قصص و روايات - قصص رومانسية :

نوفيلا أحبك و حسب للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

نوفيلا أحبك و حسب للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

نوفيلا أحبك و حسب للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الأول

مساءً في محافظة الأسكندرية.
وفي وسط شجار عائلي عنيف وقعت على صدغها صفعة قوية يعقبها توبيخًا قاسيًا كما العادة بالطبع!
أشد الكلمات تلقتها فكادت تفتت قلبها.
قلبها؟
«وهل بقى منه إلا رماد بعد الاحتراق!».

وبالطبع كان المتسبب في هذه المشاجرة ذاك الوقح -نادر- الذي يجرها جرا إلى المصائب ويخرج من المصيبة بمنتهى السهولة وتبقى هي المذنبة الوحيدة، يا له من لئيم!

-عمي، عمي اسمعني أنا...
هكذا كادت تتحدث ((سماء)) متوسلة إلى عمها -وحيد- الذي أشبعها ضربًا وتوبيخًا الآن ولم يكف بل مازال!
-غوري من وشي.
هكذا دفعها بكتفها بشكل همجي كأسلوبه الفظ، فتراجعت باكية بحرقة وذهبت إلى غرفتها بانهيار، فيبتسم نادر بظفر خفيّ وهو يهندم ملابسه، تربت والدته على كتفه وتقول بحنان كعادتها معه:
-هعملك لمون تهدي نفسك بيه يا حبيبي، معلش عارفة إنها حرقت دمك.

أومأ نادر برأسه بصمت وذهبت الأم كي تفعل، بينما تتجه شقيقته ((رحاب)) إليه وتقول باستياء:
-والله عيب عليك اللي بتعمله مع سماء دا يا نادر، كل يوم تضايق فيها لحد ما تزعقلك وبعد كدا تجري على بابا تقوله فيقوم ضاربها عشان علت صوتها على جنابك، بجد أنت معندكش قلب حرام عليك.
نادر بنفس ذات الابتسامة الخبيثة خاصته:
-خليكي في حالك أنتِ يا رحاب دي بت مش متربية وأنا اللي هربيها.

-يا أخي اتقي الله دي بنت عمنا ويتيمة ملهاش حد غيرنا سودتوا عيشتها والله حرام، حرااام..
-في إيه؟
هكذا جاءها صوت والدها الجهوري من الخلف فانتضفت قليلا في وقفتها وراحت تقول بثبات:
-مافيش حاجة يا بابا بس حبيت اقول لحضرتك إني شاهدة على كل اللي بيعمله نادر في سماء وإن هو اللي غلطان بس حضرتك كالعادة مش بتسمع منها..!
والدها وقد تحدث بهدوء أخافها قليلا:.

-ومش عاوز أسمع منك أنتِ كمان!, وبلاش تتدخلي وروحي ذاكري أنا مدخلك كلية الطب وبدفعلك دم قلبي وبنحت في الصخر عشان تذاكري وبس وتطلعي دكتورة مفهوم؟
ضغطت رحاب على شفتيها ولم ترد فصاح الأب بغضب:
-مفهوم؟

انصاعت له بقلة حيلة قائلة وهي تنصرف:
-مفهوم.
التفت الأب بعد ذلك إلى إبنه وهو يقول محتدًا:
-وأنت يا بيه! لم نفسك ومش عاوز مشاكل تاني شوف شغلك وابعد عن البت مش عاوز وجع دماغ ماشي؟
-ماشي يا حاج أنت تؤمر.
هكذا قال بلطافة يُحبها والده فجعله يبتسم حيث أنه إبنه الحبيب الذي يبقى بجانبه ويذهب الجميع إلى الجحيم.

وأما عن ((سماء)) فكانت تبكي وكأن دموعها نهر لا يجف أبدًا، منذ تواجدها هنا في هذا البيت الذي يشبه الكابوس تماما، عندما أتمت الخامسة عشر من عمرها ومر مثلهم إلى أن وصلت لسن الثلاثين، ثلاثون سنة من العذاب والآلآم في هذا المنزل منذ وفاة والديها في حادث مروع، ودائما تحدث ذاتها ياليتني كنت معهم ولم أحيا بعدهما قط ..
تنظر سماء إلى السماء وهي تحاول ألا تبكي على حالها وهي تردد بصعوبة من بين شهقاتها:.

-اللهم لا اعتراض على حكمك..
تأخذ شهيقًا عميقًا وهي تحاول الاتزان واستجماع نفسها قليلًا، وتشرد فيما يخص أحلامها، وفي حقيقة الأمر لم يكن لسماء سوى حلمًا واحدًا فقط.
حلمًا واحدًا كي تنجو من هنا وهو الفارس الذي تظنه سيأتي على حصانه الأبيض ويختطفها ويهربان معا، تظن دائما ولكن تخشى أن تُسرق حياتها ولا يأت إليها أبدا..
لو كان لديها أب، وفي حضن أم لما كانت تمنت الفارس بهذه الطريقة..

إنه الامل الوحيد فليأتي إذا!
لقد تخطت الثلاثون وكثر القيل والقال، ولم يتركونها وشأنها قط!
-سماء؟ حبيتي أنتِ كويسة؟
سألتها رحاب بقلق وهي تربت على ظهرها بحنو فنظرت لها بضياع وقالت:
-الحمدلله كويسة، بس عاوزة أنام عن إذنك.
اتجهت فورًا إلى فراشها الصغير وتكومت عليه في وضع الجنين وتدثرت جيدًا بالغطاء في محاولة منها للنوم لكنها على علم بأنه سيهرب منها ككل ليلة.
------------.

وفي صباح يوم جديد نهضت سماء عن الفراش واغتسلت ثم أدت صلاتها فشعرت بأن قلبها يهدأ رويدا رويدا، واتجهت إلى المطبخ كي تقوم بتحضير الفطار ريثما يستيقظ جميع النائمين وليكون كل شيء على ما يرام.
بالفعل الجميع تجهز وتناول الافطار التي أعدته سماء واستعدوا للذهاب إلى أشغالهم وكذلك سماء حيث أنها تعمل مع عمها وحيد ونادر في متجر العطارة الخاص بالسيد وحيد وولده.

وهناك سارعت إلى عملها حيث تنظيف البضائع من الأتربة والأرفف والأرض، كما يتريس نادر عليها وكأنه ينتقم منها انتقام!
وهكذا تدور الأيام على هذا المنوال، إلى أن أتى عمها ذات يوم وعلى وجهه ابتسامة عريضة قائلا بحماس:
-مبروك يا سماء جالك عريس.
الخبر الذي كانت تنتظره طويلا، ها قد أتى، ولكن لما لم تتحمس وينشرح قلبها؟
وتسرب القلق الشديد داخلها وهي تسأل باندهاش:
-عريس؟, ليا أنا؟

فتأتيها ضحكة ساخرة من نادر وهو يردد قائلا؛
-طبعا مش مصدقة نفسك يا عيني يابنتي.
تجاهلت سماء سخافته تلك والتفتت إلى عمها متسائلة:
-مين؟
فأجاب عليها بنفس الحماس ذاك:
-أنتِ تعرفيه كويس يا سماء، سيد الجزار!
-الجزار!
ليته ما تكلم، الجزار؟! الرجل المتزوج وأولاده بعمرها!
هل يلقي بها إلى النار أم ماذا يفعل بحق الله!
-جه وطلبك مني وانا وافقت وحددت معاه ميعاد..

وهنا، هنا يكفي، حيث القلب لم يعد يحتمل أكثر، هنا فقط صرخت بألم وهو تقول:
-وافقت؟، على أي أساس وأنا فين رأيي؟!
-أنتي اتجننتي يابت بتعلي صوتك عليا؟ أديني باخد رأيك أهو اتفضلي قولي!
هي وكل خلايا جسدها ترتعش من فرط الغضب:
-مش موافقة، ابدااا
-ليه؟هو أنتِ كنتي لاقية حد يعبرك دا الناس كلت وشي!
وكانت تلك الجملة القاسية لزوجة عمها التي نهضت تقابلها بعينيها وهي تستكمل:.

-منتيش مكسوفة من نفسك؟ليكي عين تتكلمي زيك زي باقي البنات؟
-وليه متكلمش يا مرات عمي ليه؟ أنا الحمدلله لا عملت حاجة غلط ولا أنا جيبالكم العار أنا محافظة على نفسي ومن حقي أختار اللي هعيش معاه..
أصدرت السيدة ضحكة هازئة بعد كلامها لتخبرها بحزم:
-تختاري؟! يا حبيبتي بقولك محدش اتقدملك غير دا يعني تحمدي ربنا وتوافقي وتتجوزي مش تقولي اللي بتقوليه دا!
تدخلت رحاب في الحوار قائلة:.

-سيبوها براحتها دا قرارها وهي حرة فيه يا جماعة، تعالي معايا يا سماء تعالي.
اصطحبتها معها إلى الغرفة وسط الكلمات الموجهة لها التي كادت تقتلها حقا!

-أنا عندي حل!
التفت كل من وحيد وزوجته إلى ابنهما نادر الذي لفظ بهذه الجملة، ليقول والده بجدية تامة:
-حل إيه؟
وكذلك أنصتت الأم في حين تابع نادر بتردد:
-أتجوزها أنا.
اتسعت عيني والده بشر واضح وهو يقول:
-تتجوز مين؟ أنت اتجننت؟
وقالت الأم أيضا:
-أنت إزاي تقول كدا يا نادر أنت يا حبيبي تتجوز ست البنات مش سماء خالص، أنت أنا هنقيلك واحدة صغيرة ودلوعة كدا تستاهلك وتليق بيك!

تجاهل نادر هذا الكلام من والدته ونظر إلى والده متابعا:
-إيه اعتراضك على كدا يا بابا، يعني إيه السبب؟
-زي ما قالت أمك من شوية، دي متنفعكش وبعدين لا علام ولا غيره ونكدية وهتغلبك على ايه دا كله!
ابتسم نادر بتهكم واضح بينما يردف:.

-بصراحة رغم خناقاتي معاها دايما إلا أني مستغربك جدا ومستغرب معاملتك ليها، بتنتقد فيها كل اللي أنت عملته فيها، يعني أنت اللي مخلتهاش تتعلم وأنت برضوه اللي مخليها نكدية، وأنت اللي كاسرها بالطريقة دي!
تغضن جبين وحيد وتخضبت عيناه بحمرة غاضبة بينما يقول:
-أنت بتخرف بتقول إيه ياض أنت، أنت فيه بينك وبين البت دي حاجة؟
نهض نادر قائلا بحزم:
-لا أبدا بس بقول الحقيقة وبس.

انصرف بعد ذلك خارجا من البيت بخطوات واسعة وترك والده في حالة غضب عارمة...

دقت الثانية بعد منتصف الليل ولم تنم سماء قط، ها هي تجلس في عتمة الليل وترفع عيناها نحو السماء، تبتسم لأن والدها سماها بهذا الأسم المحبب إليها، تنظر إلى الأعلى هناك دائما وكأنها ترى أمنياتها من بعيد، رغم كل ما عاشته هناك صوت دائما يتردد في أذنيها بأن ما حلمت به سيكون ويصبح حقيقة...

تنفست الهواء بعمق وأغمضت عيناها، فشعرت بشيء يسير على وجنتها ببطء، انتفضت مبتعدة حين فتحت عينيها ووجدت نادر يقترب منها بغرابة، ازدردت ريقها وحاولت الخروج من الشرفة لكنه منعها حيث كتم فمها بكف يده قائلا:
-ششششش
اتسعت عيناها ذعرا عندما اشتمت رائحة الخمر تفوح من فمه، ويتابع قائلا بعدم اتزان:
-هخلصك من هنا وهتجوزك بس أنتِ ليني دماغك الناشفة دي!

هزت رأسها يمينا ويسارا وهي تحاول دفعه بعيدا عنها لكنه لم يتزحزح وبقيَ مُصر، بل أزادها توتر والتصق بها قائلاً:
-اسمعي كلامي وتعالي بمزاجك أحسن ما تيجي غصب عنك!
وهنا قاومته بكل ما تملك من قوة وهو لم يتخل بعد عن إصراره لقد حاول فعليا الاعتداء عليها لكنها لم تسمح، دفعته أخيرا فارتد للخلف وركضت هي لا تعرف ماذا عليها أن تفعل الآن؟
هل توقظ عمها؟ وهل سيصدقها إذا؟, أم ستصبح المذنبة كالعادة؟!

كل هذا دار بخلدها وعندما وجدته يحاصرها مجدداً فما كان منها إلا أن خرجت..
نعم خرجت من البيت على عجل هاربة منه، وركضت كأنها تسابق الزمن...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة