قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر

سقطت بين ذراعيه، فحملها آسر وكاد بالخروج بها من تلك الغرفة، ولكنه توقف حينما منعه أبيه قائلًا بغضبٍ:
فوق مرتك واهنه يا آسر، شكل نهاية مهران هتبقى على يدها..
ابتلع ريقه بصعوبةٍ، ثم ردد باندفاعٍ:
الكلام ده كدب وأكيد أنت اللي ورا الموضوع ده لاجل الدم اللي بينكم وبين المغازية ينتهي..
صاح به عمر بصوتٍ كالسهام:
إخرس، الوساخة دي متخرجش منك انت مش من كبيرنا وكبيرك..

انتقلت نظرات أيان المشتعلة تجاه مهران، واستعدى تفكيره الدقيق ليحكم فيما قال وحدث، فكانت تلك الدقائق القليلة التي استغرقتها تسنيم لتعود لوعيها هي الأصعب على الإطلاق، فبدأت بفتح عينيها تدريجيًا وما أن وجدته مازال يقف مقابلها حتى ارتجف جسدها مجددًا، وأبهت وجهها بصورة ملحوظة للجميع، فلم تكن بالنسبة لآيان تمثل دور أو تكذب، لا بل كانت حقيقة واجب تصديق كل حرفًا تتفوه به وخاصة بحالتها التي تصدق ما تقوله، نهض فهد عن مقعده ثم دنى للأريكة التي تستلقى عليها، ليسألها بهدوءٍ:.

متخافيش يا بتي محدش يقدر يأذيكي، اتكلمي وقولي شوفتي أيه ومين اللي عمل اكده؟
ارتعبت من حدة الموقف الذي تخوضه، فتشبثت بذراع زوجها الذي يمسك يدها، فشعر بما تخوضه لذا أشار لأبيه فتفهم الأمر وتركه له الأمر، فأنحنى آسر لمستواها ثم قال:
ده الراجل اللي كنتي كلمتيني عنه!
أومأت برأسها عدة مرات وهي تجاهد للحديث:
هو اللي حكيتلك عنه، أنا شوفته بعيني وهو بيغتصب واحدة ست وبيخنقها بايده وبيرميها في الترعة.

ثم أشارت بيدها تجاه الباب وهي تردد بارتباكٍ:
من أول مرة دخلت فيها البيت ده شوفت الصورة الكبيرة الا على السلم اتصدمت لما شوفته فيها، ولما سألت الشغالة قالتلي ان واحد منهم يبقى جدك وواحد يبقى ابن عمه، أنا سكت كل المدة دي لاني كنت فاكرة انه جدك واللي جنبه كنت فاكراه ابن عمه.

جحظت عين مهران بصدمة، فكيف لها أن تعرف تفاصيل ما حدث بذلك اليوم، بالطبع تلك الفتاة كانت بمكان الحادث بذلك اليوم، ولا شك بأن لا مفر من الهروب الآن وقد انكشف سره أمام الجميع وبالأخص أيان المغازي، تراجع للخلف بتوترٍ حينما وجد فهد يقترب منه والشرار يتطاير من عينيه:
أنت!
وتساءل بصوتٍ جلد جسده كالسواط:
طيب ليه!

وزع مهران نظراته المرتعة بينه وبين الجميع، فوجد نفسه بين دائرة محكمة من الصعب الخروج منها، لذا أجابه بما خبأه بداخله من كرهٍ شديد:.

أيوه أني اللي عملت اكده، ومستعد أعمل أكتر من اللي عملته لأجل سيرتك وسيرة عيلتك تبقى في الأرض ويبقالنا فرصة إننا ننمسك مكان جدك فزاع، إحنا الأولى بسيادة البلد كلتها مش انت ولا أبوك اللي طول عمره بيتنطط علينا وأخرتها تمسك انت بداله وعايز تمسك عيل مكملش لسه التلاتين وتخليه كبير علينا...
واستكمل بحقدٍ دافين لفهد وعائلته:.

كنت زمان بحاول أخلق أي مشاكل قبل ما أبوك يستلم مكان جدك بس كل مرة كان بينفد منيها بسببك، كان سهل عليا اني أقتله واتخلص منيه بس ده مكنش هيبقى في صالحي لان الدهاشنة كلتها بتحبك وأكيد هتكون أنت اللي بعده، عشان اكده كان لازمن أشوه سمعته قبل ما أتخلص منيه، وهو قدملي ده على طبق من دهب لما قلبه مال لعيلة صغيرة وكان هيحبها قوي ولانه كان فاكر اني صاحبه كان بيقولي كل حاجة، وعرفت منيه انها بعد ما اتجوزت مكنتش مرتاحة مع جوزها وطلبت اكتر من مرة الطلاق على أمل انه يتجوزها بس ابوك وهدان رفض عشان الوعد اللي قطعه لجدك فزاع وعشان كان خايف عليك، استغليت الفرصة وروحت وقابلتها واقنعتها اني مرسال منه وهي صدقت ده لاني قولتلها معلومات مؤكدة عن علاقتهم السابقة، وبقينا نتقابل كل يوم والتاني واوصلها جوابات كنت بكتبها بخط ايدي، لحد اخر مرة اديتها الجواب وكنت كاتب فيه ان وهدان هيهرب معاها وكتبتلها العنوان، ولما راحت في الليل للمكان اللي اني كتبتهولها امالها خابت لما لقتني اني اللي مستنيها وحصل اللي حوصل واللي شافته مرت ابنك بالصدفة...

واعتلى وجهه ضحكة شيطانية وهو يسترسل بمكرٍ:.

بس بعد كل اللي عملته ده وبرضه كبروك علينا وخلوك كبيرنا، اللي عملته انت شفعلك وخلى سلسال الدهاشنة ينسوا الفضيحة، فمكنش ينفع اقف عكس التيار لاني بكده هعادي كل اهلي، فعرفت كيف افوز بقلبك واتقربلك لما خليتك تظن ان تار ابوك عند عيلة الطلحاوي وقتلت منيهم واحد وكان لازمن تتجوز مرته واني اللي اتجوزتها بدالك وشالتلهالي جميلة لحد دلوقت، وبعد كده كان دور الواد الصغير ابن ناهد انه يؤدي باقي الدور من غير مساعدة مني..

واتجهت نظراته لأيان الذي يحدجه بنظرات قاتلة كنسل السيف الذي يتلاعب بجوار عنقه، ولكنه تراجع حينما أبعده سليم وهو يشير له بالصبر لسماع باقي الحقائق وما ارتكبه ذاك اللعين الذي ادهش الجميع، فعاد ليخبرهما بغرورٍ لما فعله:.

ولاجل الحق خالته قامت بالواجب وزيادة، مهو اني اتعلمت اني يكون ليا عيون في كل مكان، وكانت اخبارهم بتوصلني اول باول، ومستغربش انك يا فهد تعمل كده، لانك طول عمرك عايش في توب النزاهة والشرف، يمكن لو كنت عملتها كنت عرفت اللي ناوي يعمله في بتك، بس اني كنت داري بكل حاجة من الاول وكنت مستني اللحظة اللي هيكسرك فيها قدامنا، يمكن غرورك وكبريائك ده ينكسر، بس اللي حصل كان عكس ده تمامًا، لساك واقف على رجلك وبتكابر وبتدي أوامر فينا بكل بجاحه بعد اللي عملته بنتك.

كاد آسر بأن يفتك به ولكنه تراجع حينما اعترض ذراع فهد الطريق ليشير له بالتراجع والصمت لسماعه، فعاد الاخر ليستطرد بعنجهية:.

كنت فاكراك هتتحرك وهتاخد اي خطوة، بس اللي حصل بعد كده مكنش في صالح خطتي لما اتبرعت لبتك وخليت ابنك يبان قدام الكل انه ساعد خيته، خوفت العداوة اللي زرعتها بين العيلتين على امل انكم تخلصوا على بعض ويفضلي الطريق، خوفت ان كل ده يروح على الفاضي عشان اكده خطفت اخته وكنت بحاول اوقع ابنك في الغلط ويعمل معاها الرزيلة، وساعتها النار مكنش في شيء يطفيها، بس برضه خاب املي فيه ولقيته بيتحداني وبيساعدها، جيت للحق متفاجئش اوي لانه عبيط واهبل كيف أبوه اللي رباه..

تلك المرة طالته صفعة زلزلت خديه وجعلته ينزف دماءًا غزيرة، فرفع وجهه ليجده فهد، الذي تحرك تجاهه وهو يردد بغضبٍ غير محمود:.

ابني شهم وراجل كيف ابوه، مهوش بوساختك وحقارتك، طول عمري واني قاري الشر في عينك بس القرابة اللي بنتنا ومعزة ابوي ليك هي اللي كانت بتشفعلك عندي، لكن دلوقت مفيش اي شيء هيشفع لعمايلك، لانك اتسببت في وجع واعر ليا ولبتي ولشاب عاش عمره كله يدور على تار كان عندك انت من البداية، وساختك دي نهايتها الموت يا مهران وعلى يدي..

تعالت ضحكاته ومن ثم سكنت معالمه ونظراته تحاكي شرًا عظيمًا، ليأتيهم من بعدها كلماته الخبيثة:
عارف انك هتجلتني بس اني مش ناوي اضيع موتي اكده..
ثم اخرج سلاحه وسلطه على أيان وهو يردد بابتسامة تحمل مرض وكره وحقد يكفي عالم بأكمله:
اللي بينك وبين المغازية مش هينتهي بموتك يا فهد، واد المغازي دخل اهنه برجليه ومن غير سلاح وانت جتلته في دارك ووسط اهلك ده كفيل انه يشعلل نار عمرها ما هتنطفي..

وأطلق الزناد ليعلوي صوت الطلق الناري، ومن خلفه طلقة أخرى خرجت من سلاح فهد الى رأس مهران في محاولةٍ لإنقاذ أيان، ولكنه وجده مدفوع أرضًا، والدماء تنسدل من الجسد الذي يعلوه، خفق قلبه ببطءٍ كبطء نظراته التي ترتفع تجاه هذا الجسد، وكل احتمال أصعب من الذي يسبقه، فوجد الطلق الناري يستقر بين أضلاع فلذة كبده الذي قرر أن يضحى بنفسه لينهي هذا العداء الذي لا نهاية له، وجده يسقط أرضًا ورأسه مرفوع يشيعه بنظرة عمق أخيرة، كل ذلك يحدث أمام أعين الجميع وكلا منهما في صدمة لا يقوى على تحملها او التغلب عليها، الى أن أفاقت تسنيم من تأثيرها أولًا، فصرخت بصوتٍ صمم الآذان:.

آسر!
هرع إليه أحمد، ويحيى فسانده كلا منهما قبل أن يرطم جسده بالأرض، وصرخ سليم بابنه بدر وهو يأمره بانهيارٍ:
اطلب الاسعاف يا ولدي.
سقط أرضًا لجواره وهو يبكي كالطفل الصغير لجوار ابن عمه، فتحمل عبد الرحمن على نفسه ورفع الهاتف ليطلب الاسعاف بقلبٍ منفطر على رفيقه..

رمش فهد بعينيه عدة مرات وهو يحاول استيعاب ما حدث للتو، فترك عصاه التي ارتجت أرضًا خلف ابنه عصبه وسنده الوحيد، ومن ثم لحق بها ليغدو قريبًا منه، فهز بيده قدميه وهو يناديه بتحمل ومصابرة الا تنهار حصونه أمام أحدًا مثلما اعتاد:
آسر، ولدي!، قوم أنت أقوى من أي حاجة يا ولدي..
بكى عمر وهو يستمع إليه، فضمه لصدره وهو يقول ببكاء:
هيقوم منها يا فهد، ولدك قوي وميغلبوش الموت اتحمل..

رجال الدهاشنة متحملين الصعاب، سيطر عليهم العويل والبكاء لأجل من طيب خاطر الجميع وكان وافيًا للصغير قبل الكبير، لأجل من يستحق أن يكون سيدهم وكبيرهم المستقبلي، فكان يستحق لطيبته ونبل أخلاقه، ها هو الآن يختار حمايتهم في أخر لحظاته، فضل الموت على أن تعاني عائلته من جديد، اختار ان يكون بدل من أيان بصدرٍ رحب، والاخير يقف بالخلف يتأمل ما يحدث بصدمةٍ، فمن كان يود قتله والتخلص منه حماه من غدر رصاصة طائشة، ستر عرضه أولًا ثم فداه بروحه، بعد كل ما فعله به!.

كانت تلك الدقائق ثقيلة على الجميع، مرت كثقل عمرًا بأكمله، فما بالقلوب ليست محبة زائفة بل نبعًا صافي نجح نسل العائلة بزرعها بقلوبهم، الجميع كان في حالة لا يرثى لها وقد تسلل الحزن من داخل تلك الغرفة الصغيرة لخارج ارجاء السرايا، حينما ولج المسعفون بالحمالة المتحركة للداخل، فانخفض الطبيب ليتفحص نبضه، يود بالبداية معرفة ان كان حيًا يرزق أم تغلب عليه الموت، تلك اللحظات التي قضاها بالكشف عليه كان يتلاعب باعصاب الجميع وعواطفهم، فرفع رأسه للمسعفون والجميع يترقب لما يقول:.

في نبض، لسه عايش...

هرع اليه المسعفون فحملوه ليخرجوا به لساحة المنزل، في ذات الوقت الذي تهبط به رواية وجميع نساء المنزل لمعرفة ما يحدث اسفل، فقد أحدثت سيارة الاسعاف جلبة عظيمة، توقفت محلها وهي تتطلع لمن يحملوه، فدنت منهما وقلبها يتمزق في حين ان عقلها يرفض تصديق ما تراه، ابنها الحبيب تغرقه الدماء وكأنه غرق ببحرًا صنعه بدمه، وزعت النظرات بينهما وكأنها لا تصدق، امازالت غافلة وتحلم بحلمٍ بشع، حتمًا ستفق بعد قليل، ولكن بكاء تسنيم وانهيارها، وبكاء زوجها الغزيز جعلها تفق على ارض قاسية بواقعها المؤلم، لذا صرخت باعلى صوتها وبكت وهي تناديه:.

ابني، آسر!
أبعدها الطبيب عن طريقهما ثم ركضوا به للسيارة في سباق قاسي مع الوقت، فحياته مرهونة ببضعة دقائق أخرى، أسرعوا للمشفى وخلفهما اسطول من السيارات تحمل كل محبينه، كل يدعو من صمام قلبه أن لا يفارق الحياة..

توقف السعي خلفه حينما أغلق الأطباء باب الجراحه من خلفه، ليقف الجميع بالخارج، طرقت تسنيم باب الغرفة وهي تبكي بحرقةٍ وألم لن يسع وصفه، فضمتها نادين لاحضانها وهي تبكي هي الاخرة، ولجوارهما كانت تجلس رواية متكأة بجسدها على ذراع زوجها، ساكنة كالصنم الذي فارق مذاق تلك الحياة، يحاول فهد بأن يجعلها تستوعب واقعها ولكن عينيها كانت مسلطة على الغرفة والدموع تهبط في صمتٍ تام، ولجوارهما كان يجلس الشباب أرضًا يبكي كلا منهما كالطفل الصغير، نقيض رجولتهم التي كانت تزينهما..

وعلى قرب منهما كان يقف أيان يراقب ما يحدث بقلبٍ مفطور، لم يكره نفسه مثل ذلك الوقت، لطالما حمل الضغينة والكره لفهد وعائلته وهو الآن يتلقى صدمة خلف صدمة حتى أصبح رأسه مثقوب ولم يعد يحتمل كل ذلك...
وفجأة انفتح باب الغرفة ليظهر أحد الاطباء من أمامهما، فانقبض قلب الجميع لتوقع ما سيستمعوا اليه وخاصة بأن الطلق الناري كان قريب من موضع قلبه، فقال الطبيب بلهفة:
محتاجين حد زمرة دمه +B..

نهض أحمد عن الأرض ليسرع إليه وهو يردد:
نفس زمرة دمي..
أومأ الطبيب برأسه ثم أشار له بالدخول بينما ظل هو محله وهو يخاطب فهد قائلًا:
مش كفايا المريض فقد دم كتير، ياريت تشوف كمان متبرع باسرع وقت..
أتى رد من خلفهما يردد:
أنا ممكن أتبرع..
سُلطت النظرات عليه، فتقدم أيان الى الطبيب وهو يقول بحزن:
نفس الزمرة..
ردد الطبيب بفرحة:
عظيم، كده أفضل لاسعاف المريض..
وأدخله للداخل ثم اغلق الباب مجددًا، ليسرع بانقاذ المريض..

ساعات ظل بها الجميع بالخارج، يترقبون لحظة خروجه او سماع ما يطمن بالهم، الممر كان مزدحمًا للغاية، فالامر ليس مقتصر على العائلة فقط بل أتى من أكرمهم وأحسن اليهما ذاك الذي ينازع للحياة، أتوا جميعًا يدعون اليه بأن لا يخيب الله عز وجل رجائهم، فخرج الطبيب بعد تلك الساعات، ليقترب من فهد الذي أسرع بالوقوف من أمامه فقال بمهنية:.

احنا عملنا كل اللي علينا، بس الاصابة للاسف خطيرة لانها كانت جنب القلب، الاربعة وعشرين ساعة الجاين دول هما اصعب حاجة، وبناء عليهم هنقدر نقيم حالة المريض، ادعوله.
وتركهم يحاربون تلك الكلمات القاسية وغادروا، كل ذلك ورواية كلوح الثلج الذي يذوب رويدًا رويدًا، وعلى وشك الانصهار حتمًا..

انتقلوا جميعًا أمام الغرفة التي انتقل اليها بالعناية المشددة، ورفض الأغلب العودة لمنازلهم حتى حينما رفض الاطباء تجمعهما، فبالنهاية تلك مشفى ولا يسمح بذلك العدد، ولكن احترامًا لهيبة فهد ومركزه سمحوا لهما بالبقاء، جلس الجميع أمام الغرفة حتى ساعات الليل المظلم، فقال فهد ليحيى وبدر:
خدوا البنات وارجعوا انتوا، ميصحش يفضلوا اهنه وسط الرجالة.

أومأ كلا منهما برأسه واتجهوا ليخبروهما بالرحيل، فغادر الجميع الا تسنيم ورواية، بعد رفضهم التام بالرحيل وسماح فهد لهم بالبقاء، فدفعت ماسة مقعد روجينا حتى وصلت للدرج القصير الذي يفصلهما عن الهبوط، فمن كان يحملها بين يديه أخيها، من سيفعلها الآن..

انهارت دموعها واحتضنت وجهها بين يدها وهي تدعو بأن ينجيه الله، فشعرت بجسدها محمولا وحينما ابعدت يدها وجدت أيان من يحملها، فلم يكن يستعد لرؤية رجلًا يحملها بين ذراعيه حتى وان كان من ابناء عمها، منحته روجينا نظرة كره ولوم على ما وصل به أهلها من خلفه، فمازال تفاصيل ما حدث بتلك الغرفة مبهمة للجميع، فقالت بكراهية:
أنت ليك عين تيجي هنا بعد كل اللي عملته، المفروض تكون فرحان خلاص حلمك اتحقق واخويا بيموت..

استكمل طريقه للاسفل وقال وعينيه الدامعة تتهرب من نظراتها:
أنا ماليش علاقة باللي حصل لآسر، الحقيقة بانت وعرفت مين اللي كان السبب في موت أمي، أنا غلطت والغلط اللي ارتكبته بشع وملوش سماح والأبشع من كل ده أن اللي حماني من الموت هو اخوكي!
ضيقت عينيها بذهول وعدم استيعاب لكلماته المبهمة، فحتى الوقت ليس بالمناسب لسماع تفاصيل تعلمها بما حدث.

وضعها أيان بسيارة يحيى الذي انطلق خلف سيارة احمد ليعود بالنساء للمنزل، بينما صعد أيان للمشفى مجددًا..

دقت الساعة الرابعة صباحًا والنوم لم يزور جفن أحدًا، ومن خلف ذلك الهدوء، اصطكاك حذاء يقترب منهما حتى توقف مقابل فهد، فرفع عينيه ليجد فاتن تقف أمامه باكية، فاقترب منهما ايان ثم سأل خالته باستغراب:
جاية ليه؟
تجاهلت سؤاله ثم قالت وعينيها على فهد:.

أني جيت مش لشماتة والله العظيم، اللي جوه ده أتقذ شرف بتي وأنقذ حياة ابني من الموت، اللي عمله خلاك كبير في نظري طول العمر يا فهد لانك عرفت تربيه زين، أني جيت ادعيله ان ربنا يقومه بالسلامة ومفيش في نيتي اي شر..
لم يكن بحالة تسمح له بالحديث فاكتفى بهز رأسه بهدوء، فجذبها ايان لتقف لجواره ومازال مصدومًا من بكائها الحارق.

تلك المرة فشلت الممرضة بابعاد تسنيم عن الغرفة، فما أن خرجت من الداخل حتى تسللت هي، فوقفت أمام الحائط الزجاجي مسلوبة لكل طاقة قد تدفعها للمضي قدمًا، تخشى أن تراه بحالة قد تحطمها ومع ذلك تحدت كل صعابها واخترقت الحاجز فاهتز جسدها رعبًا من فرط الاجهزة المدثوثة بين جسده وبالأخص فمه وصدره العاري، احتسبت تلك الشهقة داخلها، وقدميها ترتعش ما بين الخروج والاقتراب قلبها ينتفض، فلم تكن بتلك الجريئة يومًا فقلبها رقيق للغاية، ولكن هل سترحل وتترك صمام أمانها!

لا حطمت مشاعرها ودنت حتى أصبحت قريبة منه، فوضعت يدها بين يديه وهي تهمس ببكاءٍ حارق:
بالله عليك قوم، متسبنيش لوحدي أنا وحيدة من غيرك ولو حواليا الدنيا كلها، أنا مقدرش أكون من غيرك لإني ضعيفة ومكسورة ومقدرش اواجه أي حاجة ممكن تقابلني أنا وابني...
ثم مسحت دمعاتها وهي تعاتبه بانهيارٍ:
مش انت وعدتني انك مش هتتخلى عني، ايوه يا آسر أنت وعدتني وأنت عمرك ما بتنسى وعد اخدته على نفسك..

وجدته ساكنًا، لا يجيبها بحركةٍ حتى أو أي رد فعل، فوضعت رأسها على كتفيه الأخر وانهارت بالبكاء وهي تردد بشهقاتٍ تذبح صدرها:
أنا هموت من غيرك والله العظيم، عمري ما اتخيلت اني هعيش لحظة مرعبة زي دي، قوم متختبرنيش اكتر من كده..
وانهارت بنوبة من البكاء، فانهمرت دمعاتها على كتفيه العاري.
ارتعش جفنيه وكأنه تأثر من ملامسة جراحها ودمعاتها الحزينة، فجاهد ذاك الظلام الدامس، وبصوت مرتعش همس:.

م، ش، ه، س، ي، ب، ك(مش هسيبك، ).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة