قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل السادس

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل السادس

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل السادس

وكأن الماضي قد عاهد حاله ألا يتركني أنساه، فأرسلْ لي من يعكر صفوي، وطاردني حتى في منفاي..
تجهم وجه شريف بشدة، ورمق ذلك الغريب الذي تدخل في الحوار مع إيثار – خطيبته السابقة – بنظرات شرسة، وصاح بنبرة غليظة:
أنا خطيبها!
سيطر الإندهاش الممزوج بالصدمة على مالك، وعجز عن الرد ببنت شفة، بينما اتسعت مقلتي إيثار في صدمة واضحة، وشهقت نافية:
كنت، كنت، احنا سيبنا بعض خلاص!

إلتوى فمه ليضيف بإبتسامة قاسية:
وهو انتي مفكرة إنك لما هتبعدي مش هاعرف أوصلك، تبقي غلطانة، أنا مش هاسيبك إلا لما أخد حقي منك! أو عندك حل تاني، نرجع لبعض
صرخت فيه بصوت محتد ويحمل التهديد وهي تشير بإصبعها:
شيل الأوهام دي من دماغك، وأنا بأحذرك دي أخر مرة تيجي هنا، وإلا مش هايحصلك خير أبداااا
رد عليها شريف بتحدي شرس وهو يتحرك خطوة نحوها:
وريني هتقدري تعملي ايه؟

في تلك اللحظة تدخل مالك ووقف بجسده أمامه ليسد عليه الطريق، ثم حدجه بنظرات محتقنة، وهتف بصوت قاتم:
في ايه يا كابتن، هو أنا مش مالي عينك ولا حاجة؟
رمقه شريف بنظرات مستهزأة، وأردف قائلاً بسخرية وتهكم:
وإنت مين يا حلو، لأ وفارد عضلاتك أوي
صاح به مالك بجمود:
ملكش فيه، وأحسنلك يا بابا تمشي من هنا!
لوى شريف فمه ليردد بتهكم:
بابا!
تابع مالك حديثه بقوة تحمل التهديد:.

الوقتي بابا، وبعد شوية هاخليك ماما، انت هنا في منطقتي!
أدركت إيثار أن هناك معركة على وشك النشوب بينهما، فهتفت بتوسل وهي تنظر إلى مالك بخوف:
خلاص يا مالك سيبك منه، هو، هو مايتسهلش
إبتسم شريف قائلاً بتهكم وهو يربت على كتف مالك:
اسمع كلام ال، الهانم!
أزاح مالك كفه مضيفاً بصرامة والشرر يتطاير من عينيه:
نزل إيدك عني! ويالا اتمشى بدل ما أخرشمك النهاردة
رد عليه شريف بعدم مبالاة بعد أن سلط أنظاره على إيثار:.

وعلى ايه، خلينا حبايب النهاردة زي ما كنا زمان
ثم حدج مالك بنظرات احتقارية، و سار عائداً في اتجاه سيارته، وقبل أن يركبها، تابع بتوعد:
أنا ماشي الوقتي، بس مسيرنا هنتقابل يا، يا إيثار، وسلمي على الفاموليا المحترمة
ثم قهقه عالياً وهو يغلق الباب خلفه..
سيبك منه يا مالك، متردش عليه، ده، ده واحد مايسواش
قالتها إيثار بتوجس وهي تدعو الله في نفسها ألا ينفعل مالك ويتشاجر مع ذلك الحقير.

تنهد هو بصوت مسموع وظل هينيه مسلطتين على السيارة إلى أن اختفت في وسط الزحام، فعاود النظر إلى إيثار ولم ينطق بكلمة، بينما ضغطت هي على شفتيها وهمست بحزن:
أنا، أنا اسفة ان كنت دخلت في مشاكلي
نظر لها بحنو، وأخفض من نبرة صوته وهو يرد عليها:
متأسفيش، ده مش ذنبك
ثم أخذ نفساً مطولاً، وأكمل بحنق وهو يكور قبضة يده:
بس البني آدم ده عاوز الحرق
لم تنظر إيثار له، بل ظلت مطرقة لرأسها، وأضافت بخفوت:.

أنا هاعرف بابا وعمرو باللي عمله هنا
أشار لها بيده قائلاً بجدية:
مافيش داعي، مش مستاهلة الحكاية
ثم ابتسم لها ليضيف بمزاح:
وبعدين لو كان طول شوية كنت اديته باللوكامية في وشه
قطبت إيثار جبينها، ورددت بعدم فهم:
لوكامية!
بالبوكس يعني!
ابتسمت له إيثار، فهتف مالك بسعادة:
ايوه كده اضحكي، محدش واخد منها حاجة
وفجأة أصاب إيثار الهلع، وصاحت بتوتر:
اووف، ده انا اتأخرت أوي، لازم أروح
نظر لها بإندهاش وهتف بجدية:.

طب استني أوصلك، ده احنا سكتنا واحدة
هزت رأسها معترضة وهي تجيبه:
لأ مش هاينفع، عن اذنك
ثم تحركت بخطوات أقرب إلى الركض لتعبر الطريق، فصاح بها مالك:
يا إيثار، استني بس..!
تنهد بعمق وحاول اللحاق بها ولكنها أوقفت الحافلة لتستقلها، فتوقف في مكانه، ووضع يده على رأسه ليحكها، وحدث نفسه بفضول:
يا ترى ايه حكايتك يا إيثار؟

قررت إيثار ألا تخبر عائلتها عما حدث حتى لا يتأزم الوضع، ويعلم أخيها فيتهور مجدداً مع ذلك البغيض، وتتحمل هي اللوم والتوبيخ من الجميع وكأنها المذنبة..
كذلك خشيت من معرفتهم بصلتها بمالك، وبالتالي العاقبة ستكون أشد عليها...

مرت عدة أيام، وتكررت اللقاءات بين إيثار ومالك في الحرم الجامعي، وفي قاعات الدراسة، وأحياناً في طريق عودتها للمنزل..
وشعرت هي بالإطمئنان من قربه، خاصة بسبب أخلاقه الكيسة، وصفاته الطيبة، بالإضافة إلى روحه المرحة..
كما شعر مالك هو الأخر بالإرتياح من وجودها في حياته المملة، وإنعكس هذا على طبيعة ألحانه التي يعزفها على آلته المفضلة..

ولم يخفْ عن روان ملاحظتها للتغيير الذي طرأ على أخيها، وتمنت له السعادة مع من تمكنت من تغييره، وإن كانت تعرف هويتها مسبقاً، فهي رفيقة طيبة وانسانة محبوبة..
كذلك راقبت سارة – ابنة عمها – من شرفة منزلها ما يحدث بين الاثنين من تبادل للإبتسامات والعبارات أثناء لقائهما، فزاد فضولها لمعرفة سبب توطيد العلاقة بينهما، وتسائلت مع نفسها بخبث:.

ايه لم الشامي على المغربي؟ أكيد الموضوع ده فيه إن، وأنا لازم أعرفه...

وذات يوم، قرر مالك أن يسأل إيثار عن تلك المسألة التي شغلت تفكيره لليالٍ طوال..
فإستغل فرصة إلغاء محاضرتها، وطلب منها:
ينفع أتكلم معاكي في الكافيتريا شوية
نظرت له بإستغراب، وتسائلت:
هاه، نقعد لوحدنا؟
ابتسم لها ليجيبها بمكر:
لأ مش لوحدنا بالظبط، احنا حوالينا زمايلنا، وأصحابنا، كمان مش هنطول، دول عشر دقايق بس!
سألته بجدية وهي ترمقه بنظرات مترقبة:
هو انت مش عندك محاضرات؟
هز رأسه قائلاً:
أه..

لوى شفتيها لتسأله بإهتمام واضح:
طيب مش بتحضر ليه؟
أجابها بغرور وهو ينتصب في وقفته:
ما أنا بأجي في أخر أسبوع وأشد العزم وأعدي
ممم..
ابتسم لها متسائلاً بتوسل:
ها، موافقة نقعد في الكافيتريا شوية؟
أومأت برأسها موافقة، فتهللت أساريره، وسارا سوياً نحوها...

انتهت إيثار من إرتشاف مشروبها، وأسندت الكوب الفاضي على الطاولة، فتسائل مالك بجدية:
تحبي أجيبلك تاني؟
نفخت من الضيق وهي تجيبه:
لأ مش عاوزة، قولي بقى انت عاوز ايه، احنا بقالنا فترة أعدين ومش قولت حاجة!
ابتسم لها ليقول بمرح:
بأستجمع بنات أفكاري
رددت متسائلة بإستغراب:
بنات مين؟
أردف قائلاً بجدية:.

بأهزر يا إيثار، أنا مش عاوزك بس تفتكري إني بأدخل في حياتك لا سمح الله، كل الحكاية إني، ان بالي مشغول بقاله فترة على حاجة كده
سألته بفضول وهي ترمقه بنظرات ثابتة:
حاجة ايه؟
اخذ نفساً مطولاً، وزفره على مهل ليسألها بتوجس:
هو ايه اللي عجبك في خطيبك الأولاني؟
اتسعت مقلتيها بصدمة، فتابع قائلاً بحذر:
لو مش عاوزة تردي براحتك!
مطت شفتيها للأمام، وأجابته بإنزعاج:.

مش الفكرة، بس، بس البني آدم ده ما إكتفاش باللي عمله فيا، كمان آآآ...
ترددت هي في إخباره بما حدث معها ومع عائلتها، وطأطأت رأسها منكسرة..
أنا أسف لو كنت ضايقتك، انسي اللي قولته كله
قالها مالك وهو يلوم حاله بشدة لتسرعه في طرح ذلك السؤال عليها، وتوجس خيفة من أن تتركه وترحل مبتعدة عنه، وترفض الحديث معه مجدداً، ولكنه تفاجيء بها تتابع بصوت شبه مختنق:.

أنا مكنش بيني وبينه قصة حب، أو غيره، أنا، أنا كنت زي أي بنت جالها عريس مناسب، فإتقدملها، وأهلها سألوا عليه ووافقت، لكن، آآآ...
صمتت للحظة لتسيطر على حالها، وتابع بحزن:
لكن للأسف طلع عكس ما كنا مفكرين، وأنا اللي كنت عبيطة ومصدقتش اللي اتقال عنه
سألها بإهتمام وهو يتطلع إليها بتفرس:
تقصدي ايه؟
ردت عليه بتنهيدة مطولة:
كان لافف وداير ومصاحب بنات كتير، وأنا، وأنا مكونتش أعرف ده لحد ما...

( في وقت سابق )
خرجت إيثار بصحبة رفيقتها مروة من محل الزهور بعد أن إبتاعت باقة ورد حمراء مميزة، وابتسمت لها متسائلة بسعادة:
تفتكري شريف هايفرح بالورد ده يا مروة؟
ردت عليها رفيقتها بثقة:
أكيد طبعاً، يا بنتي هو كل يوم بتجيله ترقية، وبعدين الورد مش جايله من أي حد، ده منك، خطيبته!
قبلتها إيثار من وجنتها، وقالت بإمتنان:
حبيبتي يا ميرو، يا ريت يقدر ده لأحسن كل شوية يعمل خناقة ونتخاصم، ويستنى مني أصالحه.

هزت رأسها لتقول بخفوت:
معلش، هما الرجالة كده بيحبوا الواحدة اللي تحسسهم بقيمتهم..
أها، هو هيخلص شغله في الشركة كمان ساعة
أردفت مروة قائلة بهدوء:
طيب تعالي نستناه في الكافيه اللي جمب شغله، وقرب ما يخرج تطلعي تستنيه عند باب الشركة، وتهاديه بالورد
اوكي..
وبالفعل تحركت الاثنتين في إتجاه المقهى الحديث المجاور لمقر عمل خطيبها شريف..

بحثت إيثار بعينيها عن طاولة شاغرة لتجلس عليها، ولكن وقعت عينيها مصادفة على شريف الذي كان يقهقه عالياً وبصحبته إحدى الفتيات صارخات الجمال، فتسمرت مكانها مصدومة، وحدقت فيه بعدم تصديق..
لم يختلف حال رفيقتها مروة عنها كثيراً، فقد كانت هي الأخرى مذهولة مما تراه..
رأت الاثنتين شريف وهو يمد كفيه ليمسك بيدي الفتاة، ومن ثم رفعهما إلى فمه، وقبلهما بعاطفة واضحة..

إرتخى ذراع إيثار الممسك بالباقة، وكذلك انفرجت شفتيها للأسفل لتصرخ بإسمه بغضب:
شريف!
صُدم الأخير حينما سمع صوتها، وإستدار برأسه ناحيتها، وجحظ بعينيه بتوتر رهيب..
انفجرت إيثار صارخة بصوت جهوري:
انت، انت يا شريف، انت بتعمل كده! و، وبتضحك عليا وتستغفلني؟! هونت عليك تخدعني وآآ، وتعرف عليا غيري!
نهض عن مقعده، واتجه نحوها، وأردف قائلاً بتلعثم:
انتي، انتي فاهمة الموضوع غلط
صرخت فيه بإنفعال وهي تشير بيدها:.

انت كداب، أكبر كداب ومنافق شوفته وعرفته في حياتي!
ثم ألقت بالباقة في وجهه، وإنصرفت وعبراتها تسابقها في الإنسياب على وجنتيها
نظرت له مروة شزراً، وأضافت قائلة بسخط:
حقيقي هي خسارة فيك!
ركض شريف مسرعاً ليلحق بإيثار، وهتف بصوت لاهث:
استني يا إيثار، إنتي فهمتني اللي حصل غلط، دي، دي زميلتي
رمقته بنظرات حادة، وأكملت بغضب:.

أنا شايفاك بعيني، وطالما انت قبلت تعمل كده وأنا خطيبتك، يبقى الله أعلم هاتعمل ايه وأنت متجوزني
ثم نزعت خاتم الخطبة من إصبعها، وألقته في وجهه لتضيف بصوت محتد:
خد دبلتك، أنا مش عاوزاك
نظر لها مصدوماً، وتسائل بنبرة مشدوهة:
ايه اللي عملتيه ده؟
ردت عليه بصوت مختنق:
اللي كان لازم يتعمل من زمان، وشبكتك تيجي تاخدها من بابا، عن اذنك
إحتقنت عينيه بشدة، وهتف بصوت شبه غاضب:
مش أنا اللي واحدة تسيبني يا إيثار.

ردت عليه بتهديد صريح:
حاسب من سكتي لأصوت وألم عليك الناس وأعملك فضيحة
إلتوى فمه ليقول بنبرة عدائية:
لأ الفضيحة دي أنا اللي هاعملهالك
لم تفهم إيثار ما الذي يعنيه بعبارته الأخيرة تلك، ولكنها ابتلعت ريقها وأظهرت شجاعة عجيبة وهي ترمقه بنظرات إحتقارية، ثم تركته وإنصرفت وهي تمسح عبراتها..

لاحقاً عادت إيثار إلى منزلها، وسردت على عائلتها ما حدث، فإنزعج والدها كثيراً، واستشاط أخيها عمرو غضباً، وتحسرت تحية على حال ابنتها، ولكنهم في النهاية وافقوا على قرار ابنتهم بإنهاء الخطبة على الفور...
ما لم تتوقعه عائلتها هو حضور شريف أسفل البناية، والصياح بصوت جهوري لفت أنظار ساكني المنطقة متهماً إيثار – زوراً – في سمعتها..
واستمر في تلفيق التهم الباطلة عليها، وهتف بنبرة عالية:.

هاتولي راجل يرد عليا وينكر اللي بأقوله ده، بنتكم المصونة مصاحبة شباب ودايرة على حل شعرها، ومقضياها، لأ وفي الأخر يقولولي بالسلامة معدتش يلزم، طب اتشطر يا حاج رحيم ولم بنتك الأول، احسن ما تلزقوها لولاد الناس المحترمين
احتقن وجه عمرو بشدة، وهتف بصوت غاضب:
سيبني يا بابا أنزل أربيه
أمسك به والده، ومنعه من النزول قائلاً بصرامة:
ده واحد، ماتضيعش نفسك عشانه، خليك هنا.

رد عليه عمرو بصوت محتد وهو يرمق إيثار بنظرات نارية:
انت مش سامع بيقول ايه عن بنتك
بكت إيثار بحرقة وهي تدافع عن نفسها قائلة:
أنا معملتش حاجة
لطمت تحية على صدرها وأضافت بصوت متحسر:
يالهوي على الفضايح، إتجرسنا واللي كان كان
هتف عمرو بنبرة هائجة:
خدنا ايه من طلوعها معاه وطول الخطوبة غير الفضايح والتهزيق
استمرت إيثار في البكاء بمرارة، في حين أكملت تحية بصوت مليء بالخزي:.

يا كسرة عيني قصاد الجيران، مين هايصدق إن بنتنا أشرف من الشرف بعد الجرسة اللي عملهالنا في كل الشارع!
لم يكفْ شريف عن تلويث سمعة إيثار مما دفع عمرو للخروج عن شعوره والدفاع عن شرف اخته الوحيدة، فنزل إليه وتشاجر معه في مشاجرة عنيفة انتهت بالذهاب إلى المخفر، وعمل محاضر للطرفين...
احنا معدلناش قعاد في البلد دي، خلاص هنسيب البيت ونعزل عند أخويا مدحت!

قالها رحيم لعائلته بعد أن ضاق بهم الخناق من أفعال شريف المشينة...
وبالفعل انتقلت الأسرة إلى الاسكندرية ليبدأوا حياتهم بعيداً عن ذكريات الماضي المؤسفة...

عودة للوقت الحالي
استمع مالك لما قالته إيثار بإهتمام واضح، وبدى التأثر الممزوج بالإنزعاج على وجهه بعد معرفته لسبب العداء مع شريف، كما لاحظ زيادة لمعان عينيها وكأنها تقاوم العبرات وتحول دون إنهمارها..
نظرت له إيثار بحزن جلي، وابتسمت لتضيف بتهكم:
حاجة مش مشرفة طبعاً، بس ربنا كان مقدره ليا، الحمدلله على كل حال
رد عليها مالك بهدوء جدي:.

لأ بالعكس إنتي انسانة محترمة وأخلاق واللي يقول عكس كده يبقى كداب ومابيفهمش!
ابتسمت له إبتسامة مصطنعة، ونهضت عن مقعدها لتقول بخفوت:
شكراً على مجاملتك، يدوب ألحق المحاضرة
نهض هو الأخر من مكانه، وتشدق قائلاً:
استني شوية، ده لسه آآ..
قاطعته بإصرار:
معلش، وشكراً على العصير، سلامو عليكم
عاود مالك الجلوس في مقعده، ووضع كفيه على رأسه، وتنهد بعمق وهو يفكر ملياً في كل كلمة سردتها إيثار..

(( فخلفَ قِناع إبتسامتها أحزانٌ شَجية، إن إختلتْ بنفسها بكتْ ملياً، فيا ليتها تسمح لي أن أمسح بأناملي عبراتها النقية ))...

كان أول من تعرف إليه عمرو في المكتب هو زميله محسن، والذي كان تفكيره مقارباً إليه، فتوطدت صداقتهما، وأصبح يشكو إليه معظم مشاكله وهمومه كصديق وفي ينفس معه عما يضيق به صدره، فعرف عنه محسن الكثير والكثير، وأثاره بشدة التقرب إلى عائلته البسيطة...
تكاثرت الملفات على سطح مكتب عمرو، فنفخ بضيق، ولوى فمه ليحدث نفسه بتذمر:
الشغل ماييخلصش أبداً
سحب محسن بعض الملفات، ووضعها على مكتبه قائلاً بإصرار:.

هات عنك شوية، أنا فاضي
تنهد عمرو قائلاً بإرهاق:
كتر خيرك يا محسن، الورق والروتين مابيخلصش
قال له محسن بجدية:
يالا، كله بيعدي، أعملك شاي معايا؟
ماشي، أهوو يعدل النافوخ شوية
طيب..
قالها محسن وهو يتجه إلى الغلاية الكهربية لصيب المياه الساخنة في الأكواب الفارغة، ومن ثم قام بإعداد الشاي له..
أسند محسن الكوب على مكتب زميله قائلاً بحماس:
أحلى كوباية شاي لأحسن أستاذ في المكتب
ابتسم له عمرو ممتناً:.

تسلم يا محسن، جت في وقتها والله
أي خدمة
إرتشف عمرو القليل من كوبه، ثم أسنده إلى جواره، وقام بسحب ملف ما ليبدأ العمل فيه، ولم ينتبه لإرتطام طرفه بالكوب فتناثر الشاي الساخن على يده، فصرخ متأوهًا من الآلم:
آآآه، اوووف!
نهض محسن عن مقعده، وتسائل بقلق:
في ايه يا عمرو؟
ظل عمر يهز كف يده الذي إلتهب سريعاً من سخونة الشاي، وأجابه بصوت متحشرج
الشاي اتدلق عليا، ايدي مش قادر منها
أردف محسن قائلاً بهلع:.

حطها تحت المياه بسرعة!
ثم إصطحبه إلى الخارج لإسعافه، وظل مرافقاً له حتى أوصله إلى منزله..
مط عمرو فمه للجانب ليقول بحرج:
كتر خيرك يا محسن، عطلتك النهاردة معايا
رد عليه محسن بجدية:
يا راجل متقولش كده، ده انت صاحبي.

سمعت تحية صوت قرع جرس الباب، فإتجهت نحوه وهي تردد بصوت مرتفع:
ايوه، جاية أهوو
شهقت مصدومة، ولطمت على صدرها في ذعر حينما رأت يد ابنها ملفوفة بالشاش الأبيض، ويقف إلى جواره شخص غريب، وتسائلت بنبرة متوترة:
جرالك ايه يا بني؟
أجابها محسن بهدوء:
اطمني يا حاجة، مافيش حاجة خطيرة
أنا كويس يا ماما
قالها عمرو وهو يدلف إلى الداخل..
تشدقت تحية قائلة بتلهف وهي تسند ابنها على أقرب أريكة:.

كويس إزاي بس وانت ايدك متبهدلة
رد عليه بضيق:
والله أنا تمام، ده بس عشان الإلتهاب
سألته بتلهف:
ايه اللي حصلك طيب؟
رد عليها محسن بنبرة رخيمة:
شوية شاي سخنين وقعوا يا حاجة، والحمدلله عدت
لطمت على صدرها قائلة بفزع:
يا ساتر يا رب، يا رحيم، يا حاج، تعالى شوف ابنك واللي جراله!
خرج رحيم من غرفته، ودقق النظر فيمن يوجد بصالة منزله، وتسائل بصوت متحشرج:
في ايه يا تحية؟ بتنادي كده ليه؟

ولجت إيثار هي الأخرى إلى الصالة بعد أن وضعت حجابها على رأسها وتسائلت بقلق:
ماله عمرو يا ماما؟
في تلك اللحظة وقعت عيني محسن على تلك الفتاة الشابة التي اقتربت من أخيها، وربتت على كتفه، وقبلته بحنو في رأسه، وهمست له بصوت مختنق:
ألف سلامة عليك يا حبيبي، يا رب مايسمعنا عنك حاجة وحشة أبداً
رد عليها بإمتنان:
الله يسلمك.

أثارت إيثار دون قصد إهتمام محسن والذي ظل يتابعها بحذر، فقد كانت عفوية وبسيطة في تصرفاتها وتحركاتها..
طلبت تحية من ابنتها أن تعد مشروباً بارداً للضيف للترحيب به، ولكن اعترض محسن قائلاً:
مالوش لازمة يا حاجة، أنا ماشي
هزت تحية رأسها نافية، وأردفت بإصرار:
والله ما يحصل، ما تمسك في صاحبك يا عمرو
نظر له عمرو قائلاً بجدية:
اقعد يا محسن
ربت رحيم على ظهر محسن، وأشار له بكف يده وهو يقول بنبرة خافتة:
اتفضل يا بني.

لاحقاً أحضرت إيثار المشروب، وقدمته وهي ترسم إبتسامة مصطنعة على ثغرها وهي تقول بهمس:
اتفضل..
بادلها محسن إبتسامة باهتة:
شكراً، تسلم ايدك
سرد رحيم بعض الحوارات القديمة عن إصابات العمل الخطيرة للتهوين على زوجته التي كانت ملتصقة بإبنها وكأنه أصيب بحادث مؤسف وليس حرق بسيط سيعالج مع مرور الوقت، ثم تطرق إلى ترقياته وإنجازاته على مدار السنوات..

تشاركت إيثار في الحوار مع والدها، وبدت جميلة وهي تتطلع إليه بتفاخر، في حين لم يخفض محسن عينيه عنها، وعقله لم يتوقف للحظة عن التفكير في وضعها كإحتمال مناسب لغرضه، فقد وجد إلى حد ما مبتغاه فيها، فتاة بسيطة، على سجيتها، يسهل السيطرة عليها..
إلتوى فمه بإبتسامة خبيثة وهو يحدث نفسه قائلاً:
أنا تقريباً لاقيت العروسة المناسبة، ناقص بس أفكر في السكة اللي أدخل بيها صح عليهم...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة