قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وجع الهوى للكاتبة إيمي نور الفصل الثالث

رواية وجع الهوى للكاتبة إيمي نور الفصل الثالث

رواية وجع الهوى للكاتبة إيمي نور الفصل الثالث

تنبهت حواسها لصوت يناديها فاخذت تتملل فى الفراش بكسل تهمم بخفوت لكن تجمدت حركاتها حين تعرفت على هوية من يناديها تهب فزعة من رقدتها تجلس فى الفراش بتخبط تحاول ازاحة خصلات شعرها المتهدلة فوق عينيها تنظر بعينين نصف مغلقة لتجد جلال يقف امام طاولة الزينة يعدل من وضع ياقة قميصه قبل ان يلتفت اليها قائلا بهدوء
: ليله حاولى تفوقى كده وتجهزى نفسك وتنزلى وانا هكون مستنيكى فى اوضة المكتب علشان عاوزك.

ثم اولى الاهتمام بمظهره فى المرآة غافلا عن تلك الابتسامة المريرة التى ارتسمت فوق شفتيها قبل ان تسأله بخفوت سؤال تعرف اجابته جيدا
: ممكن اعرف عن ايه الموضوع اللى عاوزنى فيه.

نظر اليها جلال عبر المرأة تتقابل اعينهم للحظة رأت خلالها عينيه تتحول الى الجدية الشديدة قائلا
: هو موضوع واحد اللى هنحتاج فيه نقعد فى المكتب واظن انك عرفاه.

هزت ليله بالايجاب تخفض راسها هامسة بمرارة
: عندك حق، هو ده الحاجة الوحيدة اللى بينا.

لم يصل همسها هذا الى جلال وقد استدار لها سريعا يكمل حديثه بحزم
: انا اجلت الموضوع والكلام فيه اكتر من اللازم واظن جه الوقت علشان نننتهى منه.

لم تجيبه بل ظلت تخفض راسها فى محاولة لاخفاء المها والشحوب الزاحف فوق بشرتها بعيدا عن انظاره لتأتى زفرة جلال نافذة الصبر قائلا بصوت حازم
: عارف ان كلامى ممكن يضايقك بس انا فهمتك من اول يوم جواز الوضع كله، مظبوط كلامى يا ليله ولا لا؟

حاولت التماسك وابتلاع تلك الغصة فى حلقها قبل ان ترفع اليه وجها خالى من التعبير قائلة بجمود
: لاا انا مش مضايقة ولا حاجة وزى ما قلت انا عارفة من الاول جوازنا كان ليه وعلشان ايه وانا معنديش اى مانع.

نهضت من الفراش تراقبها عينيه باهتمام وهى تتحرك ناحية الحمام بخطوات سريعة قائلة بسرعة وحزم
: ادينى دقايق اجهز نفسى هحصلك حالا.

دخلت تغلق خلفها الباب بهدوء شديد ليزفر جلال بشدة يشعر بالقليل من عدم الارتياح لما انتهت اليه محادثتهم فهو لم يكن ينتوى ان يبلغها بالامر بتلك الطريقة لكن لم يكن هناك خيار اخر كما انها تعلم جيدا بما ستأول اليه الامور بينهم فعاجلا ام اجلا كان سيحدث الامر ولا فرق فى توقيت حدوثه فهو يريد تلك الارض بين يديه وبشدة يحترق صبرا حتى تصبح له ولعائلته فبعودتها اليهم سيغلق بها كل ما قام به والده فى ماضى من تدمير للعائلة بتهوره ورعونته ولن يسمح هو لاى احدا مهما كان ان يقف فى طريق تحقيقه لهذا الامر.

: راغب بستأذنك انه يحضر فرح اخوه بعد اذنك يابا.

نطق علوان بتلك الكلمات يقف يجاوره ولده الاخر سعد باضطراب وقلق امام والده الشيخ جاد الجالس فى مقعده المعتاد فى القاعة الكبرى الخاصة بالأستقبال بمنزلهم ليرفع لهم الشيخ جاد انظاره بحده فيسرع علوان يكمل قائلا بلهفة
: ده فرح اخوه الوحيد وبعدين اللى كانت السبب انك باعده عن هنا اهى اتجوزت وراحت دار جوزها.

اسرع سعد مقاطعا حديث ابيه عند رؤيته ملامح جده ازدادت تجهما ورافضا قائلا برجاء
: مش هيقعد كتير صدقنى ياجدى هما يومين الفرح وهيسافر تانى، علشان خاطرى ياجدى ده امى هتموت علشان مش هيحضر.

لانت ملامح الشيخ جاد قليلا لكنه تحدث بجدية وحزم قائلا
: ولو حصل وعمل مصيبة من مصايبه وفضاحنا وسط الخلق بعمايله يبقى الحل ايه منك ليه؟

اسرع علوان قائلا بلهفة وتأكيد وهو يجلس فى المقعد المجاور له
: من الناحية دى متقلقش راغب اتغير خالص وعقل وكمان بعاده عنا وعن...

قطع حديثه حين رفع الشيخ جاد عينه الحادة له ووجه مكفهر بشدة فأخذ علوان يتملل فى مقعده قائلا بتوتر وأرتباك يكمل حديثه
: اقصد يعنى ان راغب بتاع زمان اتغير خالص وشغله فى مصر واخد كله وقته وبعد خالص عن المسخرة بتاعت زمان.

عقد الشيخ جاد حاجبيه بتفكير لعدة لحظات اخذ علوان وسعد يتبادلان النظرات حينها بقلق وتوتر حتى تحدث الشيخ اخيرا قائلا بهدوء لا يخلو من التحذير
: تمام يا علوان. انا موافق انه يجى يحضر فرح اخوه وبنت عمه بس يمين عظيم بتلاتة لو عمل عملة من عمايله السودا تانى ساعتها مش هيبقى عندى ليه غير رصاصة متسواش تلاتة ابيض واخلص بقى من همه وعاره.

شحب وجه علوان بشدة يعلم جيدا ان والده قد وصل الى اخر قدرة لديه على الصبر فاخذ يدعو الله ان يكون ولده عند حسن ظنه ولا يأتى بمصائبه التى لا تنهى ابدا كعادته دائما.

جلس خلف مكتبه يمسك بين يديه بذلك العقد يمرر عينيه فوق سطوره ببطء قبل ان يلقى به زافر بقوة هو يتراجع الى ظهر مقعده يلقى نظرة الى ساعته متسائلا بنزق عن سبب تأخرها كل هذا الوقت فقد مر اكثر من النصف ساعة التى طلبتها حتى تقوم بالاستعداد.

زفر مرة اخرى لكن تلك المرة محاولا الهدوء يحدث نفسه بأن يتحلى بالصبر والهدوء اذا اراد ان يتم له ما يريد فقد اصبح قاب قوسين او ادنى من تحقيقه
لتمر عدة لحظات اخرى قضاها متوترا قبل ان تصل اليه طرقات هادئة فوق باب الغرفة تعلن له عن وصولها ليعتدل فى جلسته فورا يدعوها للدخول لكنه نهض واقفا يهتف بحيرة وتعجب
: سلمى! تعالى ادخلى خير فى حاجة؟

تقدمت سلمى بخطوات بطيئة منه تخفض راسها بخجل هامسة بصوت ضعيف
: كنت عاوزة اتكلم معاك شوية لوحدنا يا جلال.

نهض جلال من خلف مكتبه يتحرك من مكانه ليقف امامها يظهر القلق والتوتر جاليا فوق ملامحه يسألها
: خير يا سلمى، اتكلمى قلقتينى.

رفعت وجهها اليه ببطء ليصدم بمرئ تلك الدموع تغشى عينيها وشفتيها التى اخذت بالارتعاش كما لو كانت تقاوم الانفجار بعاصفة من البكاء فيناديها ثانيا بقلق وخشية فتنفجر باكية على الفور كمن اعطى لها الاشارة لبدء الانفجار تهتف بتلعثم وألم
: هانت عليك سلمى يا جلال. هانت عليك بنت عمك تبقى سيرتها على لسان الخلق.

اشتعلت عينه بالغضب هاتف بشراسة بها
: انتى بتقولى ايه؟ مين ده اللى يقدر يجيب سيرة بنت الصاوى على لسانه وانا اقطعهوله.

سلمى وهى مازالت تبكى بحرقة قائلة بعتب ولوم
: وتلوم عليهم ليه يا جلال ما انت اللى ادتلهم الفرصة
لما سبتنى وروحت اتجوزت واحدة تانية بعد ما الكل عرف انى من صغرى وانا مكتوبة ليك.

زادت حدة بكائها تحيى بداخله احساسه بالذنب من ناحيتها وهو يراها بكل هذ الانهيار امامه ليقترب منها لكنه حافظ على مسافة مناسبة بينهم قائلا بلطف ولين فى محاولة منه لتهدئتها
: طب اهدى يا سلمى. اهدى علشان نعرف نتكلم.

شهقت سلمى بالبكاء ترفع اناملها تزيل دموعها المنهمرة فوق وجنتها قائلة بألم
: هنتكلم فى ايه ياجلال مبقاش فى حاجة نتكلم فيها بعد ماعملت منى (ليله )تانية.

عقد حاجبيه بشدة وعبوس لدى ذكرها لاسمها امامه لتومأ سلمى له قائلة بتأكيد
: ايوه يا جلال انا بقيت (ليله) تانية. كل البلد هتتكلم عنها لسنين جايه ادام. هكون (ليله)جديدة اهلها هيدفعوا علشان يلاقوا اللى يتجوزها ويرضى بيها.

صرخ جلال بعنف يوقفها عن كلامها قائلا بشراسة وحدة
: كلام ايه العبيط اللى بتقوليه ده مش بنت الصاوى اللى تتباع بالفلوس لو ايه حصل مش بناتنا اللى ندفع علشان نجوزها، بناتنا تتاقل بالدهب، انتى غالية ولا يمكن ف يوم نرخصك ابدا.

ابتعد عنها ناحية مكتبه يستند بكفيه فوقه وهو يحنى راسه معطيا لها ظهره يظهر غضبه بوضوح من صوت انفاسه الحادة وتوتر خطوط عضلاته يكمل حديثه بحدة تخفى ورائها الكثير من الغضب المستتر
: لو سمعتك بتتكلمى كده عن نفسك تانى هيكون ليا معاكى تصرف مش هيعجبك يا سلمى ولازم تحطى فى دماغك انك حاجة وهى حاجة تانية خالص.

لتهتف سلمى بعنف
: غصب عنى ياجلال كلامى ده، انت فاكر انه سهل عليا ولا على ابويا وامى اللى بنسمعه من اللى حوالينا. الكل بيسأل ليه وازاى ده حصل ومحدش فينا بيقدر يتكلم ويقول الحقيقة وان كله بسبب ارض الشؤم دى.

جلال بصوت حاد متجمد وهو مازال على وقفته بجسد متخشب
: والمطلوب منى ايه دلوقت؟

تنهدت سلمى قائلة وقد تبدل حالها فجأة تظهر فى عينيها نظرة تحمل الكثير من الخبث واللؤم لكنها حافظت على نبرة صوتها المنكسرة قائلة
: مش مطلوب منك حاجة يابن عمى انا بس كنت عاوزة افضفض واقولك كل اللى جوايا.

زفر جلال محاولا الهدوء قبل ان يلتفت لها بوجه خالى من التعبير لكن عينيه كانت تشتعل بنيران حاول احكام السيطرة عليها قائلا
طب روحى دلوقت يا سلمى واياكى اسمعك تتكلمى عن نفسك كده تانى مفهوم كلامى.

اومأت براسها له بالايجاب ثم التفتت مغادرة ترتفع فوق شفتيها ابتسامة انتصار وفرح تعلم جيدا بنجاحها حتى ولو لم تحصل على جواب يعلمها بذلك الا انها تعلم جيدا من هو جلال واحساسه العالى بالحماية والمسئولية لكل مايخصه وهى تخصه اليست ابنة عمه الوحيدة والمدللة لدى الجميع وهذا ما راهنت عليه هى وزوجة عمها عند وضعهم لتلك الخطة واثقين مما ستؤول اليه الامور لصالحهم.

تركته فى عاصفة افكاره خارجة من الغرفة بخطوات سريعة واثقة غافلة تماما عن تلك المستندة الى الحائط فى الظلام تكاد قدميها لا تحملها تغمض عينيها بألم بدموعها المنهمرة بغزارة وقد وصل الى مسامعها كل كلمة قد قيلت بينهم، عنها.

دلف الى داخل جناحهم يدفع بابه بعنف ينظر فى ارجائه بحثا عنها ليجدها تجلس فوق مقعد تضع قدما فوق اخرى وهى تأرجحها ببطء تشاهد التلفاز ومستغرقة تماما فى متابعته لا تعير لدخوله ادنى اهتمام ليقترب من مكان جلوسها بخطوات سريعة غاضبة هاتفا بحدة بها
: انتى قاعدة عندك لحد دلوقت ومنزلتيش المكتب زاى ما قلتلك ليه؟

ظلت تنظر الى تلفاز وهى تهز كتفها بعدم اكتراث قائلة
: لقيت نزولى ملهوش داعى.

عقد جلال حاجبيه بشر قائلا ببطء
: ملهوش داعى ازاى عاوز افهم؟

التفتت له ليله تستند بمرفقها فوق مسند مقعدها تنظر الى عينيه بنظرة باردة قائلة بهدوء
: يعنى انا فكرت كويس ولقيت انى مش هتنازل عن الارض لا ليك ولا لغيرك.

تجهم وجهه عينيه تنطلق شرور العالم من خلالها كشرارت البرق مقتربا منها قابضا فوق ذراعيها بقسوة ينهضها من مكانها سائلا اياها بشراسة
: بتقولى ايه! مسمعتكيش كويس. سمعينى كده تانى.

لم تهتز ملامح وجه ليله بل ظل يحمل كل هدوء وبرود العالم فوقه وهى تتحدث بجمود قائلة
: لا انت سمعتنى كويس بس معنديش مانع اعيد كلامى تانى
ليرتفع فوق ملامحها التحدى والاصرار فورا قائلة كلماتها ببطء شديد مستفز
: بيع مش هبيع، تنازل مش هتنازل، الارض دى ارض اهلى وجدى كتبها ليا ولولادى ومحدش يقدر مهما كان يجبرنى اتنازل عنها.

كانت مع كل كلمة تنطق بها تزداد اصابعه ضغطا فوق لحم ذراعها حتى كادت ان تنفذ الى عظمها تتألم بشدة من قسوة قبضته المحكمة فوقها لكنها ظلت تتماسك تظهر البرود وعدم الاكتراث وهى ترى وجهه محتقن بشدة عروق عنقه نافرة تكاد تنفجر من شدة غضبه وهو يفح لها من بين انفاسه ضاغطا فوق كل حروف يخرج من فمه.

: اكيد انتى اتجننتى صح! ارض اهلك ايه اللى بتتكلمى عنها دى. انتى نسيتى نفسك ونسيتى انا اتجوزتك علشان ايه، لو كنتى نسيتى افكرك.

جذبها اليه من ذراعيها يكاد يقتلعهما بيده يكمل حديثه بقسوة وبعينيه نظرة تكاد تقتلها من شدة شراستها
: انا اتجوزتك علشان الارض دى وبس، الارض اللى اهلك رموكى عليا علشانها، اتجوزتك علشان ارضنا ترجع لعيلتى من تانى واللى لولاها هى مكنتش فى يوم افكر اتجوزك ولا تكونى على اسمى فى يوم
فتفوقى لنفسك كده وتعقلى وتوزنى كلامك قبل ما تنطقى به فاهمة ولا مش فاهمة.

اعقب كلماته الاخير بازدياد ضغطه الشديد فوق ذراعها يهزها بقوة حتى كاد ان يقتلع راسها من فوق كتفيها لتشهق بالم وتوجع لكنها لم تتخلى عن تحديها له متجاهلة المها فترفع وجهها تنظر اليه من بين خصلات شعرها المشعثة فوقه بتحدى وكره تهتف به هى الاخرى بحدة.

: لا فاهمة كلامى كويس وعارفة انك متجوزنى علشان الارض دى وبس. وانك من كتر طمعك مقدرتش تقول لا واتجوزت واحدة غصب زيى انا كمان بالظبط بس انا يا حسرة بنت ماليش ان ارفض ولا اقول لا عكسك انت ياااا جلال بيه.

نطقت حروف اسمه بسخرية اشعلت عينيه بنيران تحرق الاخضر واليابس لكنها لم تتراجع او تحاول الاهتمام بغضبه وشراسته تلك لا تمهل لنفسها فرصة للتردد او التوقف عما نوت فعله تكمل مؤكدة كل كلمة تنطق بها باصرار وعناد.

: وبقولهالك تانى، ارضى مش هبعها ولا هتنازل عنها ولازم تفهم وتفوق انت كمان وتعرف انى اتجوزتك مش علشان دايبة فى هواك ولا سواد عينيك، انا متجوزتكش الا بسبب ضغط جدى عليا وبس وان كان عليا كان اهون عندى اعيش عمرى كله بايرة زاى ما بتقولوا ولا ان حظى يوقعنى فى واحد زيك طماع وجشع. راجل طمعان فى مال مراته ليه.

تركتها يده سريعا ليرفعها عاليا امام وجهها تنطق ملامحه بكل شرور العالم بعينيه المشتعلة بغضب محرق ثائر. فاغمضت عينيها بهلع فى انتظار صفعته لهاتصل لاذانها اصوات انفاسه المتلاحقة بعنف و تعالى فعلمت انها هالكة لا محالة لكن طال انتظارها لتلك الصفعة وهى تقف مكانها مرتجفة لكن يصل اليها بعد قليل صوت اغلاق الباب بعنف ارتجت له ارجاء المكان معلنا لها خروجه من الغرفة نهائيا عن المكان ففتحت عينيها بتوجس وخشية ثم اخذت الرجفة تزحف الى ارجاء جسدها ببطء بعد ان ادركت ما قامت به واعلانها التحدى له لكنها لا تندم على فعلتها فيكفيها كل ما سمعته منذ دخولها لهذا المنزل سواء منه او من اهله لذا لا ندم ولا تراجع بعد الان وليحدث ما يحدث.

صباحا جلست قدرية تجاورها ابنتها حبيبة المتجهمة الوجه صامتة منذ نزولها الى البهو منذ عدة دقائق رغم محاولات قدرية العديدة لمعرفة ما بها لكنها لم تبوح بما يكدر حالها ولكن والدتها لم تستلم تسألها مرة اخرى بحدة
: مش هتقوليلى مالك وشك مقلوب من الصبح ليه؟

حبيبة بغصة تكاد تخنقها
: قلتلك مفيش ياماما وبعدين انتى من امتى بيهمك حالى؟

تظاهرت قدرية بالهلع هاتفة باستنكار
: شوفوا البت بتتكلم ازاى، بقى كده يا حبيبة انا مابيهمنيش حالك.

التفتت اليها حبيبة هاتفة
: مش انتى السبب فى الجوازة الهم دى، وخلتينى اطاوعك واقف ادام جلال واصمم اتجوز المحروس،.

تنهدت قدرية تلوى شفتيها قائلة
: وخلاص اللى حصل حصل وفواز مش وحش زاى ما انتى فاهمة ده طيب وبيضحك عليه بكلمة.

حبيبة بنزق وعصبية
: مش ده لما ابقى اشوفه ده طول اليوم بره
ومابشفهوش غير اخر الليل.

قدرية بعدم اكتراث
علشان هبلة قلتلك هاتى حتة عيل تتلبخى وتلبخيه بيه بس هقول ايه خايبة طول عمرك.

نظرت لها حبيبة باستنكار تفتح فمها دهشة من حديثها لكن قدرية تجاهلتها تنادى على العاملة بالمنزل التى اتت اليها تهرول مسرعة تجيبها
: ايوه يا ستى ?مرينى.

قدرية بجمود
: خلصتى تنضيف الاوض هنا ولا لسه وراكى حاجة.

هزت نجية راسها بالايجاب قائلة بلهفة
: كله تمام يا ستى بس لسه اوضة المكتب هنضفها بس.

قدرية بحدة
: طب ولسه معملتهاش ليه اجرى اخلصى واعمليها وتعالى يلا حضرى الفطار زمان سيدك جلال وباقى الرجالة نازلين.

اومأت نجية بالايجاب تسرع باتجاه المطبخ تغيب بداخله لثوانى ثم تأتى وهى حاملة لادوات النضافة ذاهبة باتجاه غرفة المكتب التى لم تغب بداخلها كثيرا بل اسرعت تخرج منها سريعا مرة اخرى لتهف قدرية بها باستنكار وحدة توبخها
: ينيلك انتى لحقتى تنضفيها يا مصيبة
هزت نجيه راسها بالرفض وهى تقترب منها تنحنى فوق اذنيها هامسة بخشية
: سيدى جلال نايم فى المكتب ياستى انا قلت اخرج اقولك الاول واشوف هتقولى ايه.

التمعت عينى قدرية بالنصر والسعادة قائلة بابتسامة فرحة
: متأكدة من كلامك يابت.

ابتعدت نجية عنها تهز راسها بالايجاب لتهمس قدرية بتشفى
: ده كده حلو اووى، والله شكلك عرفتى تعمليها يابت ياسلمى.

عقدت حبيبة حاجبيها بعدم فهم تسال والدتها
: عملت ايه يا ماما مش فاهمة وبعدين جلال نايم فى المكتب ليه وسايب اوضته.

التفتت لها قدرية تهتف بها بحدة
: ملكيش دعوة وقومى فزى صحى اخوكى وتعالى.

زفرت حبيبة بقوة تنهض من مكانها سريعا باتجاه المكتب فلا تغب بداخله سوى دقائق ثم خرجت سريعا يتبعها جلال بخطوات ثقلية من اثر النوم لتسأله والدته بلهفة وخبث
: نايم فى المكتب ليه يا جلال خير يا بنى فى حاجة؟

زفر جلال يمرر يده فوق وجهه فى محاولة لازالة اثار النعاس من عليه ثم يضعها فى شعره المشعث يرجعه الى الخلف بأنامله قائلا باقتضاب
: مفيش حاجة حصلت، الظاهر النوم سرقنى وانا بشتغل.

لم تتغير نظرة الخبث والسرور داخل عين قدرية لكنها حاولت اظهار تمررها لامر قائلة
: طب يا حبيبى اطلع يلا ظبط حالك وصحى مراتك وانزل يكون الفطار جهز.

تجهم وجه بشدة لحظة ذكرها امامه لتعلم قدرية صدق حدثها حين قال بحدة
: هى ليله لسه منزلتش؟

لوت قدرية شفتيها قائلة وهى تتنهد باسف مصطنع
: وهى من امتى بتنزل من بدرى كده ولا بتنزل هنا من اصله غير على الاكل وبس.

اشتعلت عينى جلال بالغضب ينادى على نجية بصوت حاد جهورى لتأتى مهرولة على الفور ليحدثها جلال قائلا
: اطلعى حالا اندهى ست ليله اقولها دقايق وتكون ادامى حالا واخلصى يلا بسرعة.

هزت نجية راسها بالايجاب تهرول سريعا باتجاه الدرج لكن اتى صوت جلال الصارم يهتف بها يوقفها قائلا
: تعالى انتى خلاص انا هطلع بنفسى اجيبها.

ثم تحرك بخطوات سريعة عنيفة تنطق خطوط جسده بالغضب والعنف يقفز كل درجتان معا حتى غاب عن الانظار لتلتفت حبيبة الى والدتها تهمس بقلق وتوتر
: مكنش ليه لزوم الكلمتين دول ياماما وهما شكلهم امورهم مش مظبوطة مع بعض.

اعتدلت قدرية فى جلستها تستند بظهرها الى الخلف براحة كأنها تستعد لمشاهدة فيلمها المفضل قائلة بأبتسامة خبيثة فرحة
: اسكتى انتى ملكيش دعوة خليه يعرفها مقامها فى البيت هنا ايه من اولها.

كانت تجلس فوق الفراش بملابسها منذ ليلة امس عينيها مسهدة مرهقة تظهر اسفلها الهالات السوداء دليل على عدم نومها منذ الامس فبعد ماحدث بينهم وبرغم حديثه المؤلم المهين لها لكنها اخذت تعنف نفسها بأنها لم يكن من المفترض منها ان تكون هذه ردة فعلها او تقول له ما قالته وتتهمه بالطمع بها وبأموالها فهى تعلم جيدا ومن البداية السبب وراء زواجهم فهو لم يخدعها ولم يوعدها بما ليس فى استطاعته تقدميه لها لذا ليس خطأه مايراه فيها وليس ذنبه انها لم تكن الزوجة المناسبة له فكل الذنب يقع على عائلتها هى من وضعتها ووضعته فى ذلك الموقف والذى على ما يبدو ان لا امل لهم من المرور به لذا جلست هنا فى انتظاره تنوى التحدث معه بهدوء وتروى لعلهم يصلون لنقطة يستطعون البدء منها...

قطعت افكارها حين فتح الباب بعنف يظهر جلال من خلاله ليقف مستندا على اطاره بكتفه مكتفا ذراعيه فوق صدره وهو ينظر اليها باقتضاب فنهضت واقفة سريعا تحاول لملمة خصلات شعرها المشعثة من حولها وجهها قائلة بتلعثم وارتباك
: جلا، ل، انا، كنت.

قاطعها بحدة هاتفا بها متجاهلا ندائها له
: انتى قاعدة عندك لحد دلوقت ومنزلتيش ليه تشوفى شغل البيت مع الشغالين؟

اتسعت عينيها بصدمة تسأله مذهولة.

: اشوف ايه؟! ومع مين؟!

تخل جلال عن وقفته المسترخية فوق اطار الباب يتقدم منها بخطوات ثقيلة بطيئة فلاحظت هى خلال تقدمه منها حالته المشعثة والارهاق الظاهر فوق ملامحه ايضا تراقب تقدمه منها بتوتر حتى وقف امامها ينحنى فوقها هامسة بصرامة وحدة
: اللى سمعتيه يابنت المغربى. من هنا ورايح انتى مش اكتر من خدامة عندنا بالنهار، وجارية ليا بليل.

حاولت الابتعاد سريعة عنه ترفع وجهها اليه بحدة تنوى الرد عليه بما يليق به لكنه لم يمهلها الفرصة يلف خصرها بذراعه جاذبا اياها اليه بقسوة ينحنى عليها سريعا يطبق بشفتيه فوق شفتيها فى قبلة عنيفة قاسية اودعها كل ما يشعر به نحوها من مشاعر غضب وعنف منذ حديثها الوقح له ليلة امس لا يعطى لها حتى الفرصة للمقاومة يسحب منها انفاس حتى لا اصبحت بلا حول ولا قوة بين ذراعيه حتى بدأت تشعر بأختناق انفاسها وحاجتها للهواء فاخذت تحاول التملص من قبضته برعب وهلع لكنه لم يعير مقاومتها ادنى اهتمام يظل يطبق بشفتيه فوقها حتى شعرت بالضعف وفروغ الهواء من صدرها فأرتخى جسدها بضعف بين ذراعيه وهنا كما لو انه ادرك حالها لينسحب بعيدا عنها فاخذت تنهت بعنف فى محاولة لالتقاط الانفاس تنظر اليه بهلع وهى ترى وجهه وقد نحت من حجر فلم تهزه ولو لثانية حالتها المضطربة وهلعها الظاهر فى عينيها بل انحنى مرة اخرى فوقها لتنتفض مبتعدة بوجهها عنه للخلف بخوف وارتعاب فأرتفعت ابتسامة شرسة فوق شفتيه هامسا من بين انفاسه بشراسة ساخرة.

: خوفتى؟ لااا، دى اللى حصل ده نقطة فى بحر اللى هيحصل بينا بعد كده، اومال هنجيب الولاد اللى هيورثوا منك الارض ازاى، مش ده كلامك ليلةامبارح
انها ارضك وارض ولادك، يبقى خليكى اد كلامك يا شاطرة.

ابتعد عنها تاركا جسدها فجأة لتترنح للخلف متعثرة بعد ان كانت تستند بتقلها فوق جسده تشعر بدوار يلفها لكنه لم يتحرك من مكانه ناحيتها بل تركها تعانى مر حالها يخطو ناحية الباب قائلا ببرود وعدم اكتراث
: ورايا حالا على تحت ومن هنا ورايح شغل البيت كله عليكى ومسمعش منك غير كلمة حاضر ونعم بس.

فتح الباب لكنه لم يخرج منه بل وقف امامه للحظة ثم يلتفت ناحيتها يراقب شحوبها وارتجافها بجمود يكمل محذرا لها بحدة وقسوة
: واياكى. فاهمة اياكى اسمع شكوى واحدة من اى حد فى البيت هنا منك حتى ولو من اصغر حد فيه.

ثم خرج كالعاصفة خارج الغرفة لتنهار جالسة فوق الفراش مرة اخرى عينيها تمتلأ بالصدمة والجمود عقلها متوقف تماما عن التفكير تشعر بالخواء بداخلها كما لو كانت قد ماتت كل مشاعرها فى هذه اللحظة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة