قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الأول

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الأول

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الأول

سماء صافية تزينها سحب بيضاء گكتل القطن الناعم، وقرص ذهبي مصفر تنسدل خيوطه الدافئة لتتسلط علي مياه البحر لتزيد زرقتها، ومع حركة المد والجزر تتضارب الأمواج علي الساحل، ساحل البحر المتوسط بمدينة الأسكندريه، عروس البحر المتوسط، تقف فتاه في العشرينات من العمر أمام البحر مغمضة العينين عاقده ذراعيها لصدرها، تداعب نسمات الهواء أهدابها الكثيفه وتلامس وجنتيها الباردتين، فتحت عينيها الزابلتين فجأه لتأتي بحجابها الذي تطاير عن رأسها للوراء علي أثر الهواء ثم أستنشقت رائحة البحر وذفرت زفيراً علي مهلٍ، توجهت نحو المقعد الممتد الطول ثم مددت عليه بجسدها واضعة نظارتها الشمسية علي عينيها لتحجب عنها ضوء الشمس، فلقد بات ذلك الضوء بمثابه ذكري مؤلمه تنبش بصندوق ذكرياتها، ثم دعت عقلها يتجول بين أوراق الذكريات العالقة برأسها...

( عوده بالوقت للسابق )
بأحدى البنايات الحديثه بالقاهرة، كانت تقف فتاة ذات العشرون عاماً من عمرها أمام خزانة ملابسها، تأتي بقطع الثياب وتضعها دون إكتراث في حقيبه كبيره، لتستمع لصوت والدتها التي تهتف مناديه بإسمها
تحيه: إيثار، تعالي يابنتي شيلي معايا الصندوق ده أحسن مش قادره أوطي
إيثار بتأفف: ماما أنا مش هعرف أشيل الصندوق ده.

( إيثار فتاة في العشرين من عمرها، طالبة جامعية بكلية الحاسبات والمعلومات الفرقة الثالثة، تتميز بقوام منحوت متناسق، ذات عينين عسليتين وأهداب كثيفة بنيه، إذا لامست خيوط الشمس عينيها تنير وسط وجهها، شفتيها وردية اللون وفمها مكتنز، أنفها صغير ووجهها ذات شكل دائري، طولها يقع ما بين 155 ل 160 سم، شعرها باللون البني الفاتح يتماشي تماما مع لون عينيها وبشرتها البيضاء، كان جمالها بسيطاً طبيعياً غير متكلف ).

دلفت إليها والدتها ثم وضعت كفها علي رأسها وهي تهتف بلهجة محتدة
تحية: يابنتي أبوكي وأخوكي تحت بينزلوا العفش، عارفه أبوكي لو عرف أنك لسه مخلصتيش شنطتك هيطن عيشتك وعيشتي، خلصي وتعالي شيلي الصندوق ده معايا عشان نطلعه بره الأوضه
إيثار مطرقه رأسها بأنصياع: حاضر ياماما.

( تحية إمرأه في أواخر الأربعينات من عمرها، ورغم عدم تقدمها المبالغ به في السن، إلا أن ملامحها والتجاعيد المتكونة أسفل عينيها توحي بكبر سنها أكثر من ذلك، تتداخل الخصلات البيضاء مع الخصلات السوداء برأسها لتعطي لوجهها ملامح وقورة هادئة، كان جسدها ممتلئ بعض الشئ ولكن ليس إلي حد السمانة ).

بمدينة الاسكندرية عروس البحر المتوسط بأحدى البنايات التي تطل علي البحر مباشرة، جلس علي مائدة الطعام يتناول وجبة الأفطار مع أسرته، حيث أصطفت أطباق الطعام المختلفه علي المائده بجانب مشروب الشاي الساخن، وأثناء الطعام تطرقا للحديث
إيمان: وهما هيوصلوا اسكندريه أمتي؟
مدحت وهو يدس لقيمة من الخبز المحشوة بالجبن: مش عارف، رُحيم قالي أنه بيقفل عربيات العفش ومش فاضل غير حاجات رفيعه بتاعت بنته.

إيمان مقوسة فمها وهي تهمس لإبنتها: متبقيش تتكلمي كتير مع البت بنت عمك، أحسن تفكيرها مش بيعجبني
مدحت بنظرات متفحصة: بتقولي أيه للبت ياإيمان
ساره مداعبه خصلات شعرها: ولا حاجه يادادي
مدحت لاويا شفتيه بسخريه: دا أيه ياختي، عيشي عيشة أهلك يابنتي وبلاش الطلعه الكدابه دي
إيمان بنبره محتده قليلا، وهي تربت علي ظهر أبنتها: أيه عيشة أهلها دي يامدحت! شايفنا جايين من الفلاحين ولا أيه.

أمسك مدحت فنجان الشاي ثم نهض عن المقعد وهو يهتف بنبرة ساخطة:
ولا فلاحين ولا غيره، متسمميش ودان البت من ولاد عمها، ولما يوصلوا بالسلامه مش عايز منكوا غير كل معامله طيبه، أنا مش هتخانق مع أخويا عشانك أنتي وبنتك
إيمان وهي تهز رأسها بإستنكار: بلا عيال عمها بلا بتاع، سيبك من كلام أبوكي ياحبيبتي، أنا مش عايزه يبقي في بينك وبين عيال تحيه إي علاقه.

ساره بلهجة متعجرفة: أكيد يامامتي، حتي ثيران دي مش من مستوي تفكيري خالص
إيمان بقهقهة مرتفعة: أسمها إيثار، أوعي تغلطي بالأسم قدام أبوكي أحسن يعمل حوار.

( مدحت عم إيثار يعمل بالسكه الحديد، لديه من الأبناء فتاة واحدة بعمر التاسع عشر تتميز بملامح فاتنه جذابة، فهي شديدة البياض ذات عينان صافيتين بلون السماء وشفاها ممتلئه شيئا ما، كما تتمتع بشعر أشقر اللون يصل لبعد كتفها بقليل، قوامها نحيل وتتميز بالطول، ولأنها الفتاه الوحيده لوالديها فقد نالت من الدلال ما يكفي ويفيض، حتي أصبحت المدلله والمتعجرفه أيضا.

أما الأم فهي علي عكس السيده تحيه تماما، تهتم بمظهرها أغلب الأوقات ولا تترك الأثر لتحديد عمرها، فمن يراها لا يعتقد أنها الأم لفتاه بعمر التاسع عشر ).

انتهت إيثار من ترتيب حقيبتها الأخيرة وتبقي لها فقط بعض الكتيبات الصغيره التي كانت تحتفظ بها بأحد أدراج الكومود، فتوجهت نحو الكومود وجذبت أحد أدراجه لأحضار هذه الكتيبات لتجد أسفلهما قطعه زجاجيه شفافه منقوش عليها أسميهما ومزدانه باللون البرونزي اللامع، تشنجت عضلات وجهها وأرتعش صدغها بقوه عندما جزت علي أسنانها ثم هوت بتلك القطعه علي الأرضيه الخاليه من إي بساط لتتهشم جزيئات صغيره، فأتي أخيها مهرولا لها أعتقادا أن مكروه قد أصابها.

عمرو بفزع: في أيه يا إيثار!؟
إيثار كابحه لعبره كادت تنزلق عن جفنها: مفيش حاجه، وقعت مني وأتكسرت
عمرو ناظرا للأرضيه: متأكده أنها وقعت مش أنتي اللي كاسراها مثلا!
إيثار زافرة أنفاسها بضيق: خلاص ياعمرو حصل خير
عمرو: لو عايزه تعيشي كويس يبقي لازم تتخلصي من ذكرياتك، لأننا حتي لو عزلنا وذكرياتك معاكي هتفضلي في معاااناه ومحدش هيقدر يساعدك
إيثار مطرقه رأسها: ...

رُحيم بصوت مرتفع: يلا ياإيثار، مش فاضل غير شنطك يابنتي
كان ذلك الصوت لوالدها، السيد رُحيم عبدالتواب، كان يعمل مندوباً لأحد شركات الأدويه الحكومية ولكنه صعد للمعاش مبكرا، نظرا لمرض السكري الذي أصيب به مؤخراً وجعله لا يقوي علي المجهود الشاق والمرهق، رجلاً شرقيا قاسي الطباع حاد الملامح، يتميز بالصفه التحكميه علي أهل بيته، فإن كلمته كقطع السيف، لا ترد ولا تُناقش.

إيثار وهي تدلف من حجرتها: أنا خلصت يابابا، عمرو بيجيب الشنط وجاي أهو
رُحيم: طب روحي هاتي معاه وساعديه خلينا نخلص ونمشي
تحيه وهي تضبط من وضعية حجابها: هو مدحت كلمك تاني ولا أيه؟
رُحيم وهو ينظر لساعة يده: كلمني وأنا تحت وسألني هنوصل أمتي
عمرو تاركا الحقائب علي الأرضيه: هو أحنا هنسكن فوقيهم ولا تحتيهم يابابا؟

رُحيم موزعا النظرات بين أفراد أسرته: هنسكن تحتيهم، الحمد لله أنه عرف يتفق علي الشقه دي وإلا كان زمانا رايحين ندور علي سكن
رمق ابنته بنظرات حانقه ثم ولاها ظهره وهو يقول
رُحيم: يارب بس تكون الهانم أختك أستريحت وأحنا بنتشحطط من مكان لمكان كده.

غمزت تحية بعينيها لابنتها حتي لا تهتم بحديث والدها الفظ والحاد، ولكنها قابلت تصرف أمها بأشاره من رأسها تعني أنها لم تعد تهتم بذلك فقد أعتادت علي هذا الطبع سنوات عديده.

بعد أن ضبطت وضعية حجابها وأحكمت إغلاق القميص الحريري ذي اللون النبيذي، أرتدت معطفها الأبيض ثم ألتقطت حقيبة اليد الصغيره وهبطت للأسفل، كانت السياره الأجره بأنتظارهم بالأسفل بعد أن أمتلئت سيارات النقل بالأثاث والمفروشات للأنتقال إلي الأسكندريه، صعدت إيثار للمقعد الخلفي من السيارة بجوار والدتها وأخيها في حين أحتل رُحيم المقعد الأمامي وأنطلقت السيارات لمغادرة مدينة القاهره.

نظرت تحية لأبنتها ثم هتفت بلهجه مزدرية:
أكيد مرات عمك هتقابلنا مقابله زي الزفت، طبعا عادتها ولا هتشتريها
إيثار بتنهيده طويله: والله ياماما أنا مش فارق معايا خالص الموضوع ده، كنت عايزه نسكن في مكان تاني بعيد عن عمي ومراته لكن ما باليد حيله، طالما بابا قرر كده يبقي خلاص
تحيه وهي تربت علي فخذها: الحمد لله يابنتي أنها جت علي قد كده، والحكايه مكبرتش.

رمقت والدتها بنظرات حانقة ثم نظرت لأبيها لتتأكد من عدم سماعه لحديثهما ثم توجهت ببصرها مره أخري إليها وهتفت بنبره خافتة:
هو أنتي كمان ياماما هتلبسيني الحكايه وتقولي إن أنا السبب، كان المفروض أعمل أيه بعد ماشوفت خيانته بعيني، أسقف ولا أشجعه
تحيه بنظرات حزينه: ...
إيثار بنبره منفعله: ياريت نقفل الموضوع ده من فضلك، أنا مش ناقصه.

أمسكت بهاتفها ثم أوصلته بسماعة الأذن وأستندت برأسها علي ظهر المقعد وراحت تفكر بما مرت به خلال الآونة الأخيرة، كم تشعر بالآلم يجتاح فؤادها، ولكنها تقنع نفسها بأن كل ذلك سيمضي، وما هي إلا مسألة وقت ليس أكثر، أغمضت عينيها لتترك الساعات تمر عليها سريعاً دون الشعور بالوقت.

جلس أمام البحر، متأملا ثورة الأمواج وتخبطها، حيث راحت تلامس قدميه وتدغدغ أصابعه فيشعر بالأنسجام معه، يعتقد أنهم أصدقاء منذ الطفوله، فهو حامل همومه ومحيط أسراره، يعزفان معاً ألحاناً موسيقيه علي أوتار آلة الكمان ، فهو مؤمن كثيراً بأن البحر هو مُلهمه وهو المستمع الجيد له، وكأن صوت أمواجه توشوش له بمقطوعات سحريه صغيره ليصنع منها أرقي الألحانِ، أنتهي من العزف فترك الآله علي قدميه وشرد وهو مسلطا بصره علي زُرقة المياه ثم هتف بصوت ناغم.

يُحدثني الموجُ سراً، فتتزين أُذُناي منه طرباً، فيالروعة زُرقته، التي تذيد قلبي به عشقاً
نهض عن مكانه والبسمه تزين ثغره، ثم طوي المقعد الخشبي المكسو بالقماش السميك ذات اللون الأزرق، ثم حمل آلته والمقعد وأنطلق بخطواته تاركاً المكان.

بعد مضي ثلاث ساعات متواصله من متابعة السير، لامست السيارات أرض عروس البحر المتوسط لتسير بين ضواحيها قرابة النص ساعه، حتي وصلا أسفل البنايه التي سيقطنون بها، حيث وجدا العم مدحت بأنتظارهم أسفل البنايه
مدحت بلهجه مهللة: ياأهلا وسهلا ياأهلا، أسكندريه نورت
رُحيم وهو يشد علي ذراعه: حبيبي، أزيك يامدحت وأزي مراتك وساره عاملين أيه.

مدحت متفحصا العربات: كلهم كويسين، تعالي أستلم الشقه الأول وبعد كده نطلع العفش، أتفضلوا أتفضلوا
ترجلت إيثار من السيارة عقب أن رأت عمها وأبيها يصعدان لأعلي ثم خطت بقدميها تتأمل بهو البنايه، ثم صعدت عبر الدرج يتبعها أخيها ووالدتها، وبينما كانت في طريقها للمنزل الذي سيقيمون به وجدت إبنة عمها تهبط عن الدرج بخطوات متمايعه غير مستقيمه
ساره بنظرات من الأعلي للأسفل: أزيك ياإيثار.

إيثار بنبره غير مباليه: الحمد لله كويسه
تحيه باأبتسامه متصنعه: أنتي عامله أيه ياحبيبتي وماما عامله أيه
ساره مستنده علي درابزون الدرج: كويسه ياطنط
تأملتها ساره من رأسها وحتي أخمص قدميها ثم غرزت أصابعها بخصلات شعرها لتعيده للوراء، ثم هتفت
ساره: هو انتي اتحجبتي أمتي؟ أصل شكلك في الحجاب مش حلو خالص!

إيثار بإبتسامة باردة مثيرة للإستفزاز: بجد، غريبة، كل الناس قالتلي أني بدر منور في الحجاب، عقبالك بقي لما شكلك يبقي مش حلو زيي
ضربت سارة الأرض بقدميها ثم ألتفت صاعدة لأعلي بخطى متشنجة في حين إلتفتت إيثار برأسها لوالدتها ثم هتفت:
نسيت شنطتي تحت هنزل أجيبها وأطلع ياماما
تحيه مومأة برأسها إيجابا: ماشي ياحبيبتي، متتأخريش عشان أبوكي هيسأل عنك
إيثار: حاضر.

هبطت للأسفل ثم توجهت نحو سيارة الأجرة لتأتي بحقيبة يدها، أعتدلت في وقفتها وظلت تعبث بمحتويات الحقيبه، في حين كان يدلف هو لبهو البنايه فوجد تلك السيارات أمام العقار، تأملها بتفحص عاقدا حاجبيه بفضول شديد ثم خطي بقدمه عدة خطوات للأمام لتقع عينيه عليها، ظل مسلطا بصره عليها وهو مستمراً بالسير حتي ارتطم المقعد المحمول بيده بالباب الحديدي للبناية، فلفت إنتباهها لتلتفت إليه وتراه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة