قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الأول

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الأول

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الأول

ليلا، في إحدى المناطق العشوائية البعيدة عن الأنظار والتي أغلب سكانها خارجين عن القانون ومسجلين خطر، في وكر خفي تحت الأرض كان هناك حوار حاد يدور
- عايز أتوب. قالها ماهر بجدية تامة وهو ينظر إلى صاحبه سلطان الذي رفع حاجبه بترقب وهو يقول
- يعني إيه؟

لياتيه رد ماهر على الفور ودون تردد فهو قد حسم أمره: يعني أنا عايز أبعد عن المستنقع ده وأعيش زي الناس وأربي بنتي وإبني اللي جاي بالسكه وآخد ولاد أخويا سامر الله يرحمه شاهين وياسين قبل مايضيعوا زي ما أبوهم ضاع.

- ياحلاوة ياولاد بس كده دي بسيطة، قالها بإستهزاء واضح ثم إقتمت ملامحه وهو يكمل بغضب. في إيه ماتفوق لنفسك هو إنت مفكر إن دخول الحمام زي خروجه، دي فيها رقاب هتطير ياصاحبي، وأولهم إنت، بقولك إيه ماتعقل كده وتوزن كلامك ده قبل مايوديك في داهية
- بس أنا عايز أنظف كفاية أوي اللي حصل لسامر.

موته ده كسر ظهري و كان زي القلم ليا وخلاني أفوء، وبعدين أنا لو فضلت معاكم أكتر من كده مش بعيد ولادي كمان يكون مصيرهم زيى يعيشوا ويندفنوا بالخرابة دي
سلطان بإنفعال
- ومن إمتى إحنا لينا فالنضيف، ما إنت عارف البير وغطاه وقوانينا اللي عايشين عليها مافيش خروج من هنا إلا ع القبر فعشان كده إنسى اللي بتفكر فيه لأن مالكش فيه
- من يوم ماشفتها بقا ليه فالنضيف
أخذ سلطان يربت على منكبه وهو يقول.

- فاكر لما قولتلك لو بتحبها إبعدها عن وكرنا عشان ماتتلدغش مننا. لأن الكبير لو عرف إنك مستغفله ومتجوز واحدة من برة منطقتنا بقالك خمس سنين ولاء كمان مخلف منها يبقا هيكتب نهايتك ونهايتها أكيد
ليقول ماهر بتوتر فهو يعلم صحة كلام الآخر
- وأنا قولتلك هحميها
نظر له سلطان بتهكم
- مش لما تحمي نفسك الأول
- شكلك نسيت مين هو ماهر الداغ ويقدر يعمل إيه
- ده كان زمان. قبل مايبقى ليك نقطة ضعف يقدر الكل يضربك بسببها.

- اللي هي؟ ما إن قالها ماهر بحذر حتى همس الآخر
- سعاد الجندي حبيبة قلبك بنت الحسب والنسب
وبنتك الأمورة الصغيرة، ايه مش خايف عليها، فوووق لنفسك هو إنت فكرت إننا ممكن نسمحلك تتسلخ مننا وتروح تعيش مع ست الحسن والجمال والكبير هيقعد يتفرج عليك وخصوصا لما يكون المنسحب من بينا ده وخالف قوانينا هو نفسه دراعه اليمين وكاتم أسراره
- بس انت عارف والكبير كمان عارف إني ماليش فالغدر.

وأنا قلت اللي عندي كله، مافضلش حاجة عندي أقدمهالكم أكتر من اللي قدمته
- تصدق صح إنت مالكش فالغدر، بس شكلك كده نسيت إن إحنا لينا فيه، قالها سلطان وهو يزرع خنجر سام في منتصف ظهره بغل ما إن التفت الآخر ليذهب.

أخذ ينظر له سلطان بخبث ما إن وقف أمام الآخر وهو لايزال يمسك بالخنجر ولكن ما إن حاول ماهر إن يرفع يده ويخنقه حتى إحتضنه سلطان بقوة ليكرر غرز ذلك السلاح الأبيض مرة أخرى بظهره عدت مرات متتالية ولكن بشكل أكبر عنفا وما إن أتم مهمته المكلف بها حتى إبتعد عنه ليبتسم بحقارة وهو يرى الآخر يسقط على الأرض جثة هامدة.

أخذ يرفسه بقدمه بخفة بين الحينة والأخرى وهو يدور حوله ونظره معلق به ليجلس أمامه وهو يقول بفحيح سام.

- عجبك كده، ماقولتلك بلاش، بس هنعمل إيه بدماغك الناشفة دي، صمت قليلا ثم أكمل بترجي خبيث، ماهر أوعى تزعل مني باللي عملته، إنت أخويا وحبيبي وانا عارفك ماتقدرش تعيش من غير مراتك فعشان كده هبعتهالك ياسيدي. والليلة هتكون عندك إتبسط ياعم، وولادك وولاد أخوك هيكونو فالحفظ والصون، ماتخافش عليهم هربيهم ليك ماتشيلش هم...

إعتدل بجسده وهو يضحك بخبث ويقول، لاااا لااا أوعى تشكرني ياصاحبي ده أقل واجب يتعمل مع أي حد يفكر بس إنه يسيب الوكر ويغدر بينا
إلتفت إلى أحد رجاله وقال بأمر
- خدوه وإرموه قصاد بيته عشان يكون عبرة لكل واحد تطاوعه نفسه إنه يفكر بس يخالف القوانين.

علي الجانب الآخر بالتحديد في شقة ماهر الداغ كانت تجلس على الأريكة وهي تمسد على بطنها المنتفخة بشدة بقلق لا تعرف ماسببه، قلبها مقبوض منذ أيام وكأنه كان يريد أن يحذرها عن خطر قادم...
إبتسمت بخفه ما ان شعرت بيد صغيرتها ميرال التي تبلغ من العمر أربع سنين تتحسس بطنها وهي تقول بتذمر
- أختي هتيجي إمتى بقى أنا زهقت من كتر ماستنيتها.

- إنت ايه اللي صحاكي بس وبعدين أنا كام مرة قولتلك يامرمر إن الدكتورة قالت إن البيبي ولد، يعني هيبقى عندك أخ مش أخت
لوت ميرال شفتها السفلية بزعل وهي تقول بتذمر
- بس أنا عايزة أخت
أخذت سعاد تداعب شعر الناعم وهي تقول بحب
- كل اللي ربنا يبعته حلو يامرمر، ودلوقتي يالا قومي كملي نومك عشان أحبك ولا إنت عايزاني أزعل منك
ميرال بنفي.

- لاء يامامي مش عايزة تزعلي مني، أنا هروح أنام، تصبحي على خير، قالت الأخيرة وهي تقبل وجنة والدتها لتسحبها سعاد الى أحضانها وأخذت تستنشق عبيرها بقوة وهي تقول بشوق غريب وكأنها شعرت بأن هذه أخر مرة تراها فيها.

- وإنت من أهله ياقلب أمك، أبعدتها عنها لتحاوط وجهها الصغير وأخذت تقبلها بكل إنش بوجهها ثم نظرت إلى عينيها وقالت بشكل عفوي إستغربته هي قبل الاخرى، إسمعيني كويس ياميرال خدي بالك من نفسك ومن أختك ماشي. إنتم مالكوش غير بعض
نظرت لها ميرال بإستفهام وحيرة
- أختي! هو إنت مش قولتي إن البيبي ولد
إبتعدت عنها وهي تقول بتوتر: هااا، معرفش. معرفش هي خرجت مني كده، يالا روحي نامي الوقت إتاخر أوي.

بعدها تنهدت بإرهاق وهي تنظر إلى أثر إبنتها التي إختفت داخل غرفتها، أخذت تمسح دموعها التي لاتعرف ماسببها ثم نهضت بصعوبة بسبب حملها الثقيل وأخذت تمشي داخل الشقة هنا وهناك وهي تأكل أضافرها فالقلق ينهش روحها دون رحمو
يالله لاتعرف ماذا يحصل لها أو بما تشعر الان...

إحساسها لايوصف، أخذت هاتفها من على الطاولة وأخذت تتصل مرارا وتكرارا على زوجها الذي تأخر جدا وفي كل مرة النتيجة كانت واحدة وهو، مغلق أو خارج نطاق التغطية
رمت هاتفها بنهاية المطاف بضيق على الأريكة لتسحب شعرها إلى الخلف بتعب نفسي وجسدي ثم أخذت تمسد على عنقها وكأن ضاقت عليها الأرض بما رحبت...
بعد مرور ساعة من الزمن المليئ بالقلق والتوتر المفرط.

فزعت ما إن إرتفع صوت جرس الباب ليبتسم ثغرها بأمل وهي تذهب نحو الباب لتفتحه وهي تقول بلهفة
- إخص عليك يا ماهر إتأخرت كده!، قطعت كلامها بخيبة أمل وهي ترى شقيقها الوحيد امامها
- هو ماهر لسه مارجعش، قالها سعد بتساؤل وهو يدخل ويغلق الباب خلفه لتتنهد الأخرى بتعب حقيقي وهي تقول
- لسة،!
سعد بترقب
- ومالك بتقوليها بزعل كده ليه...
نظرت له وقالت بصوت مخنوق
- خايفة!
- من إيه؟

نزلت دموعها بغزارة لتحرق خديها وهي تقول بغصة
- مش عارفة، بس حاسة إن روحي إتسحبت مني وأنا لسه عايشة
- إيه الكلام الكبير ده، كل ده عشان سي ماهر إتأخر عليك شوية
لتقول سعاد وهي تنظر لأخيها بأعصاب متعبة
- أنا هموت لو حصله حاجة
- بعد الشر إيه الكلام ده، قالها وهو يبادلها نظراتها بعتاب
إقتربت منه ومسكت يديه وهي تقول
- صدقني هموت وراه، بس ده لو حصل بناتي أمانه عندك
سحب يده منه وهو يقول بإنفعال.

- ايه الهبل ده أنا هلاقيها منك ولا من جوزك في الليلة اللي مش هتعدي دي، أصحى على رسالة منه بيقول فيها. إن لو حصله حاجة إنت و الولاد أمانة عندي
أجي على ملا وشي عشان أشوف في إيه ألاقيكي بتخرفي وااء
قطعت كلامه ما ان وجدها تجلس على الأرض وهي تضرب على وجنتيها وتبكي بطريقة تمزق نياط القلوب
جلس الى جانبها بسرعة وهو لا يعرف ماذا هناك
- في إيه يابنتي انتم عايزين تجننوني معاكم.

- ماهر راح مني أنا حاسة بكده، أكيد راحلهم أكيد
سعد بعدم فهم
- راح لمين؟
اخذت تضرب على فخذيها وهي تقول بحرقة
- هو قالي هيروح يصفي شغله وبعدها هنسافر ونعيش برا، قولتله بلاش والله العظيم قولتله بلاش خليني عايشة بالظلمه معاك أنا راضية المهم إنت بخير بس هو مسمعش الكلام، راح لهم لحد الوكر برجليه وهو عارف النتيجة هتكون إيه
سعد بعدم تصديق
- وكر إيه؟

- وكر الأفاعي اللي هو عاش وكبر فيه، ما إن قالتها حتى إرتفع جرس الباب لتنهض بهمة وتركض نحو الباب
غير آبهة بحملها ولا بوضعها فهي في حالة إنهيار تام
ولكن ما ان فتحته حتى إرتدت إلى الخلف بعدما خرج من حنجرتها شهقة حرقت فؤادها به.

لاتصدق ماترى امامها الأن، معشوق روحها غارق بدمائه مقتول غدرا، أخذت ترجف بمكانها بصورة مخيفه مما جعل سعد الذي كان لايقل صدمة عنها يعجز عن التصرف ولكن ما جعله يفوق من صدمته هذا هو صراخ ميرال المرتعب من ما تراه الآن
إنحنى وحمل تلك الصغيرة على ذراعه لتدفن وجهها بسرعة داخل أحضان خالها الذي كانت نظرته مازالت معلق على زوج أخته المقتول...

لايعرف ماذا حدث أو كيف حدث، في غمضة عين تجمهر الناس حولهم بسبب صراخ أخته وبكائها الذي أخذ يمزقه إربا ولكن مازاد الأمر سوء عندما وجدها تنزف بشكل مخيف أصبح حالها لايقل عن حال زوجها الراحل ولكن الفرق بينهم هي ماتت ومازالت على قيد الحياة. منظرها المخيف هذا جعله يفوق من دوامته.

لينزل ميرال بسرعة وذهب نحو أخته وحملها بين ذراعيه وما إن كاد أن يخرج حتى صرخ ب ميرال ان تأتي معه، لتتمسك تلك الصغيرة ببنطاله وهي تصرخ بخوف بأن لا يتركها هنا ويذهب وما زاد رعبها أضعاف هو رؤية والدتها بهذا الشكل لتقول بصوت مليئ بالبكاء المفرط: مااامي ماتسبنيش أنا خايفة! بابي كله دم، دممممم
بعد مرور بعض الوقت في إحدى المستشفيات الحكومية، كان سعد الجندي يقف أمام صالة الولادة.

و صوت صراخ أخته يرج الجدران ويرج كيانه هو أيضا كانت تقاوم الموت بتجرعها أشد أنواع العذاب لتطلق جنينها لهذه الحياة ولكنها بدأت تضعف قواها بالتدريج ولم يعد لديها القدرة بأن تكمل صراعها هذا، وضعفت دقات قلبها حتى توقف عن العمل وهذا تزامنا مع إنتفاض جسدها بعنف لترفع راية إستسلامها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة قبل أن ترى ماذا أنجبت حتى.

وما إن سكن جسدها بعد إنتفاضته الأخيرة حتى إرتفع الهرج بينهم وأصبحت صالة الولادة كخلية النحل الكل يعمل بجد، قسم منهم يعمل على إنقاذ الأم وإسعافها والقسم الآخر كان يحاول أن يكمل الولادة بأن يسحب الجنين منها قبل أن يفقدوه هو أيضا
وبعد جهد لايستهان به من الكادر الطبي إرتفع صوت صرخ الطفل يعلن عن دخوله لهذه الحياة بقوة، أعجوبه، نعم ولادته كانت أشبه بالأعجوبة، كما قال تعالى (( يخرج الحي من الميت )).

أما في الخارج كان سعد يأخذ ممر المستشفى ذهابا وإيابا وهو يحمل ميرال على كتفه ليلتفت نحو باب الذي يفصل بينهم ما إن سمع صراخ الصغير، لترفع ميرال وجهها الشاحب من عنق خالها وهي تقول بصوت يرجف
- ده صوت بيبي صح ياخالو،!

- صح ياحبيبتي صح، قالها سعد وهو يملس على شعرها الأشعث ونظره معلق على باب الصالة ينتظر خروج أحدهم يطمئنه، أنزل ميرال بسرعة وذهب متوجها نحو تلك الممرضة التي خرجت لتوها وهو ينظر لها بلهفة إلى ما تحمل ليبتسم بحزن ما إن قالت له
- ألف مبروك جتلك بنوته زي القمر، تتربى بعزك، قالت الأخيرة وهي تعطيها له لتنزل دمعة منه وهو لايصدق كل ماحدث معهم، إبتلع لعابه بصعوبه ثم قال بتعب.

- طب طمنيني الأول على سعاد عاملة ايه
- قصدك أم البنوته تعيش إنت، شد حيلك، قالتها الممرضة بمنتهى البرود وبدون تمهيد للموضوع. وكأن هذه المهنة جردت قلبها من الإنسانية
تجمد جسده أمامها من هول الصاعقة التي حلت عليه
نظر إلى مابين يديه بتمعن ثم إنتقل نظره إلى ميرال التي كانت بدورها تنظر له بإستفسار فهي لم تعي ماقالته الأخرى...
بعد مرور 24 سنة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة