قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثامن

رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثامن

رواية وصية والد للكاتب علي اليوسفي الفصل الثامن

وصل كلا من أدهم ومجد إلى لندن واتجها فورا إلى الصالة حيث سيقام العرض، فقد انطلقا بعد عودة أدهم من عند أماليا، كان قد بقي على العرض الخاص بريما ساعتين، دلف مجد قبله إلى الكواليس ليجد ريما مرتبكة كما لو أنه عرضها الأول.
كانت تمشي بتوتر عظيم بين العارضات اللواتي كن يرتدين تصاميمها اللطيفة، تتأكد من تناسق الاكسسوارات مع التصاميم، تآلف ألوان طيف العيون مع لون الفستان الذي ترتديه كلا منهن.

صاح مجد باسمها فالتفتت صوبه وقد اتسعت ابتسامتها وهي تحتضنه بحنان حقيقي، اقترب أدهم ليعانقها لكنها شعرت بأن شيئا ما يقلقه فسلامه كان عاديا.
سار أدهم ليجلس على كرسي مكتبها حيث أدخلتها.
سألها مجد: هل تناولت شيئا اليوم؟
أجابته مساعدتها بسرعة: لا سيد مجد، فالسيدة ريما لم تتناول شيئا منذ غدائها أمس.
طالعتها ريما بلوم دون عصبية، فقطب جبينه بضيق فأردف: لا يجوز هذا ريما يجب أن تعتني بصحتك.

التفت نحو أخيه الشارد مضيفا: ألا تتفق معي أدهم؟
ناظره أدهم كمن لم يفهم لكنه نطق عفويا بارتباك طفيف: نعم، نعم أكيد.
استدار مجد نحوها من جديد ليضيف: أرأيتي حتى زوجك يتفق معي.
أمسك يدها هاتفا: والآن هيا هيا معي، فلنذهب لتتناول الطعام في المطعم القريب.
حاولت ريما التملص منه فهتفت: لا مجد أرجوك لا أستطيع، يجب أن ننهي اللمسات الأخيرة.

زوى مابين حاجبيه بعدم رضا فتطلع إلى أخيه الهادئ على غير العادة، ثم صاح: مارأيك أنت أدهم؟
نظر إليه بعدم فهم ورمش بعينيه كمن أجفل من شروده، لاحظت ريما كل هذا لتتيقن أن أدهم يخفي أمرا، فحاولت إنقاذ الموقف قبل أن ينتبه مجد فتحدثت: عزيزي مجد صدقني انا لست جائعة.
انتبه أدهم لنفسه فاستقام ليشاركهما برتابة: هيا ريما يجب أن تتناولي شيئا، من ثم عودي إلى العمل.

سحبها مجد من يدها فيما هي تقاوم ومساعدتها تدفعها من الخلف، ساد جو من الضحك والمرح بينهم فشاركهم ضحكاتهم مجاملة دون أي رغبة.

عادت أماليا إلى منزلها فلم تجد أحدا في الصالة، أخبرتها أمينة أن نور قد غادرت مع والدتها إلى الشركة بعد الغداء ووالدها كان نائما بسبب تأثيرات الأدوية، دلفت إلى غرفتها فورا لتأخذ حماما ساخنا تنفض عنها تعب اليوم النفسي والجسدي.
استغرقت وقتا مطولا في الحمام، خرجت وقد ارتدت ملابسها لتجلس على سريرها، تزامنا مع دخول والدتها بعد قرع الباب، تحدثت عليا بابتسامة بشوشة: الن تتناولي العشاء معنا أماليا؟

لم يكن بها طاقة للخطو خارج غرفتها خطوة واحدة، ناهيك عن الجلوس وتبادل الأحاديث مع أحدهم فهتفت كاذبة: لا أمي، لقد تناولت طعامي خارجا.
حركت عليا رأسها بتفهم وهي ترسم ابتسامة متوترة، لاحظتها أماليا فسألتها بشك: أهناك أمر آخر أمي؟
مررت عليا يدها بين خصلاتها ثم اقتربت لتجلس بجانبها على السرير، أجلت صوتها ثم أخبرتها بتردد: هل أنتي متعبة جدا؟

تنهدت بتعب ثم أجابتها باقتضاب: أمي، تعلمين أني لا احب الدوران حول الموضوع، أرجوكي أخبريني مباشرة مالأمر؟
ازدردت ريقها بوجل وهي تتمتم مع معرفتها المسبقة لنتيجة ما ستحدثها به: اسمعي عزيزتي، لقد حادثتني السيدة هبه اليوم.
سكتت وهي تراقب امتعاض أماليا من مجرد ذكر اسم السيدة، فيما أضافت عليا بسرعة: وقد قصدتني مجددا لأسألك عن رأيك في...
قاطعتها أماليا بجمود: لا.

بهتت واعتلا الاستياء ملامحها بينما تابعت أماليا: لا أمي، أخبرتك الف مرة من قبل لا أريد الزواج لا بنبيل ولا بغيره.
حاولت عليا الحديث بهدوء علها تقنعها: لكن حبيبتي فكري مجددا، فنبيل محام ناجح وحالته المادية جيدة وأيضا...

لم تكن تلك المرة الأولى التي تحادثها عليا بشأن الخطبة من نبيل، لكنها لا تعرف لم شعرت بالحنق والاستياء من تكرارها للأمر فهدرت بانفعال: ما الأمر امي؟ هل تريدين مني الزواج فقط لتتخلصي مني؟
عقدت عليا حاجبيها باستغراب من عصبيتها الغير مبررة تجاهها، فيما تابعت أماليا بنبرة شبه متهكمة غير آبهة بمشاعر والدتها: هل مللتي من مكوثي معك في المنزل؟ أم كثرت عليك أعبائي ومصاريفي؟

أوقفتها عليا بإشارة من يدها هاتفة بجمود: يكفي أماليا، ما هذا الهراء الذي تتفوهين به؟ أجننتي؟
التمعت عيناها بالدموع وهي تتمتم: نعم، نعم لقد جننت وضاع عقلي أيضا.

لم تهتز ملامح عليا الصارمة وهي تستقيم من جوارها، رفعت إصبعها السبابة أمامها معقبة: لولا أنني من ربيتك أماليا لظننتك شخصا غبيا، لكنك تملكين من الذكاء والفطنة مايخولك لفهم أن حديثي هذا هو من باب خوفي عليك، وليس الكلام الأحمق الذي تفوهتي به منذ قليل.
انهمرت دموعها حزنا وندما في آن، أرادت التحدث والاعتذار قبل أن تقاطعها عليا بحزم: يبدو أنك متعبة جدا الليلة، تصبحين على خير.

استدارت لتغادر الغرفة بأكملها، تاركة أماليا خلفها تنهار بالبكاء، لا تصدق أنها تحدثت هكذا مع والدتها فهي ليست قليلة تهذيب، لكنها شعرت بأن كل شيء حولها ينهار منذ أن رأته مجددا، وزاد على هذا ظنه السيء بها وقدومه للمشفى لرؤيتها، دفنت رأسها بين كفيها لتغرق في نوبة بكاء مريرة وهي تلعنه وتلعن فؤادها الأحمق على حد سواء.

الطقس في لندن في هذه الأيام قاس، والشمس قلما تزور مدينة الضباب.
كانوا الثلاثة جالسين إلى مائدة مستديرة في مطعم قريب من الصالة، كان كلا من مجد وربما يأكلان بشراهة و يتبادلان الأحاديث والأخبار والضحكات، بينما أدهم كان شاردا واجما لا يشارك إلا قليلا.
انتبهت ريما إلى شروده فوضعت يدها على كفه المسنود بجانبها تسأله باهتمام رقيق: مابك أدهم؟

أجفل من سؤالها فأضافت: لم أنت شارد هكذا ولا تأكل؟ إن لم يعجبك الطعام تستطيع أن تطلب غيره؟
أجلى صوته بارتباك وحاول التحدث بهدوء: لا شيء، لاشيء ريما انا فقط لست جائعا.
لاحت منه نظرة نحو حديقه صغيرة تابعة للمطعم فهتف محاولا التهرب من أسئلتها: سأذهب لأستنشق بعض الهواء، تابعا طعامكما.

نظرت حولها بتعجب، فالمطعم فارغ تقريبا إلا منهم وبضع طاولات أخر، وأصلا تصميمه يسمح بتبديل الهواء فلا تشعر بالضيق من الجلوس داخلا، فما الأمر؟
وجهت أنظارها إلى مجد لتسأله: مجد، مابه أدهم؟
رفع كتفيه مجيبا ببساطة: لا أعلم صدقيني، فمنذ يوم خطبتي لنور وهو على هذه الحال.
ثم أضاف بمكر وهو ينظر إليها بنظرات ذات مغزى: ربما كان مشتاقا لقضاء بعض الوقت الخاص مع أحدهم.
واتبع حديثه بغمزة وابتسامة وقحة.

اتسعت عيناها من وقاحته فزجرته بتحذير: مجد.
وجهت أنظارها حيث وقف أدهم في الحديقه الصغيرة يطالع السماء الملأى بالنجوم، رغم ضباب لندن الدائم، إلا أنه بإمكانك الاستمتاع بمنظر النجوم الصافي ليلا.

سحب أدهم نفسا عميقا من الهواء البارد، عل برودته تهدأ البراكين المحرقة في صدره، زفر نفسه ليخرج دخانا من شدة البرد، شعر بيد خفيفة توضع على كتفه فعرف هويتها دون الحاجة للنظر إليها، تسائلت ريما خلفه بجدية: أشعر بثقل صدرك أدهم، ألن تخبرني بما يشغلك؟

أغمض عينيه بقوة يكاد أن ينفجر ويحدثها بكل مايعتمل داخله، لكنه عاد وانتبه لموقعهم الآن، استدار نحو ريما وملامحها الجذابة لكنها مرهقة، تذكر كم الضغط الذي تعاني منه بسبب العرض وتحضيراته ولا يريد أن يشغلها أو يلهيها فهو ليس بالأناني، ابتسم بتكلف وهو يضع يده على كتفها متحدثا بهدوء مصطنع: لا تشغلي بالك ريما، بعض الإرهاق والتعب من العمل فقط، وأيضا فرق التوقيت بين البلدين، فقط بعض النوم والراحة وسأكون بخير.

رغم أنها لم تصدقه فهي أكثر من يفهمه ويقرأ عينيه، لكنها حاولت التماشي مع كذبته فقالت: تستطيع العودة إلى المنزل وترتاح أدهم، لا مشكلة.
هتف نافيا بملامح جادة: طبعا لا، كيف لي أن أفوت عرضك عزيزتي؟
أردف بابتسامة بلاستيكية وهو يديرها بعد أن كانت على وشك الاعتراض: هيا هيا الآن فلتذهبي إلى عرضك، يكفي لهوا.

لم تستطع مقاطعته وقد وصلا عند مجد الذي وقف بابتسامة متسعه وهو يغمزها مشيرا لأخيه: ألم أخبرك أن به شوقا لك.
انحنى ليلملم أغراضه فلم يلحظ النظرات الغامضة التي تبادلها كلاهما، وصل صوته إلى كليهما: لقد دفعت الحساب، فلنذهب حتى لا تتأخري على العرض.

وجه آخر كلماته إلى ريما التي ابتسمت باقتضاب ثم لملمت أغراضها هي الأخرى، خرج الثلاثة من المطعم وكل منهم شارد في ملكوت مختلف، تأكدت ريما أن أدهم يخفي عنها أمرا بالغ الأهمية وإلا لما تبدل حاله هكذا.
علمت من تهربه أنها لن تستطيع إجباره على الحديث الآن في هذه الظروف، فلتؤجل كل شيء حتى العودة إلى الوطن.
خطر لها ألف خاطر، إلا أن يكون أدهم قد التقى الشخص الوحيد، الذي تربع ملكا على عرش فؤاده.

نزلت مبكرا على غير عادتها، وجدت عليا ترتب طاولة الإفطار بمساعدة أمينة وسارة، وقفت لثوان قبل أن يخرج صوتها باهتا خافتا قائلة بتردد: صباح الخير.
ابتسمت عليا باقتضاب هاتفة بنبرة هادئة: صباح الخير.

لم يكن وجهها متجهما أبدا ولا نبرتها جافة، لكن هذا ما خيل إلى أماليا عندما سمعت رد والدتها المقتضب، انتظرت حتى فرغت كلا من سارة وأمنية مما يفعلن وتوجهن إلى المطبخ، استدارت عليا لتلحق بهما إلا أن نداء أماليا المرتبك أوقفها، نظرت إليها باستفهام وحاجبين معقودين بشكل طبيعي، خرج صوتها بنبرة اعتيادية لكن أماليا ظنت أنه ازدراء: ما الأمر أماليا؟

ازدردت ريقها بوجل وهي تتطلع إليها، اقتربت منها حتى أضحت أمامها ثم تحدثت بنبرة مكسورة: أمي انا...
أغمضت عينيها لثانية لم الاعتذار أمر صعب؟
بللت شفتيها ثم اردفت بخفوت: انا أعتذر إليك عما بدى مني أمس.

كانت عليا تمتلك قلب والدة حقيقي، يخطأ أولادها في حقها فتحزن بسببهم وربما تجافيهم قليلا، لكنها أبدا لا تتحامل عليهم أو تحمل ضغينة تجاههم بل وتسامحهم عند أول ذرة ندم تراها في أعينهم أو كلمة اعتذار تصدر عن فم أحدهم.

لذا ابتسمت ببساطة عندما سمعت أسفها وتعلم أنها تعنيه بالحرف، اقتربت منها فيما أماليا تعقد اصبعيها السبابة والوسطى معا بتوتر، وتخفض نظراتها للأسفل، وضعت يديها على كتفيها وهي تخبرها بتأنيب طفيف: حبيبتي أماليا، أنا أعلم أنك لم تقصدي كلامك أمس لأنني أنا من رباك، وأعلم نقاء قلبك وصفاء سريرتك.

تنهدت وهي تضغط على كتفيها لتوصل مغزى كلماتها: تعرفين أنني اعتبرك بكري وباكورة ذريتي، ومعزتك لا تقل عن نور بشيء، لقد عشت طوال عمري وأنا أتمنى أن أراك عروسا ليفرح قلبي باستقرار حياتك قبل أن أموت، إن لم ترغبي بالزواج فهذا حقك، لكن من حقي أيضا بصفتي والدتك أن أعرف السبب؟

رفعت أنظارها إليها تزامنا مع كلمتها الأخيرة، ابتلعت غصة حارقة في حلقها وهي تتهرب من سؤالها المتواري، تنحنحت وهي تمسك كفها الأيمن وتطبع قبلة على ظهره مرددة: أطال الله في عمرك أمي، واسفة مرة أخرى.

أدركت عليا بفراستها أن أماليا تتهرب من الإجابة لكنها لم تضغط عليها، تخشى إن فعلت تعود الأمور لتتعقد من جديد، فهي شعرت باختلافها وتبدل أحوالها منذ خطبة نور، لو لم تكن من رباها وتعرفها حق المعرفة لظنت أنها الغيرة من شقيقتها، لكنها على يقين أن ما تخفيه أماليا اكبر وأخطر من كونه غيرة، ربتت على صدغها بحنان ثم غادرت لتكمل أعمالها.

تنفست أماليا الصعداء ثم التفتت للخلف لترى نور تنزل متجهمة الوجه حاملة هاتفها وقد ثنت حاحبيها بانزعاج جلي، استغربت أماليا الأمر فهتفت تسألها قبل أن تتحدث الأخرى بتحية الصباح: ما بك أنت؟ عاقدة حاحبيك كمن تزوج زوجها؟
رفعت رأسها إلى شقيقتها لتهتف بغيظ: بالله عليك أماليا اتركيني في همي.

رفعت حاجبها من تلك الكلمات المريبة فسحبت كرسيها وقد سيطر القلق على قسماتها خشية أن يكون الأمر متعلقا بذنب قد ارتكبه مجد والأدهى إن كان خيانة، تسائلت وهي تجاهد بإخراج صوتها طبيعيا: ما المشكلة نور؟ أخبريني؟
زمت نور فمها كمن كان على وشك البكاء مجيبة بحنق حقيقي: لقد سافر سيد مجد منذ الأمس مع شقيقه لحضور معرض زوجة أدهم، ولم يكلف نفسه أن يرفع هاتفه و يطمئن علي.

رفرفت أهدابها دون أن تجيبها، فتولت عليا هذه المهمة وهي قادمة من المطبخ تحمل بعض الارغفة: وما المشكلة في هذا نور، لربما كان مشغولا بمساعدة زوجة أخيه.
هتفت نور بامتعاض: ألا يملك دقيقتين ليتصل بي ويسأل عن حالي؟
كتفت يديها أمام صدرها ثم تابعت بحسم: أنا حزينة منه ولن أكلمه ثانية.

سحبت عليا كرسيها لتجلس وكادت تتحدث عندما قاطعها رنين هاتف نور، تبدلت ملامحها البائسة فورا عندما رأت اسم مجد يزين الشاشة، ابتسمت بسعادة وهي تجيب الاتصال تصيح بفرحة غريبة: حبيبي.
وقفت من فورها لتضعه إلى غرفتها وتتحدث براحتهاة، تبادلت كلا من أماليا ووالدتها نظرات تعجب قبل أن تنغجر كلاهما ضاحكتين على نور وتصرفاتها الصبيانية.

جلست مساء تطالع آخر الأخبار الطبية على هاتفها في صالة منزلها، وكانت نور تجلس على أريكة قريبة منها عاقدةحاجبيها كمن يقرأ خبرا هاما على حاسوبها، بعد عودتها من الشركة، نزلت عليا من غرفة زوجها بامتعاض باد على وجهها.
رفعت أماليا رأسها نحو والدتها ولاحظت انزعاجها فتسائلت بريبة: ماذا هناك أمي؟

زفرت عليا بضيق وهي تقف تستند على الأريكة التي جلست عليها نور ووضعت الأخرى على خاصرتها، ثم أخبرتها بنفاذ صبر: والدك أماليا.
بدى الاهتمام واضحا على محياها فيما أضافت والدتها بسخط: يرفض أن يذهب غدا معي لإجراء التحاليل الدورية في المشفى.
قطبت جبينها بانزعاج جلي فأضافت؛ لا أمي لا يجوز، يجب أن يذهب.
تأففت والدتها ثم تابعت: لا أعلم أماليا أحيانا يتحول عمار إلى طفل صغير، فهو يكره المشافي.

أخفضت رأسها إلى ابنتها الصغرى ثم سألتها: مالأمر آنسة نور؟ ارى انك لم تشاركي في الحديث كالعادة؟
أشارت لها نور بيدها دون أن ترفع رأسها قائلة: تعالي تعالي أمي شاهدي تصاميم ربما زوجة أدهم.
شلت أطرافها لسماع اسمه مقرونا بأخرى وانتبهت للحديث رغما عنها، انحنت عليا نحو الحاسوب فقالت بإعجاب وذهول: واو، فعلا شيء جميل، تعالي أماليا شاهدي روعة التصاميم.

اقتربت منهما متظاهرة برؤية الأزياء فيما هي في الحقيقة تبحث عن شيء محدد، تبحث عن صورة لتلك التي فضلها عليها لكنها لم تجدها بعد.
هتفت نور: هناك الكثير من الأحاديث عن المعرض، اسمعا (( هذا وقد قدمت مصممه الازياء الصاعدة ((ريما الرسام ))عرضا اقل ما يمكن أن يقال عنه أنه خيالي، حيث تميزت تصاميمها بالبساطه والأناقة في أن واحد، وقد كان لمجلتنا حديثا مميزا معها.

س سيدة ريما، نهنئك في البداية على نجاح عرض الأزياء الخاص بك-، سؤالنا الأول: من كان الملهم لك في إبداع تلك التصاميم؟

ج شكرا لك كثيرا وانا في الحقيقه مسرورة جدا من نجاح العرض، وأنه قد نال إعجابكم، صراحة ملهمي وداعمي دائما وأبدا هو زوجي السيد أدهم بهاء الدين، فهو صديقي وأخي قبل أن يكون زوجي، وكذلك مجد الأخ الاصغر لزوجي أدهم والذي هو بالنسبة لي ولدي، فأنا اعتني به منذ أن كان في العاشرة من عمره، إنهما من أكثر الأشخاص قربا الى قلبي وأنا ممتنه حقا لوجودهما في حياتي.

س-- مدام ريما قد حققت شهرة واسعة بعد العرض الناجح وقد سمعنا بعض الأقوال التي كان مفادها هو عودتك إلى الوطن ومنابعة مسيرتك في بلدك الأم، فهل هذا صحيح؟
- حقيقة أجل كنت افكر في العودة منذ بعض الوقت و واخطط لافتتاح مشغل لي هناك ومحل أيضا لن يكون خاصا بتصاميمي الخاصة فقط و...

لم تنتبه أماايا إلى بقيه المقال عندما رأت صورة لأدهم، كم كان وسيما ببذلته الرسمية بلون مشابه للون عينيه لكنه لم يكن وحده، بل كانت بجانبه ملاك فاتن خاصة بابتسامتها المميزة وغمزتها أسفل ذقنها، شعور غامض ضرب أحشاءها عندما رأتها بجانبه دون تلامس، وكم خيل إليها أن ابتسامته تلك كانت سعيدة لا تشوبها شائبة، متغافلة عن الحزن والاسى الواضحان في عينيه.

قام عقلها الباطني تلقائيا بعمل مقارنة بينها وبين ريما لتجدها بارعة الجمال وقد تتغلب على جمالها هي، قبضة حديدية غلفت قلبها وهي تراجع حديث ريما عنه في المقال لتستخلص أنهما حبيبان ربما حتى قبل أن يعرفها وتعرفه، استأذنت من والدتها لتصعد إلى غرفتها، شيعتها والدتها بقلق حتى اختفت.

رمت بثقلها على السرير وهي تطالع السقف، أغمضت عينيها لتحرر دمعة يتيمة هربت من بحرها الذي هاج كلما تذكرت صورتهما سويا ابتلعت غصة حادة في حلقها وهي تغمض عينيها بقوة هامسة لنفسها: كل شيء كان مزيفا، حتى المشاعر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة