع الممشوق رغم وجود بضع علامات التقدم في العمر التي لم تستطع الشمطاء إخفائها لكنها ترفض الاعتراف بها متحدية الطبيعة.
تأففت وهي تجلس على طرف الفراش منتظرة انتهاءهم من الحديث ولعنت فضولها الذي يجعلها دومًا تتصفح حساب التواصل الاجتماعي الخاص بالمكتب الهندسي، فقط لتركز عدستيها فوق السيدة المحتفظة بجمالها المشرق المناقض لسنها.

مطت شفتيها في غيظ عندما أنهى المكالمة وتسارعت قائلة في اتهام:
-ممكن أفهم الست دي ازاي تتصل في وقت زي ده بيك؟
والعشم ده كله جايباه منين!
انعقد حاجبي طارق في ملل معيدًا أسطوانته الدائمة:
-عشم أيه يا خديجة اللي الست هتستناه مني،
دي بتقبضني ضعفين مرتبي القديم واللي كنت بشتغل فيه شغلانتين!
عقدت ذراعيها أمام صدرها في استهجان، مستنكرة دفاعة عنها:
-وهي اشتريتك بفلوسها، المفروض وقت الشغل للشغل ووقت البيت للبيت!

تنهد طارق أثناء جلوسه جوارها مجبرًا إياها على العودة للاستقرار فوق صدره مؤكدًا كي يمحض شكوكها:
-صدقيني دي طبيعة شغلها وهي مش بتخصني أنا لوحدي بالمكالمات دي،
هي بتتعامل مع كل الموظفين كده.
سندت رأسها على صدره تحاول تصديقه والتخلي عن شكوكها ولكن ذلك لم يوقفها من التمتمة في حنق:
-ورسايل الواتساب بردو تبع شغلكم؟
-لا بالله عليكي مش عايز مناهدة،.

بعيدًا عن كونه عيد ميلادي بس العيال نايمه ودي لحظة تاريخي ومش هتتكرر!
مطت شفتيها في استسلام متناسيه أفكارها المنغصة، تاركة إياه يحارب من أجل خلع الروب عن جسدها، فطالبته في نبرة مشاكسه:
-طفي النور الأول!
-لا بعينك، ويا أنا يا الهواجس اللي في دماغك دي انهارده.
اخبرها في جدية تامة وهو يدفعها نحو الفراش بينما تحارب هي لإخفاء بعض التفاصيل الممتلئة في جسدها معترضة في خجل على كلماته:.

-دي مش هواجس أنا لسه وزني زايد مش عايز ينزل من ساعة ما خلفت أيتن.
-طبعًا، طبعًا!
دفعها متعمد إخلال توازنها كي تستقر فوق الفراش، ثم اتبعها بابتسامه عريضة بينما يكبل جسدها من الجانبين بجسده، متلذذًا في استمتاع وهو يراقب الغيظ المرتسم على وجهها لكنه مال نحوها عازمًا على تشتيتها وكسب استسلامها.

-خديجة!
استفاقت من شرودها على صوت مرام المتذمرة:
-وأنتي سرحانه في ايه يا عنيه؟
رمشت خديجة عدة مرات وهي تتنقل ببصرها بين مرام المتوجسة و سهيلة المنتظرة اجابتها ورغمًا عنها شعرت بالخجل يتملكها وباللون الأحمر يكسو وجهها فتحدثت متلعثمة:
-كنت، آآ، أقصد كنت شايلة نص لمونه في التلاجة و...
-نص لمونة!،
خديجة أنتي كويسة؟

تساءلت مرام في ذهول فارتبكت خديجة وانتفضت تجذب أطفالها تحاول إخفاء خجلها فماذا ستخبرها كنت تائهة في لحظاتي الحميمية مع شقيقك!، فقالت في عجلة:
-أنا شكلي مهنجة من قلة النوم أنا هطلع ارتاح شوية، تصبحوا على خير!
-وأنتي من أهل الخير!
نظرت سهيلة إلى ابنتها ما أن أغلقت خديجة الباب خلفها هامسة في غيظ:
-أخوكي هيطفشها بعناده، وهي سايقه فيها،.

وانهارده اتاخرت واخوكي وقفها على السلم يتخانق معاها عشان اتأخرت في الشغل.
مالت مرام عليها لتخبرها في ابتسامه واسعة:
-عز طلب يا ست الكل،
أنا متاكدة ان فكرة شغلها هتجيب نتيجة وابقي خلي عنادهم ينفعهم بقى!

لمعت عيون مرام منغمسة في التفكير سعيدة بأنها استطاعت توفير عمل لخديجة في مكتب المحاماة الخاص بشقيق زوجها، بينما رفعت سهيلة كفيها للسماء تناشد الله في تمنى كبير بانتهاء الوضع الراهن وعودة الأمور لما كانت عليه بين أبنها وزوجته، فهي تشعر بالحزن الذي ينبثق من عيون ولدها وزوجته، وتتحسر على حاله متمنية له زوال الهم وراحة البال.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة