قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثامن والعشرون

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثامن والعشرون

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثامن والعشرون

(( أستحلفكِ أن تتركيني...
حطميني، ادهسيني، وإلى قطع صغيرة حوليني
ولكن بالله أن تتركي وريدي وشراييني ))
كان المرض قد تمكن منه ليحول عظامه لفُتات وقد ضعف قلبه ولم يعد يتحمل حتى عملية الإنقباض والإنبساط أثناء تنفسه..
كان أحياناً يشعر بتوقف قلبه عن العمل، ويستسلم لنهايته المحتومة..
حالة من الفزع تجوب منزلهم الصغير خوفاً من رحيله عنهم ولكنها السُنة الحياتية..

فتح رحيم جفنيه ببطء شديد ونظر للمحيطين به ثم هتف بنبرة واهنة:
تحية آآ...
دنت زوجته تحية منه أكثر، ثم انحنت برأسها عليه لتكون أذنيها قريبة لصوته..
مسدت على كفه برفق ثم نطقت بصعوبة وهي تكافح نزول عبراتها:
أنا هنا جمبك يا حج، استريح ومتتعبش نفسك في الكلام!
رد عليها رحيم وهو يجاهد لإبتلاع ريقه:
آآ، انا نفسي ف، قهوة
فغرت تحية شفتيها لترد وقد ارتفع حاجبها بصورة تلقائية:
قهوة!
ثم عبست بوجهها لتقول بإستنكار:.

قهوة إيه بس ياحج ده الدكتور مشدد ممنوع القهوة خالص!
أصر رحيم قائلاً وقد أكفهرت ملامحه وعبست من تلك الأوامر التي يبغضها:
نفسي في قهوة، ولا عشان راقد يعني هتمشوني على مزاجكوا
انزعجت تحية من حديثه المؤسف، وهتفت مستنكرة وقد استصعبت كلماته ومغزاها:
متقولش كده ياحج ده انت الخير والبركة!
نهضت إيثار عن المقعد المجاور لفراشه ثم غادرت الحجرة بصورة مفاجئة..
شعر رحيم بألم أقوى من ألمه الجسدى..

آلماً معنوياً حاداً لا يفارقه كلما رأى زهرة شباب ابنته، والتي أنطفأ النور من وجهها وأصبحت رمزاً للشحوب، لا ينقصها سوى بعض التجاعيد والثنايات في بشرتها حتى تصبح عجوزاً شمطاء.
أحست به تحية وتفهمت مغزى الوميض الحزين الذي ظهر بعينيه، فقامت بوضع قبلة حانية على جبهته، وواسته قائلة بخقوت:
إيثار كويسة متقلقش عليها، هي بس تلاقيها قامت عشان تعمل تليفون ولا حاجة!

أدار رحيم رأسه ناحيه ابنه البكري، وهتف بصوت واهن وهو ينظر له بنظرات معاتبة تحمل من اللوم الكثير:
عمرو، خد أختك في حضنك يابني، وإلا هموت وأنا مش راضي عنك!
أبعد الأخير بصره خزياً بعد أن ظهر بعيني أبيه الرغبة في البكاء، ولأول مرة منذ عودتها يشعر بالجدار الفولاذي الذي بنيت حوائطه بينهما بسبب العجز الذي تملكه..
أشفق على نفسه، وردد بتحسر..
أهذه هي صغيرته التي كان يحنو عليها منذ زمن؟

بحث عن ضحكتها في ذكرياته معها، وشرد بخياله في سنوات مضت عندما كان يحضر لها قطع السكاكر والحلوى وهي صغيرة فكانت تركض نحوه لتسرق منه الحلوى فيركض هو خلفها ثم يحملها فوق ظهره لتملاً البيت مرحاً..
أفاق من نوبة شروده حينما ولجت ابنته للحجرة مرة أخرى وهي تحمل كوباً خزفياً صغيراً من مشروب القهوة الساخنة..
وعندما وقعت عيني أبيها عليها رقصت البسمة فوق محياه وتحرك قلبه فرحاً..

فلقد غابت لتصنع له مشروباً لم تعده منذ سنوات ولربما نست طريقة إعداده..
اقتربت منه ثم جذبت المقعد لتقترب من فراشه أكثر وهتفت بنبرة عذبة:
عملتلك فنجان قهوة صغير، بس متتعودش على كده عشان كلام الدكتور!

بدأ يتحرك على الفراش رويداً رويداً، ثم مد ساعده نحوها لتقوم هي بنفسها بإسناده دون مساعدة أي شخص أخر، ولم تتردد في الاستجابة لطلبه الصامت، فعاونته في الإستقامة بجلسته ثم أعطته الفنجان وهي تمسح على ظهره بحنو، بينما نطق العجوز بنبرة كأنما ردت به الروح ليتحول شباباً:
شايفة بنت أبوها ياتحية! مهانش عليها يبقى نفسي في حاجة مش زيك!
ابتسمت تحية وهي تداعبه بالألفاظ:
خليها تنفعك يارحيم.

سعل رحيم قليلاً عقب تجرع رشفه من القهوة، ثم رد عليها بصوت متحشرج:
هتنفعني ان شاء الله، دي اللي هتدخلني الجنة ياتحية
ابتسمت إيثار برقة، فقد أسعدتها عبارته الأخيرة..
ربما كانت بحاجة إلى من يذكرها بالجنة، وأن كل ما تعانيه الآن هو في الأصل فاني لا قيمة له، وأن ثواب صبرها وجزائها عليه سيكون عظيماً..
أنشرح صدرها وهي تتنفس بعمق ثم أطلقت زفيراً محملاً بالهموم لتتركه خارج صدرها الذي تلوث من كثرته.

أغلقت روان باب منزلها، ثم وقفت لتضبط وضعية المراجع الدراسية التي تحملها بين يديها، بينما كانت هناك عينان معلقتان عليها تطالعاها بالأعلى لم تشعر هي بظلهما حتى بدأت تهبط الدرج، واختفت عنهما...
كان عمرو متأهباً للذهاب لعمله فاستمع لصوت غلق الباب بالأسفل فأثر الوقوف لمتابعتها عن بعد..
وعندما وجدها تهبط الدرج هبط خلفها بحذر وهو يطالع كل تفصيلة تخصها...

لفت انتباهه تنسيقها لثيابها الغير مبالغ فيها، واحتشامها فيهم وكذلك خطوات سيرها..
هي ذكرته بأخته الصغرى في احترامها لنفسها، وخجلها، وتحاشيها أعين المارة فأصبحت صورتها عالقة بذهنه أكثر من عينيه..
ظل متابعاً مراقباً لها حتى صعدت على متن الحافلة التي ستقلها، فقرر الانصراف بعدها..
كان طيفها يشكل هالة فوق رأسه ظلت گسحابة مرافقة له طوال اليوم..
ابتسم لنفسه إبتسامة لم تعرف الطريق إلى وجهه منذ زمن..

(( أتكون هي ضحكته التي ستشرق معها حياته؟ يا ليتها تكون، ويا ليتي أفوز بها )).

بداخل مبنى الشركة التابعة لمالك
ألقى هو بالملفات في وجه المحاسب القانوني الخاص بالشركة، ثم نهض عن مقعده وهدر به بصوت عنيف مدوي وهو يوبخه:
انا هوديك في ستين الف داهية، انا تسرقني وتنخرب في الحسابات من ورايا عشان تطلعلك سبوبة!
صر على أسنانه بشراسة ليضيف بتوعد:
انت هتتحول للتحقيق فوراً
رد عليه المحاسب بخوف وقد تندى جبينه بقطرات العرق فزعاً مما سيفعله به رب عمله:.

ي، يا مالك بيه، حقك عليا والله ما هتتكرر تاني، اا آآ...
قاطعه مالك صائحاً بغضب جم وهو يطيح بباقي الملفات الموجودة على سطح المكتب أرضاً:
ده لو فضلت في الشركة اصلا! ده انا هضيعلك مستقبلك ومفيش شركة هترضى تشغلك ياحرامي!
رفع هو سماعة الهاتف ثم ضغط على أحد الأزرار وتابع بصوت أجش خشن:
تعالي هنا فوراً ياأنسة!

لحظات وكانت السكرتيرة الخاصة بمكتبه تقف أمامه وقد انتابها الذعر من هذه الحالة التي بدى عليها رئيسها والتي لم تره عليها من قبل..
ارتجفت أطرافها وهي تنطق متعلثمة في كلماتها:
آآ، اوامرك، يامستر مالك.

هتف بها مالك بقوة وهو يشير بسبابته نحو المحاسب وقد ظهرت عروق نحره الخضراء وسط بشرته التي أصطبغت بالحمرة الهائجة: الأفندي ده يتحول للتحقيق، ويتكتب في ملفه واقعة السرقة اللي قام بيها عشان يوم ما يفكر يشتغل في مكان تاني يلاقي بلوته في وشه!
هزت السكرتيرة رأسها بإيماءات متتالية:
حاضر يافندم
ثم صاح مالك بهما بانفعال شديد:
أمشوا من وشي!

تحركت السكرتيرة سريعاً وهي تشير للمحاسب لكي يتبعها، بينما ألقى هو بثقل جسده على مقعده الجلدي..
نظر نحو الأوراق المبعثرة على الأرضية بإزدراء، ثم ضرب سطح المكتب بقبضته المتكورة، وزفر بغضب، ثم غطى وجهه بكفيه يفكر فيما سيفعله حيال هذه الورطة...

كانت إيثار بداخل المرحاض مع الصغيرة ريڨان حيث كانت تحممها داخل مسبحها الصغير
وضعت لها في المياه الكتير من الألعاب البلاستيكية والكرات الصغيرة لكي تهنأ بلحظات مرحة وسط حركة المياه الدافئة من حولها..
، نثرت إيثار بعض قطرات المياه على وجه الصغيرة لتلاعبها، فقهقهت الأخيرة بحيوية وحماس وهي تبادلها تلك اللعبة التي أحبتها..

رفعتها إيثار من المياه المنعشة، ووضعتها داخل المنشفة القطنية المنقوش عليها رسومات كرتونية شهيرة، ولفتها جيداً، ثم حملتها، وتوجهت بها خارج المرحاض وهي تدندن لها أغنية شهيرة للأطفال..
وضعتها على الفراش ثم شرعت في إلباسهاا ثيابها وهي تتابع حركاتها بحب حتى ولجت إليها راوية وهي تتساءل بإهتمام:
ها يامدام إيثار؟ الأسهال وقف ولا لسه!؟
أجابتها إيثار وهي تحرك رأسها نافية وقد بدى عليها الضيق:.

لسه ياراوية، انا اديتلها شاور عشان تفوق، وان شاءالله على بالليل لما تاخد الدوا هتكون كويسة!
قضمت رواية على شفتيها حزناً، ورددت بخفوت:
ان شاء الله
أضافت إيثار قائلة وهي تكمل إلباس الصغيرة ملابسها:
بقولك إيه يا راوية، اسلقي شوية خضار من غير ما تقطعيهم عشان نأكلها شوربة خضار
ردت راوية وهي تتحرك مبتعد من أمامها:
حاضر.

انتهت إيثار من مهمتها، واقتربت من الصغيرة لتقبلها، فأنتبهت لعيونها المعلقة بالجانب الأخر، فأدارت عيناها نحو المسار الذي تنظر فيه الصغيرة، فوجدت إطاراً خشبياً صغيراً موضوعاً أعلى الكومود المجاور لفراش ريڨان..
أمعنت النظر فيه، كان الإطار يحمل صورة فوتوغرافية لسيدة جميلة ملامحها رقيقة وهي تحمل صغيرتها في يديها بحب وتقبل وجنتيها بحنان أمومي..

وفجأة أشارت الصغيرة نحو ذلك البرواز وهي تغمغم ببراءة وصوت متلعثم:
آآ، مماما...
دنت إيثار من موضع البرواز ثم التقطته وقربته من كفي ريڨان الصغيرتين وهي تقول بنبرة حزينة:
دي ماما!
كانت الصغيرة تحاول الامساك بوالدتها وكأنها مادية ملموسة محسوسة أمامها، ولكنها فشلت بذلك فظلت تضرب على زجاج البرواز بيدها الصغيرة في يأس..
أحست إيثار بأن تلك الطفلة التي لا تشعر بشيء مما يدور حولها هي تفتقد والدتها..

وگأن شعوراً لا ارادياً قادها لفعل ذلك دون سوابق..
شعرت بالشفقة عليها حتى قطع عليها لحظتها صوت الباب وهو ينفتح على مصرعيه ليدخل منه مالك..
جاهد للسيطرة على قسماته المنفعلة ولكنه فشل بذلك، هناك نيران مستعرة بداخله، مشكلات لا حصر لها عليه حلها في وقت وجيز، ومشاعر مضطربة يقاتل ظهورها...
فقط رؤيته لصغيرته وقطعة قلبه هدأ من ثورته الهوجاء..
تراجعت إيثار خطوة للخلف لتتحاشاه، بينما تجاهلها هو، و.

اقترب من صغيرته ليحملها بين يديه..
لاحظ إمساكها بذلك البرواز، فأبتسم والحزن يخيم على عينيه..
ثم أخذ نفساً مطولاً، وزفره على مهل وهو ينطق بصوت دافيء:
مامي وحشتك؟!
كانت الصغيرة تنظر له بعدم فهم، فدنا ليقبلها بعمق أبوي ثم مسح على رأسها ووجنتيها بكفه..
تابعت إيثار المشهد الذي لمس أوتارها بشغف حتى وقعت عينيه عليها، فحدجها بقسوة عهدتها منه، فارتجفت من نظراته، وازدردت ريقها بتوجس..

أولاها ظهره بعدم اهتمام و خرج حاملاً طفلته نحو حجرته ليختلي بها لقليل من الوقت...
كانت اللحظات الحميمية التي تجمعه بطفلته هي الأجمل والأشد لذة على الإطلاق..
داعب أصابعها مدغدغاً إياها فعلى صوت قهقهاتها، فإستمتع بسماع صوتها الذي كان گالدندنة في أذنيه..
احتضنها بعمق وقبلها فشعر برائحة مميزة تتخلل أنفه..
رائحة جميلة يعشقها ولكن لا يعرف مصدرها..

أغمض عينيه ليشرد في صوت تلاطم الأمواج الذي امتزج برائحتها فأثاره..
وهبت نسمة ريح رقيقة اخترقت حاسة الشم خاصته فأفاق فجأة على صورتها التي ضربت رأسه...
أنها رائحتها التي لم تتغير أبداً، إنها معذبته إيثار
أجل، مرت السنوات ولم ينسى ماهية رائحتها المميزة..
خفق قلبه وقرب ابنته ليشتم رائحتها مرة أخرى حتى تأكد من صدق حدسه..

لقد علقت رائحة إيثار وعبقها في ابنته، ولما لا؟ فأغلب الوقت تقضيه ريڨان مع مربيتها الرقيقة...
أغمض عينيه مستسلماً لشوقه وحنينه الجارف لها، ولكنه فتحهما فجأة، وامتعضت ملامحه وعبست بشدة..
هو يلوم نفسه على تفكيره الذي لا ينقطع حيال امرأة متزوجة خانت عهده، وفضلت غيره عليه، أمسك رابطة عنقه ثم بدأ يحلها بعنف وهو يتمتم بإنفعال:
سيبيني بقى، حرام عليكي هتعملي إي فيا أكتر من كده! سيبيني أرجوكي!

ولجت راوية للغرفة بعد أن طرقت على الباب وأذن هو لها بالدخول، فوقفت بين يديه وهي تسأله بتوجس:
أحضر لحضرتك العشا يامالك بيه؟
أجابها مالك وهو يشير لها لتأخذ الطفلة:
لأ، خدي ريڨان وديها للمدام عشان تأكلها وأنا نازل أوضة المكتب!
التقطت منه الصغيرة، وهدهدتها برفق، ثم تحركت لتترك الحجرة وعيني مالك معلقة بابنته حتى اختفت عن أنظاره.

كانت الساعات تمر عليها گالدقائق وهي جالسة مع الصغيرة
ريڨان..
انتهت من إطعامها، واطمئنت على استقرار معدتها بعد أن تأذت بفعل تغيير درجات الحرارة، ثم احتضنتها، وسردت عليها القصص البسيطة التي تصل لعقلها الغير واعي حتى غاصت ريڨان بنوم ثابت وعميق..
غطت وجهها بعطايا قبلاتها المتعددة، ثم تحركت بحذر شديد وهي تسحب يدها من أسفلها..

جمعت حوائجها وعلقت حقيبتها على كتفها، وخرجت لتبحث عن مالك لتبلغه بمواعيد الدواء المنتظمة لكي يأخذ حذره في غيابها خاصة في الليل..
في نفس التوقيت، غفا مالك بإرهاق وتعب بعد أن قضى عدة ساعات وهو يطالع الكثير من الملفات..
آلمته عضلات جسده، لذا قرر أن يعطي لنفسه فسحة ليجدد نشاطه، فقام بإراحة رأسه للخلف قليلاَ، ولكن غلبه النعاس وتحكم سلطان النوم على عينيه..
بحثت إيثار عنه في بهو الڨيلا ولكنها لم تجده..

بنفس اللحظة لمحت أضواء المكتب المنارة فتوجهت بخطوات مترددة نحوه
احتارت في طريقة إبلاغه برسالتها، عضت على شفتها السفلى وتساءلت مع نفسها بقلق هل تبلغه بهذا شخصياً أم تترك له رسالة مع الخادمة راوية؟
خشت أن يتهمها مجدداً بالاهمال وعدم التفاني في عملها، فحسمت رأيها في النهاية بإبلاغه شخصياً...
وبالفعل تحركت بثبات نحو الغرفة، ثم طرقت بخفه على الباب قبل أن تلج للداخل..

ولكنها تفاجئت بهيئته، كان الشحوب يبدو عليه وكأن أصابه الأعياء، وبدى عليه الأرق وقلة النوم..
أشفقت عليه وهي تتطلع لملامحه بحنين لهذا الغريب، وكادت تخرج وتتركه كما هو دون إزعاجه، ولكن ما أثار انتباهها هو الكثير من الأوراق المتبعثرة يميناً ويساراً على سطح المكتب، فقامت بترتيب الأوراق دون أن تصدر صوتاً، ولكنها قرأت ما حوته بفضول...
ما هذا الهراء!؟

هكذا حدثت نفسها عندما لمحت الكثير من الأخطاء والسرقة الواضحة كوضوح الشمس في وضح النهار..
فنظرت له ملياً ثم حسمت رأيها بأن تجمع الأوراق وتطلع عليها بالخارج لتكون على حريتها..
هذا التخصص في أساس الأمر تخصصها وهي قد اشتاقت له، نعم لقد سنحت لها الفرصة من جديد لتمارسه
خرجت من الحجرة بهدوء، والتفتت برأسها لتلقي عليه نظرة أخيرة متأملة قبل أن تغلق الباب عليه بحذر..

في ضحى اليوم التالي، تحرك مالك على مقعد مكتبه وهو يتأوه من الألم الذي أصاب عنقه بسبب غفلته عليه..
قام بشد ذراعيه للأمام تارة وللخلف تارة أخرى حتى يتمكن من تحريك كامل جسده..
وكذلك مط عنقه للجانبين ليفك ذلك التيبس الذي أصابه..
تحرك وهو يعرج بقدميه للخارج ولم ينتبه مطلقاً لوجود هذه الأوراق..
نظر في ساعة يده فعلم أن الوقت مازال أمامه لينال قسطاً من الراحة قبل الذهاب للعمل.

وأثناء سيره باتجاه الدرج، لمح أوراقه على الطاولة المجاورة للأريكة..
اتسعت حدقتيه بذهول بعد أن فركهما جيداً وبلمح البصر كان قد اتجه نحوهم..
دقق النظر فيهم، وظل يقلبهم ورقة تلو الأخرى..
كانت إيثار قد وضعت اشارات عديدة بقلم ملون حول بعض الأرقام، ورسمت بعض الدوائر الملفتة على أخطاء عديدة بهذه الحسابات..

كان عملاً رائعاً بحق أثبتت فيه جدارتها، لم ينسَ أنها كانت متميزة في مجال دراستها، وهي ذكرته تواً بمهارتها..
مشاعر مضطربة ظهرت بداخله، هل يوبخها على فعلتها؟ أم يثني عليها لأنها سهلت عليه الكثير؟!
تنهد بعمق وهو يتمتم لنفسه:
وبعدين معاكي ياإيثار!؟

، زفر أنفاسه المحتقنة، وأمسك بهاتفه من جيب بنطاله ولكن لفت انتباهه أن الوقت ما زال مبكراً، ولا يجوز الاتصال بها بهذا الحين، فقرر البقاء مستيقظاً بعد أن غابت عنه الرغبة في النعاس، وجلس ينتظرها في الردهة...

كانت إيثار في هذا التوقيت المبكر تعاني من ويلات الخوف والذعر، فوالدها على فراش الموت..
لا يستطيع التنفس، روحه تنفلت من بين أصابعه
، شعور مخيف وهي تتخيل أن ملك الموت رائحته تفوح في المكان..
كان ينظر لعائلته في لحظات سكرات موته وكأنه يودعهم بأنظاره، بينما صاحت تحية هادرة بفزع:
اتصرف يا عمرو يابني، ابوس ايدك ماتسبش أبوك كده، هايروح مننا
رد عليها عمرو بهلع شديد:
كلمت الدكتور وقالي هييجي حالاً على هنا.

هتفت إيثار برعب وقد تسببت الصدمة في ارتعاش أطرافها وتناثر حبات العرق على جبينها:
طب آآ، نوديه اي مستشفي او اي قسم طوارئ بسرعة!
هتف عمرو متلهفاً وقد طرأ بباله فكرة:
انا هروح اجيب عربية اسعاف من المستشفي اللي جنبنا حالا!
صاحت تحية بخوف وهي تلوح بيدها له:
بسرعة يابني!
شهق رحيم بشهيق متقطع مخيف، ثم اتسعت حدقتيه بصورة أخافت تحية، وتلون وجهه بحمرة شديدة، ثم لفظ أخر أنفاسه وأنظاره محدقة بالسماء..

سكون رهيب حل في المكان
ذلك الجسد الذي كان ينبض قبل أقل من ثانية بالحياة أصبح جثماناً لا روح فيه..
شحب وجهه، وتجمد كالصنم..
صرخت إيثار بقوة لم تعهدها من قبل:
بابا...!
تصلبت قدمي عمرو في مكانه على إثر صوتها المخيف، ولم يستطع الاستدارة ليرى هول الفاجعة...
صرخت إيثار مجدداً بصوت يقطع نياط القلوب وقد سبقتها عبراتها:
باااباااااااااااااا...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة