قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

تسللت بهدوء من غرفتها تتلفت حولها حتى تصل للمطبخ فهى تشعر بجوع قارص دفعها للخروج من مخبئها في تلك الساعة المتأخرة من الليل لتبحث عن طعام بعد ان نفذ مخزونها الاستراتيجي من الشيكولاتة و الذى تحتفظ به في ادراج طاولة الزينة..
خطت عدة خطوات خارج الغرفة و في منتصف الطريق للمطبخ سمعت صوته يهتف بوهن: - تتسللين لتحضيركارثة جديدة من كوارثك..!؟.

تسمرت في مكانها للحظات ثم استدارت لمواجهته و هي تتخصر هاتفة: - انا لا انتوى تحضير اى كوارث، انا ذاهبة لتحضير عشاء متأخر، هل هناك اعتراض..!؟.

أشاح بذراعه في وهن و هو يقول: - فلتفعلى ما يحلو لكِ، الأهم ان تبتعدى عن طريقى للحمام
لاننى..
و لم يكمل كلماته و هو يترنح مستندا على الجدار المجاور له بعد ان قام بجهد مضن ليتابع حديثه معها، اندفعت هي لا اداراديا لتسنده بكل ما أوتيت من قوة، كان مظهرهما كجبل يستند على عشبة ندية..

بلا اتفاق دفعت جسده لحمامها القريب و ساعدته حتى وصل لعتبته بعد ان اضناهما التعب سويا، و ما ان وصل له، حتى كانت معدته تئن ألماً و لم تهدأ حتى أفرغت ما بها كله للخارج..
وقفت على عتبة باب الحمام لا تعرف كيف تتصرف، هل تدخل لتؤاذره ام تبتعد ليأخذ حريته دون شعور بالحرج في وجودها..!؟.
انتهى قبل ان تتخذ قرارها، و تأوه بشكل جعل قلبها يترنح ألماً لأجله، لا تعرف لما لم تتوقع ان يمرض مثل باقى البشر..!؟.

تناولت كفه التي ناولها أياها في أريحية و أسلمها زمام أمره دون اى اعتراض، كان بحق لا حول له ولا قوة، استند عليها و هي تحاملت على نفسها حتى اوصلته لباب غرفتها، فما كان هناك، لا قوة من قبله و لا طاقة احتمال من قبلها لتسير به حتى غرفته في اخر الرواق..
دفعت باب حجرتها ليساعهما و أخيرا، نفذت طاقتها معا، لم يعد هو قادر على الوقوف للحظة و لا هي قادرة على احتمال ثقل جسده على أكتافها لثانية أخرى..

سقط على فراشها كشجرة ضخمة اجتثت من جذورها و هي أيضا لم تستطع التوازن فسقطت رغما عنها فوق صدره او بالأدق، فوق بطنه البارز، شهقت رغما عنها وهى تحاول التماسك للنهوض مبتعدة، رفع هو رأسه وسط محاولاتها النهوض ليهتف ساخراً بصوت وَاهن: - محاولة اغراء لا بأس بها، و لكن يمكن تأجيلها حتى اتعافى..
و ألقى برأسه للوراء من جديد، كانت هي بالفعل نهضت مبتعدة عنه، استشاطت غضبا عندما ألتقطت أذناها كلماته المتهكمة..

كادت ان تهتف برد لاذع الا انه استبقها معتدلا على الفراش بصعوبة جاذباً الغطاء على جسده
و أشار لها بالخروج، وهو يهمس بنبرات صوته التي تخرج مذبذبة: - فيما بعد، الان وداعا..
خرجت و أغلقت الإضاءة و الباب خلفها و قد احتل حجرتها و فراشها و تفكيرها أيضا.

فقدت شهيتها تماما بعد ان رأته بهذا الشكل و فكرت هل من الأفضل تركه ينام دون ازعاج ام عليها احضار طبيب لمعاينته..!؟.
داهمها النعاس فالساعة الان تخطت الرابعة فجرا بقليل، ولكن أين يمكنها النوم و هو قد احتل حجرتها..!، تسللت على اطراف أصابعها و دخلت حجرته و تنبهت لحركتها المبالغ فيها فابتسمت لنفسها في بلاهة، لماذا تتسلل و هي تدخل لحجرته اذا كان هو نفسه ليس فيها بل في غرفتها في تلك اللحظة..!.

همست لنفسها مبررة، لابد ان هذا من اثر الجوع و قلة النوم، عليها ان ترتاح قليلا حتى تستطيع النهوض لمباشرته..
فتحت الإضاءة الجانبية الخافتة بالحجرة ووصلت لمرتبته الارضيّة و انحنت لتدس نفسها أسفل غطاءه و العجيب انها شعرت بدفء محبب يتسلل اليها باعثا في نفسها الشعور بالطمأنينة و الراحة، فراحت في نوم عميق، داهمتها فيه الكثير من الأحلام و الاضغاث، حتى انتفضت أخيرا على احداها مستفيقة من نومها المضطرب.

مدت كفها تتناول جوالها لتعرف كم الساعة و ما ان طالعت شاشته حتى اكتشفت انها نامت اقل من الساعة بقليل مدت يدها تعيد هاتفها للطاولة من جديد فاصطدمت باطار لصورة فوتغرافية كادت ان تسقطها ارضا لولا انها جاهدت لانقاذها لتسقط في أحضانها، تنهدت بأرتياح و و أمسكت بالصورة تعيدها و لكن تجمدت يدها في منتصف المسافة للطاولة لتعيد الصورة مرة أخرى لمرمى بصرها لتدقق النظر بها، انها صورة لشقراء رائعة تبتسم ببراءة و عيونها تحمل مرح الدنيا و شقاوتها..

من هذه..!؟، كان السؤال الأول الذى تبادر الى ذهنها، لم تفكر مطلقا ان ياسين هذا كان له حبيبة سابقة او خطيبة لم يسعده الحظ بالاقتران بها..
همست لنفسها، يبدو انه كان يحبها كثيرا و لا يزل حتى يحتفظ بصورة فوتغرافية لها في إطار ذهبى رقيق بالقرب من فراشه..

شعور عجيب اكتنفها و غمرها كليا، شعور لا تعرف له تفسير و لا تستطيع حتى ان تصفه و تعطى له مدلول محدد، شعور دفعها لتضع الصورة الفوتغرافية بعنف على الطاولة قبل ان تنتفض مبتعدة لتذهب حيث ذاك الذى احتل فراشها و جعل النوم يجافي جفونها، حتى تلك الدقائق التي غفلت فيها لم تخلو من محياه متجسدا في اضغاث أحلامها..

قبل ان تندفع من الغرفة عادت و ألقت نظرة سريعة بفضول على محتوياتها، حقيبته المفتوحة البارز منها ملابسه و اغراضه، المرتبة الملقاة ارضا و التي كانت تفترشها منذ قليل، حقيبته الطبية الصغيرة التي يحتفظ فيها بكل الأوراق الهامة و ملفاته الطبية، و بعض الأزواج من الأحذية بعضها رياضى و الاخر كلاسيكى، قفزت على شفتيها ابتسامة لا أرادية عندما طالعت تلك الاخذية، و بدأت في تخمين مقاسها، و بشكل عفوى اقتربت من ذاك الجانب الذى يحتويها و خلعت خفها المنزلى و دست قدمها في احداها لتشهق ثم تنفجر مقهقة عندما رأت قدمها يغوص في فردة حذائه، كانت أشبه بطفلة قررت ان تجرب حذاء ابيها، أخرجت قدمها من عمق الحذاء و اتجهت لتخرج من الغرفة و لا تعرف لما توجهت نظراتها لاأراديا للصورة و صاحبتها المفعمة بالحياة فاندفعت مغادرة و كأن صاحبة الصورة تتعقبها..

فتحت باب غرفتها ببطء و دلفت للداخل في حذر حتى وقفت بالقرب من الفراش ليطالعها محياه ممددا في منتصفه و على ما يبدو دارت هاهنا معركة بينه و بين غطاء السرير الذى تراه الان ملفوفا حول احدى ساقيه، اقتربت ووضعت كفها على جبينه لتشهق هي من شدة احتراق جبينه و ينتفض هو من لمستها دون ان يستيقظ، دارت حول نفسها لا تعرف كيف تتصرف في مثل تلك الساعة، و أخيرا اندفعت لشقة الحاج حسن تدق بابه، الذى فتح اسرع من عادته لانه كان يصلى بالقرب من الباب..

هتف متسائلا عندما طالعه وجهها المذعور: - خيرا يا ابنتى..!؟.
هتفت في توتر: - اسفة يا حاج، لكن، وأشارت لباب شقتها، ياسين حرارته مرتفعة جدا و لا اعرف كيف أتصرف في مثل تلك الساعة..
أجاب مطمئنا: - لا عليكِ يا ابنتى، عودى اليه، و انا سأخبر عِوَض بان يحضر الطبيب الذى يقطن على بعد بنايتين من هنا، نحن دوما نستدعيه للطوارئ، عودى الان و ابقى بجانبه...

أومأت برأسها إيجابا و اندفعت لشقتها في انتظار الطبيب و في طريقها للغرفة احضرت منشفة نظيفة و بعض الماء الفاتر..

دلفت للغرفة ووضعتهما على الطاولة بجوار السرير و جلست جواره تبلل المنشفة و تضعها على جبينه المستعر، وصلت درجة هزيانه لمستوى اعلى من حرارة جسده المنتفض و اصبح يلقى بهمهمات غير مفهومة بالمرة، لكنها استطاعت تمييز اسم كرره عدة مرات بوضوح، هاجر، هل هي تلك الشقراء التي يحتفظ بصورتها بالقرب من فراشه..!؟.

اعادت المنشفة للماء الفاتر مرة أخرى و في منتصف الطريق لجبينه سقطت المنشفة في حجرها و شهقت هي مصدومة حتى انها لم تنتبه للمياه التي بدأت تتسلل لعباءتها فأسمها الذى بدأ يهمس به الان، و طريقة نطقه أياه، جعلت الدماء تتجمد في عروقها، ألتفتت اليه فقد اعتقدت انها أُصيبت بعدوى الهزيان هي الأخرى، لكن، اسمها الذى كان يكرره الان
لا يمكن ان تخطئه اذنيها..

ألتقطت أنفاسها في صعوبة و انحنت قليلا تهمس بالقرب من أذنه: - انا هنا ياسين، ستكون بخير، انا بقربك..
كانت تتوقع ان كلماتها ستجعله يهدأ و يستكين و يتوقف عن تكرار اسمها و ترديده بهذا الشكل الذى يجعلها تفقد ثباتها و يتحرك بداخلها شيء ما لا تستطيع ادراك كنهه، شيء يشبه حنان أمومى عزته لحالته التي تراه عليها الان..

انتفضت، و ألتقطت المنشفة التي شعرت ببردتها أخيرا من حجرها و ألقت بها داخل طبق الماء و اندفعت تفتح باب الشقة الذى تناهى لمسامعها عدة طرقات عليه..
فتحت على عجل ليطالعها الحاج حسن و من خلفه الطبيب، أفسحت الطريق و دلتهما على الغرفة باشارة صامتة من يدها..
غاب الطبيب دقائق وما ان قررت اللحاق به الا و كان مغادراً الغرفة يتبعه الحاج حسن مستفسرًا..

أقر الطبيب في هدوء وهو يكتب وصفته الطبية: - سيكون بخير، انه يعانى من برد شديد، عليكم الاعتناء بطعامه، لا ياكل الا مسلوق و اعطاءه الدواء بانتظام، ثلاثة أيام و سيكون على ما يرام، و قبل ان انسى، انه غارق في عرقه نتيجة الحمى، لن اوصيكِ، قالها لمى و هو ينظر اليها، عليكِ بتغيير ملابسه بشكل دورى، كلما عاودته الحمى..
اصطبغ وجهها بلون قان و حمدت ربها انها لم تعترض برعونة كعادتها..

جذب الطبيب الورقة التي دون بها دواءه من دفتره ليختطفها الحاج حسن قبل ان تلتقطها يد مى..
و ينظر لها نظرة معاتبة، و يصطحب الطبيب للخارج..
تبعتهما مى شاكرة الطبيب و همس لها الحاج حسن بانه سيرسل عِوَض لشراء الدواء..
ابتسمت له ممتنة في وهن، ربت على كتفها بحنو أبوى و أشار لها لتعود للاعتناء بزوجها.

عادت للغرفة لا تدرى ماذا تفعل، و تاهت في كلمات الطبيب، حتى سمعت الطرق مجددا على باب الشقة، فتحت ليطالعها عِوَض و هو يفرك عينيه ليطرد اثر النعاس و هو يناولها الدواء الذى ابتاعه، مدت كفها تنقده ثمنه مع إكرامية كبيرة جعلت النوم يهرب من عيونه التي رقصت فرحا و هو يهتف بالدعاء لسلامة الدكتور ياسين، ابتسمت مى و دخلت لتباشر مهمتها من اجل ان يتعافى عدوها اللدود، و يعود لحجرته و يتركها تلوذ من جديد بمخبأها الوحيد، جدران حجرتها التي تفتقدها و بشدة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة