قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل العاشر

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل العاشر

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل العاشر

نهضت بجسد متهالك واهي من ضربه لها ولكنها مجبرة أن تضغط على نفسها، تسحبت بهدوء شديد من الغرفة خوفا من أن ينتبه لها، ولكن ما إن وصلت بقرب الباب حتى ركضت خارج الغرفة لا بل خارج الشقة بأكملها، فهي كانت تركض هاربة من ذلك الوحش البشري
اخذت تنزل الدرج بسرعة وما إن التفتت الى الوراء خوفا بأن يكون خلفها حتى انزلقت قدمها ليلتوي كاحلها وتسقط على الأرض بعنف شديد مسببة به أضرار بركبتيها وساعديها.

سقوطها هذا أمام مخرج العمارة جعلها ترفع رأسها بفزع وصدمة كأنها الآن استوعبت الموقف. فهي تفترش الأرض بثياب ممزقة لاتسترهاإطلاقا وأنفها ينزف وشعرها مبعثر منكوش، حاولت ان تستقيم بجسدها إلا أنها لم تستطع الوقوف على قدميها وهذا ما جعلها تزحف على أسفل ظهرها لتختبئ أسفل السلم المظلم خوفا بإن تكون فريسة لمن لا يخاف ربه إن كان زوجها فعل بها كل هذا فما بالك الوحوش التي تسكن الشارع في الخارج.

وصلت لمبتغاها تحت السلم وحشرت نفسها بزاويته الضيقة واحتضنت نفسها بخوف وضمت ساقيها نحو صدرها لتدفن وجهها برعب حقيقي بين ركبتيها
يااالله ماهذا التي تعيشه الآن في صغر سنها هذا، فهي وحيدة في مكان مظلم والبرد بدأ يأكلها وينخر عظامها أخذت تفكر بكلامه وتحاول ان ترتب ما سمعته منه والنتيجة كانت مؤلمة لا تريد الأعتراف بها، هذا الرجل حقا لغز في لغز بالنسبة لها عقلها لا يستوعب هذا المستنق على الأطلاق...

رفعت رأسها وأخذت تنظر حولها بترقب ممزوج بتعب وخوف، أين هي الآن لما يحصل معها كل هذا، مر الوقت عليها ببطئ مميت، لم تتحرك من مكانها وهذا مازادها ألما على ألمها لتنزل دموعها بقهر وهي تقول مع نفسها بصوت خافت باكي.

- ليه بيحصلي كل ده، ليه ماكنش بالوقت ده نايمة في سريري جنب أمي، اللي في سني بيفكروا هيلبسوا ايه بكرة في الجامعة، وأنا! كل لليلة مغامرة جديدة يوم تحت السلم ويوم في البلوكونة وضرب وإهانة وشتيمة كل حاجة تلاقي عندنا عادي، وياريتني بشوف ده كله على ايد حد ليه القيمة مش كلب عاصي ربه و راجع سكران وش الفجر.

اااااخ ليه أهلي مش زي الناس اللي بتخاف على لحمها ليه خالي رماني الرمية السودة دي، اللي بيقول إن الخال والد، يجي ويشوف خالي عمل فيا إيه و رماني فين.

اخذت تفضفض كل مافي داخلها حتى جفت دموعها وهي تكلم نفسها باختناق وعتاب. ابتسمت بوجع عندما عم السكون ع المنطقة بأكملها ما إن بدأ ضوء الشمس ينير الأرض يعلن عن بدء يوم جديد متفائل للناس ولكن بالتأكيد ليس لها، مرت ساعات طويلة وبدء الجو يدفئ عليها لتبدء جفونها بالتثاقل رغما عنها وهي جالسة ولكنها قبل ان تستسلم لنومها سمعت صوت أقدام شخص ينزل الدرج مسرعا وفي غضون ثواني معدودة وجدته يقف أمامها بكامل أناقته.

كان يرتدي بنطال أبيض مع قميص ازرق غامق يناسب لون بشرته جدا مع خصلات شعره الطويلة أي فتاة أخرى كانت ستقع بسحره هذا و وسامته لا محالة.
إلا هي ازداد مقتها له وحقدها ما إن رأته بهذا الشكل.

قلصت محيط عينيها بتركيز وانتباهها لترى بشكل أدق ف عينيه كانت منتفخة واحمرارها بارز، زمت شفتيها بترقب فهي لم تكن تستطيع ان تميز هل هو الآن بوعيه أم مازال تحت تأثير ذلك السم، ولكن انتفضت برعب وعادت الى الخلف أكثر ما إن وجدته ينحني نحوها وهو يمد يده لها ويقول بصوت حاول على قدر المستطاع أن يكون مليئا بالطمأنينة
- تعالي
تنهد بصوت عالي عندما وجدها تحرك رأسها برفض حتى أكمل محاولته معها بنفس نبرته السابقة.

- تعالي يا غلا ماتخافيش مني أنا دلوقتي في وعي
مش هأذيكي، هاتي ايدك بس
ولكن ما إن رفضت مرة أخرى حتى قال وهو يحاول ان يستفزها: شكلك عايزاني اشيلك...
- أوعى تقرب مني، قالتها بشراسة عندما وجدته يريد أن يسحبها من كاحلها ليخرجها من مكانها الضيق هذا
تنهد مرة أخرى وقال بهدوء وتريث: غلا، غلاتي، بلاش عناد دلوقتي احنا مش في البيت امشي معايا
نظرت له برفض وهي تقول بزعل طفولي وغصة تخنقها.

- مش عايزاك أنا، مش عايزاك، رجعني لأمي
زفر أنفاسه بضيق من نفسه و انحنى بجذعه أكثر ومسكها من معصمها وبرغم مقاومتها له إلا أنه استطاع ان يسحبها من مكانها الذي تختبئ به وما إن أرغمها على الوقوف امامه حتى شهقت بألم كاحلها
اما يحيى اخذ ينظر لها بذهول من حالتها هذه هل كان معها بكل هذه الوحشية، مرر نظره عليها بصدمة فهو حقا لا يصدق.

ابعد بصره عنها واخذ يمرر كفه الأخرى على وجهه بضيق حقيقي لا يعرف ماذا يفعل، ولكنه أبعد كل هذا التفكير الآن و اقترب منها محاولا أن يحملها ولكنه ابتعد ما إن وجدها تقول بغضب وهي تحمي نفسها منه
- إياك تلمسني بإيدك الوسخة دي
نظر لها بعتاب ولكن سرعان ما التفت على صوت حودة وهو يقول عند المدخل: أنت هنا ياللداغ.

كان صوت هذا الرجل كفيل ليجعل غالية تنسى خلافها معه و تختبئ بسرعة خلف زوجها الذي استغرب فعلتها حقا أوليس هي من كانت ترفض لمسة يده لها، ها هي الآن تقف وراء ظهره تتمسك بقميصه بيدها الصغيرة
يحيى بصوت عالي ليسمعه الآخر
- عايز إيه قول!
فهم الآخر على الفور بأن رئيسه لايريده أن يدخل ليقول بعملية- ده مش أنا اللي عايزك ده الحاج سلطان
- قوله عندي شغلة مهمة أخلصها وآجي وأنت سد مكاني.

- اعتبره حصل، قالها حودة واقترب من المدخل وأغلق عليهم الباب الداخلي للعمارة لكي لايراهم أحد وبهذه الحركة فهم يحيى بأن الآخر قد رأى الموقف من بعيد وأتى له لينبهه
عند هذه النقطة قال يحيى بصوت عالي ممتن
- من يومك حويط ياحودة
- تربيتك ياللداغ، سلام. ما إن قالها وذهب حتى التفت يحيى نحو غلا الروح برأسه ليجدها تبتعد عنه بخجل من فعلتها ولكنها تقسم بإن تمسكها به كان حركة عفوية
ليس أكثر.

أخذت تضم ثيابها الممزقة عليها لتجبر نفسي على المشي ولكن مع كل دعسة تشعر بنار تحرق كاحلها وتأوها الخافت يخرج من بين أسنانها المصطكة بألم
بشكل لا إرادي.

ولكن سرعان ما شهقت عندما وجدت نفسها تطير بالهواء لتكون بأقل من ثانية بين ذراعي زوجها الذي احتضنها بحماية وأخذ يصعد بها الى الطابق الثاني لتبعد نظرها عنه بإحراج من قربه هذا ليلفت نظرها أن الهدوء يعم المكان بشكل دائم وهذا مالم تلاحظه سابقا، على مايبدو بإنه لايوجد سكان غيرهم هنا.

اما عند يحيى كان تفكيره محصور عليها فقط، كم هي صغيرة الحجم بمقارنتها به وكم هي ناعمة وطرية ورقيقة و بااااردة، جسدها بارد كالثلج، أغمض عينيه بضيق عندما تذكر ما حدث
دخل شقته واغلق الباب خلفه بقدمه لينزلها بعدها داخل الحمام ثم خرج لدقائق وعاد معه ثياب نظيفة لها وهو يقول: استحمي وغيري هدومك وأنا هستناكي برا لو احتاجتي حاجة ناديني.

خرج وتركها لوحدها وهو يكاد أن ينفجر من كل هذا، أخذ يعيد منظرها كيف كان ليغمض عينيه بغيظ من نفسه مستحيل هل هو فعل كل هذا، هو شيطان وهي بريئة وصغيرة كيف استطاع ان ينتهكها بهذا الشكل البشع.

لا ينسى صدمته عندما استيقظ صباحا و وجد تلك القطرات من الدماء التي تتوسط السرير وما أكد له شكه هذا هو هروبها وثيابها الممزقه من الأمام ورفضها القاطع للمسها وكيف كانت تعرج بقدمها من ألمها كل هذا لا يحتاج لتفسير آخر أو حتى دليل فكل العوامل موجودة، يعلم الله وحده كم كان وحشا معها، وعند هذه النقطة زاد تأنيب ضميره له...

ذهب وجلس على الاريكة ينتظر خروجها وما ان مرت نصف ساعة تقريبا حتى رفع رأسه نحو الحمام عندما سمع صوت فتح الباب ليجدها تخرج وهي تعرج حاول ان يساعدها ولكنها تجاهلته وكأنه غير موجود وذهبت
وجلست بثبات وقوة على أريكة منفردة لشخص واحد
اخذ يتمعن بها وهو يفكر مستحيل أن يرى أنثى لديها عزة نفس مثل عزتها بل هذه الصفة لاتليق سوا بها.

الكبرياء والثقة والجمال صنع حصريا لها، وبرغم حالتها كانت مغرية بشكل مفرط للأعصاب. كان يجب ان يكتب على جبينها هنا منبع الأنوثة
اما غالية كانت تنظر لأي شئ إلا هو ولكن ما نرفزها حقا هو عندما جلس أمامها وتمعنه بها ثم قال بعدها بمنتهى الوقاحة وكأنه لم يكن السبب بما هي فيه الآن
- عاملة ايه دلوقتي، محتاجة أوديكي المستشفى لو في نزيف لحد دلوقتي.

نظرت له وهي تقطب جبينها بعدم فهم، لما عليها ان تذهب الى المستشفى، نظرت الى الأرض بانزعاج منه لا تريد رؤية وجهه برغم جماله هذا و وسامته إلا أنها أصبحت حقا تقرف منه.

وبسبب ظهور علامات الأشمئزاز على وجهها وجدته يقول ببجاحة: لو فيكي حاجة صرحيني ماتتكسفيش، وبعدين أنتي قرفانة كده ليه، ده شيء طبيعي يحصل بين أي زوجين، حلال ربنا، وكان لازم ده يحصل من أول يوم لينا مع بعض، بس بسبب رفضك أنا كنت صابر عليك كل المدة اللي فاتت دي احتراما لرغبتك...

انتفضت واقفة من مكانها ما إن فهمت مقصده وهي تقول بانفعال: أنت متعرفش حلال ربنا إلا في دي و أنك ترجعلي سكران انصاص الليالي ده عادي مش كده، اسمعني يا اسمك إيه أنت، أنا مش هستنى هنا يوم كمان، رجعني لأهلي وسيبني بحالي بقى. يا أما والله العظيم هرجع أنا بنفسي واللي يحصل يحصل أنا زهقت منك ومن عيشتك دي...

صمتت وكادت ان تقع ما إن وجدته يقترب منها وبخفة يد وجدته يحاوط خصرها ليمنعها من السقوط وهو يقول بهدوء ونظراته لها كانت مليئة بالاهتمام
- غلا أنت لسه صغيرة وأنا مقدر ردة فعلك دي ع اللي حصل امبارح، بس ماتنسيش اني جوزك و ده حقي
صرخت به بغيظ من برودة رد فعله هذا بعدما قررت مع نفسها بعدم توضيح سوء الفهم هذا كأقل عقاب له وانها ستستخدمها نقطة قوة لها.

- جت كسر حقك يا أخي افهم أنا مش هقدر استحمل أكتر من كده، والله لو حاولت تقرب مني مجرد محاولة بس هقتلك وأقتل نفسي كفاية الذل اللي شفته امبارح وأنا معاك ماعنديش أدنى استعداد إني أعيد التجربة دي معاك
- والله ماكنتش بوعي، قالها وهو يعود الى الخلف خطوة وعينيه الجميلة مليئة بالاعتذار ثم أكمل بأقتراح
إيه رأيك تاخدي الأوضة وأديكي مفتاحها تقفلي على نفسك وبكده هتطمني أكتر إني مش هقرب منك
يرضيكي الحل ده
- لاء.

- طب قولي اللي يرضيكي
- رجعني لأهلي
نظر لها بضيق من عنادها الذي لا ينتهي ليقول بعدها بترفع وغرور لا ينتهي: انسي ياحلوة أنتي بقيتي بتاعتي خلاص، و رجعة لأهلك مافيش، اطلبي اللي أنتي عايزاه وأنا هعملهولك غير ده
أخذت تفكر بهذا العرض المغري لتقول بعدها بتساؤل طفولي وبشفاه مزمومة
- هتعملي كل اللي أطلبه
ابتسم على ردة فعلها هذه وقال بتأكيد
- أكيد يا غلاتي.

لتقول غالية بتلقائية: طب أنا عايزة إنك تسيب شغلك هنا اللي أنا معرفش ايه هو أصلا بس أكيد حاجة غلط زي كل حاجة حوليا، وتبطل شرب وتصلي وتاخد لينا شقة بمكان تاني وبس
صعق من طلباتها هذه وحل الغضب بحدقتيه ولكن برغم غضبه الظاهر إلا أنها وجدته يقول بتحذير هادئ
- شغلي خط أحمر اوعي تقربي منه أو تدخلي فيه، والصلاة والشرب ده شيء مايخصكيش.

غالية باندفاع غاضب: مايخصنيش ازاي أنا عايزة أطلعك من الوحل والقرف اللي أنت عايش فيه ده والا عاجبك الوساخة اللي أنت فيها دي وبقت بتمشي بدمك.

مسكها من فكها وضغط عليه بقوة وأخذ يقول من بين أسنانه: لسانك ده هيوديكي في داهية، أنا قولت اطلبي حاجة ليكي. توقعتك عايز تكلمي أمك أو أحسن معاملتي معاكي، بس اكتشفت اللي زيك مش لازم نديها أكتر من حجمها، شكلك نسيتي نفسك إنك هنا مش أكتر من خدامة. حاولت أراضيكي لأني أخدت حاجة منك غصب عنك مع إنك كان لازم تديني حقوقي برضاكي.

غالية بمحاولة: افهم أنا عايزة مصلحتك يمكن تكون غلطت كتير باب التوبة مفتوح تعالى نشيل من هنا و
قاطعها وهو يعتصر وجهها أكثر بأنامله بغضب مجنون
- مش بقولك لسان ده هيوديكي بداهية، عايشالي بدور رابعة العدوية ونسيتي أنا جبتك هنا ازاي، فوقي ياهانم، ده أنا اشتريتك بشوية فلوس بالنسبالي مش أكتر من ملاليم ده حتى سعر جزمتي أغلى منك.

أهلك اللي فلقتي دماغي فيهم باعوكي من غير حتى مايكلفو نفسهم ويسئله عليا أو حتى لقيت حد سأل عليكي بعد ما خدتك، وكأنهم ماصدقوا خلصوا منك
طعنها للوريد للمرة الألف بكلامه السام هذا ولكن مستحيل أن تنكسر أمامه، رفعت رأسها بشموخ وقالت بصوت مهزوز بعض الشئ فهي تكاد أن تموت قهرا
- ده كان مهري، خالي مخدش منك غير مهري، أنا غير قابلة للبيع زي ماحضرتك مفكر لأني ببساطة مابتقدرش بثمن.

ابتسم من طرف شفتيه بسخرية وأخذ يتحسس بشرتها وهو يقول: بعشق ثقتك بنفسك غلا بعشقها، بس سيبك من كل ده وقوليلي ايه رأيك نعيد اللي حصل مابينا امبارح، بصراحة أنا عايز أجرب طعمك وأنا في وعيي
- هأقتلك وأقتل نفسي لو قربت مني، ما إن قالتها برفض قاطع حتى ضحك باستمتاع وأخذ يلعب بأعصابها
شدد من احتضانها وقال
- ليه ياعروسة ده النهاردة صبحيتك حتى
- روح لحبايبك أنا مش عايزاك
- وأنا مش عايزهم هما أنا عايز غلا.

زادت نرفزتها ما إن نطق اسمها خطأ مثل كل مرة
- والله الحرق أهون عليا من إن واحد زيك يلمسني
- ليه بتقولي كده، قالها وهو يدفن وجهه بعنقها ولكن قبل أن تصل شفتيه لجلدها وجدها تبعده عنها بيدها وهي تقول بضيق
- لأني بقرف منك بحس إني عايزة أرجع
من فكرة إنك تلمسني.

ما إن سمع كلماتها هذه حتى ابتعد عنها حقا وأخذ يتنفس من أنفه بضيق وقهر، توقعت أن يضربها كرد فعل ولكنها وجدته يسحبها بقوة كبيرة نحو الغرفة ظنت بإنه سيعتدي عليها ولكنها تفاجئت ما إن غير مساره نحو الحمام في آخر لحظة حتى دفعها في داخله بعنف ثم أغلق عليها الباب وأطفأ النور عليها...

لتسمعه يقول بعدها بهدوء قاتل قبل أن يتركها ويخرج من الشقة بأكملها: ده جزاتك على طولة لسانك إنك تتحبسي انفرادي طول اليوم من غير لا أكل ولا شرب
أخذت تضرب الباب بيدها بكل قوتها ولكن لم يكن هناك من ينجدها أو حتى يواسيها غير دموعها التي تظهر ما إن يختفي جلادها
(منك لله يا يحيى يا ابن أم يحيى أشوف فيك يوم ع المرمطة اللي معيش بنتنا فيها دي ).

نزلت من التاكسي ونظرت بانبهار الى هذا البناء العظيم العملاق الراقي، ابتسمت بحب وهي تنظر الى بوكيه الورد الذي بين يديها ثم أخذت تقترب من المدخل بحماس كبير وهي تفكر ياترى ماهي ردة فعل والدها لمفاجئتها هذه بالتأكيد سيفرح.

ولكن تلاشت أحلامها وتبخرت تخيلاتها ما إن أوقفها الأمن عند الباب وهو يمنعها من الدخول واستكمال طريقها وأخذ يسئلها من تريد وهل هي لديها موعد سابق هنا ولكن قبل ان ترد عليه سمعت من يقول بأمر من خلفها
- سبوها تدخل، الآنسة تبعي
التفتت باستغراب وهي تهمس
- أستاذ ياسين؟
- أستاذة سيلين، قالها بمشاكسة وهو يقلد نبرة صوتها الخافته ليضحك بعدها ما إن غضبت ملامحها على فعلته هذه.

نظرت له بتقييم مليئ بضجر داخلي فهي لا ترتاح له على الإطلاق، لتدخل الى الشركة بخطوات واثقة عندما فتح الباب لهم من قبل الأمن بأحترام لتسمعه يقول باستفسار وهو يمشي الى جوارها
- إيه سر الزيارة السعيدة دي
رفعت سيلين الورد أمامها وقالت: جيت أبارك ل بابا ع افتتاح الشركة والا هيكون في اعتراض يا شريك
وقف ياسين أمامها وقال بمراوغة: طبعا في اعتراض لأنك جايبة بوكيه واحد بس ل باباكي طب وأنا.

رفعت سيلين حاجبها وهي تقول بصراحة مطلقة: وأجيبلك ليه هو أنا أعرفك منين عشان اهاديك بورد
ياسين بإحراج: احمممم ماكنا ماشيين كويس لازم تصدريلي وش الخشب زي أختك
سيلين بحده طفيفة: مالها أختي
ابتسم باتساع ما إن تذكر ملامح فتاته الجميلة الصارمة وقال: مافيش حاجة بس هي عاملة فيها غفير من يوم ما اشتغلت معانا
سيلين باستفسار جاد: شغلها مضبوط يعني؟!
ياسين بأطراء- جدا، القسم اللي مسؤولة عنه ماشي.

زي الساعة مافيهوش غلطة
- وهو ده المطلوب منها يا أستاذ، شغلها، أما وشها مالكش فيه يبقى خشب حديد كل واحد يخليه في حاله ويحترم الحدود الموجودة وبلاش يتعداها من غير استئذان، ميرال بتحب كده، ياريت تكون الرسالة وصلت، عن إذنك، قالتها بفظاظة وهي تتخطاه وكأنه سراب، لتذهب بعدها الى الاستعلامات لتسأل عن مكتب والدها.

فتح ياسين فمه باستغراب من فعلتها هذه فهو كان معها وكانت تستطيع أن تسأله هو أو حتى تطلب منه ان يرافقها تنهد بعمق ليقول بعدها بذهول
- دي ميرال طلعت أرحم منها بكتير، ربنا يعينك يا شاهين عليها وعلى لسانها اللي عامل زي المبرد ده
طالع واكل، نازل واكل، مش عاتق حد.

في الطابق الأخير وبالتحديد بمكتب سعد الجندي كان يدقق الملف الذي أمامه وما إن انتهى حتى رفع رأسه وسأل ذلك الذي ينظر له بترقب خطير وكأنه ينتظر الوقت المناسب لينقض عليه
سعد باستفهام: اللي فهمته إن القرض ده من غير فوائد صح
- طبعا، أنا موضح النقطة دي بالملف اللي عندك
- طب كويس.
- هااا نمضي عقود القرض ولا حابب تراجعهم تاني.

- لا خلاص نمضي طالما حضرتك ضامنهم، قالها سعد بابتسامة بسيطة ثم أخذ يخط اسمه على الأوراق واحدة تلوى الأخرى وما إن انتهى حتى قدم الملف ل المحامي الخاص بالشركة شاهين اللداغ الذي أخذه منه وهو يقول
- وبكده تقدر تعتبر المبلغ اتحول لحساب الشركة وتقدر تباشر المشروع بالوقت اللي اااااااء.

صمت وضاعت الحروف منه وتبعثرت ما إن وجدها تدخل المكتب عليهم بطريقة جعلت أنفاسه تحبس داخل صدره، كانت عينيه تراقبها وتراقب تفاصيلها، ضحكتها البشوشة والعفوية التي لا يراها إلا مع والدها
- بابي حبيبي ألف مبروك ع الشغل، قالتها بسعادة كبيرة لا توصف وهي تذهب نحو والدها الذي نهض فورا ما إن دخلت ليستقبلها بذراعيه ويقبل صدغها وهو يقول- الله يبارك فيكي ياقلب أبوكي أنتي
قدمت له البوكيه وهي تقول: الورد للورد.

ليقول سعد بحب أبوي: والله مافي ورد هنا غيرك، تعالي أقعدي وسلمي ع المتر
نظرت له من طرف عينيها وقالت بانزعاج واضح للآخر: اهلا، ثم نظرت الى والدها وأكملت دون ان تنتظر رده عليها، و بالمناسبة الحلوة دي أنا عزماك ع الغدا ياسي بابي وممنوع الاعتراض أو الرفض...
رفع حاجبيه معا وقال
- يعني مافيش قدامي غير الموافقة
- والله ده اللي عندي، ما إن قالتها بقوة حتى استسلم لها والدها وهو يضحك.

- خلاص ياستي موافق بالتلاتة بلاش تبصيلي كده، هدخل أغسل ايديا بس. ونطلع سوا على أحلى مطعم فيكي يامصر...
- وميرال هتيجي معانا صح
- لاء، ميرال عندها شغل كفاية أنا هسيب كل شغلي وهطلع معاكي عشان متزعليش
سيلين بإحباط: أيوة بس أنا كنت عايزة نطلع كلنا سوا ونعدي على ماما كمان
- هنعمل كده يوم الجمعة بس دلوقتي هنخرج أنا وأنتي وبس اتفقنا.

- اتفقنا، قالتها وهي تكرمش أنفها عندما قرصها والدها من وجنتها وما إن ذهب نحو المرحاض واختفى بداخله حتى التفتت نحو المكتب لتجفل عندما وجدت أمامها صدر عريض معضل تكاد أن تضيع بداخله لينطق لسانها بشكل عفوي وهي تعود خطوة إلى الوراء
- إيه ده
- أنتي اللي إيه ده، ما إن قالها وهو يقترب منها حتى قالت بتوتر
- مش فاهمة
شاهين بصرامة وجبين مقطب كالعادة
- أنتي بتعملي إيه هنا
نبرته الغاضبة معها جعلتها ترد بعفوية.

- زي ما أنت شفت جيت أبارك ل بابايا
شاهين بحدة وغيرة لم يدركها بعد
- بشكلك ده، أنتي تجننتي
انصدمت سيلين من حدته معها لتنظر إلى ماترتديه وهي تقول بانفعال- ماله شكلي؟ ماهو محترم أهو، وبعدين تعالى هنا انت مالك فيا ومين اللي سمحلك تدخل في خصوصياتي و
صمتت وفتحت عينيها على وسعهما ما إن وجدته يسحب منديل ورقي بغضب اسود من على سطح المكتب ليمسك به ثغرها وأخذ يمسح أحمر شفاهها بقوة عندما ثبت رأسها بيده الأخرى...

ولكن هو حقا لايعرف كيف ومتى أنامله أخذت مكان المنديل ليبدأ بتحسس نعومتها القاتلة لرجولته وهو يقول بصوت هامس وكأنه لايريد أن يكسر سحر هذه اللحظة عليهما
- بلاش تحطي عليهم حاجة هما مش ناقصين فتنة، بس بجد هموت وأعرف اللي فوق ليه منفوخة أكتر من اللي تحت بطريقة مستفزة.
كلامه هذا جعلها تستفيق من سباتها لتعض ابهامه الذي كان مايزال يتلمس شفتيها بكل قوتها. وغل من تجاوزاته معها.

سحب يده منها وابتعد عنها بسرعة وهو يتأوه بصمت ولكن سرعان ما ارتفع أنينه عندما ضغطت على قدمه بكعبها العالي بكل جبروت
كاد أن يمسكها ويلقنها درس بطريقته الخاصة إلا أنه توقف عن ماكان ينوي. عندما وجد سعد يخرج من المرحاض واقترب منها ليرتدي سترته وهو يقول بتساؤل وهو يتنقل بنظره بينهما
- في حاجة
ضربت شعرها للخلف بغرور وهي تقول
- لا ابدا يابابي...

- طب يلا ياحبيبتي، قالها ثم استأذن من الآخر وهو يحتضن ابنته تحت ذراعه ليذهب بها نحو الخارج تاركا خلفه شخص يموج ويروج بأفكاره السوداء
اخذ شاهين يتفرس بالنظر ل حقيبته وهو يرفعها امامه فهي تحتوي على أوراق القرض لتخيم على ملامحه علامات الأجرام وهو يقول بهسيس خافت خاص بالأفاعي.

- الورق ده مع اللي معايا هيخلصني من سعد للأبد بس ده بعد مايقرب مني بنته وتبقى بين ايديا، آسف سيلينا عقلي رفض اني ادخلك بلعبتنا. بس مع الأسف بعيدا عن كل ده أنتي عجباني وأنا الحاجة اللي تعجبني باخدها ليا بمزاجها أو غصب عنها. مش هتفرق كتير معايا لأن النتيجة بالنسبالي وحدة.

( إنت بالذات أنا بخاف منك ومن تفكيرك لأن باختصار هدوءك وصمتك ده جبروت بحد ذاته، ياترى ناوي على إيه يا ابن اللداغ بعد ماحطيت سيلينا بدماغك )
علي الجهة الأخرى من الشركة في مكتب ميرال الجندي
- يعني مش هتخرجي معايا، قالها ياسين بتساؤل ليأتية الرد على الفور وهي تنظر الى شاشة الحاسوب
- لاء مش هخرج
نظر لها ياسين بصبر وقال
- ده آخر كلام
تنهدت ونزعت نظاراتها الطبية ونظرت له وقالت بجدية: أيوة.

ضرب ياسين سطح المكتب بكف يده بضجر
- وبعدين بقا معاكي، ارسيلك على برا أنا تعبت
- ياسين، ما إن قالتها بعتاب حتى وجدته يقولها بحب
- ياقلب ياسين من جوا.

- ياريت تفهمني وتقدر صراحتي معاك، حضرتك إنسان ممتاز، بس أنا مش بتاعت علاقات والكلام ده واليوم اللي فسحتني فيه ده بجد جا معانا كده من غير تخطيط أو تفكير وصدقني، تقدر تقول لحظة طيش وتصرف غلط، ده أنا كل ما افتكر اليوم ده بحس بالذنب باتجاه عيلتي، وخصوصا بابا لأني عارفة رأيه بالحاجات دي
ياسين باستنكار وعدم اقتناع بما سمع منها
- الحاجات دي؟ هو احنا عملنا إيه لكل ده...

لتقول ميرال بعملية مصطنعة وحزن داخلي فهي تشعر حقا بالذنب اتجاه اهلها وتشعر بإنها قد بدأت تخون ثقتهم بها
- ماعملناش حاجة وياريت الموضوع ده يتسد لحد هنا
- بس انا بحبك، قالها بجدية تامة ليأتيه الرد بالرفض فورا: وأنا مش بحبك.

صرخ بها ياسين بانفعال مما جعل تلك التي أمامه تنتفض من ردة فعله العنيفة هذه الغير متوقعة وهو يقول: كداااابة، أيوه كدابة ماتبصليش كده، أنتي بتحبيني زيي ويمكن أكتر كمان بس شكلك عاجبك إني أفضل أدور وراكي في كل حتة. مش كده بس أحب أقولك غرورك خدعك لو خيلك إني ممكن أبقى معاكي أكتر من كده وأنتي بتصديني بالشكل ده
قولتي إنك مش بتحبيني صح.؟ خلاص تمام.

زي ما أنتي عايزة. أنا كمان مش هحبك أكتر من كده. وعايزاني أسيبك في حالك،؟ حاضر هسيبك، ومن اللحظة دي أنتي بنت شريكي ورئيسة قسم المحاسبات وبس...
نهض من أمامها وأخذ يغلق زر سترته وهو يقول...
وأنا بأعتذر لو أزعجتك وأخذت من وقتك يا، أستاذة...
عن إذنك، قال الأخيرة وتركها وخرج بثبات وقوة وهيبة طاغية تحيط به.

أما ميرال جلست على كرسيها بتعب ما إن اختفى من أمامها والمكتب بأكمله حتى مسكت صدرها بيدها بقهر حقيقي لما حدث معها، لتبتلع رمقها بصعوبة ما إن بدأت علامات الألم والحزن بالظهور عليها وعلى معالمها بالتدريج فهي تشعر الآن بإن هناك قبضة فولاذية تعصر قلبها دون رحمة وكأن الذي خرج الآن نزع روحها منها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة