قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث عشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث عشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث عشر

خفق قلبي عشقًا؟!، وتمرد ليخبرني بأنك من منحته الشوق وغلفته بمشاعرٍ خلقت لأجلك أنت، ربما أنا امرأة ناضجة، ولكن بحضرتك أشعر وكأني طفلة صغيرة تتمسك بيد أبيها، طفلة غير تبالي بما قد يدين أنوثتها، طفلة تشتاق لك وتضمها إليك لتحتويها بحنانك ودفء مشاعرك، فكنت أنت الفارس المختار الذي حملها على فرسه المطيع لينجو بها من وسط تلك الغيمات المظلمة، فلم تكن آسرها فحسب، بل ميثاق قوي لعشقها العفيف، فتلك الدقائق التي تمر عليها وهي بإنتظاره تعد كثقل دهرًا بأكمله، فمازال بالأسفل بصحبة الشباب الذين أصروا على أن يمضي الليل بصحبتهم، وحينما انتهى الحديث بينهما، صعد آسر لجناحه وهو يحرص الا يصدر صوتًا قد يزعجها، فبالطبع سيجدها تغفو في ذاك الوقت المتأخر من الليل، وما أن أغلق باب الغرفة حتى وجد ذراعيها تحتضنه من الخلف، أنتعشت نبضات قلبه بقربها الشديد منه، وخاصة حينما مالت على رقبته لتهمس له بحنينٍ:.

وحشتني..
استدار تجاهها وعينيه تهيم بالتطلع لعينيها، لتختطف ثوانٍ اجتازهما غرق بين غرامها، فقربها منه وأصابعه تلامس شفتيها بحركاتٍ ارتجف جسدها لأجلها، وخاصة حينما همس لها:
مش أكتر مني..

تلك المرة قابلته على درب الشوق، فلم تتركه يجتاز طريقه بمفرده، كانت تلبي دعوته بصدرٍ رحب، وقلبها يخبره أبيات بعشقه الذي بات يغلب ضعفها، دقائق مضت وهي غارقة بعالمه، فابتعد عنها وصدره يلهث بقوةٍ، ومع ذلك ضمها إليه، فقالت بحزنٍ سيطر على فرحها:
أنت ازاي كنت عارف تنام بالمستشفى وأنا هنا مكنتش بدوق طعام النوم!
ضحك وهو يجيبها باستنكارٍ:.

هو يعني كان بمزاجي! أنا كنت بأخد الادوية من هنا وبسافر في دنيا تانية يا تسنيم.
مرمغت رأسها بين صدره ولسانها يردد بعشقٍ:
أنا من غيرك كنت حاسة أن حياتي واقفة يا آسر، متبعدش عني تاني..
أبعدها عنه، ثم تطلع لها بدهشةٍ، قبل أن يتساءل بشكٍ:
أنتي فيكي أيه بالظبط، من ساعة ما رجعت من المستشفى وأنتي مش طبيعية..
ثم رفع يديه على جبينها ليستكشف حرارتها، فقال بخبثٍ:
لا مش تعبانة، بس أنا متأكد إن فيكي حاجة غلط..

منحته ابتسامة أربكت جوارحه، وخاصة حينما قالت:
تقدر تقول إن الفترة اللي فاتت خلتني أندم على أني كنت بخبي حبي ليك، فلازم تأخد على كده كل يوم هقولك أنا بحبك أد أيه.
أبعد تلك الخصلة المتمردة على عينيها، ثم قال ببسمةٍ لم تفارقه منذ سماع تلك الكلمات التي أفتكت به:
هو أنا أمي راضية عني ولا أيه بالظبط..
أخفت وجهها بين أحضانه، فمازحها قائلًا:
لو كنت أعرف أن الرصاص هيعمل فيا كده كنت خليت مهران ضربني من زمان.

لكزته بغضبٍ، فتأوه بوجعٍ مصطنع، جعلها تبتعد عنه وهي تتفحص صدره العاري وهي تردد بخوفٍ:
أنا آسفة والله مقصد، حصلك حاجة..

ضغطت بأسنانها على شفتيها بعنفٍ حينما رأته يضحك بمكرٍ، فسددت له بغيظٍ عدد من اللكمات، كتف آسر ساعديها معًا خلف خصرها، ومن ثم نهض ليجبرها على التمدد، لفرق قوته الذكورية عن جسدها الهزيل مقارنة به، فكان لنظراته دفوف لناقوس خطرًا سيطوفها من جديد، فأقتطف ورقة من ريحقها وهو يهمس له ببطءٍ جذاب:
وفري مجهودك يا روحي، لإنك مستحيل تقدريلي.

ثم عاد ليقطف ثمار عشقهما من جديدٍ، وقد منحته هي مفتاح أمان لرحلة ستخطتفهما من جديد..

بغرفة ماسة..

ثقل قدميها أقلق عليها نومها المريح، ففتحت المصباح المجاور لفراشها، ثم استقامت بجلستها وفتحت درج الكومود، لتجذب المرهم الطبي الذي دونته لها الطبيبة، فحاولت جاهدة رفع قدميها عن الأرض قليلًا لتتمكن من وضع المرهم عليها، فتأوهت ألمًا حينما تقلصت معدتها جراء جلستها الغير مريحة، فأغلقت عينيها ألمًا ثم أخفضتهما سريعًا وهي تئن بوجعٍ، فشعرت بيد تفرك قدميها برفقٍ، وحينما فتحت عينيها وجدته ينحني أرضًا أسفل قدميها، يوزع بيديه المرهم على قدميها، سحبت ماسة ساقيها بعيدًا عنه وهي تردد بخجلٍ:.

يحيى أنت بتعمل أيه؟
جذب قدميها إليه مجددًا ثم قال وهو يفرك برفقٍ بين أصابع قدميها:
مفيش فرق بيني وبينك يا حبيبتي.
منحته ابتسامة رقيقة، فانتصب بوقفته ومن ثم حمل ساقيها ليجعلها تسترخي على الفراش، وجلس على حافة الفراش ومن ثم عاد ليدلكهما سويًا وهو يردد بحنانٍ:
كملي نومك أنتي..

أعادت رأسها للوسادة براحةٍ بدأت تشعر بها بعدما خفف ألم قدميها، فغفت رغمًا عنها من فرط الإرهاق، على أمل الاستيقاظ بعد ساعة من الآن لأداء صلاة الفجر، وحينها دق المنبه الخاص بها، فأنزعجت معالمها، وقبل أن يصل ذراعيها للساعة الصغيرة المقابلة لرأسها كانت يديه الأسرع لها، فأطفئ المنبه حرصًا منه أن تنال قسطًا أخر من الراحة، ولكنها كانت قد استيقظت بالفعل، جحظت عين ماسة في صدمةٍ حينما وجدته مازال يجلس جوارها ويدلك قدميها بعد، فاتكأت بمعصمها لتستقيم بجلستها ثم تساءلت بذهولٍ:.

أنت لسه منمتش؟
وقبل أن يجيبها قالت بحرجٍ:
أنا ازاي محستش انك لسه صاحي لحد دلوقتي!، أنا والله من كتر التعب محستش بنفسي حقك عليا..
ضم وجهها بين كف يديه، وأجلى أحباله الصوتية قائلًا:
راحتك هي راحتي، ليه مش قادرة تستوعبي ده!

أدمعت عينيها بالدموع تأثرًا لكلماته ولما يحرص دائمًا على فعله، فرفعت أصابعها تحتضن يده ثم قربتها لتطبع قبلات رقيقة على كف يده، تعالت صوت أنفاسه التي تجاهد ذاك الشعور القوي الذي يهاجمه في قربها منه، وما زاد مشقته حينما همس صوتها الرقيق بشجنٍ:
بأحبك يا يحيى، بحبك أوي.
قرب رأسها إليه ليعانقها بين أضلعه، وهو يتودد لها بعشقٍ:
حبك نقطة في بحر حبي ليكي يا ماسة، وجودك جنبي رد فيا الروح بعد كل العذاب ده..

ثم رفع وجهها مقابله وشفتيه تمنحها أجمل ابتسامة وتردد بكلمة خطفتها:
بحب كل حاجة فيكي، عيونك، وقلبك، وروحك، أنتي هوسي..
توقف لسانه عن بوح المزيد من همسات العشق، وجعل الحديث بينهما مختلف عن سابقه، حديث بالطبع لن يجمع سواهما!

بغرفة أحمد
تسلل بخوفٍ من أن تشعر به حور فحينها سيحدث ما لا يحمد عليه، وخاصة بأنه يعلم استيائها من تأخيره بالعودة، فما أن أقترب من الفراش حتى أضاءت الضوء، ليتمكن من رؤيتها وهي تترقب عودته، بنظراتٍ لا تنذر بالخير، فترك حذائه أرضًا ثم قال باستسلامٍ:
كنت ساهران معاهم، مهو مش معقول هسيب قاعدة زي دي وأطلع أنام..
نهضت حور عن الفراش ثم دنت لتقف مقابله وهي تخبره بغيظٍ:.

يعني أنت بتفضلهم عليا يا أحمد، وأنا من الصبح قايلالك اني عايزاك في موضوع مهم. بقى دي أخرتها؟
اقترب منها وهو يقول بابتسامةٍ ماكرة:
أيه ده شامم ريحة غيرة لأول مرة أشمها.
جذبت مئزرها ثم ارتدته وهي تجيبه على مضضٍ:
هغير من مين، اللي مضايقني انك مقدرتنيش ولا قدرت إني عايزة أتكلم معاك..
رد عليها بهدوءٍ:
خلاص مختلفناش، أنا رجعت أهو وجاهز أسمع اللي عايزة تقوليه..

لعقت شفتيها بارتباكٍ، وكأنها لا تعلم من أين ستخبره، فرددت بتوترٍ وهي تدنو من المقعد المقابل للشرفة:
آآ، أصل، أنا، يعني..
اتبعها ثم جلس على المقعد المجاور لها ليتساءل بدهشةٍ:
أصل أيه ما تتكلمي!
رددت بعصبيةٍ بالغة:
ما أنا بحاول أتكلم أهو الله..
انكمشت تعابيره بدهشةٍ من صوتها المرتفع الذي يعهده لأول مرة، فقالت بتوترٍ:
أنا مش قصدي اعلي صوتي والله، بس أنا حقيقي مرتبكة ومش عارفة أقولك أيه..
رد عليها بحيرةٍ:.

ليه كل ده، هو أكيد في كارثة صح!
ابتسمت وهي تشير له نافية:
لا مش للدرجادي..
والتقطت نفسًا مطولًا قبل أن تخبره:
أنا الفترة اللي فاتت كنت بحس بحاجات غريبة، ولما اتكلمت مع تسنيم شكت اني حامل، والنهاردة عملنا الاختبار وفعلًا طلعت شكوكها صح..

انهت كلماتها وهي تراقب ردة فعله على استحياءٍ، فوجدته مصدوم مما استمع اليه، وخاصة حينما ظن ببدء الامر بأنها ارتكبت خطأ فاضح، فترددها بالحديث أذهب عقله لتفكيرٍ بعيد، وزع أحمد نظراته بين عينيها تارة وبطنها تارة أخرى، ثم قال بتشتتٍ:
متأكدة؟
ردة فعله أحبطتها نوعًا ما، فأومأت برأسها وهي تجيبه:
أيوه، متأك...

بترت كلماتها حينما حملها بين ذراعيه وهو يطوف بها بفرحةٍ وصوت ضحكاته تطرب آذانها، فلأول مرة ترآه سعيدًا بتلك الدرجة، وخاصة حينما قال:
ده أحلى خبر سمعته بعد خبر جوازي منك، أنتي دخلتي السعادة وكل شيء جميل لحياااتي..
تشبثت برقبته وهي تصيح به:
نزلني طيب..
أخفض ذراعيه ليضعها أرضًا، ثم طبع قبلة عميقة على جبينها وهو يردد بفرحةٍ:
ربنا يكملنا فرحتنا على خير، ويفرحني ببنوتة قمورة زيك كده..

ثم ابتعد عنها وهو يهرول تجاه الباب، فاتجهت خلفه وهي تتساءل باستغرابٍ:
رايح فين؟
قال وهو يغلق الباب من خلفه:
هقول لبابا وماما، لا للبيت كله..
لحقت به وهي تشير له بصدمة:
الوقت متأخر يا أحمد!
قال دون مبالاة:
يصحوا مش هيجرى حاجة..
أغلقت الباب من خلفه وهي تردد بابتسامة مشرقة:
اتجنن لما سمع الخبر ده ولا أيه!

بغرفة عمر
طرقات الباب كانت مزعجة بالدرجة التي ايقظت كلا منهما، فقالت ريم بقلقٍ:
مين اللي هيخبط علينا السعادي يا عمر، لتكون ماسة جرالها حاجة..
ربت على يدها وهو يخبرها:
اتفائلي بالخير يا حبيبتي، هقوم أشوف مين..
وبالفعل نهض من جوارها ليدنو من الباب، فما أن فتحه حتى اندفع أحمد تجاهه قائلًا بابتسامة واسعة:
آسف اني صحكتم بس عايزاكم في حاجة مهمه..
نهضت ريم عن الفراش ثم أسرعت تجاهه وهي تتساءل بخوفٍ:.

أختك كويسة!
أجابها على الفور:
ماسة بخير بس اللي عايزكم فيه يتعلق بيا أنا، خبر من الأخر يعني..
ردد عمر بذهولٍ:
خبر أيه السعادي يا ابني، ميستناش لبكره؟
هز رأسه نافيًا، فزفر عمر بضيقٍ:
طب قول وخلصني في ليلتك الغريبة دي..
قال وهو يعدل من قميصه بعنجهية:
بالصلاة على النبي كده يا حاج ابنك هيبقى أب وهيخليك جد معاه..
ابتسم عمر بفرحةٍ، بينما ضمته ريم ثم قالت بفرحة:.

ما شاء الله، الف مبرووك يا حبيبي، ربنا يكملها على خير ويشرفنا على الكامل يا رب..
منحها ابتسامة هادئة وهو يردد بتمني:
يارب يا ماما..
لف عمر ذراعيه حول كتفه ثم قال:
الف مبروك يا أحمد، الف مبروك يا حبيبي..
ثم جذبه للخارج ليغلق الباب من خلفه، فضيق عينيه باستغراب وخاصة حينما قال عمر بابتسامة مصطنعة:.

اكتم بقى فرحتك جواك للصبح، وبعد كده نبقى نفرح البيت كله معانا، بلاش تصحي حد تاني كفايا إحنا، أصل أنا عارفك لما بتفرح بتحب الدنيا كلها تعرف ايه اللي مفرحك.
رفع حاجبيه ساخرًا:
دي طريقة تعاملني بيها بعد ما قولتلك انك هتبقى جد؟
ضحك عمر، ثم همس له بخبثٍ:
كنت عارف على فكرة، الخبر مش جديد عليا..
حك مقدمة رأسه بحيرةٍ:
عرفت منين!
أجابه قائلًا:
ماسة قالتلي..
ثم أشار له على الدرج ليسترسل بمزحٍ:.

أنت عارف السلم ده هيطلعك فين صح؟
حدجه بنظرةٍ ضيق ثم تركه واتجه للدرج وهو يقول:
عارف، تصبح على خير يا حاج.
ضحك عمر وهو يتطلع اليه حتى صعد للاعلى، فعاد لغرفته والفرحة لا تسعه بسعادة ابنه التي عادت لتنير دنياه بعدما حدث له من قبل.

صعدت الشمس لتحتل عرشها الذهبي، فتخبئ القمر بظلامه الدامس خلف أشعتها، فبددت ظلامه بذلك الضياء الساطع، فداعبت عينيه وفتحهما على مهلٍ ثم نهض ليخرج لشرفة المندارة، فعلى الرغم من كونها منزل منعزل عن السرايا، ولكنها كانت مقابله بالتحديد، استكانت عين أيان على فهد الذي يجلس خلف باحة المنزل، ولجواره كانت تجلس زوجته، يتناولون طعام الافطار، فنقلت نظراته للحديقة الجانبية لتهيم عينيه بمعشوقة قلبه التي اختارت الخروج في وقت كذلك، لعل الهواء النقي يزيح غيمة قلبها، فرغمًا عنها رفعت عينيها تجاه شرفة غرفته، فوجدته يقف ويتأملها، تقابلت الأعين ومنه توحد الوجع، كلًا منهم يود لو يبوح للأخر بوصف دقيق لما يشمله ألم القلوب، كلاهما يعاني وكلاهما يحتاج لوجود الأخر بجواره، هو يحارب ما يكتفه من خصام جعلته شخصًا سيء وهي تحارب ذاتها التي جعلتها فريسة سهلة لشخصٍ مثله..

على بعدٍ منهما..
أتت رواية منذ الصباح الباكر حتى تتمكن بالحديث مع زوجها الذي رفض الحديث بالأمس لتعبه الشديد وحاجته للنوم، فقالت بضيقٍ شديد التمسه فهد بحديثها:
أنا بجد معتش فاهمه حاجة يا فهد، أنت جايب الشخص ده هنا ليه بعد كل اللي عمله فيك وفي بنتك، أنا مصدقت انها اتخلصت منه تقوم تجبهولها لحد هنا!
قضم اللقمة المغموسة بالعسل الصافي ثم قال:
أني عارف أني بعمل أيه زين، متقلقيش سبني أني اتصرف.

كزت على أسنانها بغيظٍ، فقالت وهي تحاول التحكم بأعصابها:
دي بنتي يا فهد ومش هسمحله انه يكسرها تاني، مش كفايا انه كان هيقتلها وهي في بيته واللي اتسبب فيه لآسر!
رفع عينيه تجاهها ثم قال:
الغلط جاي من عندينا من البداية يا رواية، متنسيش ان مهران من نسل الدهاشنة واللي عمله يدينا كلتنا..
اعترضت لما قال حينما اخبرته:
يبقي هو وابنه اللي يدفعوا التمن مش احنا..

ثم بدأت بتهدئة ذاتها، فبالنهاية تجلس بصحبته بالأسفل، لذا اختارت الحديث بهدوء؛
فهد عشان خاطري بلاش الشخص ده يكون موجود وسطينا، هيدمر روجينا تاني وأنا مش هستحمل ده.
شفق لحال محبوبة قلبه وعشقه الوحيد، فترك الخبز من يديه ثم وضع يديه على يدها وهو يخبرها بلهجتها التي تعشق سماعها منه:
رواية أنا مبعملش حاجة في حياتي غير أني بحميكي أنتي وأولادنا، واللي بعمله ده لمصلحة بنتي..
تساءلت بحيرةٍ:
ازاي بس؟

أشار بعينيه للأعلى:
بصي فوق وأنتي تعرفي..
استدارت برأسها للخلف ومن ثم رفعتها تجاه ما يشير، فوجدت آيان يقف بالشرفة شاردًا بالتطلع للمكان الذي تجلس به ابنتها، والغريب أن حالها لا يقل عنه، فكانت هائمة به هي الاخرى، احتارت نظراتها فعادت لتتطلع لزوجها عله يشرح لها ما يقصده فقال بصوته الرخيم:
بنتك لسه بتحبه يا رواية ومستحيل هتنساه، أنا شايف حبها ليه في عيونها حتى لو هي بتحاول تداري ده..

وسحب نفسًا عميق قبل أن يستكمل بهدوءٍ:.

ولو جينا نفكر، بالعقل هنلاقي أن آيان ضحية لخالته ولمهران الكلب اللي اتسبب في كل العداوة دي، كان ممكن اقبل اعتذاره وكل حي يروح لحاله بس ساعتها العداوة اللي اتبنت سنين بين المغازية والدهاشنة عمرها ما كانت هتتمسح بالبساطة دي، وأكتر من حد كانوا هيحاولوا يوقعوا الدنيا تاني والله أعلم عما سوء التفاهم ده يتحل مين زي بنتك هيدفع التمن، لكن وجوده هنا وسطينا هيخليه يعرفنا كويس ويعاشرنا عن قرب ومنه يعرف طباعنا ويعرف ايه اللي بنعمله وأيه اللي مش بنسمح بيه، وساعتها مفيش مخلوق هيقدر يدمر بين العيلتين وكبيرهم بقى واحد مننا..

ثم استرسل قائلًا:.

أنا بديه فرصة ومعاه بدي لبنتي فرصة تانية، حاسس انه نفسه يكون شخص كويس بس غصب عنه اتولد وسط الكره ورغبة الانتقام، انا بحاول اخليه يدمر اي كره جواه من نحيتنا حتى لو كان هو بنفسه عارف اننا الصح وهو الغلط، لازم هو بنفسه يتغلب على كل ده، وقبل اي حاجة فأنا باللي بعمله ده برد اعتبار بنتك وبرفع من كرامتها اللي هو داسها في وقت انتقامه ومن غير ما انزل منه أو أخد بتاري منه، كل ده بسبب القرار اللي اخدته، أظن بعد اللي سمعتيه ده القلق ميبقاش له وجود جواكي والا أيه؟

ارتسمت ابتسامة رقيقة على معالمها، فقالت بصوت سكنته الراحة:
مبقتش قلقانه يا فهد، لانك كل مرة بتفاجئني بحكمتك وذكائك، وده اللي دايمًا بيشدني ليك..
تطلع جواره قبل أن ينحني بجسده على الطاولة ليهمس لها بمكرٍ:
ده بس اللي عجبك فيا يام العيال!
سكن الخجل قسمات وجهها فأخفضت صوتها وهي تجيبه:
في حاجات كتيرة طبعًا بس مش هينفع الكلام هنا لما نطلع..
غمز لها بخبثٍ:.

طب ونستنى ليه يا بنت الحلال، دي مواضيع مهمة ولازمن ولابد نتكلم فيها وقتي..
نهضت عن الطاولة ثم حملت صينية الطعام لتشير له بدلالٍ:
بليل نتكلم، أنا لسه هحضر الفطار لآسر..
وتركته وغادرت من أمامه ومازالت الابتسامة تزين وجهه..

أبعدت روجينا عينيها عنه، ثم جذبت الدفتر الخاص بها، فأصبح هو ملجأها الوحيد طوال تلك الفترة، وخاصة بعد تواصلها مع طبيبة نفسية عن طريق الانترنت، فطالبتها بتدوين كل ما يشغل عقلها، كتابة مشاعرها على ورق ربما يزيح عنها الكثير، انزلق القلم من بين يدها فحاولت جاهدة الوصول إليه بمقعدها المتحرك، ولكن يد ما انتشالته لتقدمه لها، ابتسمت وهي ترفع رأسها وتردد دون رؤية من عاونها:
شكرًا..

ارتبكت حينما رأت أحمد يقف مقابلها، فمنحها ابتسامة هادئة:
العفو، أنا في الخدمة..
فركت أصابعها بارتباكٍ، فاوقفته حينما استكمل طريقه للخارج فنادته بارتباكٍ:
أحمد.
توقف عن المضي قدمًا ثم استدار وهو يسألها:
في حاجة يا روجينا؟
أومأت برأسها وعينيها موضوعة أرضًا، فسحب أحد المقاعد ليصبح مقابلها:
اتكلمي قلقتيني!
رفعت عينيها الباكية تجاهه ثم قالت:
أنا مش عارفة اعتذرلك ازاي عن كل اللي اتسببتلك فيه، أنا آآ..

قاطعها حينما قال:
مالوش داعي الكلام ده يا روجينا اللي عدى خلاص اتنسى احنا في النهاردة..
أغلقت عينيها لتجابه تلك الدمعات الحارقة، وهي تخبره برجاء:
أرجوك سبني اتكلم يمكن احساس الذنب اللي جوايا ده يخف، أنت متستهلش كل اللي أنا عملته فيك، عشان كده أنا بعتذرلك من قلبي وبتمنى انك تسامحني انت وحور، أنا من يوم ما جيت هنا وعلاقتنا مبقتش زي الاول..
واستكملت بابتسامة وهي تزيح دموعها بأصابعها:.

يمكن الحاجة الوحيدة اللي مفرحاني السعادة اللي شايفاها بعيونك والحب اللي بينكم، ربنا سبحانه وتعالى بيختار لينا الافضل وهي الأختيار الافضل ليك يا أحمد لإنك تستاهل كل خير.
منحها ابتسامة صافية، ثم ربت بيديه على يدها وهو يخبرها:
اتغيرتي يا روجينا، ويمكن دي تكون بداية جديدة لحياتك، عشان كده بلاش تبصي لماضيكي وشوفي حياتك، حاولي تخرجي نفسك من الحالة اللي انتي فيها دي لانك تستهلي فرصة تانية..

أومأت برأسها بتأكيدٍ، والابتسامة مازالت مرسومة على وجهها، فتركها أحمد وغادر، ومازالت الأعين تتربص بها، أعين تملأها البكاء وأعين أخرى يملأها الغضب، فربما تحملت حور ما رأته، ولكن آيان كان من الصعب عليه التحمل، لذا اندفع للاسفل والغضب يتراقص بين حدقتيه، ليجدها مازالت تدون بدفترها الغامض بالنسبة له، جذب الدفتر الصغير عنها ثم وضعه بجيب جاكيته، وحملها بعد ذلك بين يديه ليصعد بها للاعلى وهي تصيح بصدمة:.

واخدني فين، سبني!
لم ينصاع لصراخها ولم يبالي بسماعها أحدًا بل صعد بها لغرفته، ليلقيها على الفراش وعينيه الغاضبة تدنو لتصبح قريبة منها، ابتلعت روجينا ريقها الجاف بصعوبة بالغة، وهي تتذكر ما كان يفعله من شدة غيرته عليها، فمن المؤكد لها بتلك اللحظة بأنه رأى لقائها القصير بأحمد، تحرر عقدة لسانه الثقيل حينما قال:.

أوعى تختبري غيرتي عليكي، أو تتحديني باللي بتعمليه يا روجينا، لانك هتكوني بتلعبي بالنار اللي هتحرقني وهتحرقك..
زحفت بظهرها للخلف وهي تردد بصوتٍ متقطع من فرط الخوف:
أنا معملتش حاجة والله، أنا كنت بعتذرله عن اللي حصل..
دنى منها مجددًا وهو يتساءل بغضب:
تعتذري على أيه انتي أيه اللي جمعك بيه عشان تعتذريله انطقي ايه اللي بيحصل أنا معرفوش!
انهمرت دمعاتها المحتقنة وهي تخرج ما بداخلها:.

قصدك تقول أيه اللي معملتوش معاه، أنا خنت ثقته فيا ودمرته وبالرغم من كل ده لسه شايفني بنت عمه وبيساعدني من اول ما رجعت البيت ده، أنا بستحقر نفسي كل ما بشوفه هو وحور، أنا مش قادرة ارفع عيني في عينها، لاني كنت عارفة انها بتحبه وبالرغم من كده كنت بعاند ولسه بكمل في العلاقة دي، حتى بعد ما حبيتك وكسرتني بالشكل ده كان لسه هو جانبي وبيساعدني في اللحظة اللي كان ممكن يتخلص مني فيها ويتجوز البنت اللي كان معجب بيها، أنا عملت كل الوحش اللي في الدنيا، وبتقولي بتعتذريله على أيه!

ثم رفعت يدها لتدفعه بعيدًا عنها وهي تصرخ:
أنت السبب في كل حاجة، أنت السبب في كرهي لنفسي وليك، أنت السبب..
أمسك يدها التي تلكمه بقوةٍ، ثم قال:
قولتلك انسي اللي فات وخلينا نبدأ من جديد وانتي رافضة ده!
ابتسمت بسخرية:.

أنسى أيه ولا أيه!، انسى انك كسرتني بدل المرة خمس مرات ولا انك خوضت في عرضي قدام الناس كلها وأنت المفروض اللي تبقى سندي وتدافع عني ولا انك اخدتني البيت ده عشان اتزل فيه، ولا انك كنت هتموت اخويا وأبويا وسمعت ده بوداني، ولا انك السبب في موت ابني اللي كان هيهون عليا كل الشر اللي شوفته منك!
ثم رفعت يدها لترطم صدره بكل قوة امتلكتها وهي تصرخ به:
أنا بكرهك، بكرهك ومستحيل هغفرلك كل اللي عملته ده..

لمعت عينيه بالدمع، فكتف يديها بيده معًا ثم قرب يديه الاخرى من وجهها، فتراجعت برأسها للخلف وهي تصرخ ببكاءٍ:
إبعد عني، متلمسنيش..
أحكم يده حول رأسها ليجبرها بالاقترب منه وسماعه حينما قال بحزن:
أنا سبت كل حاجة ورايا وجيت هنا عشانك، حتى لو هتعرض للاهانة فمستعد أستحمل ده عشانك، خلي ده يشفعلي عندك ويديني فرصة، أنا عايز أتغير علشانك أنتي يا روجينا..
واستند بجبهته على جبهتها، فلفحت أنفاسه وجهها وهو يخبرها:.

والله بحبك ومحبتش غيرك، عارف اني كنت غلط بس كل ده اتزرع جوايا من طفولتي أنا ماليش ذنب، إعتبريني ضحية زيك..
رفعت عينيها تجاهه وقد هدأت ثورة بكائها، فبدت له مترددة للغاية فيما تفكر به، ليجدها تحني رأسها حتى استقرت على صدره، انتفض جسده بقوةٍ وكأنه لا يصدق بأنها تحتضنه، فترك يدها التي تكتفها ثم ضمها اليه وهو يردد بألمٍ:
حبيبتي، مستحيل هخذلك يا روحي، هعمل المستحيل عشانك..

رفعت يدها على ظهره فطبع قبلة على خديها القريب منه، خشيت روجينا أن يتطور الامر بينهما، لذا ابتعدت عنه برفقٍ ثم قالت:
رجعني بقا قبل ما بابا يشوفني.
ابتسم على طريقتها بالحديث، وكأنها ترتكب فعل شنيع من خلف أهلها كالسابق، فهو الان رغمًا عن الجميع زوجها، ولكنه لا يريد أن يخسر تلك الخطوة التي حققها اليوم، لذا حملها وهو يتجه للاسفل قائلًا بنبرة دافئة:.

حاضر يا ستي هنزلك قبل ما ماما تشوفك وتقول لبابا ويحصل كارثة..
ضحكت على مزحه وما ان دنت من مقعدها حتى هبطت لتجلس عليه، فانتصب بوقفته وهو يتطلع للطعام جوارها فتساءل باستغراب؛
مش من عادتك تفطري في وقت زي ده!
ذمت شفتيها بضيقٍ:
هنا اللي بيصحى من النوم الفطار بيتحضرله على طول من غير أي نقاش..

منحها ابتسامة ساكنة، فجحظت عينيها في صدمة وهي تتطلع لمن يقف خلفه، فاستدار ليجد آسر يدنو منه، فوقف مقابله ثم قال بغموض:
قالولي ان همام أخد عليك أوي، وأنا عايز أشوف ده بنفسي.
استدار تجاهه آيان ثم قال بسخريةٍ:
هو أنتوا لسه محسسني أن همام ده وحش، ده مجرد خيل والتعامل معاه بسيط.
اقترب منه آسر ثم تطلع له بغموضٍ، انتهى حينما قال:
أيه رأيك في سباق، ولا مالكش غير في سباقات الحياة..

ضيق عينيه وهو يشير له باستغرابٍ:
سباق وأنت بالحالة دي!
اجابه بنفس الابتسامة:
متقلقش عليا، أنا كويس..
رد عليه باستسلام:
معنديش مانع..
هبط آسر الدرج ثم قال:
حيث كده تعالى ورايا.
راقبتهم روجينا بخوفٍ، فما أن خرجت تسنيم من الباب الداخلي، فأشارت لها روجينا قائلة:
خديني عند الاسطبل يا تسنيم..
قوست حاجبيها باستغراب:
ليه..
دفعت المقعد بيدها وهي تشير لها:
بسرعة بس وهقولك واحنا رايحين..

انصاعت لها ودفعت المقعد حتى وصلوا بالقرب منه، فصدمت تسنيم حينما رأت آيان يمتطي همام، وآسر أحد الفرس الأصيل، وعلى ما يبدو استعداد كلا منهما لسباق سيبدأ الآن..
اقترب آيان منه بالفرس، ثم قال بدهشة:
ليه ادتني همام وهو يعتبر الافضل بين الفرس، مش خايف تخسر!
بسمة ثقة تحلى بها آسر وهو يجيبه:
الخسارة والفوز المسؤول عنهم الفارس مش الخيل..
ثم أشار له بابتسامة غامضة:
جاهز!

هز رأسه إليه، فانطلق كلا منهما تجاه العلم الصغير الذي وضعه آسر ليضع نقطة نصر لمن يصل أولًا، فتفاجئ آيان بسرعة الخيل الذي أجبره آسر على الانصياع لأوامره، فاخترق العلم أولًا ومن خلفه آيان، وحتى وإن لم يكن يفصلهما سوى مسافة صغيرة ولكنه من حقق النصر، هبط آيان عن الفرس ثم دنى من آسر ليقول بإعحابٍ:
عندك حق، الفارس بيقلب الموازين مش الفرس..
ثم تساءل باهتمامٍ:
شكلك غاوي ركوب الخيل من سنين.

هبط آسر عن الخيل ثم قال:
من وأنا عندي 8سنين تقريبًا، وبالرغم من ان رجلي اتكسرت أربع مرات الا اني كنت مصمم اتعلم ركوب الخيل لاني لما بحط في دماغي حاجة مفيش قدامي عائق ممكن يوقفني..
أومأ برأسه بتفهمٍ، ثم قال بلمحة من الحزن:
مش وحش انك تكون بتمارس الحاجة اللي بتحبها وعندك وقت لده.
حزن آسر لاجله لاول مرة، فدنا منه ثم قال:
وحتى لو مقدرناش نحقق احلامنا بالطفولة معانا العمر كله اننا نعيش اللي مقدرناش نعيشه..

هز رأسه وهو يهمس بشرودٍ:
عندك حق..
ابتسم آسر وهو يشير له بجدية مصطنعة أحبها آيان:
طب أيه مش هتساعدني ننضف الاسطبل النهاردة ولا هتخلع زي الباقي..
ابتسم وهو يجيبه ساخرًا:
وأنا ورايا أيه يعني، يالا..
اتجهوا سويًا للاسطبل، ونظرات فهد تراقبهم بابتسامةٍ مكر وانتصار لما خاضه من تحدٍ سافر وانتصر عليه بجدارة، لا يعلم بأن القادم سيجعله هو شخصيًا يخوض علاقة من نوعًا مختلف ستجمعه بألد أعدائه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة