قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والسبعون

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والسبعون

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والسبعون

أصعب ما قد يمر به المرأ هو أن تتحقق مخاوفه أمام عينيه، هذا ما كان نصران على يقين منه وهو يأتي بإبنه إلى المشفى مرة ثانية، بدا على وجهه وكأنه في عالم أخر بينما يحاول طاهر فعل أي شيء من أجله، طالب إحدى الممرضات برجاء أن تعتني به، وهو يرى ملك في الناحية الأخرى حالتها لا تقل سوء عنه، وجوارها حسن يحاول جاهدًا لجعلها تنطق بأي شيء ولكنها لا تستجيب، كانت شاردة في عالم أخر، تتذكر كيف رأته، تجسدت أبشع مخاوفها أمام عينيها، حبيبها على الأرضية بالقرب من باب منزل يطل على طريق مظلم، طريق يشبه أخر تعلمه جيدًا، فقدت في مثله ذات يوم عزيز، جلست جواره، اختفت الأصوات من حولها، وحتى البشر، اختفى كل شيء عداه، كانت تطالع عينيه بذعر حقيقي هامسة بغير تصديق: عيسى.

بصعوبة طالبها ونظراته لا تفارقها: متخافيش، خلاص.

ماذا يعني بكلمته الأخيرة، لم تكن لتفهم أي شيء حتى أبسط الكلمات في هذه اللحظة، هذا جهد ثقيل جدًا، أمسكت بكفه، وتضاعف ألمه وهو يرى عبراتها فأشار لها بعينيه يخبرها بعدم رضاه عن هذا، بدأ يفقد ما تبقى لديه من وعي تدريجيًا وسعت هي جاهدة ألا يحدث هذا وكأنه بيدها، تناديه بلوعة، تتوسل له ألا يغمض عينيه، ألا يجعل نظراته التي تحاوطها ساهمة فيها تغادرها، ولكنها لم تنجح وأوشكت على الصراخ بنبرة تحمل كل قهرها في نفس اللحظة التي دخل فيها والده و طاهر، و حسن مهرولين خلفها.

فاقت من شرودها في الأحداث الأليمة التي حدثت قبل قدومهم إلى المشفى بسبب إصرار حسن أن ترد عليه، هذا الذي ينطق وجهه بالخوف على شقيقه، أعصابه تالفة تماما، ولكنه يخشى أيضًا أن يحدث لها ولجنينها شيء، وصل لأذنيها نبرته اللائمة: مش هينفع كده يا ملك، عيسى محتاجك وابنك محتاجك، علشان خاطري بلاش كده، أنتي ضغطك واطي، خدي اشربي العصير ده بس واهدي لحد ما نشوف في إيه.
ملك أنا هشوفلك دكتور.

كان هذا قول طاهر الذي أتى للتو ولم تنطق ملك بحرف وأشار هو بعينيه إلى حسن الذي قام معه، وقفا معا في أحد الزوايا وأخيرا فرغ طاهر كل طاقة غضبه في شقيقه: هو أنت غبي، أنت ازاي تجيبها وتيجي ورانا، أنا مش منبه عليك، لكن الغلط عندي علشان اعتمدت على واحد...

لم يكمل عبارته بسبب حسن الذي رد عليه مدافعًا عن نفسه: كانت واقفة برا المرسم، وسمعت كلامي أنا وعز، متقفش تلومني وأنت مشوفتش حالتها كانت عاملة ازاي، ملك كانت منهارة، وعايزة تخرج لوحدها لما أنا وهو وقفنا ساكتين مش عارفين نقولها إيه، كنت عايزني أعمل إيه، أحبسها علشان يجرالها حاجة بالحالة اللي كانت فيها دي، وبعدين ما عندها حق، واحدة بتسمع إن جوزها ممكن يحصله حاجة في أي لحظة على إيد واحد ××× هي عارفاه كويس مستني منها تتصرف ازاي؟

مسح طاهر على وجهه بانفعال شديد وهو يحاول التقاط أنفاسه بصعوبة، فكرة أن شقيقه قد يحدث له شيء يأباها عقله وبشدة، وكأنه يسمع عبارات نصران الخائفة التي ألقاها عليه من قبل: الحمد لله عيسى معارضنيش لما قولتله يتكلم مع سمير، ويقوله كل حاجة، بس أنا لسة قلبي مش متطمن يا طاهر عليكم كلكم.

وسعى حينها طاهر لتهدأته وهو يقول: ليه يا حاج بس، احنا كلنا بخير الحمد لله هتفضل شايل همنا لحد امتى، وبعدين من ناحية عيسى ريح قلبك، هو عقله يوزن بلد، و ملك علمته الأدب، ومن ساعة الدكتور الأخير اللي تابع معاه وهو بقى أهدى و بيراعي تصرفاته أوي علشان ميحصلش بينه وبين مراته مشاكل.
وصرح نصران بما يقلقه حقا: أنا مش خايف من عيسى، أنا قلقان من المؤذي التاني اللي معرفش سكته، الله يسامحها أم عز.

وتابع بكل ما يخطف النوم من عينيه: والواد ابن منصور كمان مبقاش مريحني بعد أخر مره جالكم فيها.
فاق طاهر من شروده على صوت جلبة فالتفت ليجد شهد وشقيقتها ووالدتهم وقد أتى عز بهم فذهب ناحيته وتحدث بإنزعاج شديد: هو محدش بيسمع الزفت الكلام ليه، أنا مش قايلك تجيب الست هادية بس.
ودافعت مريم تخبره بقلق على شقيقتها: يا طاهر هو لما قال لماما تيجي لملك احنا قلقنا وأصرينا نيجي.

بينما شهد لم تستمع لما قاله حيث هرولت خلف والدتها ناحية شقيقتها، احتضنت هادية ابنتها وهي تسألها بذعر جلي خاصة وهي ترى حالة نصران الجالس على أحد المقاعد: في إيه يا حبيبتي؟
حصل إيه؟

لم تأخذ منها أي رد فقط تشبثت ملك بوالدتها وكل إنش فيها لا يتوقف عن الاهتزاز، صُعِقت أمها من برودة جسدها الشديدة، فاستغاثت مسرعة ب حسن الواقف بقربهن، ولم يمر لحظات إلا وحضرت إحدى الممرضات تطلب منها: لو سمحتي يا مدام تعالي معايا.
في البداية لم تستجب فسندتها والدتها حتى تقف وحثتها شقيقتها بنبرة حانية: ملك يا حبيبتي روحي معاها.

أخذتها معها بالفعل، واستدارت هادية لحسن تسأله بقلب وجل: إيه اللي حصل يا حسن، وأنتوا هنا ليه؟
كانت مريم قد وصلت إليهم بعدما علمت بالأمر كله من طاهر فهمست لوالدتها: ملوش لزوم يا ماما قدام عمو نصران، أنا عرفت اللي حصل اقعدي وهحكيلك.
انتوى حسن المغادرة وقبلها ألقى على مسامعهن: خليكم قريبين علشان لو ندهوا حد لملك.

بمجرد أن أنهى جملته خرج الطبيب هب نصران واقفًا ينتظر بلهفة سماع أي شيء يخص ابنه بعدما جلس ساعات دون أن يطمئنهم أحد، أتى طاهر هو الأخر والذي طالع الطبيب بنظرات راجية ألا يخبر والده بأي شيء قد يفزعه، تفهمه الطبيب وبالفعل طمأن نصران: الحمد لله يا حاج احنا طلعنا الرصاصة، والنزيف وقف بس هنفضل متابعينه الساعات الجاية علشان نتطمن.

سأله نصران بقلق يعصف به وهو لا يصدق أن ابنه حقًا بخير: بجد يا دكتور، يعني هو كويس، طيب أنتوا هتطلعوه من العمليات؟
متقلقش إن شاء الله خير، بس لسه هنستنى شوية علشان زي ما قولتلك هنحتاج متابعة الكام ساعة الجايين.
هكذا أخبره الطبيب، وطالبه هو بإلحاح: طب ينفع أشوفه؟
هز رأسه نافيًا وهو يرد عليه: دلوقتي لا، حضرتك الأفضل ترتاح دلوقتي ولما يكون مسموح هدخلك علطول.

أخذ حسن والده بعد مغادرة الطبيب وعاد به إلى مقعده وهو يقول: الحمد لله يا بابا الدكتور طمنك أهو، علشان خاطري بقى تعالى أروحك، واحنا هنفضل معاه والصبح هاخدك بنفسي.
لم يستمع نصران لقوله وأتت هادية التي هتفت بحزن: ألف سلامة عليه يا حاج نصران، إن شاء الله هيقوم على خير، كلام الدكتور يطمن.
هز رأسه موافقًا وهو يدعو الله أن يتقبل، بينما أصر عليه حسن: يا بابا مش هينفع تفضل هنا، علشان خاطري اسمع الكلام.

انفعل والده عليه هاتفًا بضجر: قولتلك مش هتحرك من هنا، أنت مبتفهمش.
مسح حسن على وجهه بتعب، ونطق يحاول مراضاته: طب ماشي خليك، بس على الأقل تاكل أي حاجة علشان تاخد الدوا، ضغطك مش كويس.
طالبته هادية بدلا عن ابنه برفق: حاج نصران أنت مش قادر تقف، تعالى معايا ننزل تحت كل أي حاجه وخد دواك، ونطلع تاني، علشان خاطري.

وتحت إلحاحها استجاب لها بالفعل ولكن قبل تحركه انتبه لغياب طاهر سأل حسن عنه فقال بمراوغة: نزل الحسابات تحت متقلقش.
هز رأسه موافقًا وتحرك معها خاضعًا لإصرارهما، بينما في التوقيت ذاته وقف طاهر مع الطبيب الذي أخبره بعملية: الوضع لحد دلوقتي ميطمنش يا كابتن طاهر، احنا معديناش مرحلة الخطر لسه، وللأسف ممكن يحتاج عملية تانية.

وكأنه عاد طفلا صغيرًا يريد البكاء والثورة على ما يقال، بدا للطبيب كم أن أعصاب الواقف أمامه تالفة وهو يسأل بانهيار: يعني إيه يا دكتور، مش هيبقى كويس؟
ربت الطبيب على كتفه محاولا طمأنته: الرصاصة كانت في صدره، وعملت مشاكل كبيرة، بس احنا هنعمل اللي علينا وإن شاء الله خير، ادعيله.

قال كلمته الأخيرة وتحرك من أمامه، تاركًا طاهر في حالة يرثى لها، توجه ناحية أحد المقاعد جلس عليه واضعًا رأسه بين كفيه، لم يمر إلا ثوان حتى شعر بيد تربت على كتفه، رفع وجهه فوجدها شهد التي جلست على المقعد المجاور له في هذا الممر، وتضاعف حزنها وهي ترى لأول مرة العبرات لامعة في مقلتيه، تناولت كفه وهي تمسح على وجهه برقة ساعية في إخماد الحريق داخله: ربنا كبير، إن شاء الله هيقوم منها زي اللي قبلها، خلي أملك في ربنا يا طاهر.

وأكملت بحنان تطالبه: وبلاش تبقى حالتك كده يا حبيبي، علشان تعرف تقف وتكمل.

سمح أخيرا لانهياره بالانطلاق، عبر عن مخاوفه وهو يطالعها بألم: أنا خايف عليه أوي يا شهد، خايف يحصله حاجة وميلحقش يفرح بابنه ولا بنته اللي كان ملهوف يشوفهم، بابا مش هيستحمل، ولا أنا، ولا ملك اللي من ساعة اللي حصل وهي مبتنطقش، حاسس إني سيبته، وخذلته، لو كنت معاه جايز مكانش ده حصل، أنا كنت واعد الحاج إني مش هسيبه ورجلي على رجله، بس هو سبقني بخطوة، ومكانش متوقع الغدر، أنا كنت حاسس إن جابر بيرتب حاجة بس عمري ما توقعت إن ده كله هيحصل، جابر هو اللي دبر موضوعك، كان عايزني أنا، لو كنت أنا اللي روحت لمراته اسأل عليه مش عيسى مكانش أخويا جراله حاجة، كانت رزان هتكلمني أنا وتقولي إن جوزها رجع وإنه مخبي شاكر مكانتش هتكلم عيسى، عيسى حصله كده علشان كان بيحاول يبعد جابر عني، أنا السبب يا شهد.

تشعر بمرارة العلقم في حلقها، يؤلمها فؤادها بشدة عليه، شدت من احتضانها لكفه وهي تعلق على حديثه في محاولة منها لمحو شعوره بالذنب: يا طاهر ده مكتوب عند ربنا، حتى لو كنت معاه برضو كان هيحصل كده، ولو كنت روحت لوحدك عيسى كان هيحصله كده في أي مكان تاني علشان ده قدره، متسلمش دماغك لوساوس الشيطان وتخليه يتسبب في إنك تنهار كده وتشيل نفسك كل الذنب، حتى لو بعد الشر أنت اللي المفروض كنت تبقى مكانه وهو فداك دلوقتي، يبقى تردله الجميل، وتخليك واقف على رجلك علشان كلهم محتاجينك، وادعيله وهو إن شاء الله هيبقى كويس، أنا حاسة والله يا طاهر إنه هيقوم منها، مش أنت دايما تقولي إن إحساسي بيطلع صح، علشان خاطري صدق الإحساس ده المرة دي كمان.

قالت جملتها الأخيرة بابتسامة وكأنها تبثه الأمل، ولم يجد هو بعضًا من الراحة التي ينشدها إلا في حديثها، تنفس بعمق وهو يحاول أن يبعد رأسه كل مخاوفه، أن ينحي قلقه الذي أوشك على قتله، ويعطي كامل تركيزه لما يحتاجه شقيقه وأسرته الآن كما نبهته شهد التي ظلت جواره حتى لا تنفرد به الحرب الدائرة بداخله.

كانت تحارب النوم بشراسة، رافضة أن تستسلم له رغم الإرهاق الذي يفتك بها، دخلت الممرضة إلى الغرفة التي بقت بها ملك، وطالبتها برجاء: أنتِ كده هتتعبي أكتر، الدكتور قال لازم ترتاحي.
لم تعطها رد، مما جعل الفتاة تشفق عليها، قررت أن تسمح لشقيقتها بالدخول لها ربما تنجح في إخراجها من هذه الحالة إلا إنها توقفت حين سمعت نبرتها الضعيفة: هو أنا ممكن أشوف جوزي؟

أعطتها ابتسامة وجاوبتها مازحة: أخيرا سمعتينا صوتك، وبعدين هو أنا مش طمنتك عليه من شوية، بس صدقيني دلوقتي مينفعش أي حد يشوفه.
نزلت دموعها وهي تطالبها برجاء وكأنه أخر طلب في عمرها: علشان خاطري دقيقة واحدة بس.
لم تعلم بماذا ترد عليها، فقررت أن تكسب بعض الوقت حين أخبرتها: طب هشوف الدكتور وأرجعلك.

قالت هذا وغادرت لتدخل مريم التي ذهبت لتجلس جوارها على الفراش وحدثتها بهدوء: اللي بتعمليه ده مينفعش يا ملك، عيسى محتاجك
ومسدت على جنينها متابعة: ومحتاج ده.
طالعتها ملك فسألتها مريم: تفتكري هتقدروا تساعدوه وحالتك كده؟
لم تنتظر مريم أكثر جذبت حامل الطعام الذي دخلت به ووضعته أمامهم وحثتها: يلا علشان هتاكلي ومفيش اعتراض، اللي في بطنك اشتكالي منك إنك جوعتيه.

دست الملعقة بالحساء في فم أختها وهي تخبرها بابتسامة: وهأكله بنفسي كمان.
استسلمت لها رغم شعورها القاتل، رغم عدم قدرتها على ابتلاع أي شيء وأنفاسها المفقودة إلا أنها تعلم أن جنينها ليس له أي ذنب.
ساعات أخرى لا تعلم كيف مرت عليها، ولا حتى كيف راودها النوم فيها، حين استيقظت وجدت والدتها هي الجالسة جوارها والتي سألتها بلهفة: عايزة حاجه يا ملك؟
أنا نمت قد إيه؟

سألت أمها وهي تحاول النهوض وطالبتها هي: ارتاحي بس يا بنتي، وبعدين ملحقتيش ده أنتِ لسه نايمة من مفيش.
تعلم أن والدتها تكذب، أتت إليها من جديد الممرضة التي لم يتوقف حسن عن توصيتها عليها، نظرت لها ملك بأمل وهي تسألها: ينفع توديني بقى؟
ظنت الفتاة أنها ربما تراجعت عن الأمر ولكن وجدتها بعد ساعات ومازالت مصرة، تنهدت بحيرة قبل أن تقول: دقيقة واحده بس يا مدام علشان متعمليش مشكلة ليا.

هزت رأسها مسرعة توافق فطالبتها أن تأتي معها حتى تجهزها للدخول، ودعت هادية للفتاة: ربنا يكرمك يا بنتي.
مرت عليها هذه الدقائق التي تستعد للدخول له بعدها وكأنها سنوات، في طريقها جوار الممرضة أخبرتها: حما حضرتك واخوات جوزك نزلوا يصلوا، دقيقة وتخرجي علشان لو رجعوا مش هينفع حد يدخل تاني.

كانت ملك توافقها على كل حرف بلا أي اعتراض، وأخيرًا أتت إليه، لا تعلم كيف استطاعت حتى وقفت جواره، تطالعه بحرص وكأنها ستخدشه، وقلبها يدق بعنف يعلم أنه جوار مالكه، نزلت عبراتها وهي تهمس: يا حبيبي.
كان نائما باستكانة، وكأنه أخيرا وجد الراحة التي كان يخبرها دوما أنه لم يلاقيها إلا في أحضانها، نطقت من جديد تخبره: عيسى أنا ملك.

توسلت له برجاء وكأنه يسمعها حقًا ودموعها لا تتوقف: اوعى تسيبني يا عيسى، متعملش فيا كده.
رأت الممرضة وهي تشير لها، فعلمت أنه عليها أن تخرج ولكنها لم تستطع إلا بعد أن أخبرته بنبرة لطالما أسرته: أنا روحي فيك يا عيسى، محتجالك.

تحركت نحو الخارج تحت طلب الممرضة، كانت تسير ونظراتها متعلقة به، تود لو سُمِح لها بالبقاء، بمجرد خروجها تناولت والدتها مرفقها تحثها على السير معها والممرضة تعدها: أول ما يسمحوا بالدخول ليه هاخدك بنفسي تاني أوديكي.
هزت ملك رأسها وعادت إلى الغرفة، جلست أمها جوارها تمسح على خصلاتها، تعلم هادية كم تخاف ابنتها خاصة عليه، طمأنتها: هيبقى زي الفل إن شاء الله، وهتفرحوا بعيالكم سوا.

بضع كلمات أعطتها الأمل الغائب عنها، رقدت في حضن والدتها التي بدأت في تلاوة آيات من الذكر الحكيم وهي تمسح على رأس ابنتها وكل رغبتها من المولى عز وجل أن تسكن ألامها ويطمئن قلبها.

كان الوقت في المشفى يمر ببطء وكأنه سنوات، أمر الطبيب الجميع بالرحيل عدا شخص واحد فقط، أقسمت شهد على والدتها المتعبة أن تعود برفقة مريم وستبقى هي جوار ملك اليوم، أما طاهر فحث والده وحسن على الرحيل وهو يقول برفق: علشان خاطري يا حاج انت هنا من قبل الفجر شوف عدى كام ساعه لا ارتاحت ولا نمت وبقينا نص الليل تاني، أنا هفضل معاه والصبح حسن هيجيبك، وأي جديد هتصل بيك، وبعدين أنت سمعت كلام الدكتور قال واحد بس اللي يقعد، حتى ملك الست هادية ومريم هيروحوا وشهد بس اللي هتفضل معاها.

ساند حسن أخيه في قوله وأمسك بذراع أبيه قائلا: يلا بينا يا بابا.
بقى فؤاده هنا، وتحرك جسده مع ابنه الذي أخذه ليرحل، جلس طاهر أخيرا بارتياح على أحد المقاعد وأسند رأسه عليه، غلبه النوم الذي تنبه منه حين استمع لخطوات الطبيب فهرع إليه وهو يمسح على وجهه بتعب ثم انتظر أن يسمع ما يطمأنه وبالفعل قال له: الحمد لله لحد دلوقتي الدنيا مستقرة والنزيف واقف، هنستنى كام ساعة كمان نتطمن وبعدها هنشوف.

استفسر طاهر منه راغبًا في معرفة المزيد: طب هو صحي؟
مفاقش؟
هز الطبيب رأسه نافيًا وقال: المهم دلوقتي الحالة تستقر وبعد كده هنشوف أي حاجة تانية.
قال هذا ورحل وبقى طاهر برفقة مخاوفه، لا يعلم كيف مر عليه الليل، كان والده يتصل به كل ساعة تقريبًا، تفاجأ بملك التي تحركت ناحيته وهي تسأله بتخوف: هو بجد كويس يا طاهر؟
ولا بيضحكوا عليا؟

جاوبها وهو يحاول أن يجعلها تطمأن: صدقيني كويس ولسه الدكتور قايلي إن حالته مستقرة الحمد لله.
طب هيفوق امتى؟
كان هذا سؤالها ولم يمتلك هو رد فتنهدت بحزن ونطق هو: والله معرفش، احنا اللي يهمنا بس إنه النزيف يفضل واقف وأكيد هيفوق إن شاء الله.
ِ
أتت إليهم شهد وعرضت ملك برجاء: طيب أنا بقيت أحسن يا طاهر، سيبني مكانك شوية وانزل مع شهد ا...

قاطعها رافضًا بإصرار: لا يا ملك، ارجعي مع شهد الأوضة وارتاحي واسمعي كلام الدكتور، وإن شاء الله الصبح يحلها ربنا.
في نفس التوقيت، وداخل غرفة عيسى، كان في عالم أخر، مشاهد متفرقة هي أخر ما مر به، الشرطة التي داهمت المكان، صوت أحدهم ينذر شاكر: مسمعتش اللي أنا قولته يا شاكر ولا إيه؟
نزل سلاحك.

علا صوت ملك في الخارج تنادي زوجها بنبرة ملتاعة وصلت إلى أذنه فهوى فؤاده أرضا من تواجدها هنا، ووصلت أيضًا إلى شاكر الذي هز رأسه للضابط قائلا بابتسامة: سمعت اه.
ثم استدار لغريمه وقال وهو يطلق عليه: وهو كمان سمع.

حدث كل شيء في لحظة، لحظة أطلق فيها شاكر عليه وهي نفسها التي استخدم فيها عيسى سلاحه الذي احتفظ به في يده خلف ظهره وأطلق هو الآخر على هذا الذي انتوى قتله ليسقط شاكر في الحال، ولا يتردد في أذنه سوى صوت ملك التي تصرخ باسم زوجها، بدأ الصوت يختفي تدريجيًا ويمر أمام عينيه شريط حياته منذ لحظة قتله لفريد حتى الآن، لم يتوقف ذهنه إلا عند صورة بيريهان، تردد في أذنه كل المرات التي عبرت له فيها عن حبها، وقولها الأخير له: أنا بكرهك يا شاكر.

وبعدها استسلم أخيرا وأغمض عينيه بعد أن رأى عيسى الذي ينزف، ورغم أن سقوطه كان يد عيسى ولكنه أرضى غروره بهذا المشهد، صرخات ابنة عمه التي لطالما أرادها ولم يطلها وهي تحترق في الخارج من الألم على زوجها الذي تخشى فقده، وغريمه الذي أصابه رغم ألمه الأكبر أن نهايته كانت هلى يده هو.

صباح يوم جديد، انتبه طاهر على الضوضاء الحادثة في الممر وحين ركز وجد والدته وأخته ووادة عز، لم يصدق عينيه، أسرع في التحرك نحوهم هو يتحدث بضيق: جماعة ده مش ميعاد زيارة أصلا، وكمان مينفعش كلكم تكونوا موجودين هنا.
أنهى جملته وضم رفيدة التي كانت تبكي بحرقة وسأل أمه: بابا عارف إنكم هنا؟

احنا قولنا نسبقه نيجي نتطمن وهو هيلحقنا مع حسن، هو قال منجيش بصراحة، بس مكنتش هقدر خصوصا وحالة رفيدة زي ما أنت شايف كده، طمني عليه يا طاهر.
تحدث ليطمأن شقيقته التي تمكن انهيارها منها: متخافيش يا رفيدة هو أحسن صدقيني.
قطع وقفتهم شهد التي ألقت عليهم السلام، ثم مالت على طاهر تهمس: الدكتور بيقول مينفعش الوقفة دي، ولا إن حد يبقى هنا أص...

لم تستطع إكمال حديثها الذي أبلغها الطبيب به حيث وصل إلى أذن سهام فقاطعتها محتدة: وأنتِ مالك؟، كانوا عينوكي الأمن بتاع المستشفى، وبعدين طالما هو مينفعش مشرفانا ليه؟
جاهدت شهد لتتحكم في انفعالها ولكنها لم تنجح فردت عليها بابتسامة صفراء: مش هرد عليكي علشان أنتِ زي أمي، بس الفرق إن أمي مبتقولش كلام زي الس م.
صاحت سهام بضيق: عاجبك قلة الأدب دي يا طاهر؟

وقبل أن ترد عليها تحدث طاهر الذي تلفت أعصابه كليًا: خدي يا شهد رفيدة عند ملك لو سمحتي.
استجابت له وتحركت مع شقيقته وهي ترمق سهام بنظرات متوعدة وكأنها تهددها بالفتك بها، تجاهلتها سهام وانتبهت لصوت والدة عز التي قالت: ألف سلامة عليه يا بني والله قلبي واجعني من ساعة ما قالي عز.
الله يسلمك يا أم عز.

قال هذا وطالع أمه مطالبًا: تعالي معايا يا ماما من فضلك هننزل الكافتريا تحت علشان مينفعش الوقفة هنا، ولما الدكتور يجي لو سمح نشوفه هنطلع كلنا في ميعاد الزيارة.
وافقت والدته التي كانت مهتمة حقا وهي تسير جواره: طيب طمني بس يا طاهر، الدكتور مقالش حاجة تاني؟
مفاقش طيب؟
هز رأسه نافيًا، فسألته من جديد: طب ومراته عاملة إيه؟
تعبانة لسه؟

كنتي روحتيلها أحسن يا ماما واطمنتي بدل ما وققتي تتخانقي مع أختها خناقة ملهاش أي داعي.
ما إن أنهى حديثه حتى نطقت أمه باستهجان: بقى كده يا طاهر، دي أخرتها، أنا اللي اتخانقت معاها من غير داعي ولا هي. ِ.
لم تسمح لها والدة عز أن تستكمل الشجار، ورغم ضيقها منها، نحت الخلافات جانبا وقالت: طاهر عنده حق يا ست سهام، تعالي نروح نشوف مراته ونعمل الواجب.

ألقت نظرة على ابنها وهي تنطق: أنا رايحة يا طاهر أشوفها، ومتزعلش لما شهد ت...
لم تكمل حديثها وكأن الكل أقسم أن يقاطعها اليوم حيث مال طاهر مقبلا رأسها لينهي هذا الجدال بأسفه: حقك عليا، كفاية بقى علشان خاطري.
استجابت له وهي تمسح على رأسه بحنان هاتفة: أنت شكلك تعبان أوي يا حبيبي، روح ارتاح وحسن هيقعد النهارده.
لما اتطمن بس عليه.

قال هذا ثم أرشد أمه ووالدة عز إلى حيث غرفة ملك وتركهما، وصلا عندها وكان بابها مفتوح هرعت شهد لتمنع سهام من الدخول بسبب ضيقها منها، ولكن ما إن لمحت طاهر في الممر حتى تراجعت فدخلا أثناء خروج الممرضة التي اطمأنت أن ملك خير، طالعت شهد والدة زوجها بانزعاج شديد وهي تراها تجلس على أحد المقاعد وفعلت والدة عز المثل وهي تقول: شدة وتزول يا بنتي، ربنا يقومه بالسلامة إن شاء الله.

أمنت ملك على الدعاء ثم استمعت إلى سهام التي سألتها: حسن قال إنك كنتي تعبانة أوي امبارح، لو بقيتي أحسن ارجعي البيت ارتاحي بدل قعدة المستشفيات دي، ملهاش لزمة.
ردت شهد بدلا عن شقيقتها: الدكتور شايف إن ليه لزمه قال تفضل يومين يتابعوها علشان كمان الحمل.
تنهدت سهام بضيق ثم وجهت حديثها لشهد بابتسامة أظهرتها عنوة: حبيبتي لما يبقى اتنين بيتكلموا من الأدب متحشريش نفسك في الكلام بدون داعي، أختك كان ممكن ترد.

تأففت رفيدة الجالسة جوار ملك بأعصاب تالفة من هذه الأفعال التي لا تناسب التوقيت أبدًا في حين توجهت شهد لتجلس أمام سهام وهي تقول بالابتسامة ذاتها: عندك حق لكن أنا رديت عن أختي علشان تعبانة ومش قادرة تتكلم، افتكر عشر دقايق كمان ويبقى أحسن لو نخرج كلنا ونسيبها ترتاح شوية.
احتدت نظرات سهام وقبل أن يندلع الشجار نطقت والدة عز: عندك حق يا بنتي.

لم تكن ملك في حالة تسمح لها بالانخراط في أي شيء، تذكرت فقط أمر ما فحدثت سهام: لو سمحتي يا طنط تخلي عمو نصران يرتاح النهارده لإنه تعب أوي امبارح، واحنا كلنا هنا.
هو إيه اللي حصل بالظبط يا ملك؟
كان هذا سؤال سهام التي أرادت حقا معرفة تفاصيل ما حدث وأوصل الأمور إلى هنا ولكنه لم يكن ملائم لحالة التي تسألها بتاتا.
ردت شهد عليها بانزعاج: محدش فينا يعرف حاجه.

احتدت نبرة سهام وهي تقول: بت أنتِ، هو كان اسمك ملك
أنا بقول نخرج بقى ونسيبها ترتاح علشان شكلها تعبانة.
قالت هذا أم عز وهي تحثهما على الخروج، طالبت شهد رفيدة أن تبقى مع أختها وبمجرد أن خرجا جذبت سهام مرفق شهد وهي تحذرها: إياك أكون بتكلم مع حد تاني وتدخلي بالأسلوب ده.
أبعدت شهد يدها عنها وهي تنطق بغضب: سيبي ايدي، ومتتكلميش أنتِ معايا كده تاني،.

عايزاني أعملك إيه وأنتِ بتسألي واحدة حالتها مش كويسة عن حاجة هتخليها تسوء أكتر، احنا نفسنا مسألناش.
ردت سهام عليها بغضب مماثل: ملكيش دعوة، ولو مش هتعرفي تقولي اللي عندك باحترام يبقى أعلمك أنا، وكل اللي حصل ده هيوصل لطاهر اللي بتسوقي فيها وهو مش موجود.
فضت أم عز بينهما وهي تنصحهما: يا جماعة استهدوا بالله مينفعش كده.

نجحت في فصلهما رغم النظرات الحارقة التي أطلقتها كل منهما على الأخرى، بقت شهد أمام غرفة شقيقتها وتحركت سهام خلف من كانت ترافقها دون أن تنطق بكلمة أخرى.

هناك أمنيات نهرول خلفها، تتملكنا لنصبح لا نريد شيء سوى تحقيقها، كان إحدى هذه الأمنيات هو إفاقته، تمناها نصران وظل يدعي بها، ولكن رغم مرور أكثر من يومين وإخبار الأطباء بأن الحالة تستقر لم يفق ابنه، يشعر وكأنه يتم خداعه ولم تختلف الحالة كثيرًا عند ملك، قرر وضح حد لتساؤلاته التي أوشكت على الفتك به، فاستوقف الطبيب الذي يتابع حالة ابنه يطلب جواب: يا دكتور لو سمحت، أنا كل ما اسألكم تقولوا إن حالته بتتحسن، وعمالين تنقلوه من أوضة لأوضة وأنا مبقتش فاهم حاجة، قولي الحقيقة الله يرضى عليك، أنا ابني مفاقش لحد دلوقتي ليه؟

قرر الطبيب مصارحته، فلقد سأم من إخفاء الأمر وأشفق حقًا على حالة هذا الرجل، وزوجة ابنه التي يرى عذابها في عينيها: يا حاج نصران احنا عملنا اللي علينا، وصدقني هو فعلا بيتحسن احنا كنا فين وبقينا فين، لكن حضرتك لازم تقدر إن الحالة لما جت هنا كانت نزفت كتير، والطلقة اللي هو خدها كانت في صدره وده مكان حساس ومع النزيف مش محتاج أقول لحضرتك إنه لما جه كانت أثرت بالفعل على التنفس وكمان على وصول الأكسجين لمكان مهم زي المخ.

شعرت ملك بفؤادها يهوى أرضًا وبان هذا على وجهها، هي ونصران الذي كان على وشك فقد اتزانه ولكن الطبيب أكمل يحاول إبعادهما عن هذه الحالة: أنا مش بقول كده علشان أقلقكم، أنا بس بعرفكم ليه الحالة مفاقتش لحد دلوقتي، كل اللي قولته ده أسباب إنه مفاقش، لكن احنا متابعينه وإن شاء الله هيفوق متقلقوش، بس نصبر شوية، حاجة كمان دلوقتي بقى مسموح تدخلوله، وربنا يطمنكم عليه.

أنهى قوله ورحل، ورغم مرارة العلقم التي ابتلعتها ملك إلا أنها سعت للتماسك وهي تربت على كتف والد زوجها مطمئنة: إن شاء الله هيقوم منها، اطمن يا عمو.
هز رأسه موافقًا ثم حدثها بنبرة سعى لأن تكون متماسكة: أنا هدخله يا ملك.

تركها ودخل لابنه، قطعة روحه التي غادرته منذ أن رقد هنا، جذب أحد المقاعد ليجلس جوار فراشه، وعرفت العبرات طريقها لعينيه وهو يراه ساكنًا هكذا، مسح على خصلاته ومال مقبلا رأسه وهو يهمس له: قوم يا حبيب أبوك، اللي جاي مش قد اللي راح علشان أربيلك ابنك يا عيسى.
أكمل وهو يمسح على كفه ويرجوه: متحكمش علينا بالغربة تاني يا بني، عيشت طول عمرك متغرب عن أهلك وناسك وشارد، مش كل ما قلبي يهدى إنك جنبي تبعد وتتعبني.

مسح عبراته وبدأ في تلاوة بعض آيات الذكر الحكيم ولمساته الحانية لا تتوقف على كف ابنه: ?ر?جِعُو?اْ إِلَى?? أَبِيكُم? فَقُولُواْ يَ??أَبَانَا? إِنَّ ?ب?نَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِد?نَا? إِلَّا بِمَا عَلِم?نَا وَمَا كُنَّا لِل?غَي?بِ حَ?فِظِينَ (81) وَس??َلِ ?ل?قَر?يَةَ ?لَّتِي كُنَّا فِيهَا وَ?ل?عِيرَ ?لَّتِي? أَق?بَل?نَا فِيهَا? وَإِنَّا لَصَ?دِقُونَ (82) قَالَ بَل? سَوَّلَت? لَكُم? أَنفُسُكُم? أَم?ر?ا? فَصَب?ر? جَمِيلٌ? عَسَى ?للَّهُ أَن يَأ?تِيَنِي بِهِم? جَمِيعًا? إِنَّهُ? هُوَ ?ل?عَلِيمُ ?ل?حَكِيمُ (83).

تذكر حين أتاه عيسى مهمومًا فاحتضنه وقام بتلاوة بعض الآيات التي سكن ابنه برفقتها، تنهد بحنين وأكمل التلاوة التي بدأها الآن ونظراته التي رافقتها الدموع لا تفارق هذا الراقد وكأنه يعبر من خلال هذه الآيات التي لامست روحه عن ألمه وحزنه: وَتَوَلَّى? عَن?هُم? وَقَالَ يَ??أَسَفَى? عَلَى? يُوسُفَ وَ?ب?يَضَّت? عَي?نَاهُ مِنَ ?ل?حُز?نِ فَهُوَ كَظِيم? (84) قَالُواْ تَ?للَّهِ تَف?تَؤُاْ تَذ?كُرُ يُوسُفَ حَتَّى? تَكُونَ حَرَضًا أَو? تَكُونَ مِنَ ?ل?هَ?لِكِينَ (85).

كان عيسى كالمعلق بين السماء والأرض، وبعدما كان لا يشعر بشيء نهائيا وكأنه في سبات عميق، يحس الآن بصوت والده ينبهه، ينادي عليه ولكن الظلام الذي يحيط به لا يجعله يراه، يقف تائهًا، يشعر بوجوده ولكنه لا يعثر عليه، جاهد ليخرج صوته: بابا.
يستمع إليه ويراه أخيرًا، يفتح له ذراعيه ويطالبه بالقدوم إليه: تعالى يا حبيبي.

ابتسم وهرول ناحيته ولكن كلما اتخذ خطوات شعر وكأن والده يبتعد، أبدى استغرابه، وفي لحظة لم يجد والده أمامه، فقط يسمع صوته يتلو آيات من القرآن، وصوته ينخفض تدريجيًا حتى سكن تماما، ليتركه لوحشته.

ختم نصران الجالس جوار ابنه ما يقرأ بفؤاد يعتصره الحزن: قَالَ إِنَّمَا? أَش?كُواْ بَثِّي وَحُز?نِي? إِلَى ?للَّهِ وَأَع?لَمُ مِنَ ?للَّهِ مَا لَا تَع?لَمُونَ (86) يَ?بَنِيَّ ?ذ?هَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْي??َسُواْ مِن رَّو?حِ ?للَّهِ? إِنَّهُ? لَا يَاْي??َسُ مِن رَّو?حِ ?للَّهِ إِلَّا ?ل?قَو?مُ ?ل?كَ?فِرُونَ (87).

مال يقبل رأسه، وقرر الخروج حتى يسمح لزوجة ابنه المتلهفة في الخارج أن تدخل له وتطمأن عليه، ولكنه حين خرج وجد بشير الذي حضر قبل يومين، ولم يعد إلى القاهرة منذ ما حدث، قال بحزن: أنا هدخله يا حاج، الدكتور قالي ينفع دلوقتي.
هز نصران رأسه وربت على كتفه ناطقًا: ادخله يا بني.

تحرك بقلب وجل ناحية غرفته، عاصر مشهد كهذا من قبل أثناء حادثة السيارة، ولكن اطمأن قلبه سريعًا على صديقه، أما الآن لا يعلم، جلس على المقعد الذي وضعه نصران جوار الفراش، وظل صامتًا يطالع صديقه حتى نطق أخيرًا بضيق: أنت مش جدع على فكرة.
أكمل يخبره بعتاب: بتقولي إني صاحبك الوحيد، وبعدين تروح تعمل لوحدك حاجات معرفهاش وتكرفلي.

خروج الروح من الجسد، شعور لا يمكن وصفه، حتى عيسى لا يعلم إن كان هذا ما يحدث معه أم لا، يقف الآن في غرفة إحدى المشافي ورغم ذلك يرى نفسه راقدًا على الفراش الذي يتوسط الغرفة ويجاوره على المقعد بشير الذي بدا وكأنه يحدثه رغم نومه، وصل لأذنيه بوضوح قول صديقه بألم: أنا كمان مش مستعد أخسر صاحبي الوحيد يا عيسى.

ورغم هذه الجملة لم يستطع إعطاء رد، وكأن حضوره هذا المشهد كان بشرط أن يبقى صامتًا، فقط يرى نسخته الساكنة على الفراش هذه بسكون لا يشبه تمامًا الضجيج الذي يصارعه هو.

كل يوم يمر دون إفاقته كان بمثابة جرعة عذاب مكثفة على أحبته، تمر الأيام ولا تعلم ملك كيف تمر عليها، كانت جالسة أمام غرفته تتنفس بصمت قبل أن تجد أمامها أخر شخص توقعته، قسمت، لم تكن في حالة تسمح لها بالشجار ولم تأت قسمت من الأساس لهذا، نطقت بنبرة حزينة: ازيك يا ملك.
الحمد لله.
قالتها ملك بهدوء وهي لا تطالعها، جلست قسمت على المقعد المجاور لها تسألها بتوتر: هو عامل إيه؟

ردت عليها ملك باختصار: ربنا معاه.
لم تتزعج قسمت، أشفقت على حالتها، خاصة وهي ترى إجهادها البادي على وجهها فقالت بقلق: أنتِ شكلك تعبانة أوي، كده مش كويس على البيبي.
طالعتها ملك باستنكار تغافلت عنه الأخرى وهي تعرض عليها بود: أكيد لسه مفطرتيش، تعالي ننزل الكافتيريا تحت تاكلي أي حاجة، كمان عايزة أتكلم معاكي شوية، بس الأول هو ينفع أشوفه؟

ردت ملك وهي ترى شقيقتيها ووالدتها وخلفهم سهام يقتربن ناحيتهن: حاليا طنط ميرفت عنده.
لاحظتهن قسمت أيضًا فطالبتها برجاء: يبقى تنزلي معايا تاكلي حاجة، وبعدها أطلع أشوفه.
شكرا مش عايزة.
قالت هذا قبل أن تسمع قول قسمت: مش هقولك علشان خاطري علشان عارفة إن اللي بيننا ميسمحش بده، بس علشان خاطر عيسى قومي معايا.

تنهدت ملك بهدوء قبل أن تستجيب وتتحرك معها بالفعل تحت نظرات شقيقتيها و هادية و سهام وقد أخبرتهم بأنها في الأسفل معها، همست مريم بانزعاج ل شهد: هي البت دي بتعمل إيه هنا
يعلما ما فعلته مما قصته عليهما ملك، ولم ترض شهد عن تواجدها أيضًا فقالت: مش عارفة إيه تلقيح الجتت ده.
أنا خايفة أحسن تقول حاجة تضايق ملك.

عبرت مريم عن مخاوفها التي ردت عليها شهد: لا اطمني، لو كانت ملك حاسة إنها ممكن تقول حاجة تضايق مكانتش نزلت معاها.
بمجرد أن انتهت من قولها سمعت سهام تقول بتذمر: هي ميرفت هتبات عنده جوا؟
ردت هادية بمراعاة للمتواجدة في الداخل: معلش يا ست سهام خالته برضو وهي اللي مربياه وأكيد قلبها واكلها عليه.

أشاحت سهام بيدها في إشارة لعدم اهتمامها بالحديث مما أزعج شهد وجعلها تنطق: تقعد براحتها، الدكتور قال إن أكتر ناس مهم يدخلوله ويبقوا جنبه الناس اللي بتربطهم علاقة قوية بيه، يعني أصلا ممكن حضرتك يا طنط متدخليش ليه عادي مش هتفرق.
طالعتها سهام بنظرات حارقة قبل أن ترد عليها: مش على الأخر الزمن واحدة زيك اللي هتقولي أدخل ولا مدخلش، ومش هقولك عيب ردك علشان أمك قاعدة هي أولى تقولك.

يعني إيه واحدة زيها يا ست سهام؟
سألت هادية باستنكار، وقبل أن ترد عليها هتفت شهد: معلش يا ماما مترديش.
رمقتهما سهام بازدراء قبل أن تقول: أحسن برضو.
مما جعل مريم تنطق تعليقًا على هذه الأفعال: اللهم طولك يا روح.
أنا هقوم أدخل أبص على ميرفت وعليه.
قالتها هادية وتوجهت بالفعل إلى الغرفة وقبل أن تلحق بها سهام وقفت شهد على الباب تمنعها وهي تقول بابتسامة: مينفعش.
اوعي من قدامي أحسنلك.

حذرتها سهام وردت شهد على التحذير بما أثار غيظ الأخرى: صدقيني يا حماتي مينفعش، في جوا اتنين أكتر من كده هيبقى زحمة جوا الأوضة ودي حاجة الدكتور منبه إنها متحصلش.
سألتها سهام وهي على وشك الفتك بها: يعني أمك تدخل وأنا اللي استنى؟
مسبقتيهاش ليه؟، لو كنتي دخلتي قبلها كنت هقف ليها على الباب برضو وأقولها نفس الكلام.

قالت شهد هذا تحت ضحكات مريم التي جاهدت حتى تخفيها وفي نفس التوقيت أتى حسن والذي استعانت به والدته هاتفه باعتراض: تعالى شوف مرات أخوك يا حسن علشان تبقى تبلغه إنها كانت واقفة لأمه على الباب ومانعة دخولها.
دافعت شهد عن نفسها قائلة ببراءة: يا حسن جوا ماما وطنط ميرفت كل اللي قولته ليها تستنى لما واحدة فيهم تخرج علشان الدكتور ميزعقش.

أظهر حسن ضيقه من الموقف ككل وحذر الاثنين: طاهر لو جه وشاف اللي بتعملوه ده هيمشيكم أنتوا الاتنين ويحلف ما تيجوا تاني خالص، لو سمحتي يا ماما اقعدي لحد ما اللي جوا يخرجوا، ولو سمحتي يا شهد بلاش احتكاك بماما علشان اللي عمال يحصل ده، مينفعش كده يا جماعة كل شوية حد منكم بيشتكي.

أنهى حديثه تحت انزعاج أمه التي وبخته: ده بدل ما تمسح بكرامتها الأرض علشان أمك اللي واقفة تهين فيها، لكن هقول إيه إذا كان أخوك راح اتجوزها ومسمعليش كلمة.
يوه بقى.
قالها حسن بضجر، وتركهما متوجهًا ناحية مريم بأحد الأكياس البلاستيكية وحدثها بهدوء: دي القهوة اللي طلبتي من رفيدة تجبهالك يا مريم.
هربت بنظراتها منه وهي تقول بتوتر: شكرا.

في حين كانت شهد تتابع والدة زوجها وهي تستشيط أثناء متابعتها لفعل ابنها وبعدها نادته بغضب: أنت يا حسن.
استدار لها بلا حديث وهو يكتم غيظه وقالت هي: انزل يا حنين شوف أبوك وطاهر من ساعة ما نزلوا مطلعوش ليه.
هما يعني تاهوا يا ماما وأنا هدور عليهم، وبعدين عايزاهم يجوا يتفرجوا عليكي أنتِ وشهد.
قال هذا وبمجرد أن انتهى دفعته من أمامها وهي تنطق: اوعى من قدامي.

عادت لمقعدها وفعلت شهد المثل، بدأت مريم في إخراج أكواب القهوة، أعطت شهد أولا، ثم مدت يدها تعرض كوب والدتها لسهام في محاوله لتهدئة الأجواء: اتفضلي يا طنط.
مش عايزة، بس كفاية إن عندك ذوق مش زي ناس.
ومع قولها هذا نطق حسن مخذرًا بنفاذ صبر: يا ماما.
وقبل رد شهد توجه بنظراته لها يقول: تقصدني أنا، اللي معندوش ذوق يبقى أنا، ياريت بقى تقعدوا ساكتين شوية.

قررا أن يتوقفا عن الشجار بالفعل، وسألت شهد بحزن: هو الدكتور مقالش حاجة جديدة يا حسن، مش هيفوق بقى؟، كل ما ملك تسأله يقول اطمنوا ومفيش جديد بيحصل، هي دي مش الحقيقه طيب وهو بيقولها كده علشان حالتها؟

كانت حزينة حقًا لأجله ومن أجل شقيقتها، لم تختلف عنها مريم، حتى سهام ترغب في أن يسترد وعيه، اللحظة التي لمحته فيها ممدد على السرير هكذا ساكنًا وكأنها رأت فريد، نزلت دموعها وهي تتخيل أنها ترى هذا الذي لطالما اعتبرته ابنها في موضعه، أشفقت على عيسى وعلى نصران الذي بالتأكيد سيفقد روحه إن فقد ابن أخر.

رد حسن وقد أصابه الهم هو الأخر: بيقولوا محتاج وقت، أنا روحت للدكتور لوحدي وقالي إن حاليا مفيش في إيدهم حاجه، وإنهم متابعينه، ربنا معاه هو قادر على كل شيء.
قال جملته الأخيرة وأمنيته الوحيدة أن يتعافى شقيقه ويعود كما كان، في نفس التوقيت كانت ملك تجلس أمام قسمت التي طلبت لها أحد المشروبات الباردة وقالت: كلي السندوتش ده واشربي العصير.
قولتلك متتعبيش نفسك، وإني مش عايزة.

قالت ملك هذا بضيق، وهتفت قسمت بما لم تتوقعه أبدًا: أنا أسفة يا ملك.
ربتت على كفها وهي تقول بابتسامة حزينة: لو سمحتي متزعليش مني على أي تصرف حصل قبل كده.
تنهدت قبل أن تسترسل تحت انتباه ملك لها: أنا مش وحشة صدقيني، لكن اللي أنا عملته معاكي كان بشع، وبيخليني فعلا أحس إني إنسانة مؤذية، وأنا عمري ما كنت كده.

حاولت استجماع شجاعتها وهي تنطق بكل ما تحمله ويؤرقها: مش هقولك إني بقيت مثالية، أنا بحب عيسى من زمان مش من سنة ولا اتنين، هو الإنسان الوحيد اللي عرف يحرك مشاعري، عارفة عنه كل كبيرة وصغيرة بيحب إيه، وبيتضايق من إيه، حاجات كتير أوي، حتى لما كنت شايفة إن بعده عني كان سبب في اللي حصلي لما فضلت سنين قاعدة على الكرسي مش قادرة أتحرك، كنت غضبانة منه بس بحبه.

تحترق، هذا أدق وصف لحالة ملك التي تستمع لحديث الجالسة أمامها بقلب مشتعل، لم تخمد النيران فيه إلا حين نطقت قسمت بابتسامة وعينين دامعتين: لكن هو بيحبك أنتِ.

تقول هذا وهي تموت ألف مرة ولكنها الحقيقة: أنتِ حياته يا ملك، لما بعد عنك كان أول مره أشوف أكتر نسخة معرفهاش من عيسى، حبك للدرجة اللي خلته يغير حاجات كتير علشانك، لدرجة إن عينيه كانت بتلمع وبقى كإنه عيل صغير وهو بيتكلم عنك، ومش هضحك عليكي أنا في الأول كنت مفكرة جوازكم مؤقت، واتجننت لما اتأكدت إنه بيحبك، بقيت عمالة أفكر إيه لقاه عندك مكانش عندي، قولت لنفسي هي متستاهلش تبقى معاه، أنا أعرفه أكتر أنا أكيد بحبه أكتر، هي كانت حبيبة أخوه، ازاي قدرت تبقى معاه، ازاي حبها، اسئلة كتير وحيرة ودوشة خلوني تايهة ومش عارفة بعمل إيه.

مسحت عبراتها وهي ترى تأثر ملك واسترسلت: وهو على فكرة حاول يحل الدوشة دي، فهمني قد إيه العلاقة بينكم مش شبه أي حاجة تانية، حبتيه علشان هو اللي خلاكي تلاقي ملك، وحبك علشان عاش عمره تايه ولقى نفسه عندك، بس الذنب كان أكبر من الحب، إحساس الخيانة اللي فضل يطاردكم، وهو حاول يتخلص منه بإنه ينت حر في لحظة ضعف، وأنتِ فضل مأثر عليكي ومش قادرة تتعافي منه وتعيشي طبيعي، ضغوط كلها كان المفروض نتيجتها تتفرقوا، بس غصب عنكم بتقربوا أكتر، علشان محتاجين بعض، في الأول قولت جايز بنتحبيه علشان شبه حبيبك لكن حتى دي هو رد عليها قالي لو كان ده حقيقي كانت هتبعد عني، فريد أحسن مني بكتير، حتى لو نشبه في الشكل بعض، هو مش شبهي، ياريت كنت أقدر أكون فريد.

بكت ملك، تراكم كل شيء عليها وجعلها تبكي وهي تستمع لقسمت تخبرها بالبقية: معنى كل مشواركم سوا ده إنك بتحبي عيسى، هو قالي ملك الوحيدة اللي قبلتني، هي شافت فيا حاجة كل اللي بيشوفها بيبعد عني بس هي مبعدتش، حسستني إني استاهل حد يختارني بطريقة عمري ما حسيتها قبل كده، أخر مره جالي فيها علشان يقطع كل اللي بيننا قالي أنا مش عايز ملك تتجرح، هي أرق من كده.

فؤادها يهتف باسمه، جرحها الوحيد الآن أنه غائب عنها، أنها لا ترى عينيه، وتستمع لنبرته التي تأسرها، ابتسمت قسمت وربتت على كفها وهي تنطق: أنا بقولك كل ده علشان تفهمي اللي جوايا، جت عليا لحظة وفكرت لو سيبتوا بعض و بقيت أنا مع عيسى وعدينا سوا بكل الصعب اللي أنتِ عديتي بيه معاه، كانت علاقتنا هتبقى أقوى ولا هتفشل، قلبي اللي بيحبه قالي هتبقى أقوى، بس عقلي رسم مليون سيناريو للفشل، أول سبب للفشل ده إنه الحب اللي شوفته في عينيه ليكي مفتكرش كان هيحبني نصه، أكيد عندك حاجة مش عندي علشان كده حبك رغم إن العقل والمنطق وكل حاجة بتقول لا.

ضحكت قسمت بسخرية وهي تخبرها: عارفة زمان واحنا أصغر كنت بحسه عنده مشاعر ناحيتي، وإن مهما بعدنا المشاعر دي مش هتروح لكن اكتشفت إني كنت غلطانة وإنها اتبخرت، وبرضو بعد ما خطب ندى وسابوا بعض قولت مش هيقدر ينساها حتى لو بعد، لكن اتخطى ونسي الفرق بقى إني شوفته وهو بعيد عنك، لكن مشاعره متبخرتش ولا حاجة، دي زادت يا ملك، كان ملهوف على اليوم اللي هترجعوا فيه، وكإنه عايش علشان اليوم ده.

أضافت قسمت بصدق وهي تشعر بأنها تتحرر من كل شيء: الكلام اللي بقولهولك دلوقتي ده مكنتش حتى بقدر أقوله بيني وبين نفسي، لما كان بيخطر على عقلي كنت بكذبه، وأقول لا مش صح، أول مره أقدر أقول الكلام ده هو النهارده جايز علشان احنا الاتنين محتاجين نسمعه، عموما أنا أسفة على كل حاجة يا ملك، عيسى ميستاهلش مني إني أبقى سبب في مشاكل ليه مع الوحيدة اللي قلبه راحلها وقرر إنه عايز يفضل هناك مهما حصل.

ابتسمت ملك والألم يعتصرها عليه، وطمأنتها قسمت: هو هيقوم إن شاء الله، وهتكملوا سوا
وأشارت على موضع جنين ملك خاتمة بابتسامة: وهيجي الحد اللي ينافسك على حبه، بس قوليلي صحيح عرفتوا ولد ولا بنت؟
تمنت ملك تعافيه وبشدة، لم تعلم ماذا عليها أنا تقول وعبرت عن هذا حين أجابت في الأول على سؤالها: عيسى كان حابب نعرف وقت الولادة، مرضيش نعرف قبل كده.

ثم أضافت: أنا حقيقي مش عارفة أقولك إيه بعد كل اللي سمعته، بس أنا بتمنالك تلاقي الإنسان اللي يحبك وتحبيه لدرجة تخليكي تعرفي إن أحسن سيناريو لحياتك كان لازم يبقى معاه هو.
ورغم الألم في فؤادها والعبرات التي داهمت عينيها ولكنها تمنت ذلك، تمنت التخطي، تنفست بعمق ثم طالبت ملك برفق ممازحة: يلا كلي بقى لو سمحتي، علشان أحب جدا البيبي ده يتعرف عليا، ولما يجي تقوليله إني عزمته على الفطار.

ابتسمت ملك وكذلك فعلت قسمت التي شعرت في هذه اللحظة فقط بأنها أفضل، بمجرد أن انتهت جلستهما صعدت برفقتها لترى عيسى، كل ذرة تماسك لديها فرت، هي لا تعلم عنه سوى الضجة، كيف يكون بهذا السكون، تحدثت وهي ترى ملك تحتضن يده: ازيك يا عيسى، أنا جاية أزورك، وملك هي بنفسها اللي مدخلاني عندك، متقلقش مني أنا معملتش مشاكل.

كانت تشعر به يسمعها كما اعتادت دائما أن يسمعها لذلك أكملت: احنا كمان اتصالحنا، بس أنا حكيت أسرارك، وقد إيه كانت واحشاك وحالتك حالة وأنت في شرم الشيخ، بس افتكر دي أسرار مفيدة هتشكرني إني حكيتها ليها لما تصحى.
ابتسمت ملك، ولم تستطع منع دموعها وهي تسمع قسمت تطالبه: بلاش تبقى بايخ وتطول في النومة دي، مش متعودة عليك كده، أنت ملك الدوشة، وفي ضيف جايلك في الطريق لازم تعلمه الدوشة دي.

صاحت قسمت وهي ترى أحد أصابع يده الموضوعة على الفراش قد تحرك: ملك ده حرك صباعه، حركه والله أنا شوفته.
لم تستطع ملك التحرك من مكانها، تجمدت وهي لا تصدق أنه بالفعل أعطى استجابة في نفس اللحظة التي هرولت قسمت فيها للخارج حتى تسأل الطبيب عن معنى ما حدث، عادت به تحت نظرات ملك المتلهفة ولم يمر لحظات حتى سمعت ما طمأنها: الاستجابة دي مؤشر كويس جدا، ومعناها إن اللي بنعمله فارق معاه، أنا هخرج اطمنهم.

لم تترك قسمت الطبيب خرجت خلفه، بينما نطقت ملك وهي مازالت قابضة على كفه: أنا زعلانة منك.
وبدأت في توجيه الاتهامات له ممازحة: أنت بقى بتطمني أنا، ولا بتطمنها هي
حركة إيدك دي محصلتش غير في وجودها ليه يا أستاذ؟
لما تفوق هنكد عليك، أو لا مش هنكد عليك علشان أنت واحشني، بس فوق بقى يا عيسى، مينفعش أي حاجة تحصل غير إنك تقوم، هتوه من غيرك، بدل ما تبقى جنبي دلوقتي ومستنيين ابننا أنا مستنياك أنت وهو يا عيسى.

ابتسمت بحزن وهي تحذره: مش هعديلك كتير تعب قلبي ده، بس هفضل مستنياك يا حبيبي.
في عالمه الذي يسبح فيه كان يسمع صوتها، ومن غير ملك التي تأسره في الدقيقة ألف مرة، يرى عينيها وكأنه يراها للمرة الأولى، ويسمع نبرتها تهمس بإسمه: عيسى.
اقترب منها، لم تفلتها نظراته، مسح على كل إنش في وجهها، وهي تطالعه بعينيها التي خطفته مثل كل مرة يراها فيها، همس اسمها بشغف شديد: ملك.

تناول كفها، وكاد أن يقبلها ولكنها تبخرت من بين يديه، أخر ما وصل لأذنيه صوتها: مستنياك يا عيسى.

مرور الأيام لم يخفف من دموع ندمها، كانت ميرفت تبكي بصمت وقد جاورت هادية الجلوس، حاولت طمأنتها قائلة: متعمليش في روحك كده هتتعبي، بقيتي كل يوم على الحال ده وتقعدي تعيطي بالساعات، متخافيش عليه هيبقى كويس إن شاء الله.

عبرت عن مخاوفها ودموعها لا تتوقف: عيسى شاف معايا كتير، مش هينفع يسيبني ويمشي قبل ما نتكلم، قبل ما اعتذرله عن كل لحظة خذلته فيها قصاد كل لحظة كان فيها جنبي، أنا عارفة إني غلطانة في حقه غلط كبير أوي، بس عقاب إنه يسيبني ده عقاب قاسي أنا مقدرش عليه.

في نفس اللحظة خرجت ملك من غرفة زوجها الذي أتت لتطل عليه، لتجد أمامها طاهر و نصران الذي كان متلهفًا للدخول لابنه كعادته كل يوم، لاحظ طاهر الوهن الذي أصاب الواقفة أمامه، بدا التعب عليها بصورة مضاعفة عن الأيام الماضية مما جعل والدتها تتجه ناحيتها وتحاول مساندتها وهي تسألها بقلق: أنتِ تعبانة؟
سألها طاهر هو الأخر: مالك يا ملك، أندهلك الدكتور؟

تأوهت إثر الألم الذي ضرب معدتها ثم حاولت التماسك قائلة: ملوش داعي أنا كويسة، وبعدين ميعاد ولادتي لسه مش دلوقتي، هو الوجع ده من وقت للتاني وبيروح ويجي.

وبمجرد أن أنهت جملتها تأوهت بصورة أعلى ولم تعد قادرة على التماسك سندتها والدتها بذعر و طاهر أيضا وهرولت ميرفت تستدعي الطبيب والذي حضر على الفور وتم نقل هذه التي لا تتوقف صرخاتها إلى إحدى الغرف، حضر الجميع وانتظروا الطبيب ليخبرهم بأي شيء، شعرت هادية بأن الأرض تميد بها، وزاد ذعرها وهي تسمع تساؤل مريم الباكية: هو إيه اللي حصلها يا ماما؟

بمجرد أن انتهت من السؤال خرج الطبيب الذي أبلغهم: لازم تولد دلوقتي، حالتها صعبة وأي لحظة زيادة هيبقى في خطر على حياتها وعلى الجنين، احنا بنظبط شوية حاجات وهتولد.
نطقت هادية برجاء وهي تتوسله: الله يخليك يا دكتور اعمل أي حاجة بس بنتي تبقى كويسة.
متخافيش يا حاجة، إن شاء الله خير.

قال لها هذا ورحل وبقت هي برفقة ابنتيها بقلب ينهشه القلق، ربتت ميرفت على كتفها واقترب نصران وطمأنها: بإذن الله هتقوم بالسلامة هي واللي في بطنها.
ثم استدار يعطي أوامره لأبنائه: روح أنت يا طاهر عند عيسى وخلي حسن معايا علشان لو الست هادية احتاجت تجيب أي حاجة من البيت أبعته.
رضخ لوالده وذهب إلى شقيقه، دخل له وتنهد بعمق وهو يجلس جواره، مسح على خصلاته وهو يخبره بحنان: ملك بتولد يا عيسى.

يشعر بالعجز الشديد وهو يراه هكذا وبان هذا في قوله: هي محتجالك، كلنا جنبها بس هي عايزاك أنت، ودي أنا مش عارف أعمل فيها إيه يا عيسى.
اعتذر والسبب شعوره بأن الممدد على الفراش أنقذه من مصير مجهول والآن يعاني الويلات بسبب شعور الذنب الذي يقتله: أنا أسف يا حبيبي.
بمجرد أن أنهى جملته وجد شقيقته تدخل برفقة يزيد، طالعها بضيق ووضحت هي بحزن: كان عمال يعيط يا طاهر.

اقترب يزيد من فراش عيسى، ثم رفع عينيه إلى والده يسأله ببراءة: هو مش أنت قولتلي يا بابا إنه بقى كويس؟
رد عليه طاهر بابتسامة وأخذت رفيده تمسح على خصلاته وهو يسمع والده يقول بتأثر: أيوه يا حبيبي هو بقى كويس، لكن لسه محتاج كام يوم كده يرتاح فيهم، علشان كده مكنتش عايزك تيجي يا يزيد.
بس هو يا بابا نايم خالص.

لم تستطع رفيدة منع عبراتها، طالبها طاهر بالتوقف وسعت هي لذلك أثناء إخبارها للصغير: يا حبيبي ما هو زي ما بابا قالك بيرتاح، بس أنت ممكن تكلمه عادي لكن مش كتير علشان منزعجوش.
تحرك يزيد ليقترب منه أكثر وهو يقول بحرص كي لا يزعجه كما نبهته رفيدة: وحشتني أوي يا عيسى، أنا كل يوم بستناك ترجع، وفي عربية جديدة هخلي بابا يشتريهالي علشان نلعب بيها أنا وأنت لما تيجي البيت.

طالبه برجاء متمسكًا بكفه: بس تعالى بسرعة بقى.
همس طاهر لأخته التي لا تتوقف دموعها وهي تطالع شقيقها الراقد: كفاية يا رفيده علشان يزيد حتى، كمان ملك بتولد ياريت تروحي وتخليكي معاهم وطمنيني.
بمجرد أن عرفت هذا خرجت مهرولة من الغرفة وأخذ طاهر ابنه وأجلسه على المقعد طالبًا: هسيبك تقعد معانا بس زي ما اتفقنا من غير إزعاج خالص.

هز يزيد رأسه موافقًا وقال لوالده: مش هعمل إزعاج، بس عارف يا بابا، عيسى هيرجع علطول علشان مزعلش منه، لإن هو عارف إني هخاصمه لو فضل بعيد كتير.
ابتسم طاهر ومسد على رأس ابنه وهو يستمع إلى حديثه متمنيًا أن يتحقق حديثه وبان هذا في همسه: يارب يا يزيد.

شعرت ملك وكأنها كانت في حلم طويل بل كابوس وفاقت منه للتو، بمجرد أن فتحت عينيها وجدت الجميع حولها أولهم والدتها التي نطقت بلهفة: حمد الله على سلامتك يا حبيبتي.
وبشرتها ميرفت بابتسامة حانية: جبتي بنت زي القمر.
هي فين؟
سألت ملك عنها باشتياق شديد وتبرعت سهام بالرد: خدوها الحضانة، البنت نازلة تعبانة.
أبدت شهد ضيقها الشديد وهي ترى هلع شقيقتها فسألت سهام بانزعاج: حد يقول لواحده لسه قايمة من ولادة كده؟

حذرتها سهام بغلظة: إياك توجهيلي كلام.
طمأنت مريم شقيقتها بقول: متخافيش يا ملك الدكتور طمنا عليها، هي بس علشان جت بدري شوية احتاجت الحضانة لكن كلنا شوفناها وزي القمر، وكام يوم وهتخرج.
نطقت بعينين دامعتين: طب ودوني ليها.
أشفقت عليها رفيدة ومنعتها حين حاولت القيام: مينفعش يا حبيبتي، أنتِ لسه تعبانة وجرحك يا ملك.

في هذا التوقيت خرجت شهد من الغرفة وجدت نصران و حسن في الخارج فقدمت شكوتها بضجر: ينفع يا عمو اللي طنط سهام بتعمله ده، ملك لسه فايقة ويادوب بتسأل عن البنت، تروح قايلة ليها تعبانة وفي الحضانة، وعلشان بقولها إنه مينفعش كده زعقت معايا.
لم يعجب نصران ما بدر منها اعتذر لشهد وحث ابنه بحدة: رن يا حسن على أمك خليها تجيلي، وأنتِ يا بنتي روحي لاختك وحقك عليا.

هزت شهد رأسها موافقة وتحركت للعودة إلى غرفة شقيقتها وفي أثناء ذلك قابلت سهام في طريقها، علمت من نظراتها أن ابنها بالتأكيد تواصل معها، قررت التجاهل ورغم ذلك دفعتها سهام أثناء مرورها جوارها مما جعل شهد تقول بشماتة: ابقي حاسبي يا حماتي.
ثم دخلت إلى غرفة شقيقتها وهي تسب داخلها هذه السيدة التي لا تتوقف أبدًا عن إزعاجها.

ساعدتها والدتها بعد إصرارها لرؤية ابنتها، وبسبب ألمها الشديد وعدم قدرتها على أي شيء أحضرت لها الممرضة أحد المقاعد المتحركة، وبرفقة هادية ذهبت إلى حيث تكمن ابنتها فوجدت والد زوجها هناك يقف أمام الحاجز الزجاجي ولم ينتبه لوجودهم، يطالع الفتاة في الداخل وكأنه يعرفها منذ أعوام، نظراته لا تفلتها، انتبه على صوت ملك وأفسح لها الطريق قائلا برفق: تعالي يا بنتي.

أشار لها ناحيتها وبارك: تتربى في عزك وعز أبوها بإذن الله.
وفي عزك يا عمو.
قالتها له وهي تطالع غاليتها، تتابع حركة أصابع يدها التي تحركها بعشوائية وهي على وشك البكاء وفي أثناء ذلك أتت رفيدة برفقة سهام وسمعاها تقول: أنا هسميها غالية
اعترضت سهام على الفور ناطقة: لا طبعا إيه الإسم ده.
وماله الإسم يا سهام؟

سألها نصران بحدة وردت ابنتها بدلا عنها موضحة: ملوش يا بابا، هو اسم جميل وكل حاجة لكن قدم شوية، افتكر هو مش أحسن اختيار.
صب غضبه على ابنته وأمها تحت أنظار الواقفين: قدم ولا اتجدد، أبوها وأمها حرين إن شالله يسموها جن أزرق محدش ليه دعوة.

ربتت رفيدة على كتفه وهي تقول باعتذار: اهدى بس يا حبيبي أنا مقصدش، متزعليش يا ملك، أنا بس كنت بقول رأيي، إيه رأيك في اسم عالية جميل وشبه غالية برضو بس موضته مراحتش زيه.
ردت ملك تحت نظرات سهام المعترضة: عيسى هيتبسط لو سمتها غالية، خليني أعمل اللي أنا عايزاه.

وافقتها رفيدة على الفور بابتسامة، وبعد فترة أخذتها إلى غرفته تحت إصرارها الشديد، كانت جواره على مقعدها ورغم ألمها نطقت بنبرة شغوفة: طلعت بنت يا عيسى زي ما أنت حسيت، بس هي عضبانة علشان أنت مش موجود ومش عارفة أخدها في حضني براحتي.
مالت تقبل وجنته وتهمس له بحب: أنا سمتها غالية.
كان يسبح في عالم أخر، وصل لأذنيه صوت هذه المشاغبة تهتف: بابا اصحى، يا عيسى اصحى بقى.

فتح عينيه، أعطى ابتسامته لتلك الساحرة التي خطفت بصره، تحمل ابتسامة والدتها، وشقاوته، تربت بكفيها على وجنتيه وهي تحسه: قوم علشان نعمل اللي اتفقنا عليه.
اعتدل وحملها وهو يسألها بابتسامة: واللي اتفقنا عليه ميستناش لما اصحى.
هزت رأسها نافية، فوضعها على الفراش وأخذ يدغدغها وهو يقول: طب تعالي بقى.
تعالت ضحكاتها، وهي تسعى للفرار منه، ولكنه لم يفلتها، بل سألها: هتصحيني وأنا نايم تاني؟

هزت رأسها بالإيجاب، وضحكت من جديد وهو يعيد الكرة، ولم يتركها إلا حين رفعت ذراعيها تطالبه: شيلني يلا.
حقق لها مرادها وحملها وقد ترك فراشه واتجه بها نحو الخارج، ليجد نفسه بعد وقت قليل يقف جوارها في المطبخ وقد أحضرت له حبات التفاح، وبدأت في الاستعداد وهي تحثه: يلا نعمل تفاح بالعسل.

قصيرة للغاية جواره، ترتدي فستان كساه اللون البني، وخصلاتها تحاول ربطها الآن كما تفعل والدتها تماما قبل الدخول للمطبخ، فشلت للمرة الثانيه فأعطته رابطة الشعر قائلة: عيسى اربطهولي.

يشعر وكأنه في عالم أخر، عالم تحققت فيه أمانيه، وخاصة تلك القطعة الصغيرة التي تشبهه في كل شيء، يقف جوارها الآن يصنع لها ما أرادت عن طيب خاطر، وهي لا تفعل شيء سوى المشاغبة، أخر ما فعلته مسح سبابتها التي أغرقتها بالعسل على وجهه، فرت من أمامه بضحكات عالية، ونظرات حملت مشاكسته، وهرول هو خلفها، ولكن ما إن خرج من المطبخ لم يجد لها أثر، عجز لسانه عن نطق الاسم، وكأنه لا يعرف لها اسم، فهتف: أنتِ روحتي فين؟

كان خائفًا، يتجول هنا وهناك غي المنزل الذي يحفظ كل شبر به بحثًا عنها ولكنها لا يجدها، أخيرًا وصل لأذنيه صوتها تقول: يا بابا لاقيني.
كيف يجدها وهو لا يراها في أي مكان، هرول إلى الحديقه الخارجية يدور بعينيه بحثًا عن أي أثر لها، ولم يجد سوى حذاء صغير، مطابق لما كانت ترتديه وهي تقف معه، فناداها بصوت عالي: تعالي بقى يلا أنا تعبت من التدوير.
ليصل إلى أذنيه نبرتها التي خطفته: لا، دور على غالية شوية كمان.

همس بالإسم الذي ألقته على أذنيه وهو عاجز عن فهم أي شيء، كل ما هو على يقين منه الآن أنه يريدها، ابتعد صوتها للغاية، وبقى هو واقفًا مكانه وكأن الخوف من فقدها شل حركته، ولم يستطع سوى النداء باسمها، أن ينادي بلهفة وهو يدور بعينيه حوله أملا في لقياها: غالية.

أخيرًا استطاع الحركة، سار وكأنه بلا إرادة ناحية ممر وما إن دخله حتى أذهلته الصدمة، وجد أمه تتحرك داخله وفي نهايته ضوء شديد، نادى عليها بلهفة وهو لا يصدق وجودها: ماما.
لم تلتفت له أكملت سيرها وهي تنبهه: ارجع يا عيسى.
تحرك خلفها بعناد يطالبها بالتوقف وهو يطالع هذا الضوء الذي كلما تحرك اقترب منه: طب أنتِ رايحة فين؟
وبنبرة غاضبة هذه المرة ألقت على مسامعه: قولتلك ارجع.

كان على بعد خطوة واحدة منها، وأصبح على مقربة من هذا الضوء وبغتة وجد نفسه يُقذف خارج هذا الممر بشدة، ولم يشعر بنفسه إلا وهو يحاول فتح عينيه بصعوبة.
في نفس اللحظة كانت ملك مائلة عليه، تمسد على رأسه وتخبره بقدوم ابنتهما، عبرت له عن عن اشتياقها الشديد بحزن: أنت وحشتني أوي يا عيسى.

التقت عيناها بعينيه وهي تتأمل ملامحه فتفاجأت حين رأت أنه يفتحهما، شهقت وهي لا تصدق ما يحدث أمامها، ونطقت بلهفة: عيسى أنت فايق، أنت سامعني؟
ورغم تشوش الرؤية إلا أن نظراته لم تفلتها، مصوبة على وجهها وكأنه يحفظ تقاسيمه حتى وهي مشوشة، أنامله الدافئة لمست يدها لتدرك في هذه اللحظة أنها لا تحلم، لقد له قمره الذي تشبث به يوم الرحيل، والدمع لم يفارقهما حينها، عاد له الآن في لحظة لا تُنسى أبدا.

الفصل التالي
بعد 07 ساعات و 54 دقيقة.
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة