رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل العشرون
بعد مرور بضعة أيام سافرت زينة برفقة المحامية خاصتها إلى القاهرة وتوجهت إلى منزل طليقها لكي تقابل ابنتها وتصطحبها إلى النادي الرياضي ولكنها فوجئت بأن ريتال لم تأتي بمفردها بل غادرت المنزل برفقة نانسي، حاولت زينة جاهدة إخفاء دهشتها والترحيب بنانسي مع ابتسامة صغيرة.
قلب ماما وحشتيني أوي، ازيك يا نانسي عاملة أيه؟ أيه المفاجأة الجميلة دي هتيجي معانا النادي ولا أيه؟
لو حضرتك يعني مش عايزاني أجي مش هاجي. تمتمت نانسي بقليل من الحرج لتزداد دهشة زينة أكثر فهي لم تعهد نانسي بهذا الأدب من قبل.
لا مش قصدي يا حبيبتي أكيد، تعالي اركبي ورا جنب ريتال. تمتمت زينة بلطف وهي تحاول أن تُخفي دهشتها أومئت نانسي بينما تقول: حاضر.
ساد الصمت طوال الطريق كانت تنتقل عين مريم بين الطريق وبين نانسي التي لم تبدو على ما يرام مما أثار فضول مريم للغاية خاصة وأن ريتال كانت تحاول طمئنتها بوضوح وكأن هناك مكروهًا قد وقع.
وصلوا إلى النادي الرياضي ليجلسوا في الكافتيريا وهنا اقتربت زينة من ريتال وهي تحدثها بصوت منخفض تستفسر حول الآتي:
هو في حاجة حصلت وعايزين تحكوها؟
لا، بصراحة اه، بس أنتِ عرفتي منين يا ماما يا شقية أنتِ؟ سألت ريتال ممازحة وهي تضحك لتتنهد والدتها قبل أن تُردف بمراوغة:
ما أنتِ بنتي من زمان بقى وحفظاكِ صم، قولي.
هو في موضوع بس ميخصنيش أنا، يخصها هي نانسي يعني قصدي.
خير إن شاء الله، احكيلنا يا نانسي حصل حاجة ولا أيه؟ سألت زينة بإهتمام حقيقي لتضطرب معالم نانسي بينما تهز قدميها بحركة ترددية سريعة من فرط التوتر، أمسكت ريتال بيد نانسي لتطمئنها بينما تُردف مشجعة إياها: أحكيلهم يا نانسي متخافيش.
خير يا نانسي أيه اللي حصل؟ أحكيلنا وسرك في بير متقلقيش. صدرت هذه الجملة من مريم لتفرك نانسي كفيها معًا بينما تتحشى النظر إلى وجههم خجلًا من ما هي على وشك التفوه به قبل أن تُردف أخيرًا بنبرة مهزوزة خجلة: أنا في ولد بيهددني بصور، صور مش كويسة مينفعش حد يشوفها وأنا مش عارفه هو مين،.
أكونت فيك يعني؟ سألت مريم بإرياحية شديدة وكأنها مُعتادة على سماع والتعامل مع مثل تلك القصص بسهولة، أعادت نانسي خصلات شعرها نحو الخلف بتوتر واضح قبل أن تُجيب مُردفة: أنا مش عارفة هو اللي أعرفه إنه ولد المفروض اسمه أدهم وفهمني أنه في طب، أحنا أتعرفنا على أبلكيشن يعني وأنا مش عارفة المعلومات دي حقيقية ولا لا،.
أنتوا بتتكلموا بقالكوا أد أيه؟
شهريين تقريبًا،.
ووثقتي فيه في المدة القليلة دي؟ مش شايفة إن الموضوع كان واضح إنه مش مضبوط؟ على العموم مش دي مشكلتنا دلوقتي أنا محتاجة أبص على الشات والأكونت بتاعه. وبخت مريم الجالسة أمامها في بداية الحديث لكن حينما رأت الإنكسار في أعين نانسي عدلت من نبرتها على الفور.
لازم؟
أكيد علشان أحاول افهم الدنيا أكتر يمكن يكون قال حاجة كده ولا كده تساعدنا وأنتِ مخدتيش بالك وطبعًا هنحتاج نعمل محضر بالكلام ده لأن دي جريمة إلكترونية.
هو مينفعش نحل الموضوع من غير ما نعمل بلاغ؟ أنا خايفة حد يعرف، ماما لو عرفت هتبقى مصيبة دي ممكن تموتني فيها، تمتمت نانسي وهي تقضم أظافر يدها بتوتر شديد لتطمئنها مريم بإبتسامة صغيرة وهي تُردف الآتي بهدوء:.
متقلقيش محدش هيقولها والكلام مش هيوصلها طبعًا، أنتِ آخر مرة رديتي على الرسائل بتاعته كان من أمتى تقريبًا؟
من تلات أيام كده، قولتله إن أنا مش خايفة منه وإن أنا ممكن أبلغ عنه فهو قالي إنه مش فارق معاه وإنه كده كده هيفضحني وهيبعت الصور دي لكل الناس اللي أعرفهم في المدرسة وصحاب النادي وماما و، بابا، نطقت نانسي كلمة بابا بآسى واضح وصعوبة وكأن فمها بات غير قادرًا على التفوه بها.
طيب متقلقيش أحنا هنتصرف على طول إن شاء الله قبل ما يفكر يعمل حاجة زي كده، أنتِ شكلك طيبة وعسولة وبنت حلال وإن شاء الله ربنا هيسترها معاكي. أردفت مريم بتلقائية شديدة لتنفجر ريتال ضاحكة دون قصد ليطالعها ثلاثتهم بحيرة وإن كانت تعبيرات نانسي جمعت بين الحيرة والإستياء والحزن في الوقت نفسه.
أنا أسفة أنا أسفة، معرفش أيه اللي حصل أكيد مكنش قصدي أضحك على كلام حضرتك يا طنط مريم. كانت تتحدث ريتال وهي تحاول ألا تضحك مرة آخرى، لم تضحك عن عمد قط بل وكأن أذنها تأبى سماع تلك الصفات الجيدة مقترنة بنانسي فهي أبعد ما يكون عن كل ذلك...
طيب أنا بقول نشوف حاجة نطلبها بقى علشان أنا جعت أوي. أردفت زينة وهي تدعس على قدم ريتال بخفة لكي تتوقف عن الضحك وتصمت.
ماشي يا مامتي تعالى نروح نجيب المنيو. تمتمت ريتال وهي تسحب يد والدتها كطفلة صغيرة، كانت تراقب نانسي ما يحدث بقليل من الغيظ لأن والدتها لم تكن قط كزينة أجل هي تمنحها كل ما تريده وتبتاع لها كل ما تقع عليه عيناها حتى وإن كان باهظ الثمن فإنها تُهمل احتياجتها من أجل ابنتها الوحيدة لكن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة إلى نانسي فهي أرادت أذرع حنونه تضمها حينما تقع في وارطة لا تخفاها وتخشاها، أرادت يد تبطش عند الوقوع في الخطأ ثم تُربت وتداوي لتجبر ما كُسر.
بعد بضعة دقائق عادت ريتال ووالدتها بعد أن قاموا بطلب الأطعمة والمشروبات من أجل أربعتهم، كانت نانسي تجلس في شرود وهدوء تام.
أحنا هنعدي عليكي بكرة الصبح بدري إن شاء الله ونروح نعمل المحضر ونشوف الإجراءات المطلوبة ومتقلقيش بيكون في سرية تامة في المواضع اللي زي دي وإن شاء الله الولد هيتمسك على طول. أردفت مريم بنبرة مطمئنة وهي تربت على يد نانسي التي اندهشت على الفور فلم يعاملها أحد بحنان ولطف لهذه الدرجة من قبل وقد أشعرها ذلك بخجل شديد من نفسها فلقد كانت دائمة السخرية من ريتال وزينة ولكن حينما وقعت في ورطة حقيقية لم تثق في غيرهم ولم يترددن هن للحظة في تقديم يد المساعدة لها.
بس يا مريم هو أحنا كده هنلحق نرجع اسكندرية ونرجع نسافر تاني الصبح؟ على كده هنركب قطر الساعة 6.
لا مش محتاجين نسافر، في شقة هنا بتاعتنا في مكان قريب من وسط البلد ممكن نبات فيها لحد الصبح إن شاء الله.
هو في حد هناك؟ وبعدين أنا مش عارفة إذا كان بابا هيوافق أصلًا ولا لا.
متقلقيش الشقة فاضية، هي أصلًا شقة بابا الله يرحمه باجي فيها أنا وأخويا لو عندنا شغل.
تمام، قالت زينة بقليل من الخجل قبل أن تهاتف والدها لتأخذ الإذن منه ونظرًا لأنه يثق بإبنته ومريم فلم يعترض بشرط أن تطمئنه عليهم كل بضع ساعات وألا يتأخروا عن العودة في اليوم التالي.
وصلت زينة برفقة مريم إلى ذلك المنزل العتيق ذو الطراز المميز الخاص بتلك المنطقة، كانت الشقة ذات سقفٍ عالٍ وأثاث مميز ثمين.
معلش الشقة مكركبة شوية.
بالعكس دي حلوة جدًا ما شاء الله والحاجات كلها الإستايل بتاعها عتيق كده يجنن.
بابا الله يرحمه كان بيحب الإنتيكات والحاجات اللي طرازها قديم كده بس ماما مكنتش بتحب كده فهو كان عامل البيت في اسكندرية على ذوقها وهنا على ذوقه هو.
ما شاء الله، صحيح يا مريم هو ممكن اسألك سؤال؟ سألت زينة بقليل من الحرج لتبتسم مريم وهي تسحب زينة نحو أحد الغرف لتبحث عن ثياب تناسب كلاهما.
الله بحب فكرة الأسئلة ولعبة الصراحة والجو الكليشية ده، دي حقيقة بقت girls night ليلة فتيات.
ضحكتيني والله، كنت عايزة اسألك هو أنتِ مش متجوزة؟ ولا منفصلة زي حالاتي؟
اشمعنا منفصلة يعني؟ سألت مريم مع ابتسامة صغيرة لتحك زينة مؤخرة عنقها وهي تُجيبها بقليل من الحرج:
مش عارفة أصل دايمًا السوشيال ميديا والأفلام بيجيبوا المحامية اللي بتدافع عن الستات بقى وبتساعدهم يتطلقوا بتبقى منفصلة زيهم وقال يعني بتطلع عقدها عليهم.
لا لا سيبك من الهبل اللي بيتقال ده، أنا متجوزة بقالي أربع سنين والحمدلله مبسوطة جدًا معاه والدنيا تمام يعني.
بجد؟ مش باين عليكي، طب أنتِ بتلاقي وقت تقعدي معاه؟ أنا كل لما بكلمك بتكوني الشغل.
بصي يا ستي أنا هفهمك، أولًا أحنا لسه ربنا مرزقناش بأطفال، ثانيًا هو مسافر برا مصر حاليًا لأنه بيعمل ماچستير برا هو دكتور في الجامعة، فأنا لوحدي أو يعني قاعدة مع قرايبي لحد لما يرجع علشان مش حابة أقعد في البيت من غيره.
ما شاء الله ربنا يخليكوا لبعض ويرزقكوا بالذرية الصالحة كده ونشوف مريم صغيرة.
يارب إن شاء الله، أحنا اتفقنا لما يرجع إن شاء الله هنشوف موضوع البيبي ده لأننا كنا مأجلين الخلفة فترة.
علشان الشغل وكده؟
مش الشغل وبس، أنا وجوزي اتجوزنا عن عقل مش عن حب يعني أحنا اتعرفنا في عزومة صدفة وهو بعدها جيه اتقدملي واتجوزنا في فترة مش كبيرة وبعدها قررنا نأجل الخلفة لحد لما ناخد على بعض ونتأكد أننا مناسبين بدل ما نجيب أطفال نظلمهم معانا وبسبب طبيعة شغلي طبعًا أنا شوفت حالات طلاق وخلع كتير فكنت بحاول أخد حذري في كل خطوة. وضحت مريم وجهة نظرها التي كانت منطقية تمامًا والتي جعلت زينة توبخ نفسها على الفور على طريقتها الساذجة التي كانت تتخذ بها جميع أمور حياتها في السابق.
ده تفكير حلو جدًا ما شاء الله، ياريت لو كنت حسبتها بالعقل زيك، بس عقل أيه بقى ده أنا اتجوزت وأنا عيلة في ثانوي.
بصي يا زينة يا حبيبتي أنتِ اخترتي اختيار غلط، يمكن كانت غلطة كبيرة وتجربة صعبة بس أنتِ اتعلمتي منها وخدتي خبرة كبيرة عمرك ما كنتِ هتاخديها من غير ما تخوضي تجربة زي دي.
ياريتني ما دخلت تجربة زي دي!
للأسف أحنا مش بنختار حاجة زي دي، يعني أنتِ اختارتي عبدالرحمن بس مختارتيش التجربة ككل لأنك ببساطة مكنتيش تعرفي إن الموضوع هيمشي كده وبعدين يا ستي أنتِ لسه صغيرة وإن شاء الله التجربة اللي جاية تكون أحسن بكتير. تحدثت مريم بفلسفة شديدة وقد كان حديثها مقنع للغاية لكن زينة لم تقتنع كثيرًا بما تسمعه فهي ترى أن كل التجارب ستؤول إلى النتيجة ذاتها حتى وإن كان شخصًا غير عبدالرحمن، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُردف زينة مع ضحكة ساخرة:.
مظنش ممكن في حياتي أجرب حاجة زي دي مرة تانية أبدًا، أنا جالي عقد تكفيني لباقي حياتي.
بيتهيألك على فكرة لأن لما يعدي فترة وتبدأي تتعافي من اللي حصل هتبقي مستعدة تجربي تاني بس أهم حاجة إن اختيارك المرة دي يبقى صح.
أنا بابا قالي نفس الكلام بس أنا مش مقتنعة، أنا لسه مخلصتش شهور العدة أساسًا وفي قضايا ومحاكم أكيد مش هفكر في حاجة زي دي وبعدين متنسيش إن أنا عندي بنت وهي مش طفلة دي مراهقة ومش هيبقى سهل أبدًا أجيبلها زوج أم.
بصي أنا مش هقدر أحكم على كلامك لأن أنا مش في مكانك بس اللي أقدر أقوله إن زي ما في مثلًا جوز أم ومرات أب مش كويسين في قدامهم عشرات النماذج الناجحة والكويسة.
ماشي لو فرضنا إن أنا اتجوزت واحد كويس أنا برضوا مش ضامنة إن ريتال تتقبل الفكرة كلها من الأساس، بصي قفلي على الموضوع ده خالص أنا محتاجة بعد القضية ما تخلص أخد شهرين تلاتة إجازة من الشغل والحياة كلها وأفصل عن العالم وبعدها أروح أتعالج نفسيًا كام شهر وبعدها بقى أبقى أشوف المفروض أعمل أيه في حياتي.
كان حديث زينة مقنعًا للغاية فحتى وإن استطاعت تخطي تلك العقدة النفسية التي تسبب بها زوجها السابق فهي لن تخاطر بصحة ابنتها النفسية والتي شبه مدمرة من الأساس، قهقهت مريم على حديث زينة قبل أن تُردف بنبرة مرحة لا تخلو من الجدية:
والله أنا متفقة جدًا معاكي، أحنا نخلص القضية دي ونطلع على الساحل نقعد كام يوم هناك وبعدها بقى ندور على ثيرابيست كويس نروحله.
اتفقنا.
في صباح اليوم التالي نفذت مريم وعدها إلى نانسي حيث ذهبت برفقتها هي ووالدة ريتال لعمل محضر بشأن تلك الرسائل وقد كان الجميع متعاونون للغاية ولقد طمئنوا نانسي أن المشكلة سيتم حلها بأقصى سرعة في وسرية تامة وأنه عليها ألا تشغل بالها بأمره كثيرًا فالأمر أصبح بين إيديهم الآن.
مرت سبعة أيام آخرى كانت تتابع فيها مريم الاجراءات من خلال الهاتف ولم تكن تعلم نانسي أي تطورات في القضية بعد، حاولت ريتال أن تدعمها بكل الطرق الممكنة ولقد كان أمرًا مثير للشك بالنسبة إلى جميع أفراد العائلة لكن ريتال لم تهتم فهي أرادت أن تساعد ابنة عمتها على أي حال، كانت تحاول طيلة الأيام الماضية أن تساعدها على تلخيص المواد وشرح بعض الدروس التي استصعبتها نانسي في المواد المشتركة بينهم.
كان اليوم الأول في الإختبارات صباح الأحد هو اختبار اللغة العربية، غادرت ريتال مقر الإمتحان بمجرد انتهاء الوقت فهي لم تكن من النوع الذي يغادر بعد مرور نصف الوقت وفي طريقها نحو ساحة المدرسة قابلت تليد والذي أقبل نحوها ليطمئن عليها.
ريتال طمنيني عملتي أيه في الإمتحان؟ سألها تليد فور رؤيتها مغادرة لقاعة الإمتحان، ابتسمت ريتال قبل أن تُجيبه مُردفة:
هو كان حلو أوي الحمدلله بس النحو بقى مش متأكدة من إعراب كلمتين. كانت تتحدث بهدوء شديد وكأنها لم تكن في حالة هلع بالأمس خوفًا من الإمتحان وكذلك كأنها لم تستفرغ كل ما وضعته في معدتها خوفًا من ألا تكون قد درست كفاية.
بس كده؟ وباقي الإمتحان تمام يعني؟ الأدب والبلاغة بالنسبالك عادي؟ وبالنسبة لسؤال خلي الجملة مفرد ومثنى وبعدين رجعها جمع وبعدين شقلبها ده تمام برضوا؟
كانوا كويسين الحمدلله أنتَ ليه مش مصدقني؟ يالهوي بص هناك، عالية وحنين بيتخانقوا واحدة عايزة تراجع والتانية مش راضية. لفت تليد انتباهها وهو يضحك ساخرًا من شجارهم الطفولي، زفرت ريتال بضيق قبل أن تقول:
أنا بكره موضوع المراجعة ده بس واثق إن ياسين هيستلمني ويقعد يسألني عملت أيه.
مين ياسين؟ المستر بتاعك؟
مش بالضبط، هو بيذاكرلي كل المواد تقريبًا بس هو صاحبي يعني أكبر مني بسنتين في العمر وتلات سنين في الدراسة.
يااه طب ده كويس أوي بجد ربنا يكرمه.
يارب، قوليلي بقى عملتي أيه عند دكتورة مسك؟
تمام الحمدلله. أجابت بإختصار شديد وهي تشيح بنظرها بعيدًا عنه ليُعقب هو ساخرًا:
لا هو أنا مش بتطمن على صحتك أنا بسألك عملتي أيه عند الدكتورة.
طب ما تحكيلي أنتَ الأول كنت بتروح عندها ليه وبعدين أنا أقولك.
والله؟ You dare use my own spell against me، potter؟
أردف ممازحًا بنبرة درامية مقتبسًا عبارة شهيرة من فيلم هاري بوتر والتي كانت تعني: هل تجرؤ على استخدام لعنتي ضدي يا بوتر؟ دلالة على أنها تقوم بإستخدام نفسه أسلوبه في الضغط لمعرفة ما تريد من معلومات في مقابل أن تُخبره هي ببعض الأشياء.
اه يا ظريف.
طب خلاص براحة من غير قفش كده، بس الحكاية طويلة بقى علشان تبقي عاملة حسابك لا الباص يفوتك.
لا مش هرجع في الباص النهاردة صالح هيجي ياخدني أنا ونانسي بالعربية.
اممم طيب كتر خيره.
شكرًا، أنا النهاردة إن شاء الله هسهر أذاكر وأحل امتحانات تطبيقية وهبعتها على جروب الدفعة ابقى بص عليهم بقى يمكن يفيدوك. عرضت عليه ريتال بلطف ليستمع إلى ما تقوله بصمت قبل أن يُردف معلقًا على جملتها ببرود غير مبرر:
تمام تسلمي، عن إذنك. تمتم وتحرك سريعًا دون انتظار ردًا منها لتطالعه بتعجب قبل أن تسأل نفسها بغيظ شديد وهي تراقبه وهو يسير مبتعدًا عنها:
ده ماله ده؟ هو مجنون ولا أيه؟
بتكلمي نفسك يا ريتال؟ سألت نانسي التي جاءت من اللامكان لتجفل ريتال لثوانٍ قبل أن تُجيبها:
لا مفيش، بقولك أيه هو صالح بيرن عليكي ولا حاجة؟ أصل أنا برن عليه بيديني مشغول.
أكيد بيكلم سارة صاحبته علشان يوم الجمعة. أجابت نانسي بثقة شديدة لتعقد ريتال حاجبيها بقليل من التعجب قبل أن تسألها بتيه:
ليه هو في أيه يوم الجمعة؟
أيه ده أنتِ متعرفيش؟ هيروح يقابل باباها في البيت عندها بس المرة دي هيبقى لوحده الأول والمرة الجاية في قراية الفاتحة هياخد عمو وتيته وبابكي وعمتك طبعًا بس مش عارفة أحنا بقى هنروح ولا هيعتبرونا عيال صغيرة. زفت نانسي الخبر إلى مسامع ريتال التي اضطربت معالم وجهها على الفور وقد كانت تنتظر منها نانسي أن تبكي أو يظهر عليها الحزن لكن على العكس تمامًا كان الغضب والإمتعاض البادي على وجه ريتال حيث عقبت بإستنكار شديد على جملة نانسي مُردفة:.
عيال صغيرة ليه إن شاء الله؟ ده أحنا فاضلنا سنة وندخل الجامعة مبقناش صغيرين بس لو هو بقى هيبقى محرج من وجودنا أو شايفنا إننا مش واجهة قدام أهل سارة دي يبقى خلاص هو حر.
أيه ده أيه ده؟ مالك قلبتي كده ليه؟ هو أنتِ بجد بتحبي صالح يا ريتال؟
أنا كنت فاكرة يا نانسي أننا بقينا كويسين مع بعض وإنك هتبطلي أسطوانة صالح وتليد دي.
خلاص يا ستي أعتبريني مقولتش حاجة، أهو صالح جيه أهو تعالي نروحله بقى. أومئت ريتال وهي تحاول التحكم في أعصابها، لقد عاهدت نفسها ألا تغضب وتستاء من أجله مجددًا لكن اتضح أن تطبيق الأمر على أرض الواقع ليس بالشيء السهل فلقد تبدلت تعابير وجهها تمامًا حينما رأته وقد لاحظ هو ذلك لكنه لم يود أن يسبب لها ضغطًا بسؤاله.
عملتوا أيه في الإمتحان؟ كان تمام؟
الحمدلله كان كويس. أجابت ريتال بأقتضاب وهي تفتح الباب الخلفي للسيارة وتتبعها نانسي حيث جلس الإثنين بالخلف تاركين إياه وحده بالأمام مما أثار دهشته أكثر.
تحبوا نروح ناكل حاجة سريعة كده قبل ما نروح ولا نجيب حاجة سريعة برضوا بس ناخدها تيك أوي وناكلها في البيت؟
أي حاجة مش فارقة معايا. أردفت نانسي وقد كان الحماس باديًا عليها على عكس ريتال تمامًا التي أجابت على عرض صالح بفتور شديد دون حتى أن تلتفت نحوه:
أنا عايزة اروح أنام علشان مطبقة من إمبارح.
علشان كده أنتِ مش في الموود؟ طب خلاص نروح كلنا ونطلب حاجة ديلي?ري. تمتم بلطف لكن ريتال لم تنبس ببنت شفة ردًا على جملته، بالفعل عادوا إلى المنزل وقام صالح بطلب الطعام من أجلهم وجلس ثلاثتهم في الحديقة المنزلية لتناول الطعام سويًا بغض النظر أن الأمر لم يروق لريتال لكن صالح ونانسي استطاعوا إقناعها بصعوبة.
ما شاء الله عليا بوقع الأكل زي العيال الصغيرة، ريتال معاكي منديل؟
مش عارفة هشوفلك في الشنطة. أجابته بتملل وهي تبحث في حقيبتها عن عبوة المناديل ونظرًا لأن يدها كانت شبه متسخة فلم تكن تُمسك بالحقيبة بصورة مُحكمة لتنزلق من يدها وتسقط بعض من محتوياتها على الأرض النجيلية والتي كانت من ضمنها الروشتة الطبية خاصتها.
توترت معالم ريتال على الفور وهي تحاول إلتقاطها سريعًا قبل أن يلاحظ صالح لكنها قد تأخرت حيث قرأ كلمة عيادة ونظرًا للخط المبعثر فمن الواضح أنه خط طبيب يصف دواء ما ولكن نظرًا لأن الورقة لم تكن قريبة كفاية منه لم يستطع قراءة أكثر من ذلك حيث دستها ريتال في حقيبتها على الفور لكن هذا لم يمنع صالح من أن يستفسر منها مُردفًا:
دي روشتة دكتور؟ أنتِ لسه عيانة؟
لا.
لا مش روشتة ولا لا مش عيانة؟ سأل بمراوغة وهي يتأمل تعبيرات وجهها لتصمت لثوانٍ محاولة التحكم في إنفعالاتها قبل أن تُجيبه بهدوء:
هي روشتة دكتور اه بس قديمة وقت لما كنت تعبانة يعني.
طب أنتِ تعبتي تاني فكنتِ ناوية تكرري الدواء؟
يعني، غالبًا التعب ده بسبب ضغط الإمتحانات والمجهود وكده، متشغلش بالك يا صالح أظن أنتَ عندك حاجات تانية كتير أولى إنك تفكر فيها. أجابت بنبرة مقتضبة رغبة منها في إنهاء الحديث لكن صالح لم يصمت بالطبع بل عقد حاجبيه وأعتدل في جلسته قبل أن يسألها قائلًا:
لا مش فاهم ورايا حاجات أيه يعني؟ ما تقولي الحاجة صريحة يا ريتال، أنا متعودتش منك على الكلام اللي من تحت لتحت ده.
ولا حاجة أنا اللي عندي قولته، أنا شبعت وهقوم أنام شوية بقى عن إذنكوا. تمتمت بجمود وهي تستقيم من مقعدها ثم تحمل باقي الطعام، أمتعض وجه صالح من نبرتها وطريقة ردها الحادة التي لم يعهدها فيها من قبل، كانت تعلم ريتال أن أسلوبها يفتقر إلى الذوق وأن صالح لا يستحق تلك المعاملة الجافة تلك لكن لم يكن أمامها خيار آخر فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الإبتعاد عن صالح ومحوه من رأسها وقلبها.
دلفت ريتال إلى الحجرة التي خصصتها لها جدتها لتحظى ببعض الراحة، في مساء تلك الليلة وتحديدًا في الطابق العلوي جلس والدها إلى جانب زوجته أمام التلفاز يشاهدون أحد الأفلام في هدوء لكن ذلك لم يستمر لوقتٍ طويل حيث قررت سالي أن تُفسد استمتاعه بالمشاهدة بثرثرتها المعتادة.
أيه الكلام بقى يا بودي؟ أنتَ مش قولت هتحولي فلوس على حسابي مشوفتش منك جنيه يعني. سألت سالي بمراوغة وهي تجلس إلى جانب زوجها بينما تضع قطعة من الفاكهة في فمه بتدلل، تناول عبدالرحمن ما وضعته في فمه قبل أن يزفر بضيق وهو يُردف:
ربنا يسهل يا حبيبتي إن شاء الله أنتِ مستعجلة على أيه أحنا لسه قدامنا وقت يعني الحكم ممكن ياخد شهر أو شهرين كمان.
ماشي يا حبيبي على راحتك، صحيح أنا شوفت مدرسة حلوة علشان يوسف حبيبي السنة الجاية هي مدرسة انترناشونال يعني ب 10 آلاف في السنة بس. أردفت بنبرة لعوب وهي تتحدث عن المبلغ وكأنها تتحدث عن عشرة قروش لا آلاف الجنيهات، ابتسم عبدالرحمن بقليل من الحيرة وهو يتمتم:
طب حلو جدًا دي كده رخيصة أوي! معقول في مدرسة انترناشونال بالسعر ده؟ 10 آلاف جنيه؟
دولار يا حبيبي، 10 آلاف دولار. وضحت سالي ببرود تام لينتفض هو ويعتدل في جلسته بينما يصيح هو في وجهها مُردفًا:
نعم ياختي! أنتِ عايزاني ادفع مصاريف مدرسة للولد من غير أكل وشرب ولبس وباص 10 آلاف دولار؟ أنا اه عملت قرشين كويسين من السفر بس أنا مش حرامي يا سالي!
أنتَ مستخسر في ابني كام ألف جنيه يا بودي؟ أخص عليك بجد.
هو هيبقى أخص عليا فعلًا لو عملت حاجة زي كده، أنا هدخله لغات زي أخته وخلاص ولو يعني المدرسة مش عجباكي هشوفله حاجة لغات تكون مستواها أعلى شوية على أد فلوسي. سخر منها بحنق شديد وهو يُبعد يدها التي كانت تطعمه بها ليمتعض وجهها لتُعقب بالآتي وقد أصبحت نبرتها أكثر حدة بعد أن رأت أن الحنية والمراوغة لا تفلح مع زوجها:.
مكنتش أعرف إنك بخيل كده على العموم بقى أنا البيزنس بتاعي اللي كان برا لسه شغال وهيجبلي مبلغ كويس وهدخل الولد المدرسة اللي تعجبني أنتَ بس أبقى شخلل جيبك وأديني اللي يطلع من ذمتك عشرة عشرين تلاتين ألف أي حاجة.
نفسي تبطلي تتعاملي معايا على إني ATM، أنا مش قادر أفهم أنتِ بقى مالك بجد.
يا حبيبي ما أنا زي الفل أهو كل الموضوع إن أنا حابة نتطور ونعيش عيشة أحسن لأنك مقتدر ويكون في علمك أنا سمعت أخوك بيتكلم عن ورث يعني أنتوا وارثين من أبوكوا مبلغ محترم بس أنتَ بقى راكنة على جنب معرفش ليه.
سمعتِ أخويا بيتكلم عن ورث أيه؟ تلاقيه قصده على ورثه من مراته الله يرحمها. تحدث بمراوغة وقد اضطربت معالم وجهه نتيجة لما قالته، ضمت هي عينيها بخبث شديد قبل أن تُعقب على جملته بنبرة لا تخلو من القوة:
بقولك أيه يا عبدالرحمن متصعش عليا أنا مش هبلة زي مراتك الأولانية يا حبيبي أنا عارفة عنك الصغيرة قبل الكبيرة.
طيب يا حبيبتي خليكي عارفة بقى إن الفلوس دي محدش هيجي جنبها ومش هتعرفي مكانها لأن أنا قررت إنها مش هتتصرف دلوقتي خالص وياريت بقى تقفلي على المواضيع النكد دي وتعمللنا أكلة حلوة كده من إيدك الجميلة دي. تأفأفت سالي وهي تستقيم من مقعدها بحنق ومن داخلها تتوعد له بخطة ستجعله ينفذ كل ما تريده فالمرأة التي مثلها تعرف جيدًا كيف تجعل زوجها ينفذ كل ما تريده.
بضع أيام آخرى مرت وقد كانت الإختبارات مستمرة، لم تتحدث فيها ريتال إلى تليد حيث كان يرحل بعد الإنتهاء من الإختبار مباشرة ولم تعرف هي سبب ذلك أما عن عن نانسي فقد هاتفتها مريم لتُخبرها أنها ستحضر إلى القاهرة يوم السبت لأن هناك تطور في أمر ذلك الفتى.
في مساء يوم الجمعة أي اليوم الذي حدده صالح لمقابلة والد سارة، استعد صالح لتلك المقابلة جيدًا وقد بدأ أولًا بمظهره، حيث ارتدى معطف بذلة ومن أسفله قميص مع بنطال أسود اللون من الجينز الضيق، قام بتقصير خصلات شعره الطويلة وقد قام كذلك بتهذيب لحيته مما زاده وسامة وجعله يبدو أصغر سنًا، ابتاع باقة من الزهور الحمراء وأحضر كذلك علبة من الشيكولاتة باهظة الثمن.
مر صالح على جدته قبل ذهابه وبمجرد أن رأته لمعت عيناها بدموع الفرح وهي تتأمل وسامته وتسأل نفسها كيف مر الوقت سريعًا فلقد كان طفلًا يلهو في ساحة المنزل منذ بضع سنوات، قبل صالح يد جدته بلطف شديد ولسبب ما أخذ يبحث بعيناه عن ريتال.
بتدور على حاجة يا صالح؟
لا، هي ريتال نايمة ولا أيه؟
بتذاكر في الأوضة علشان الامتحانات بقى ما أنتَ عارف، أدعيلها ربنا يوفقها.
ربنا معاها بس أنا كنت عايزها تشوفني بالبدلة وكده، يا ريتال، ريتال ممكن تيجي ثواني. أردف بهدوء في بداية حديثه ومن ثم أخذ يصيح بإسم ريتال كي تحضر، ألقت هي ما في يدها على الفور وتوجهت نحو الخارج بحيرة لتضطرب معالمها بمجرد رؤيتها لصالح بتلك الهيئة...
في تلك اللحظة أدركت ريتال أنها لن تُحب من قِبله إطلاقًا، ربما لن تجد من يبادلها المشاعر قط، لن تجد نصفها الآخر وإن لم يكن النصف الآخر بالمعنى الحقيقي إلا أنها لن تجد ما يُسمى بحبيب أو خليل، هي أقل من أن يقع أحدهم في حبها وخاصة شخص مثل صالح، فهي ليست بجمال چودي وليست بقوة شخصية نانسي، وليست خفيفة الظل مثل عالية ولا ذات حضور مميز مثل حنين، وهي لا تجمع كل تلك المميزات السابقة كسارة تلك التي هو في طريقه لطلب يدها من والدها اليوم...
مالك متنحة ليه كده يا بنتي؟ أيه شكلي وحش للدرجة دي؟
لا بالعكس شكلك حلو أوي ما شاء الله، مبروك.
الله يبارك فيكي، عقبالك بس لما تخلصي تعليم الأول طبعًا. لم تُعقب على جملته تلك بل اكتفت بالإبتسام قبل أن تعود إلى الحجرة مرة آخرى أسفل أنظار صالح المُندهشة، هناك شيء خاطيء حول ريتال هو لا يفهمه أو يحاول ألا يفهمه كي لا تزداد علاقتهم غرابة.
أوصدت ريتال الباب بمجرد أن دلفت إلى الحجرة ثم ألقت بجسدها الهزيل على السرير متوسط الحجم، أمتلئت عيناها بالدموع لتكفكفها سريعًا وهي تسب نفسها داخليًا فلقد عاهدت نفسها في السابق أن تتوقف عن الإهتمام بصالح وأن تنزعه تمامًا من قلبها لكنها اليوم أدركت أنها لم تخطو خطوة واحدة، شعور بالضيق ملأ صدرها وآلم شديد في معدتها مصحوب بشعور يُشبه مفارقة الروح للجسد.
حاولت تنظيم أنفاسها بصعوبة شديدة بينما ازدادت الدموع في عيناها، أخذت تدعو الله بداخلها أن تمر تلك النوبة سريعًا دون أن تفقد فيها روحها وبالفعل بعد بضعة دقائق استطاعت تنظيم أنفاسها والآن قد أدركت أنها مرغمة على ابتياع تلك الأدوية التي وصفتها الطبيبة مسك.
في ذلك الوقت كان هو في طريقه إلى منزل سارة، أخذ نفس عميق قبل أن يطرق الباب محاولًا الحفاظ على هدوءه قدر الإمكان، فُتح الباب بواسطة والدها الذي رحب به بحرارة ثم سمح له بالدخول، كان المنزل ذو طرز حديث وأثاث راقي، تأمل صالح المكان بعيناه على استحياء قبل أن يُشير له والدها بالجلوس ليفعل الأخير.
منور يا ابني.
بنور حضرتك يا عمو، أنا كنت عايز أقابل حضرتك من بدري وطلبت من سارة أكتر من مرة بس هي قالتلي استنى مؤقتًا لحد لما الدنيا تتضبط.
هي كانت قالتلي إنك عايز تيجي من بدري فعلًا بس أنت عارف لكل شيء وقت وميعاد، المهم قولي بقى يا أنتَ بتشتغل أيه؟ والمُرتب كام؟ عندك كام أخ وأخت كده يعني شوية معلومات عن نفسك وعائلتك.
أنا حاليًا بشتغل Call centre في شركة، حاجة مؤقتة كده لحد ما ربنا يكرمني واتخرج واشتغل في الهندسة، عندي أخت واحدة صغيرة وماما متوفية من كذا سنة.
ويا ترى المرتب اللي بتاخده حاليًا ده يكفي إنك تجيب الشبكة وشقة وتجهز شقتك وكده؟
هو الرقم اللي باخده مش كبير بس يعني إن شاء الله هقدر أجيب الشبكة اللي تعجب سارة وبالنسبة لموضوع الشقة هو أنا ليا شقة فاضية في بيت العائلة بس أنا طبعًا مس هقعد سارة فيها أنا هقدم على شقة في إسكان الشباب. وضح صالح بقليل من التوتر والحرج وهو يراقب تعابير وجه الجالس أمامه والذي لم يبدو عليه الإقتناع أو الموافقة على ما يقوله صالح.
مش مهم تعجب سارة المهم تبقى الشبكة عليها القيمة وتبقى برقم محترم، وبعدين معلش يا ابني أنا بنتي مش هتقعد في مدينة جديدة بعيد ولسه حلني بقى على ما الشقة تجيلك، أنا عايز شقة تكون قريبة مننا هنا في الهرم وتكون في عمارة فخمة كده تليق ببنتي حبيبتي.
أيوا يا عمي بس حضرتك عارف يعني الشقق أسعارها بقت كام وأنا حاليًا لسه بدرس وحتى لما اتخرج إن شاء الله مرتبي في الأول مش هيكون عالي أوي.
بس اللي أنا أعرفه بقى إن باباك عنده شقق كتير أوي وإنه كان بيشتغل في العقارات فترة يعني ممكن بسهولة يكتب شقة من الشقق دي بإسمك. فوجئ صالح كثيرًا بقول والد سارة وقد حاول جاهدًا إخفاء إمتعاضه كي لا يظهر على وجهه، أخذ نفسٍ عميق قبل أن يقول الآتي بهدوء شديد:
أيوا يا عمي هو الكلام ده مضبوط بس أنا مش حابب أخد فلوس من بابا ولا شقة منه أنا راجل وحابب أعتمد على نفسي.
ما أنتَ لو مشيت بالمبدأ ده يا حبيبي البنت هتستناك سبع سنين على الأقل، على العموم يعني أنا شايف إنك شاب كويس وابن ناس فهستنى تيجي الزيارة الجاية مع والدك وجدتك وكبار العائلة ووقتها نكمل اتفاقتنا نشوف أنتوا عليكوا أيه تجيبوه وكده. أردف مع ابتسامة واسعة لم تكن مريحة بالنسبة إلى صالح الذي أعتدل في جلسته وحمحم قبل أن يقول الآتي:.
إن شاء الله يا عمي بس قبل ما امشي عايز بس اسأل عن حاجة علشان أدي لبابا كل التفاصيل، هو حضرتك عايز شبكة برقم معين ولا حسب اللي يعجب سارة ويكون قيم طبعًا.
يعني مش رقم محدد أوي المهم إنها متكونش أقل من 60 ألف جنيه وطبعًا هيتكتب في القائمة، وفي الأول وفي الآخر أحنا بنشتري راجل. حاول صالح أن يُخفي الإبتسامة الساخرة التي كادت أن تنمو على ثغره فبعد أن قام والد سارة بوضع قائمة لا نهاية لها تقريبًا من الإشتراطات والطلبات ختم جملته بأنه بيشتري راجل وكأنه لم يحاول سلب ذلك الرجل كل ما يملكه.
بعد بضعة دقائق استأذن صالح في الرحيل وطوال الطريق أخذ يُفكر كيف يمكنه أن يُخبر والده بما تم في هذه المقابلة دون أن يتحول الأمر إلى شجار عنيف فهو يعلم جيدًا أن والده لن يوافق على أي مما قيل ولن يكتفي بذلك بل قد يوبخ صالح ويصفه بالسذاجه لأنه لم يحاول التفاوض مع والدها حول تلك الطلبات التي تعتبر خرافية بالنسبة لشاب في مقتبل العمر مثله.
استقبل أحمد ابنه الكبير بفضول واهتمام، توترت معالم صالح قليلًا لكنه حاول جاهدًا رسم ابتسامة صغيرة على ثغره وهو يُلقي التحية على والده، دلف الأخير إلى الداخل وجلس على الأخيرة ليسأله والده:
تعالى بقى يا باشمهندس اقعد كده وأحكيلي بقى عملت أيه؟ بابا البنت استقبلك ازاي وطلبتهم أيه وشكل البيت أيه؟
حاضر يا بابا هحكيلك كل التفاصيل بس أتمنى إن حضرتك تسمع اللي هقوله للآخر قبل ما تعترض على أي حاجة.
شكلك هتقول كلام مش هيعجبني بس مش مهم أديني هسمع ولو الكلام معجبنيش هرميه للبحر. تمتم بقليل من التفهم والهدوء الذي لم يعهدهم صالح في والده مما جعله يتشجع ويسرد له كل ما حدث وقيل بالتفصيل الممل وبسذاجته قد أشار إلى أن والدها قد ذكر والده وقد تحدث بشأنه أي أنه على علم تام بكل شيء عنهم وعن وضعهم المادي، أخذ أحمد يستمع في صمت إلى ما يقوله صالح إلا أن طفح كيله وعقب على حديث صالح ساخرًا:.
مش عايز تكتبهم عقد عبودية كمان يا أهبل؟ البت دي أهلها طماعين، أنا مش مستخسر أدفعلك الفلوس اللي أنتَ عايزها بس واضح أوي إن أبوها موافق علشان فلوسك.
أنا كل ده مش فارق معايا أنا بحبها.
بلاش الشبطان بتاع العيال الصغيرة ده خليك راجل كده وفكر بالعقل، البنت ممكن تكون كويسة بس أبوها طمعان.
ليه حضرتك متقولش أنه عايز يأمن بنته؟ سأل صالح مستنكرًا حديث والده بسذاجة شديدة ليطالعه الأخير بسخرية قبل أن يسأله الآتي:
وهو التأمين فلوس بس؟ يعني أنتَ دلوقتي لو رنيتها علقة ومنعتها تشوف أهلها وأديتها فلوس قليلة أوي وقولتلها ده الموجود ومشي نفسك بيه هل القائمة والدهب هينفعوه وقتها؟
بابا لو سمحت ولو لمرة واحدة أعملي حاجة نفسي فيها، أنا أصلًا ليا ورث من أمي الله يرحمها وأنتَ كنت واعدها إن أنتَ هتكتب شقة بإسمي وشقة بإسم عطر ياريت يا بابا متخلفش وعدك معاها.
يا ابني افهم بقى أنا مش ضدك! أنا اه أسلوبي مش أحسن حاجة وكنت بقسى عليك علشان تطلع راجل لأن ده اللي أنا اتربيت عليه بس المرة دي أنا مش بعند معاك أنا بجد عايز مصلحتك.
أنا كبير وعارف مصلحتي كويس يا بابا.
خلاص يا صالح على راحتك وأتمنى ميطلعش اختيارك غلط وترجع تندم مع إني واثق إن ده اللي هيحصل. تمتم بإستسلام وهو يُخرج لفافة تبغ من العلبة خاصته ويُشعلها، رمقه صالح بحيرة لثوانٍ قبل أن يسأله بشك:
هو خلاص كده؟ يعني حضرتك موافق؟
موافق، حدد معاهم ميعاد نروح نقرأ فاتحة وممكن نأجل الخطوبة شهر ولا حاجة عقبال ما ندبر فلوس الشبكة.
بجد يا بابا؟ حضرتك بتتكلم جد؟ سأل صالح بلهفة فهذه المرة الأولى تقريبًا منذ وفاة والدته من سنوات التي يوافق فيها والده على طلبٍ له دون جدال طويل وشجار وتعنيف في الغالب، وفي العادة كان ينتهي الأمر برفض والده التام وتنفيذ صالح لما يريد من وراءه لكن هذه المرة كان الوضع مختلف تمامًا.
بجد، أنا أهم حاجة عندي إنك تكون مبسوط أنا اه ممكن أكون شايف حد تاني مناسب ليك أكتر أو شايف إنهم طماعيين شوية بس طالما أنتَ مبسوط خلاص تمام.
ربنا يخليك ليا يا بابا. أردف صالح وهو يقترب من والده ليعانقه عناقًل قوي، لا يذكر صالح متى كانت المرة الأخيرة التي عانق فيها والده لكنه أدرك أنه قد اشتاق كثيرًا لهذا الشعور.
في موعد الغداء في اليوم التالي كان الجميع يتناولون الطعام في هدوء ولم يكن يوجد أي شيء يُعكر صفو مزاجهم غير أن ريتال لم تكن تجلس معهم الأمر الذي جعل صالح يشعر بقليل من الضيق لذا طلب من نانسي أن تُقنعها بالقدوم ومشاركتهم في تناول الطعام لتبتسم سالي ابتسامة خبيثة غير مفهوم السبب ورائها.
نفذت نانسي طلب صالح وافقت ريتال بعد محاولات عديدة من نانسي، خيم الصمت مرة آخرى المكان لكن لم يبقى الحال على هذا الوضع كثيرًا حيث قررت سالي أن تُفجر أحدى قنابلها حيث تركت الطعام الذي في يدها وطالعت صالح بعيناها الماكرة بينما تُردف بمراوغة:
تصدق يا صالح لما عمك قالي إنك ناوي تخطب وكده يعني كنت فاكرة إنه قصدك على ريتال طلع في الآخر قصدك على بنت معاك في الجامعة.
أنا مش فاهمة يا سالي أنتِ مالك يعني يخطب مين؟ الواحد لما بيخلي مناخيره في وشه بيرتاح وبيريح اللي حواليه. عقبت غادة ساخرة من سالي والتي أمتعض وجهها على الفور قبل أن تسأل بغيظ:
في أيه يا غادة يا حبيبتي هو أنا قولت حاجة غلط ولا عيب؟ ما هي في الآخر بنت عمه مش أخته زي ما أنتوا على طول بتقوله وتجوزله عادي جدًا يعني.
بصي يا مرات عمي، ريتال زي أختي ودي حاجة معروفة من زمان وأنا حياتي الشخصية مش مجال يعني للإقتراحات.
أنا متفقة مع صالح هو زي أخويا وأنا عمري ما كنت هقبل بحاجة أكتر من كده أصلًا، الفكرة نفسها مُريبة أوي بالنسبالي. عقبت ريتال على حديث زوجة أبيها بإنفعال شديد وكأنها تقوم بإتهامها بشيء مُشين، كانت نبرتها حادة ولكن متوترة في الوقت ذاته وما زاد من حدة توترها هو إنعقاد حاجبي صالح دلالة على الإعتراض أو ربما الضيق قبل أن يسألها بنبرة لا تخلو من الإستنكار:.
بجد والله؟ لم تُجيب ريتال على سؤال صالح بل غادرت مقعدها على الفور متجهة نحو الخارج فلا طاقة لها لسماع المزيد من التراهات وكان آخر ما سمعته بعدم وضوح هو صوت زوجة أبيها الكريه وهي تتفوه بالآتي:
يووه، شكلي كده وقعت بينكوا من غير قصد، حقكوا عليا يا شباب وبعدين يا صالح اللي أعرفه يعني إن الست الوالدة ألف رحمة ونور عليها، أردفت سالي بنبرة حزينة مزيفة لينفعل صالح على الفور وهو يصيح محذرًا إياها قائلًا:.
متجبيش سيرة ماما على لسانك! وبعدين تعرفي أيه عن ماما إن شاء الله؟ لم تغضب سالي من أسلوبه المُسيء والغاضب بل ابتسمت ابتسامة تنم عن البرود والثقة التامة قبل أن تُفجر القنبلة خاصتها مُردفة بنبرة هادئة تمامًا:
أعرف كتير يا صالح، زي إنها مثلًا كانت بتقول لزينة أم ريتال إن صالح لريتال وريتال لصالح أما يكبروا بس الظاهر إن محدش قالك ولا قال لريتال حاجة زي دي.
أنتِ كدابة ولو سمعتك بتجيبِ سيرة ماما تاني مش هيحصلك كويس ومش هيفرق معايا حاجة أو حد أنتِ سمعاني؟ صاح صالح بنبرة لا تخلو من التهديد قبل أن يستقيم من مقعده بحنق ويغادر المكان متجهًا نحو الأعلى.
جلس صالح وحيدًا في حجرته يسترجع ما قالته تلك الحية المدعوة سالي، هل حقًا قالت والدته شيء كهذا في صغره هو وريتال أم أنها تفتري على والدته وإن كانت ما قالته كذبًا؟ فلم لم يكذبها أحد إذًا من الحاضرين، لا والده ولا والدها ولا حتى جدته وكأن الأمر مُسلم به بين الجميع عداه هو وريتال، لحسن الحظ أنها لم تسمع ما قالته زوجة أبيها فصالح يرى أن حالة ريتال النفسية ليست بحاجة إلى المزيد من التدهور والضغط.
ظن صالح أن أفكاره قد هدأت قليلًا لكنه سرعان ما تذكر إنفعال ريتال الشديد حينما قالت سالي أنها كانت تظن أنه ينوي خطبتها هي لا سارة، ما سر الإنفعال المبالغ فيه؟ هل لأنها تراه كأخٍ لا أكثر؟ لكن ردة الفعل تلك كانت تحمل في ثناياها أشياء آخرى ربما تكون مجهولة بالنسبة إليه لكنه واثق من وجودها، والآن بات سؤالًا آخر يُلح عليه، تُرى ماذا كانت لتكون ردة فعل ريتال إن سمعت بالقول الذي تدعي زوجة أبيها أن والدة صالح قالته، هل كانت لتنفعل وتشمئز من الفكرة أم كانت لتشعر بالغرابة أم السعادة ربما؟
منك لله يا سالي الكلب سحلتي دماغي بكلامك اللي ملوش تلاتين لازمة ده. تمتم مُحدثًا نفسه بضيق شديد.
في صباح اليوم التالي قابلت مريم نانسي بعد عودتها من الإختبار لتُخبرها أنه تم تحديد موقع مُرسل تلك الرسائل وكذلك تم تحديد هويته وأنه بعد بضعة أيام إن سارت الأمور على ما يرام سيتم إلقاء القبض عليه وإنهاء تلك المشكلة.
في ضهر يوم الإثنين وبعد انتهاء أحد اختبارات ريتال لمحت تليد يقف إلى جانب بعضٍ من أصدقائه لكنه بمجرد أن رأها استأذن منهم وذهب ليطمئن كيف أدت في الإختبار.
أيه الدنيا؟
تمام الحمدلله كان في سؤالين تلاتة واقفين معايا بس الحمدلله عرفت أحلهم.
سبحان الله زي بالضبط بس مع اختلاف بسيط إن أنا حليت سؤالين تلاتة والباقي وقف معايا. علق تليد ساخرًا لتقلب ريتال عيناها بتملل قبل أن تُردف بغيظ:
ما هو أنتَ لو تذاكر الملخصات اللي ببعتها وتبص بصة سريعة عالإمتحانات هتدخل تقفل.
يا ستي أنا مش عايز أقفل ولا حاجة أنا عايز بس أعدي السنة دي زي ما تقولي بوفر مجهود للسنة اللي جاية علشان هنبقى تالتة وكده.
الكلام ده مش مضبوط كلها تراكمات لازم تذاكر مناهج السنة دي وتفهمها علشان مخك يستقبل المعلومات اللي هناخدها السنة اللي جاية إن شاء الله وكمان علشان تبقى معود نفسك على الإلتزام.
بصي هو أنتِ عندك حق بس أنا حاليًا معنديش طاقة بس كده كده ياسين مش ناوي يعتقني الترم اللي جاي.
ولله الواحد محتاج حد زي ياسين ده في حياته يفضل يزن عليه ينجز كل حاجة. تمتمت ريتال دون إستيعاب لما تقوله فهي لم تقصد شخص مثل ياسين أي ذكر بل كانت تقصد أحدٍ يقوم بتشجيعها لكن فتاة بالطبع، أمتعض وجه تليد على الفور وهو يطالعها بحنق لم تفهم سببه قبل أن يسألها:
والله؟ حد زي ياسين ازاي يعني؟
يعني مش زيه بالضبط، قصدي صاحبي يعني نبقى صحاب حد من صحابي البنات يعني، أصل أنا وعالية وحنين لما بنحاول نذاكر سوا بنشد في شعور بعض فأنا محتاجة حد يشجعني بس من غير ما يكون بيعمل نفس الحاجة معايا.
اه كده تمام، طيب أنا هستأذن بقى.
بقولك أيه، يعني أنتَ برضوا مش ناوي هتحكيلي كنت بتروح لدكتورة مسك ليه؟ سألته بفضول شديد ونبرة لطيفة في محاولة منها لإستعطافة للتحدث، رمقها تليد بطرف عيناه قبل أن يُجيبها دون أي مقدمات:
كنت بتعالج من الإكتئاب مع قليل من ال Anger issues مشاكل التحكم في الغضب كده.
وده بسبب أيه؟
أنتِ عارفة إن أنا أكبر منكوا بسنتين؟ سألها بنبرة تنم عن عدم الراحة فهو لا يحب ذكر هذا الأمر قط لكن كونه يثق في ريتال فقد أفصح عن شيء كهذا، أعتلت الدهشة تعبيرات وجهها وهي تسأل:
سنتين؟ يعني أنتَ عندك 19 سنة مش 17 زينا؟
اه،.
أنتَ سقطت مرتين؟ سألت مجددًا بدهشة أكبر ليزفر هو بضيق بينما يُحرك قدمه بحركات عشوائية متتالية دلالة على عدم راحته قبل أن يُفسر الأمر موضحًا الآتي:
ما أنا هجيلك في الكلام بقى، أنا كنت شاطر في المدرسة أو يعني العادي بس كنت شاطر أكتر في السلة، كنت لاعب حريف وبتدرب في نادي كبير وكنت بكسب بقى وبناخد مادليات وجوائز بقى والحركات دي.
خسرت بطولة مهمة واكتئبت؟ توقعت بحماس شديد لا يليق بالمأساة التي يسردها هو لذا طالعها بقليل من التعجب قبل أن يتنهد ثم يقول:
لا،.
خلاص تبقى أكيد اتعرضت لإصابة عن عمد من الفريق التاني! أفصحت ريتال عن توقعها بصوتٍ عالٍ وحماس شديد ليرمقها تليد بغيظ شديد قبل أن يسألها مستنكرًا:
تحبي تحكي أنتِ بدالي؟ وبعدين بلاش قنوات أفلام المتنمرين الأجانب اللي بتطبقي عليها علشان كده غلط على دماغك.
خلاص أسفة اتفضل كمل.
أنا كنت بتهبب ألعب وكنت شاطر أوي وأه كنت مغرور طبعًا اللي حصل إن أحنا كنا بنلتزم بنظام غذائي معين وتمرينات عدد ساعات معينة، أنا بقى علشان عيل غبي كنت بتدرب زيادة من ورا الكابتن بتاعي ولما جيه يوم الماتش كنت مرهق جدًا وده اتسبب في إني اتصاب إصابة غبية اتدغدغت فيها حرفيًا ولا عرفت أدخل الإمتحانات ولا كملت في البطولة وحتى مكنتش عارف لما أخف هقدر ألعب بنفس الكفاءة زي زمان ولا لا، كان تليد يسرد ما حدث بغضب وحنق واضح من نفسه لا من الموقف ذاته فهو مُدرك جيدًا أن ما حدث كان خطأه هو لا أحد غيره.
يالهوي ده اختبار صعب أوي،.
ماما وبابا ودوني لأحسن دكاترة طبعًا واهتموا بيا بس أنا كنت مقهور، الأول كنت مكتئب وحزين وعياط ونواح طول اليوم لكن لما بدأت اتحسن وأروح النادي وأشوفهم بيتمرنوا من غيري بدأت أحس بغضب شديد وكأني بلومهم على غلطة أنا اللي اتسببت فيها أصلًا.
سبت المدرسة طبعًا في السنة اللي بعدها،.
هو أنتِ كنتِ موجودة معايا ولا أيه؟ هو ده اللي حصل فعلًا كنت مقضيها سجائر وسهر مع صحابي برا البيت وسفر في الشالية بتاعنا ومكنتش باجي المدرسة خالص وكنت رافض أي نصيحة من حد.
أكيد بقى أختك أجبرتك تروح لدكتورة مسك مش محتاج ذكاء يعني. قامت ريتال ب حرق الجزء المُفضل في ااقصة بالنسبة إليه لذا أعتلى الغيظ ملامح وجهه قبل أن يقول بغضب طفولي:
طب والله ما أنا مكمل الحكاية النهاردة، علشان كل لما أوصل للحتة الشيقة بتحرقيها، يلا قومي أمشي زمان سي صالح بتاعك ده مستني برا.
لا ثواني كده، العربية اللي راكنة برا دي مش عربية صالح دي عربية، بابا!