قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر

كانت رحلة العودة رحلة الصمت المطبق، لم تتفوه بحرف واحد منذ ركبت السيارة جواره ساهمة و غير قادرة على النظر اليه او التطلع لعيناه التي لاحظت نظراتها المركزة عليها في اكثر من مرة خلال الرحلة، حتى هو لم يحاول ان يستدرجها لمناقشة اى موضوع او حتى يسألها عن رأيها في بيت عمته و اليوم الذى قضياه هناك، كان كل منهما يحمل الكثير من الأسئلة و لا إجابات شافية تُريح..

انتفض كل منهما على صوت رنين جوالها الذى ألتقطته مسرعة تجيب في لهفة عندما طالعها اسم الحاج حسن يضئ على الشاشة..
-السلام عليكم يا حاج حسن، ماذا..!؟، صرخت في ذعر، حسنا نحن في الطريق إليك
لا تقلق، ستكون بخير..
نظر إليها مستفسرًا فما كان منها الا انها صرخت تستحثه الإسراع: - اسرع ارجوك، الحاج حسن ليس بخير، كان يعتقد اننا في الشقة، صوته غير مطمئن، اتصل بعوض و لم يجيبه..

هتف في قلق وهو يزيد من سرعة سيارته: - سيكون بخير باذن الله..
وصلوا أخيرا لبنايتهما و اندفع كلاهما للداخل ليستقلا المصعد الا ان بادرهما عِوَض هاتفاً: - الحاج حسن في المشفى، و طلب منى إبلاغكما..
لم ينتظر اى منهما عِوَض ليستكمل حديثه بل عادا ادراجهما للسيارة في عجالة، لحظات و كانا امام الاستقبال يسألا عن الحاج حسن..
اجابت الموظفة: - انه في غرفة العناية الفائقة..

اندفع كل منهما للبحث عن الطبيب المعالج و الوصول الى حيث يرقد ذاك العجوز الطيب الذى طالما كان حاضر في أحلك لحظات حياتهما منذ تعارفهما..
وقفت هي امام زجاج غرفة العناية الفائقة و تركت ياسين يتحدث مع الطبيب المعالج، لم يكن يعنيها الان الا ان تراه و يشعر بوجودها جواره..

كانت الى تلك اللحظة متماسكة لم تهتز الى ان رأت ابتسامته الباهتة التي ارتسمت على وجهه المتغضن الشاحب فانحدرت الدموع على خديها رغما عنها، لوحت له بكفها، فلوح بأطراف أصابعه التي استطاع تحريكها..
همست بلا إرادة و كانها مغيبة: - أبى، أبى، لا ترحل من جديد..
لم تكن تعلم ان ياسين يقف خلفها يتابع ذاك المشهد متأثرا لكنه اندهش فها هو الان يدرك ما.

لم يكن يعلم له سبب واضح، كان دوما يتساءل عن سبب تعلقها الشديد بالحاج حسن والان و في تلك اللحظة ادرك تماما مقداره عندها..
ربت على كتفها مؤاذراً أياها، وهمس مطمئناً: - سيكون بخير صدقينى، طبيبه المعالج اخبرنى انها أزمة بسيطة و سيكون بخير خلال أيام باذن الله..
هتفت في لهفة: - حقا قال ذلك..!؟، هل سيكون بخير..!؟.

أومأ ياسين مؤكدا، فعادت هي تنظر من خلال الحائط الزجاجى على جسد الحاج حسن المسجى في سكون يتصل بالكثير من الأنابيب و الخراطيم الطبية و هي تدعو له بالشفاء..

ربتة خفيفة على كتفها من الممرضة جعلت مى تنتفض في ذعر: - ماذا هناك..!؟، هل هو بخير..!؟.
هدأتها الممرضة و هي تتلفت حولها خوفا من ان ينتبه اليها احد و هي تهمس لمى في حذر: - نعم هو بخير، ألست الدكتورة مى ابنته، هو يريد ان يراكِ، لكن، لا تطيلى البقاء لان هذا سيعرضنى للمشاكل.

أومأت مى إيجابا و هي تمسح وجهها بكفيها و تستدعى ابتسامة جاهدت لرسمها على شفتيها قبل ان تدلف للغرفة في حذر و تقترب من فراشه، ما ان شعر بوجودها حتى فتح جفونه المرهقة و ابتسم في شحوب: - كيف كانت رحلتكِ..!؟، أرجو ان تكون سعيدة كما تمنيت.
أومأت مؤكدة: - أه، سعيدة جداا، صمتت قليلا قبل ان تقول متأثرة: - قلقنا عليك كثيرا و خاصة عندما عدنا و اخبرنا عِوَض بما حدث.

-أنا بخير، و في انتظار وليمة من يدكِ عند خروجى سالما باذن الله، ابتسم محاولا أشعارها بانه على خير ما يرام، صمت كلاهما للحظات الا انه طلب منها الاقتراب، اقتربت بالفعل وجلست على حافة فراشه فقال بصوت واهن لم يستطع ان يكسوه بالمرح كعادته: - مى يا بنتى..!؟.
اجابت بنبرة محتقنة تأثرا للفظة ابنتى: - نعم..

همس: - عيشى يا مى، لا تجعلى الماضى يجذبكِ لخيباته من جديد، ما كان قد كان، أمامكِ حاضر يناديكِ و انت تصمين أذنيكِ عن سماع نداءاته، انتزعى فرحتكِ و سعادتكِ بيديكِ لا تنتظرى ان تكون سعادتكِ منحة يقدمها احدهم، ان السعادة و الراحة هي حقكِ بعد كل معاناتكِ، انتِ تستحقيها، و بجدارة..
و أشار بكفه إشارة خفيفة أدركتها هي لتنظر حيث أشار لتجد ياسين يقف يتابعهما خلف الجدار الزجاجى..

دمعت عيناها، كانت تتمنى ان يكون بخير الان لتخبره بكل ما حدث و كل ما قالته عمته، تخبره باعتراف قلبها و شقاء روحها لذاك الاعتراف، تخبره انها تريد السعادة بل تتمنى قربها لكن يبدو ان السعادة لها رأى اخر..
كم هي بحاجته، و كم تحتاج لمشورته و رأيه السديد، كم تحتاج لمن ينير بصيرتها في عتمة المعاناة التي تعيشها الان..

ربت الحاج حسن على ظاهر كفها و هو يؤكد عليها: - ستكون السعادة من نصيبكِ، انا اعلم ذلك، هيا اخرجى قبل ان يتنبه احدهم..
أومأت موافقة و نهضت في تثاقل باتجاه الباب و نظراتها لم تفارق محياه حتى ما ان همت بفتح الباب قال: - عند خروجكِ ارسلى لى السعادة و غمز بعينيه مشاكساً، فابتسمت في حبور و قد ادركت انه بإشارته للسعادة، كان يقصد ياسين الذى كان لايزل منتصبا خلف الجدار الزجاجى يتابعهما في اهتمام و فضول.

فتح ياسين باب الشقة مسرعا بعد ان سبق كل من مى تسندها الدكتورة نادية صديقتها ليفتح الباب على مصرعه..
وقفت مى متسمرة للحظات وهى تخرج من باب المصعد بصحبة صديقتها وتلقى نظرة حزينة مطولة على باب الحاج حسن رحمه الله..

أسبوع قد مر منذ وفاته وهى لم تحتمل صدمة رحيله، سقطت بين ذراعى ياسين في المشفى لتنتقل لعالم اخر من اللاوعى، أسبوع كامل لا تدرى ما يحدث حولها تعاقب على خدمتها الجميع، نادية و ياسين و حتى اختها سماح تركت اطفالها في عهدة زوجها و أتت، كانت تراهم كأطياف غير حقيقية عندما كانت تستفيق للحظات من لاوعيها الجميل، ذاك اللاوعى الذى قابلت فيه كل من كانت بشوق اليهم، ابيها و أمها و الحاج حسن ابيها الثانى..

دمعت عيناها و تحركت في وهن باتجاه باب شقتها و هي لا تحتمل النظر مرة أخرى باتجاه شقة الحاج حسن الخالية منه و التي تعرف انه لن يخرج اليها اذا ما دقت بابه..
سارت لحجرتها و جلست على طرف فراشها وهى تهمس لنادية: - أتعبتك كثيرا و أخذتكِ من بيتك و اولادك، انا بخير الان..
هتف ياسين محاولا ترطيب الأجواء الحزينة بنبرة مازحة: - و انا هنا أيضا، فلا قلق على الإطلاق، فانا طبيب بالمناسبة..

ابتسمت نادية بينما ظلت مى ساهمة: - بالطبع يا دكتور ياسين..
همست مى مجددا وهى تدفع صديقتها للخارج: - هيا يا نادية، عودى لبيتكِ و حياتكِ التي انقلبت رأسا على عقب الأسبوع الماضى كله بسببى..
ضحكت نادية: - حسنا، لا داعٍ لطردى سأرحل اذا كان هذا سيرضيكِ، فتحت نادية باب الشقة مازحة: - لكنى سأعود وسأحضر الأولاد معى و ساعتها لن تستطعى التخلص منا بسهولة..

هتف ياسين من خلفهم مازحاً: - رجاءً احضريهم فانا اعشق الأطفال سنلهو حتى نسقط انهاكاً، ستكون خطة رائعة لنجعل مى تهرب من الشقة طالبة العفو والسماح..

انفجرت نادية ضاحكة بينما حاولت مى رسم ابتسامة مجاملة على مزاحهما البرئ، هو برئ بالفعل لكن المشكلة لديها هي، و هي تعلم ذلك، ما ان أتى على ذكر الأطفال و عشقه لهم حتى تداعى امام ناظريها لهوه مع أولاد اختها و كذلك أولاد نادية عندما قابلهم في احدى المرات التي أتت بهم اليها و أخيرا صالح و اهتمامه و حبه له، كل هذا جعلها تدرك انه فعلا يعشق الأطفال و كلام عمته بانها ترغب له في حياة مستقرة و أطفال كثر يكونوا لها أحفادا..

انتفضت مى لتخرج من خواطرها الموجعة عندما انحنت نادية لتقبلها قبل ان تفتح الباب و ترحل باتجاه المصعد الذى ما ان وصل لطابقهما حتى خرج منه رجل أشيب ذو حلة رمادية وحقيبة عملية يتطلع حوله حتى وقع ناظريه على باب شقة مى وياسين الذى كان ياسين يهم باغلاقه فهتف يستمهله: - من فضلك، هل هذه شقة الدكتورة مى الرفاعى..!؟.

تطلع به ياسين متعجباً و هي تقف خلفه لا تدرك ما هناك حتى أجاب ياسين: - نعم هي، هل من خدمة..!.
اومأ الرجل: - نعم، انا اريد مقابلتها رجاءً
خرجت مى من خلف ياسين هاتفة: - انا الدكتورة مى، ماذا هناك..!؟.
هتف الرجل: - انا محام الحاج حسن الصواف مالك هذه الشقة، و أشار لباب شقة الحاج حسن رحمه الله، فهل يمكننى الجلوس معكِ لأمر هام..!؟، و الرجاء احضار تحقيق للشخصية حتى اتاكد انكِ هي..

نظرت مى لياسين متعجبة فهتف ياسين وقد اتخذ القرار نيابة عنها و هو يفسح المجال للرجل حتى يدخل و يجلس في وسط الردهة تماما و لا يضيع الوقت حتى يضع حقيبته التي كان يحملها فوق الطاولة و يفتحها في اللحظة التي جلس فيها ياسين و مى متعجبين..
قال الرجل أمرا و هو يوجه حديثه لمى: - هل يمكننا البقاء بمفردنا..!؟.

هتف ياسين بغيظ: - بالطبع لا، لن ادع زوجتى مع رجل غريب لا اعرف من هو من الأساس، احمد الله أننى سمحت لكِ بالدخول
و الجلوس معها في وجودى..!؟.
و كأن ما قاله ياسين لم يأت على هوى الرجل فقال لمى: - هل انت موافقة على بقاءه..!؟.
هتف ياسين بحنق بالغ: - اللهم طولك يا روح..
ألا تفهم، انا زوجها..
هتفت مى لتنهى الخلاف: - نعم انا موافقة، فهو زوجى كما اخبرك..

هتف الرجل في لامبالاة: - حسنا، طالما انت موافقة، لا بأس، فهى اسرار العملاء و على الحفاظ عليها..
هتفت مى: - اسرار..!؟، أي اسرار..!؟.
قال الرجل: - انا محام الحاج حسن الصواف رحمه الله..
هتف ياسين ساخراً: - سبق ان عرفت نفسك، تشرفنا و ماذا بعد..!؟.
اخرج المحامى عدة أوراق من حقيبته و قدمها لمى مع قلم أمرا: - الرجاء وضع توقيعكِ الكريم على هذه الأوراق..!؟.
هتف كل من مى و ياسين في صوت واحد: - أي أوراق..!؟.

هتف المحام في نفاذ صبر: - أوراق نقل ملكية شقة الحاج حسن الصواف رحمه الله للمدعوة مى الرفاعى، ألست هي..!؟.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة