قصص و روايات - نوفيلا :

قصة فيرونا ولعنة عيد العشاق للكاتبة شاهندة كاملة

قصة فيرونا ولعنة عيد العشاق للكاتبة شاهندة كاملة

قصة فيرونا ولعنة عيد العشاق للكاتبة شاهندة كاملة

جلست على الصخور تنظر إلى قميصها بدهشة، تساءلت بضياع:
من أنا؟ وكيف جئت إلى هنا؟ولماذا لا أرتدى ما يدفئ جسدى فى هذا البرد القارس؟وكيف خرجت إلى الشارع بتلك الصورة؟هل جننت؟ترى ما هى قصتى التى يحجبها عقلى عنى؟

نزلت دموعها فى صمت ،لاتجد ردا على تساؤلاتها الحائرة، شعرت بالبرودة تجتاحها فضمت ركبتيها إلى صدرها وأحاطتهما بيديها وهى تستند برأسها عليهما لينسدل شعرها الحريرى الأسود ويغطى وجهها ،فجأة اهتز جسدها وأصبح ينتفض بقوة ليسكن فجأة ويعم الهدوء.

رفعت وجهها وقد ظهرت على شفتيها ابتسامة ساخرة،لتفتح عينيها المغمضتين والتى تحولت قرنيتهما السوداء الى اللون الأحمر القانى،تجيب جميع التساؤلات فى كبرياء قائلة:
أنا الأميرة فيرونا، ابنة ملك الجن الأزرق وولية عهد المملكة،جئت الى عالمكم كي أنتقم من ذلك الخائن الذى عشقته فتركنى وحطم قلبى من أجل فانية، ضعيفة و حمقاء مثلك أنتى...
بسببه أصبحت منبوذة فى عالمى؛لذا سأجعله يدفع الثمن غاليا،سأريكم جميعا غضب فيرونا الأسود،سأشفى غليلى وأحقق انتقامى،وسترون أيها الحمقى،سترون.

أطلقت ضحكة عالية مجنونة ليخبو بعدها لون عينيها الأحمر ويتحول الى اللون الأسود،لتعود ملامحها مجددا بشرية فقط يظللها شبح ابتسامة...ساخرة.

سمع صوتها عبر الهاتف وهي تقول فى فزع:
راكين..إنها تلك العلامات مجددا ..لم تعد على ذراعى فقط..بل إمتدت إلى سائر جسدى.
قال راكين فى قلق:
اهدئى حبيبتى..حتى أفهم كلماتك.
قالت ميراج فى عصبية:
ماالذى لم تفهمه من كلماتى..أخبرك أنها تلك العبارة الدامية مجددا والتى خطت حروفها من دمائى وحفرت داخل أنسجتى..تلك العبارة اللعينة والتى تقول..(أنت لى)..لقد كدت أجن..او ربما جننت حتما.

قال راكين بلهفة ممزوجة بالحزن:
لا حبيبتى..أنتى لم تفقدى عقلك..إنها فقط...
قاطعته قائلة فى مرارة:
إنها ماذا؟ أخبرتك سابقا أن أهلى يظنوننى قد جننت وأننى أفعل ذلك وكأن لدي رغبة دفينة بإيذاء بنفسى ..لقد بت أشك بذلك أيضا..إننى أشعر بها تكلمنى.

قال راكين بحيرة:
من؟
قالت ميراج وهي تهذى:
نفسى..نعم نفسى..إنها تجبرنى على إيذاء جسدى..تخبرنى أن علي أن أنهى حياتى لأرتاح من عذابى..ربما هذا ما يجب علي فعله..ربما أنا قد جننت حقا ياراكين؟

قال راكين محاولا أن يهدئها:
إسمعى حبيبتى..قابلينى فى مكاننا المعتاد وسنجد حلا لتلك المشكلة.
قالت ميراج بأسى:
وما الفائدة..ماالذى يمكنك فعله لأجلى؟
قال راكين متوجسا وهو يشعر بالقلق:
الكثير حبيبتى..الكثير ..فقط قابلينى فى بقعتنا.

قالت ميراج فى جمود:
لا راكين..فات الأوان..أعلم أننى سأموت..تخبرنى هي أن ساعتى قد حانت..سأغرق بالنهر..اعتنى بنفسك لأجلى فهي قادمة من أجلك.
قال راكين بلوعة:
ميراج انتظرى..من التى أخبرتك بذلك؟..ميراااج.
لم تصله إجابة ليدرك أن حبيبته ستذهب إلى النهر كي تلقى بنفسها فيه..ليسرع بالخروج وهو يجرى بأقصى سرعة.. يدعوا من كل قلبه أن يدرك ميراج قبل أن تفعل ذلك .

انتظرى...
صرخ راكين بتلك الكلمة وهو يرى محبوبته تقف ناظرة إلى النهر بجمود..إلتفتت إليه ميراج بعيون خالية من الحياة قائلة بصوت مختلف النبرات عن صوت محبوبته الغالية:
لقد أتيت..حسنا فعلت.. فأنا أريدك أن ترى الآن تلك الحبيبة الغالية والتى فضلتها علي أنا..مستقرة بقاع النهر.

عقد راكين حاجبيه وهو يستمع إليها..يشعر بالقشعريرة تغمر جسده ولون عيون غاليته يتحول إلى اللون الأحمر..ياالله ..لا يمكن..إنها فيرونا..هي من أصابت حبيبته بالأذى..هي السبب وراء كل ما يحدث لها..لقد سكنت جسدها واحتلت عقلها حتما ولكن كيف بالله استكانت بجسد حبيبته وكيف سيستطيع الخلاص منها..إنه السبب اذا فى كل ما تمر به حبيبته من عذاب..إنها لعنته هو..هو من جلب على كليهما نارا لا قبل لهما بها.. ليقول بلوعة محاولا إيقاظ حبيبته الرابضة بداخل ذلك الجسد المنهك:
ميراج حبيبتى..استيقظى..لا تدعيها تسيطر عليكى..أنتى أقوى منها..أنتى أقوى مننا جميعا.

هدرت بصوت كالرعد وجسدها يصدر هالة زرقاء اللون لتتحول ملامح ميراج الجميلة إلى ملامح فيرونا المختلفة كلية عن هذا العالم فى ثانية :
اصمت أيها الأحمق..اصمت.

ثم صمتت للحظة وهي تحدق بعينيه بنظرة أرجفت قلبه خيفة وهي تستطرد بصوت كالفحيح:
أمازلت تبحث عنها؟أمازلت تهواها؟يالك من بائس مسكين..إعلم إذا أننى جعلتها متاحة للجميع..تخرج كل ليلة دون إرادة منها لتقضى ليلتها مع رجل غريب يمارس معها كل ما حلمت أنت به.

اتسعت عينا راكين بقوة قائلا فى صدمة:
لا لم تفعلى.

أطلقت ضحكة عالية اهتزت لها الأجواء من حوله وهي تقول:
بل فعلت..ورب السماء لقد فعلت..ليس هذا فحسب ..فموت والدتك لم يكن بمحض الصدفة فلقد كانت هي قاتلتها..فقد وضعت لها مخدرا بالطعام..ثم قتلتها خنقا بالوسادة ..ألم يقل لك صديقك الشرطي أنه يشك أن موتها به شبهة جنائية.

وضع راكين يده على أذنيه يقول بألم:
اخرسى أيتها الأفعى..اخرسى.

تردد صراخها ليهز الأرجاء وهي تقول:
لا ..لن أخرس..لقد هجرتنى من أجل تلك الفانية..هجرتنى أنا.. فيرونا أميرة مملكة الجن الأزرق..أدميت قلبى الذى أحبك..وكان لابد لى من الانتقام..واليوم فى عيد العشاق قررت أن أقتل محبوبتك لتجرب إحساس أن تعيش بقلب محطم مثلى تماما.

اتسعت عينا راكين بصدمة ليقول بلوعة:
لا يافيرونا..اقتلينى أنا ودعيها تعيش..أنا من أخطأ..أنا من عليه دفع الثمن وليس هي.
قالت فيرونا بعيون مصدومة:
أمازلت تدافع عنها..أمازلت تعشقها بعد كل ما فعلت؟

نظر إلى عمق عينيها قائلا بثبات:
أنتى من فعلتى كل ذلك وليس هي..أنتى وحدك الملامة يافيرونا..هي بريئة من كل ذنب.
شعرت فيرونا بقلبها يتحطم مجددا..لتتحول إلى ملامحها مجددا إلى ملامح ميراج ،لتنظر ميراج إليه بعيونها الجميلة قائلة بضعف:
راكين.

قال راكين بلهفة وهو يتقدم منها بسرعة:
ميراج حبيبتى لقد عدتى.
تحولت عينا ميراج إلى اللون الأحمر مجددا وهي تنظر إليه لأول مرة بنظرات حاقدة ليتحول صوتها مجددا وهي تقول:
قل لها وداعا..فقد حان وقتها.

لتلتفت ميراج بجسدها فجأة تجاه النهر وتلقى بنفسها فيه وسط صراخ راكين بإسمها فى لوعة..ليرى ذلك الضوء الأزرق يخرج من جسد محبوبته فى نفس اللحظة التى ارتطم به جسدها بالمياه..لتقف فيرونا أمامه تتمثل فى هيئتها البشرية والتى ظهرت بها أمامه بالماضى ..يظن من يراها انها من قبيلة البشر ولكن وقوفها على صفحة الماء يدحض ذلك الظن..هيئتها البشرية..تلك الهيئة رائعة الجمال والتى جعلته تحت سحر من نوع خاص ليظن أنه واقع فى هواها لولا أن أفاق من وهمه فور معرفته بأنها من فصيلة أخرى غير فصيلته وإلتقاءه بمحبوبته ميراج..نظرت إليه فيرونا قائلة فى رجاء:
فرصتك الأخيرة ياراكين..تعالى معي ولن أؤذيك بل سأتزوجك وأجعلك ملكا على قبيلتى..قبيلة الجن الأزرق.

نظر إليها راكين قائلا بنظرات كارهة تمتلئ بالغضب:
لقد كرهتك إلى الأبد يافيرونا ولن يجمعنا أي ارتباط من أي نوع..فالموت عندى أهون من ذلك.
تحولت فيرونا إلى هيئتها الزرقاء فى ثانية لتقول بعيون خالية:
إذا لقد اخترت مصيرك وحكمت على قومك بلعنة فيرونا الأبدية.

لتشير بإصبعها إليه فينطلق منه شعاعا أزرق أصاب قلبه ليتحول على الفور إلى تمثال صخري.
اقتربت فيرونا من ذلك التمثال..تلقى عليه نظرة أخيرة قبل أن تكتب شيئا على هذا الحجر بجواره وتختفى بلا أثر....
استيقظ أهل المدينة على تلك الفاجعة..فلقد وجدوا جثة ميراج طافية على سطح مياه النهر وعلى حافته يقبع تمثالا صخريا لعاشقها كتب بجواره:
احذروا من العشق..فسآتى فى كل عيد للعشاق وأبحث عن عاشقين..لأصيبهم بلعنتى الأبدية..أقتل الفتاة بالنهر وأحول الفتى لتمثال صخري..لتعلموا أن العشق دائما ما تكون نهايته واحدة... الموت (توقيع: فيرونا).

تخيل الجميع أنها مزحة سخيفة من فعل إنسان مريض ..مختل عقليا..ولم يتخيلوا أبدا أنها ستصبح لعنة تطاردهم للأبد..ففى كل عيد للعشاق يظهر على سطح الماء جثة فتاة بينما يجدون على حافته تمثالا صخريا لحبيبها..حتى بات الجميع يخشون العشق..ليندثر ذلك الشعور بالمدينة بعد سنوات قليلة..فهل هناك من سيكسر تلك اللعنة وينقذ أهل المدينة أم تنتصر فيرونا ويختفى الحب من الأرض للأبد؟