قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وجع الهوى للكاتبة إيمي نور الفصل السابع والعشرون

رواية وجع الهوى للكاتبة إيمي نور الفصل السابع والعشرون

رواية وجع الهوى للكاتبة إيمي نور الفصل السابع والعشرون

فاقت قدرية من ذهولها تصرخ بغل وهى تحاول التملص من بين ذراعى فواز التى احتجزها بينهم قائلة بصوت جهورى عاصف
: انتى تبقى ضرة لبنتى انتى، دانا ادفنك وادفنه يوم ما تفكروا تعملوها، مش بنت قدرية اللى يبقى لها ضرة يا عين امك.

التفتت الى فواز عينيها تتراقص بجنون تهتف به بصوت بعث الرجفة فى اوصاله
: عارف لو مروحتش جبت بنت ال، من شعرها ورمتها تحت رجلى دلوقت حالا، هخليك تتمنى الموت متلقهوش وانت عارف قدرية لما بتقول بتنفذ.

تيبس جسد فواز ونظراته مسمرة فوق عينيها يرى فيهم الف وعيد ووعيد يعلم بأنها قادرة على تنفيذهم دون لحظة ندم واحدة ليخفض عينه ارضا بخزى وهو يترك قدرية ثم يلتفت ببطء ناحية اميرة وينظر اليها بتصميم لتصاب بالهلع والخوف وهى تراه امامها كانه اصبح شخصا اخر غير من كان بين احضانها منذ قليل فاخذت تتراجع الى الخلف ببطء مع كل خطوة يخطوها باتجاهها وهى تهز رأسها بالرفض وعدم تصديق حتى هب فجأة ناحيتها يمسك بخصلات شعرها بعنف دون ان يمهلها الفرصة للفرار يجذبها منها خلفه وهو يتقدم بها ناحية قدرية التى وقفت تتابع ما يحدث بعيون مستمتعة يزاد بريق استمتاعها حين سقطت اميرة تحت اقدامها لتتطلع اليها بغل وانتصار وهى تفح من بين انفاسها وقد اعماها غضبها عن اى منطق قائلة.

: جدع يا فواز، عوزاك دلوقت بقى تدى لبنت ال، دى علقة موت معتبرة، وبأديك انت.

تقدمته لداخل الغرفة تتجه الى الفراش تجلس عليه زافرة ثم تزم شفتيها بحزن بينما وقف هو يتطلع اليها بهدوء لبضع لحظات يراها وقد زادت هى من ضم شفتيها وهى تضع كفها اسفل وجنتها تستند عليه متنهدة بحزن فيبتسم بحنان يتبدد معه غضبه تماماوهو يتحرك باتجاهها يسألها بهدوء
: ممكن اعرف انتى زعلانة ليه دلوقت، دانا اللى مفروض اقلب الدنيا مش انتى.

لم تجيبه بل ظلت على وضعها ليتقدم منها جالسا بجوارها ملاصقا لها فتحركت مبتعدة عنه فورا بضع انشات فضحك جلال عاليا قائلا برقة بعدها
: لا ده الموضوع كبير بقى، وانا لازم اصالحك.

التفتت اليه بوجه حزين قائلة بتحذير طفولى
: ابعد عنى لو سمحت يا جلال، علشان انا زعلانة دلوقت.

اقترب منها بغتة يختطف قبلة سريعة اختطفت معها دقات قلبها حين همس لها
: طيب مانا بقولك هصالحك يا عيون جلال.

مد انامله يعبث بخصلات شعرها الثائرة بجمال حول وجهها بعد ان نزعت حجابها يسألها بجدية واهتمام
: بجد يا ليله انتى زعلانة ليه دلوقت؟

رفعت عيونها له وعلى وجهها يرتسم الحزن بشدة جعل قلبه يتلهف عليها قلقا وهى تجيبه بهمس
دى كانت اول مناسبة احضرها من تلات سنين او اكتر، والبس فيها واحس بفرحة، حتى خطوبتنا كانت، كانت.

ادرك جلال ما تريد قوله ويزعجها يتذكر جيدا ما تتحدث عنه وما كان عليه حفل خطبتهم من جفاء ليجد نفسه يلف كتفها بذراعه يجذبها اليها لستند برأسها فوق كتفه وانامله تلامس وجنتها برقة وهو يهمس لها بحنان محاولا الاعتذار والتبرير لها فى سابقة هى الاولى من نوعها.

: غصب عنى ياليله، الليلة كانت فوق احتمالى، شكل فى الفستان اللى كان معلى ضغطى ده، ونظرات عيون اللى حوالينا ليكى، واخرهم الحيوان اللى اتجرأ وجه وقف جنبك وكلمك، كل ده خلانى مش متحمل اسيبك وسطهم دقيقة واحدة.

وضع انامله اسفل ذقنها يرفع عينيها اليها فيرى تبدل حالهم من الحزن الى السعادة كانت سببها كلماته والتى ادفئت قلبها وجعلته يتراقص فرحا تتعالى انفاسها حين اقترب بوجهه منها يهمس بأغواء ومرح خبيث امام شفتيها
: وبعدين شكلك كده عوزة تنسينى عقابك على الفستان ده، ولا ايه يا ست ليله.

همست ليله تنفى بدلال وقلبها تتعالى دقاته ترقبا
: لا خالص، انا عارفة ان انا استحق العقاب.

رفع جلال حاجبه بذهول مرح تتسلل انامله حول عنقها من الخلف تتخذ طريقها ببطء حتى سحاب ثوبها تعبث به وثم تسحبه ببطء شديد الى اسفل يزيحه عن كتفيهافتغلق عينيها ببطءوهى تشعربانامله تتلمس بشرة ظهرها العارية برقة متأوهة بأستمتاع حين قضمت اسنانه بشرة عنقها وهو يتراجع بها فوق الفراش تنحدر قبلاته ببطء تغمر جسدها وقد ازاح ثوبها حتى الخصر لتغيب معه داخل غيمة من المشاعر ولهاث انفاسهم المضطربة يتعالى داخل الحجرة حتى فجأة ودون مقدمات تعالت صوت صرخات مكتومة ظنت ليله فى بادئ الامر صادرة عنها لكن حين رفع جلال رأسها عنها يرهف السمع سألته بقلق وعقل مغيب الى حد ما.

: فى ايه يا جلال، الصوت ده جاى منين؟

لم يجيبها جلال بل اندفع بجسده مبتعدا عنها سريعا حين تعالت الصرخات ولكن بقوة وحدة هذه المرة يهرول فى اتجاه الباب مغادرا فورا تتبعه ليله بعد لحظات هى الاخرى.

توقف جلال مذهولا من هول مارأى داخل غرفة اميرة والتى تأتى منها الصرخات اثر ضربات فواز الغاشنة فوق جسدها وقد اسقطها ارضا واخذ يكيل لها الضربات بطرف حذائه فى كل مكان بجسدها استطاع الوصول له بينما وقفت والدته تشاهد ما يحدث باستمتاع ولذة عاقدة لذراعيها فوق صدرها دون اى محاولة منها لايقاف مايحدث.

اندفع جلال مقتحما الغرفة يتجه ناحية فواز يصرخ به بغضب وهو يدفعه بعنف بعيدا عن اميرة حتى كاد ان يسقطه ارضا هاتفا به
: انت اتجننت، ايه اللى بتهببه ده.

تراجع فواز الى الخلف وجهه شاحب بشدة وهو يرى جلال ينحنى يحمل اميرة شبه المغشى عليها بين ذراعيه يسرع بها ناحية الفراش يضعها فوق وهو يصرخ بهياج
: هى حصلت لحد كده، بتضربها فى بيتى.

ثم التفت الى والدته يصرخ بها بغضب
: بقى كده ياما، وصلت انك تسبيه يضربها ادامك وانتى واقفة تتفرجى.

فى تلك الاثناء قد تجمع الباقى من العائلة داخل الغرفة يقفون بذهول ووجوهم شاحبة من هول ما رأوه يتطلعون الى اميرة المستلقية فوق الفراش ووجهها ممتلأ بالكدمات ودمائها النازفة من انفها وفمها وبشرة ذراعيها العاريه قد امتلئت هى الاخرى بالكدمات الشديدة
تتسع عيونهم اكثر ذهولا حين اجابت قدرية بكل برود وقسوة
: انا اللى قلتله يعمل كده، ولو مكنش خلص عليها، هخلص عليها انا.

هتف جلال بها ذاهلا
: ليه، عملت ايه، علشان تعملى فيها كده، كل ده علشان الامور ممشتش على هواكى، ومعرفتيش تخربى بيتى.

شحب وجه قدرية يتوتر جسدها وهى تسمعه يكيل لها الاتهامات دون ان تقدر على نفيها فلو قالت ماحدث فعليا لقامت بهدم حياة ابنتها ودمرت زواجها لذا لاذت بالصمت تقف بجمود مكانها لكن اتى صوت اميرة الضعيف ليفجر كل شيئ بوجهها وهى تقول بوهن
: لا يا جلال مش علشان كده، عمتى عملت كده فيا، علشان اتجرأت وحطيت عينى على جوز بنتها.

توتر الجو تتعالى اصوات الجميع مستفسرة حتى حبيبة صرخت بها قائلة
: انتى بتقولى ايه، تقصدى مين بكلامك يا اميرة.

اخذت اميرة تقص عليهم ماحدث دون ان تغفل شيئ منذ ان قامت بينها وبين قدرية الحرب انتهاءا بلحظتهم هذه تستمر فى الحديث دون مقاطعة بعد صراخ جلال فى الجميع يطالبهم بالصمت توجه الحديث بعدها الى جلال وعينيها تدور بينه وبين ليله قائلة.

: عمتى هى السبب فى كل حاجة حصلت بينك وبين ليله، هى اللى فهمتها انك بتلعب عليها وبعتها علشان تكدب عليها وتاخد الارض منها، هى اللى كانت بتسمم عيشتها بكلام زاى السم وانها اقل من انها تتجوزك، وياما عملت وكدبت علشان تخليك تسيبها
التفت جلال الى ليله يسألها بعينه بذهول عن صدق ما سمع لتأتى اجابتها بان اخفضت عيونها ارضا هربا منه لتكمل اميرة بصوت متألم.

: ولما لقيت انك مش ناوى تسيبها جابتنى انا علشان العب اللعبة الوس، دى عليك وعليها، ولما انكشفت وبقيت ورقة محروقة هددتنى بورقة الضد اللى معهاعلشان تاخد منى كل حاجة وارجع اشحت انا واخواتى.

التفتت ناحية حبيبة الواقفة بجسد متجمد وعيون جافة متسعة بصدمة باكية بندم واسف
: صدقينى يا حبيبة لما عملت كده كان علشان اخرج من هنا، وادوق عمتى من نفس الكاس اللى كانت عوزة تشرب غيرها منه، بس ربنا اخدلك حقك منى، انا اسفة ليكم كلكم، سامحونى. انا بس كنت عاوزة اعيش مستورة انا واخواتى.

ثم ان انفجرت فى بكاء مرير جعل الجميع يتعاطف معها حتى قدرية والتى وقفت بعد حديثها ترى بعين الاخرين فدح ما قامت به وقسوتها وتلاعبها بحياة الاخرين بكل جبروت عينيها تمتلا بدموع الندم وهى تلتقى بعين ولدها فترى فيهم خيبة الامل والانكسار فتناديه برجاء هامسة تحاول الحديث والتبرير له لكنه قاطعها بحزم قائلا.

: لسه عندك ايه متقالش وعوزانا نسمعه، اظن كفاية لحد كده، مبقاش فى حاجة تتقال او تتعمل، من بكرة هاخد مراتى واروح اعيش فى البيت الشرقى، ومش عاوز بعد كده اى علاقة بينك وبينا.

حاول عمه الحديث بعد صمته الطويل ذهولا مما سمع يحاول اثنائه عن قراره رغم علمه باسحالة ذلك لكن جلال لم يهمله وهو يتحرك ناحية ليله المذهولة يمسك بكفها يجذبها معه وهو يغادر الغرفة بخطوات سريعة لتلفت حبيبة بعد مغادرته الى فواز ببط بوجه ثابت الملامح كانها قافت من صدمتها قائلة
: طلقنى يا فواز...

لتسرع زاهية قائلة برجاء
: اهدى كده يا بنتى، وكل حاجة نحلها بالعقل.

لم تعيرها حبيبة اهتماما تنظر الى فواز تكرر كلماتها ولكن بتصميم اكثر ليحاول عمها وسلمى اثناءها وتهدئة الاجواء وبينما قدرية فقد جلست بوهن فوق احدى المقاعد تمسك براسها بين كفيها تخفضها ارضا لتصرخ حبيبة بحدة موجها حديثها الى فواز الشاحب الوجه وهى يقف امامها مرتجفا ينظر لها بتضرع
: طلقنى يا فواز، خليك مرة واحدة فى حياتك رجل وطلقنى...

صمت الجميع حين وجدوها على تلك الحالة من الاصرار والتصميم يعلمون ان لاجدوى من الحديث ليهتف فواز لها برجاء وتوسل
: سامحينى يا حبيبة، والله ما كنت هتجوزها، دى كانت مجرد...

قاطعته ببرود وصوت ثابت لا تهتز
: قلتلك طلقنى، وخليها برضاك، بدل ما ارفع عليك قضية وافضحك وافضح بلاويك من يوم ما اتجوزنا.

ثم اسرعت بمغادرة الغرفة بخطوات سريعة تاركة الغرفة صامتة صمت القبور يقفون جميعا بجمود وقد ادركوا ان لا رجعة للوراء بعد ما حدث.

دلف معها الى داخل حجرتهم يتقدمها ببضع خطوات ترى انحناء ظهره وهمود خطواته فتناديه برقة وهى تسرع اليه تقف امامه توقف خطواته تمد يدها الى وجنته تتلمسها بحنان قائلة بهمس
: علشان خاطرى يا جلال سامح وبلاش...
رفع عينيه اليها لترتجف هولا من رؤية كل هذا الغضب المستعير داخلهم وهو يفح من بين انفاسه بوحشية
: بلاش يا ليله، صدقينى بلاش تتكلمى وتحاولى تهدى الغضب اللى جوايا، انا حاسس انى، انى.

اخذ يحاول الحديث لكن لم تسعفه الكلمات لوصف ما يشعر به الان فبداخله براكين من الغضب والالم تتأكله يكمل بصدمة وذهول
: بقى امى تعمل كل ده، امه تخلينى فى عين مراتى حرامى ونصاب، كل ده ليه، ليه.

وقفت حائرة لا تدرى كيف تهون عليه بما به تراه يكمل بغضب مستعير
: لدرجة دى كنت اعمى، كل ده بيحصل معاكى، وانا جايب كل الغلط عليكى وفاكر انك بتعملى كده علشان الارض.

امسكها فجأة من ذراعها بقوة جعلتها تشهق متألمة لكنها لم تحاول الاعتراض تعلم بانه فى غير حالته الطبيعية وهى يحدثها برجاء
: احكيلى كل حاجة يا ليله، عاوز اعرف، محتاح اعرف ايه اللى كان بيحصل من ورايا.

لم تحتمل نظرة عينه المتوسلة لها لكنها حاولت ان تنهيه عما يريده لكنه توسلها بصوت ضعيف مرتجف جعلها لا تستطيع الرفض لتخبره بصوت اثقله احساسها بالذنب تقص عليه كل ما حدث معها مؤامرات وكلمات والدته القاسية حتى انها اخبرته بما سمعته من حديث بينه وبين سلمى تريد ان تنهى هذه الصفحة بينهم لاتريد اسرار بينهم بعد الان تحدثه بما شعرت به وقتها عندما وجدته لا يحتمل ان تكون ابنة عمه فى مثل ظروفها.

يزاد وجوم وجهه يغمض عينيه بألم وهو يتذكر تلك المحادثة ويتذكر جيدا ماذا قال وقتها يتأكله الندم والغضب لما جعلها تعانيه بسبب تكبره وكلماته القاسية.

اسرعت تقف على رؤوس اصابع قدميها تمسك بوجهه بين كفيها تحاول اخراج من حالته هذه تلقى بالذنب عليها ايضا قائلة باعتذار
: انا كمان متهورة، ولسانى سابق تفكيرى، واكيد عليا انا كمان غلط انا خبيت كل ده عنك زاى ما خبيت حاجات تانية كانت السبب فى بعدنا عن بعض اكتر واكتر.

فتح عينيه فجأة وقد كان يغشاها مشاعر عاصفة وهو يراها تلقى بلوم على نفسها حتى تهون وتخفف اخطائه فى حقها يرفع يديه يمسك بكفيها بينهم ضاغطا عليهم بقوه ثم يوجهم ناحية شفتيه يقبلهم طويلا.

ودون كلمة واحدة امسك بيدها يتجه معها ناحيةالفراش ليجلس ويجلسها فوق ساقه يرفع عينيه اليها هامسا بندم ورجاء يملأ كل ملامحه
: انا اسف، اسف على كل شوفتيه وسمعتيه بسببى، اسف على كل كلمة منى كانت سبب فى انها توجعك، سامحينى ياليله علشان خاطرى سا محينى.

دفن وجهه فى عنقها وقد بدء جسده بالارتجاف كانه يعانى وبشدة فلم تتملك سوى ان ترفع اناملها تمررها برقة بين خصلات شعره تحاول تهدئته والتخفيف عن لكن تسمرت اناملها تتسع عينيها ذهولا حين شعرت بانفاسه الساخنة تلامس بشرة عنقها لكن لم يكن هذا سبب ذهولها بل همسه الرقيق وقد ظنته تلاعب من عقلها لتسأله بلهفة تحاول التأكد مما سمعته ليرفع وجهها بعيدا عن عنقها يتطلع اليها بعيونه الرائعة ومشاعره ثائرة بداخلهم يختطف دقات قلبها معه حين قال بصوت اجش عميق.

: بحبك ياليله، بحبك، بعشقك، مش متخيل حياتى من غيرك يوم، هعيش الجاى من عمرى علشانك انت وبس...

لم تمهله ليكمل بل اندفعت تقبله بقوة تودع فى قبلتها تلك كل عشقها وسعادتها بينما هو اغمض عينيه مستسلما لها تماما يدعها هى تتعامل وتسيطر على كل شيئ حتى ابتعدت اخيرا عنه تضع جبهتها فوق جبهته تهمس بنبرات عاشقة متلهفة لا تضع اى حواجز فوق مشاعرها
: وانا كمان بعشقك، وبحبك اووى اووى، اجمل ايام حياتى اللى عشتها معاك، بحلوها وبمرها.

حدق جلال بها تتشابك اعينهم وهو يقول بصوت مرتعش لا يستطيع السيطرة على نبراته
: بجد يا ليله، بجد بتحبينى، بجد سامحتينى على كل اللى عملته معاكى وقسوتى عليكى.

رفعت كفها تتلمس شفتيه بحنان قائلة
: بجد يا اجمل واحلى حاجة حصلت فى حياة ليله كلها.

هنا وانتهى وقت الكلام يدفن انامله داخل خصلات شعرها يقرب وجهها منه هامسا بصوت متحشرج
: طيب ممكن تسبينى اكمل عقابك لمرة واحدة بس زاى مانا عاوز ومن غير ما حد يقاطعنى.

ضحكت ضحكة منخفضة خجلة سرعان ما اختفت بين شفتيه حين انحنى عليها يقبلها بنهم ولهفة تجرفهم امواج عشقهم داخل بحر من المشاعر الثائرة.

لم يغمض لها جفن طوال الليل وظلت جالسة فى بهو المنزل كتمثال حجرى لا يتحرك بها سوى عينيها والتى اخذت دموعها بتساقط منها ندما وحرقة وقد انهار كل شيئ بعد تعريتها امام جميع من بالمنزل وخسرت ولدها وابنتها.

تتصارع بداخها الالاف والالاف الاسئلة
هل كانت حقا بهذا السوءوالتى اظرتها به اميرة امامهم؟

هل فعلا اصابها هوس التحكم فى حياة ابنائها الى هذا الحد الذى اظهروها به؟

لكنها لم تكن تقصد سوى الخير لهم، لم تتعمد جرحهم او احزانهم
فهى ام برغم كل شيئ هى ام وتريد ان ترى ابنائها فى سعادة وهناء، لم يكن خطأ انها ارادت لهم الخير...

هل كانت حساباتها منذ البداية خاطئة تتحكم بها انانيتها وغيرتها العمياء على ولدها..
تنهدت بحرقة تتساقط دموع الندم من عينيها لكن بعد فات الاوان تدرك ان لا شيئ يمكن ان يمحو فدح اخطائها لديه فهى اعلم الناس به وبقسوته وعناده ان اغلق قلبه امام احد لا شيئ يستطيع ان يعيد فتحه مرة اخرى حتى ولو اظهرت ندم العالم كله امامه.

ظلت جالسة مكانها حتى بدئت الحياة تدب فى ارجاء المنزل تتعالى الاصوات دليل على استيقاظ من به لكنها لم تتحرك من مكانها ابدا وظلت كما هى حتى سمعت خطوات تنزل الدرج فلتفت بلهفة ظنا منها انه هو ولكن خاب ظنها حين وجدت اميرة تنزل الدرج بصعوبة حاملة حقيبتها وقد تلون وجهها بمختلف الالوان من اثر الكدمات والتى ملئته تتقدم منها بخطوات بطيئة متألمة حتى وقفت امامها تضع حقيبتها ارضا ثم تمد يدها ناحيتها بورقة دون كلام لتنظر اليها قدرية بتساؤل اجابتها عنه قائلة ببطءوصعوبة اثر تورم شفتيها.

: ده تنازل عن كل حاجة ابنك ادهانى ومن بكرة هرجع انا واهلى لدارنا القديم تانى.

نظرت قدرية الى الورقة دون اكتراث قائلة
: خليهم مبقاش ليهم لزوم عندى.

وضعت اميرة الورقة فوق الطاولة امامها قائلة بهدوء
: ولا عندى، كفاية اووى اللى اخدته منكم...

اتبعت كلماتها تضع يدها فوق كدمات وجهها فى اشارة الى ماحدث امس تكمل
: اهو درس وتعلمت منه كتير اولهم انى مابصش للى فى ايد غيرى، ولا عينى تزوغ على اللى اعلى منى، الحمد لله انى هخرج من هنا على رجليا.

حملت حقيبتها مرة اخرى قائلة لقدرية الصامتة بوجوم
: ياريت ياعمتى انت كمان تكونى اتعلمتى من اللى حصل، وانك من هنا ورايح تسيبى كل واحد فى حاله يعيش حالته من غير ما تتدخلى ولا تخربيها عليه.

انهت حديثها تتحرك مغادرة بخطوات متمهلة بينما جلست قدرية تدق كلماتها كالناقوس داخل عقلها لفترة طويلة بعد ذهاب اميرة عينيها تنظر الى الورقة التى تركتها اميرة تتسأل بندم.

: اكانت تستحق منها كل ما فعلته، قد تكون استطاع اخذ ما ارادته من اميرة ولكنها خسرت فى مقابلها ابنتها والتى ترفض الحديث معها او محاولاتها شرح الامر لها تغلق باب غرفتها عليها منذ ليله امس بينما جلس فواز ارضا امام بابها محاولا الاعتذار يبدى ندمه على كل ما فعله لكن دون استجابة منها.

ظلت كما هى عينيها تتطلع بلهفة كلما صدر صوت من ناحية الدرج حتى اتى المحتوم وهى تراه بعيون متألمة حزينةينزل الدرج ومعه ليله فنهضت سريعا اليهم تهتف به برجاء وتوسل
: علشان خاطرى يا جلال، بلاش تعمل اللى فى دماغك ده، انا اسفة على كل اللى عملته، صدقنى مش هدخل فى اى حاجة تخصكم بعد كده.

لم تجد منه استجابة وجهه متجهم قاسى تراه منه لاول مرة فى حياتها لتلتفت الى ليله تتوسلها
: قوليله يا ليله، كلميه انتى، والله يا بنتى ما هدخل بينكم تانى، بس بلاش يسيب البيت ويمشى، انا ممكن اروح فيها.

ضغطت ليله فوق شفتيها بقوة تحاول منع دموعها من التساقط وهى ترى والدة زوجها بهذا الضعف والتذلل امامها تشعر بالشفقة عليها مما هى فيه لتلتفت الى جلال تهمس بأسمه برجاء لكنها هبت فزعا حين قال بصوت قاسى عنيف
ليله، متدخليش.

ثم التفت الى قدرية قائلا بحدة وقسوة
: دلوقتى بتترجى ليله علشان عارفة انها الوحيدة اللى ممكن تقنعنى، لسه برضه بتستغلى الناس لصالحك ولمصلحتك وبس، بجد انا مش عارف اقول ايه، لاول مرة فى حياتى ابقى واقف عاجز مش عارف اعمل ايه والبركة فيكى يا، امى، يلا يا ليله.

امسك بيدها يجذبها معه ينزل الدرج سريعا بينما وقفت قدرية عاجزة عن فعل شيئ تتابعهم بعيون متألمة منكسرة تشعر بانسحاب الروح منها مع كل خطوة ناحية الباب تبعده عنه حتى توقف يلتفت الى الخلف مرة اخرى تنفرج ملامحها بأمل ظنا منها بانه تراجع لكنها وجدت ينظر الى اعلى يتخطاها بنظراتها قائلا بهدوء
: جاهزة يا حبيية.

التفت قدرية الى الخلف برعب لترى حبيبة تنزل الدرج قائلة ببرود
: ايوه يا جلال، جاهزة من بدرى.

اتبعها صوت فواز يلحق بها صارخا بتوسل وصوت باكى نادم
: علشان خاطرى يا حبيبة، علشان خاطرى، متسبينش انا ممكن اموت من غيرك، ابوس ايدك ياحبيبة، غلطة يا حبيبة غلطة ومش هكررها تانى...

لم تعيره حبيبة اهتماما تنزل الدرج بوجه جامد كالصخر رغم كل محاولاته ايقافها تتجه بخطوات ثابتة ناحية شقيقها المنتظر تحت اعين قدرية والتى اتسعت برعب وصدمة ترى ابنائها ونبض قلبها يغادران معا دون نظرة واحدة منهم للخلف كانهم يطويان صفحتهم معها الى الابد.

فى تلك اللحظة لم تعد تحتمل ينهار تماسكها تسقط ارضا صارخة بقوة تخرج كل ما بداخلها من الم وحسرة وانكسار.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة