قصص و روايات - قصص بوليسية :

قصة في مسرح الجريمة بقلم محمود غسان الفصل الرابع

قصة في مسرح الجريمة - قصة بوليسية

قصة في مسرح الجريمة

الفصل الرابع: انتحار وتحليل آخر

بدأ المحقق يراقب مسرح الجريمة عن كثب , فقالت له الآنسة كليرا:
لقد حطمت المرآة بسبب شجار , أليس كذلك ؟
بينما الآنسة كليرا تنتظر الرد ب نعم و لكن المحقق يقترب من المرآة أكثر فأكثر حتى قال:
لا , لم تتحطم اثر شجار

فقالت الآنسة كليرا مستغربة: لماذا ؟
التفت إليها و اقترب منها و قال: أن روبيرت باندريك قد انتحر ..
- ماذا تقول ؟

- لست متأكد من هذا , و لكن المرآة محطمة و بدون أثار دماء او خدوش على الضحية , و هناك رصاصة لا نعرف أين هي , و بصمات المجني عليه على الهاتف , و الآلة الكاتبة و المسدس , هذا يكفي بأنه قد انتحر ..
فقالت الآنسة كليرا مسرعة: او قاتل محترف

قال المحقق: المجني عليه قرر الانتحار لأسباب غير معلومة , فكتب خطاب يفيد بأنه أحُيل كل ثروته إلى ابنه أخيه براد , فأخرج مسدسه من الدرج ثم وقف أمام المرآة و كأنه يحدث نفسه فأطلق رصاصة نحو المرآة فكسرها - لتجربة المسدس مثلا - ثم امسك المسدس بيده بقوة و صوبه نحو قلبه و أطلق الرصاصة فأردته قتيلا.

صرخت فجأة و قالت: حسنا , لماذا لم يذكر بأنه سوف ينتحر في الرسالة ؟
ضحك المحقق دانيال و قال: يريد ان يضعنا في حيرة
فجأة قالت: و حتى إذا كان قُتل , كان من المفترض ان يجبره ان يكتب بأنها حادثة انتحار
ضحك المحقق و أشار بإصبعه و قال:
العكس تمام , اذا كان القاتل اجبره ان يكتب في خطابه بأن هذا حادثة انتحار , سيعرف جيدا بأن الشرطة سوف تدقق و تحقق أكثر , لكن في هذه الطريقة جعلها مبهمة
ثم أضاف: أما الرجل الغريب فلم يرتكب الجريمة , أني أبرئه دون أن اعرفه

جلست الآنسة كليرا في حالة من التعب و قالت:
و ماذا سوف تفعل الآن , سوف تسُجل بأنها حادثة انتحار و أنت غير مقتنع بهذا

نظر إليها بيأس دون أن يجيبها . .

 

رن جرس الهاتف فأستيقظ المحقق دانيال و بصوت خافتا قال: مرحبا
فسمع صوت الآنسة كليرا تقول له: هل أنت نائما , هيا بنا , الساعة قاربت على ...
فقاطعها مسرعا: حسنا .. حسنا أنا قادم ..
ارتدي ملابسه و ذهب إلى المحامي فرانسوا و طلب منه الخطاب الذي كتبه المجني عليه ..
و سأله عن حال سارة , قال بأن حالتها أصبحت مزرية و لا يعرف طريقة للتعامل معها ..
فسأله: هل حصلت على ممتلكتها ام ليس بعد ؟

ضحك المحامي و قال: بالطبع لا , لم يتم دفن المتوفى بعد حتى تنتهي الحكومة من تسليم تلك الكيانات الضخمة لفتاة لم تتجاوز الخمس و العشرون من عمرها , كما أني سوف اقترح على سارة بأن تسلّمها الى رجل ناضج يستطيع إدارتها
- هل تقصد أنها سوف تتزوج ؟
- بلى ذلك الشاب فريد التي تحبه
فسرعان ما أصابه قشعريرة تسري في جسده فقال و كأنه يحدث نفسه: فريد !
فتركه و غادر المكتب و هو يقول: سوف أرد لك الخطاب غدا
فأشار المحامي إليه و قال: لك هذا

 

الشخصية الوحيدة التي استبعدها المحقق من دائرة الشك هو فريد , صديق سارة ..

بالرغم بأن لا تتصل بين روبيرت و فريد أي علاقة , و لكن لماذا أهمله المحقق منذ البداية ؟

جلس المحقق على كرسي مكتبه و أخذ يقرأ في خطاب السيد روبيرت مرارا و تكرارا:
أنا روبيرت باندريك , اكتب هذا و انا بكامل قواي العقلية , أحُيل ممتلكات عائلة باندريك جميعها الى وريثتي الوحيدة سارة براد باندريك بنت أخي براد باندريك المتوفى التي تقيم في فرزنو دون قيد او شرط ... توقيع روبيرت باندريك
حتى وقع عيناه على التوقيع روبيرت باندريك

فقال في نفسه: قد يكون هذا التوقيع مزور
فطلب المحقق بيرو المجيء بسرعة كي يتحقق من هذا الأمر , فجاء بالنتيجة بعد ساعة ,
- سيدي , التوقيع حقيقي للسيد روبيرت باندريك , و مكتوب باليد اليسرى
تناول الخطاب منه ثم قال له: حسنا أشكرك , تفضل أنت !

وضع الخطاب على المكتب حتى صرخ فجأة و قال: ماذا قلت للتو ؟
توقف المحقق بيرو بذعر و التفت إليه و قال بتردد: التوقيع حقيقي للسيد ...

نظر المحقق الى الخطاب و قال بابتسامة:
التوقيع بيده اليسرى ؟ إذن هو أعسر , لماذا قتل نفسه بيده اليمنى و كيف أصاب القلب مباشرة ؟

رفع سماعة الهاتف و طلب الآنسة كليرا و اخبرها بأن تأتي إليه فورا , بينما طلب من المحقق بيرو مغادرة المكتب الآن ..
ثم طلب الحديث مع المحامي فرانسوا و دار بينهم حديثا مطولا بخصوص حالة المجني عليه و علاقته بمعارفه و مع مرور بعض الوقت جاءت الآنسة كليرا باهتمام تستفسر عن سبب طلبه لها ..

- اسمعي جيدا , المجني عليه ... لم ينتحر كما أثبتنا من قبل , بل قُتل
نظرت إليه بيأس: من حسن حظك ان القضية لم تغلق بعد , لكن هل له فائدة ؟
- بالطبع , اذا توصلنا الى الحقيقة سوف نزج بالجاني السجن
- و كيف عرفت ؟

- روبيرت باندريك أعسر , لماذا قتل نفسه بيده اليمنى ؟ , و اذا كان ذلك صحيح , كيف يصيب القلب مباشرة , و على فرض بأنه امسك المسدس بيده اليمنى و وجهه نحو قلبه مباشرة , في كلا الحالتين لا يستطيع ان استخدام المسدس ...
- لماذا ؟
- قبل ان تأتي بدقائق اتصلت بالمحامي فرانسوا و سألته بخصوص يد الضحية , فاخبرني بأنه يعاني بضعف في أعصاب يديه اليمنى منذ الصغر , لذلك يعتمد على يده اليسرى اعتماد كلي

سكت ثم قال بلهجة انتصار: كيف قتل نفسه اذن ؟

ابتسمت الآنسة كليرا و قالت: أنت داهية !
ثم أضافت: و لكن انتظر انتظر ... من الذي قتله إذا ؟
- الرجل الغريب الذي زاره الساعة الثالثة و النصف قبل وقوع الجريمة بنصف ساعة
- و من هو ؟
ظل يفكر حتى قال ببطء:
لدي شعور بأن سارة هي المسئولة , لذلك سوف استدعي صديقها فريد للتحقيق

 

لم يكن يتوقع المحقق دانيال هيئة فريد مهما حدث إلا إذا رآه بعينه ...
شاب وسيم ابيض البشرة , شعره ناعم يرتدي نظرات رخيصة , عمره لا يتعدى الثلاثين , على أي حال رحب به المحقق دانيال و تمنى له ان يكون قد استمتع بالرحلة ..

وجه فريد أولا سؤاله بحدة: المعذرة بالرغم من اشتياقي لزيارة ساكرامنتو إلا إنني أود معرفة سبب مجيئي الى هنا
ابتسم المحقق دانيال و نظر إلى مساعدته ثم التفت الى فريد و قال له:
الم تعرف ان عم سارة قد قُتل

ضحك فريد ثم قال:
بلى اعرف و لكن على ما أظن انه انتحر , ثم ما علاقتي أنا بهذا الموضوع برمته
ثم أضاف: حسنا , ماذا تريد مني ؟
- أتمنى ان تفتح صدرك لي و ان تجيب على جميع أسئلتي
أجاب بتلقائية مع ابتسامة مصطنعة: تفضل

- ما هو عملك ؟
وضع حقيبته أرضا و قال: اعمل مشرف في مكتبة بارنز اند نوبل في شارع بلاكستون لبيع الكتب و القصص و خلافه ...
- متى آخر مرة زرت بها ساكرامنتو ؟

- منذ أربعة اشهر او اقل قليلا , كنت مع سارة
- لماذا ؟
- السيد روبيرت دعانا الى الإقامة معه أسبوعا كاملا في ساكرامنتو
- أنت تقصد ان روبيرت كان يعرفك حق المعرفة
- بلى , و ما هو هناك كي أخفيه
- هل معك جواز مرور ؟
- بالطبع
فأخرج من جيب السترة الجلدية جواز مرور و قدمه إلي محقق , فتناوله منه و بدأ يتأمل محتوياته و قال له: حسنا تفضل و رد جواز مروره إليه مرة أخرى ...

- لماذا لم تتزوج سارة الى الآن ؟
ابتسم ابتسامة مصطنعة ثم قال: اعتقد يا سيادة المحقق ... هذه أمور شخصية

ضحك المحقق دانيال بشدة ثم هدأ و قال: هذه جريمة قتل يا مستر فريد , و الأمور الشخصية إلي تتحدث عنها , تفيد التحقيقات مهما كانت تافهة
- بلى و لكن اعتقد ان الرجل قَتل نفسه , أليس هذا ما قيل ؟
- مستر فريد , انا فقط الذي يطرح الأسئلة هنا , حسنا ؟
و عندما هدأ الطرفين: لماذا لم تتزوج سارة إلى الآن ؟

فقال بسرعة: لأني لا املك مالا كافِ لهذا , هل ارتحت ؟
شعر المحقق بأنه أحرج فريد بسؤاله , و كي ينقل الحوار سأله سؤال آخر:
منذ متى و أنت على علاقة بسارة ؟
- تقريبا سنتين
- ورثت سارة الآن مبلغ طائلا و كيانات ضخمة , ما رأيكم بالزواج الآن ؟
نظر فريد الى المحقق بحدة و قال: الى ماذا ترمي ؟
فنظر إليه بتهكم و قال: ما رأيك أنت ؟

وقف المحقق و قال له: لديك غرفة محجوزة لك في فورسيزون اوتيل , تستطيع البقاء هناك حيث انتهاء التحقيق , و لا تقلق لن يطول الأمر كثير

التفت المحقق دانيال من الآنسة كليرا و طلب منها مقابلة مدام سوزان فأجابت قائلة:
لقد طلبت بنقل مكان إقامتها الى بيت أهلها , سوف استدعيها اليوم إذا أردت
- حسنا لا بأس

 

كان عليه الآن و ها قد شارفت الحقيقة على الظهور زيارة مدام سوزان ...
كان المحقق يريد التأكد لماذا لم يطلب هذا الرجل الغريب موعد مسبق كباقي العملاء ؟ ..

- المعذرة سيدي , لقد علمت بأن القضية سجلت انتحار , أليس كذلك
قالت تلك العبارة مدام سوزان , و لكن كانت لهجتها تدل على استياء من الموقف .
فأجابها المحقق: نعم ذلك صحيح , و لكني أود منك ان اعرف بعض التفاصيل
- تفضل
- اولا , كيف كانت علاقة فريد بالسيد روبيرت

- ممتازة جدا , لقد رحب به منذ آخر زيارة له مع سارة , و مكث معنا قرابة اسبوع
ظل يفكر المحقق قليلا ثم قال: في سجلات مواعيد السيد روبيرت باندريك يروي بأن براين جونزي سوف يزوره يوم وقوع الجريمة و كذالك شركة المقاولات التي اعطتيها موعد في اليوم التالي
سكت ثم قال: حسنا , الرجل الغريب الذي ذكرتيه لنا , لماذا لم يحصل على موعد مسبق ؟ , و أن يكن ... لماذا سمحتي له بالدخول على سيدك ؟

ارتبكت قليلا ثم قالت: أنا لم يدور في ذهني شيئا كهذا , ثانيا لقد اقتحم البيت بطريقة همجية , و طالب بمقابلة سيد باندريك بالقوة فلم أستطيع ردعه
ابتسم المحقق دانيال ثم قال: عظيم جدا , و لكن ... لماذا لم تذكري هذا في التحقيق من قبل ؟

 

قالت المساعدة الآنسة كليرا له في غرفة مكتبه: ما الأمر ماذا حدث ؟
نظر إليها و قال: سوزان كاذبة
- كيف عرفت ؟
وقف ثم قال: سوزان اختلقت لنا شخصية وهمية في خيالها بأنه رجل غريب الشكل دخل مكتب السيد روبيرت و مضى قرابة ساعة , و فعل فعلته .. و فر هاربا ,..
ثم أضاف: و لكن لابد ان هناك شخص آخر لأنها لا تستطيع ان تقوم بهذا وحدها.

ثم أضاف بعد دقيقة: أريد سارة ان تتعرف على جثة عمها
- حسنا سيدي قالتها و غادرت المكتب فورا

لم يكن من السهولة ان تقف سارة الفتاة البريئة أمام جثة اقرب الناس إليها , بالرغم من أنها لم تعترض عن التعرف على جثة عمها , إلا أنها كانت خائفة بشدة , ...

وقفت سارة أمام جثة السيد روبيرت و هي مغطاة كاملا بالقماش الأبيض , فذرفت بعض الدموع حزنا على فقدانه , فقالت له: لماذا تركتني , لماذا سمحت لهذا السفاح ان يقتلك , سوف ادعوا الله ان تكون في عالم أفضل , أتمنى ان أموت معك الآن و ندفن سويا
أمسكت يديه اليسرى بعنف و هي تقول: لم يعد لي في هذه الدنيا احد

بينما المحقق يريد إنهاء تلك اللحظة الحزينة حتى سمعها تقول: هل القاتل جرح أبي ؟
التفت إليها و قال: المعذرة ماذا قلتي ؟
فاقترب منها أكثر فقالت: لم يكن لدى كفه الأيسر نذبة كهذه , هل القاتل جرحه ؟
فرأى تلك النذبة التي تشكل شكل المثلث , بقيّ المحقق دانيال جامدا , لا يريد ان يأتي بحركة , فهو محرجا من نفسه , كيف له ان يفوت عليه نقطة هامة كهذه ,
فطلب من الطبيب عمل نموذج من الورق المقوى يشكل شكل المثلث بنفس حجم تلك النذبة ..
ثم قال لها: المعذرة يا آنستي علي ّ الذهاب الآن
فتركها و مضى سيره بعدما حصل على هذا النموذج

غادر المشرحة بسرعة و أخذ سيارته و انطلق نحو بيت السيد باندريك , وفي أثناء سيره اتصل بالآنسة كليرا و عندما سمع أجابتها قال:
من فضلك انتظريني في بيت السيد باندريك , انا في طريقي الى هناك

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة